الإمام الخمينيّ: "إنّ
إحياء مراسم العزاء يجب
أن يبقى بنفس القوّة
والنشاط الذي كان عليه في
الماضي، وإن كان يلزم
تصفية بعض المسائل
السيّئة التي كانت موجودة,
وأُدخلت بوساطة أُناس لا
معرفة لهم بالإسلام"1.
الأمر الأوّل - الانحرافات
الفكريّة
1- الفصل بين مسائل
الإسلام العقائديّة وبين
الأمور العاطفيّة
الإمام القائد: "نحن
نمتلك أمراً استثنائيّاً
لا يملكه أحد، فمن ناحية
لم يتمكّن أيّ مذهب من
تحقيق هذا الإبداع, ومن
ناحية أخرى لا يملكون
وسيلة للإبقاء عليه حيّاً,
فقد عجزوا عن الجمع بين
الإيمان والعاطفة معاً،
وعجزوا أيضاً عن تحريك
هذا المزيج عبر التاريخ،
كالسيل الجارف الذي يزداد
قوّة يوماً بعد يوم"2.
الإمام القائد: "لا
ينبغي أن يتصوّر أحد أنّ
الفكر والمنطق والإستدلال
يتنافى مع أجواء البكاء
والمفاهيم التقليديّة
القديمة! كلّا! لأنّ هذا
التصوّر باطل, فالعاطفة
لها مكانها الخاصّ,
وللمنطق والإستدلال أيضاً
مكانهما الخاصّ، ولكلّ من
هذين الجانبين دور في
بناء شخصيّة الإنسان,
هناك الكثير من الأمور
التي يمكن حلّها من خلال
العاطفة والمحبّة بحيث لا
يمكن ذلك عن طريق المنطق
والإستدلال, إذا دقّقتم
في حركات الأنبياء،
ستلاحظون أنّ الأشخاص
الأوائل الذين اجتمعوا
حولهم بداية البعثة، كان
بسبب عامل العاطفة وليس
المنطق. وإذا راجعتم
تاريخ نبيّ الإسلام
المدوّن والواضح، فأين
تجدون أنّ النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم كان
يخاطب كفّار قريش أصحاب
الإستعداد، بالدليل
العقليّ، وأين كان يتحدّث
معهم عن الدليل العقليّ
على وجود الله؟ والدليل
العقليّ على وحدانيّته؟
وأين تجدون أنّه أبطل
عبادتهم للأصنام بالدليل
العقليّ؟ نعم، يُستخدم
المنطق والدليل عندما
تتقدّم وتتطوّر الثورة
وتتكامل, في البداية
يتحرّك النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم حركةً
عاطفيّةً. ويتوجّه إليهم
منذ اللحظات الأولى
فيخاطبهم: انظروا إلى هذه
الأصنام وكم هي عاجزة!
يقول لهم: "قولوا لا
إله إلّا الله تفلحوا"3,
ما هو الدليل الذي ذكره
والذي جعل من "لا إله
إلّا الله" يؤدّي إلى
الفلاح؟ ما هو الدليل
العقليّ والفلسفيّ الذي
استخدمه هنا؟ طبعاً في كلّ
إحساس صادق وعاطفة صادقة،
برهان فلسفيّ، ولكن
الكلام هو أنّ النبيّ
عندما يتوجّه لنشر دعوته،
لا يلجأ إلى الإستدلال
الفلسفيّ، بل يقدّم
الإحساس والعاطفة
الصادقين, طبعاً ذلك
الإحساس الصادق، ليس
إحساساً باطلاً أو من دون
منطق, بل هو إحساس يشتمل
في داخله على الإستدلال,
في البداية يوجّه الأنظار
نحو الظلم الموجود في
المجتمع، والإختلاف
الطبقيّ والضغط الذي
يوجده "أنداد الله" الذين
هم من جنس البشر وشياطين
الإنس, وهذه هي الأحاسيس
والعواطف, ثمّ عندما تأخذ
الحركة والنهضة مجراها
الطبيعيّ، نصل إلى مرحلة
الإستدلال المنطقيّ, فبعض
الأشخاص الذين يملكون
قدرات ذهنيّةٍ
وفكريّةٍ يستطيعون السير
للوصول إلى مراتب
الإستدلال العالي, نعم
هناك بعض الأشخاص الذين
يبقون في المراتب
والدرجات الأولى, وفي
الوقت عينه ليس كلّ
الأفراد الذين وصلوا إلى
مراتب عالية على مستوى
الإستدلال، سيتمكّنون من
الوصول إلى تلك الدرجات
والمراتب العالية على
مستوى المعنويّات. وقد
يكون الأمر على العكس من
ذلك، فقد يصل من هو صاحب
مرتبة متدنيّة في
الإستدلال، إلى الدرجات
العالية في المعنويّات,
لما يحمله من عواطف
جيّاشة وارتباط روحيّ
بمبدأ الغيب, هذا هو واقع
الأمر"4.
الإمام القائد: "إنّ
للعاطفة دورها ومكانتها
الخاصّة في الحركات
المعنويّة, فلا العاطفة
يمكنها أن تحلّ مكان
الإستدلال، ولا الإستدلال
يحلّ مكان المشاعر
والعواطف. وواقعة عاشوراء
في ذاتها وطبيعتها، بحر
زاخر بالعواطف والأحاسيس
الصادقة"5.
الإمام القائد: "في
ذلك الوقت الذي بدأت فيه
المسائل الإسلاميّة تُطرح
برؤية جديدة، وكانت تمتلك
جاذبيّة قويّة, وأصبحت
أمراً مباركاً للأشخاص
الذين لا يمتلكون ارتباطاً
قويّاً بالدّين والإسلام،
وأصبحت الميول الجديدة في
الفكر الإسلاميّ أمراً
حسناً- بل أصبح كالذخيرة
للعالم الإسلاميّ وبالأخصّ
الشباب- ظهر في العالم
الإسلاميّ ميل وحركة شبه
متنوّرة أخذت تدعو للفصل
بين مسائل الإسلام
الإيمانيّة والعقائديّة,
وبين المسائل العاطفيّة,
ومن جملة ذلك الأمور
المتعلّقة بواقعة عاشوراء
ومجالس العزاء والبكاء.
لعلّ هذه الأمور كانت في
تلك الأيّام مطلوبة
ومقبولة عند الكثيرين من
الذين كانوا يدركون وجود
بعض التحريفات في واقعة
عاشوراء, بسبب رواية هذه
الأمور، إلّا أنّ هذه
القضايا لم تجد طريقاً
لنفسها إلى الواقع، حيث
إنّ إمامنا الخمينيّ
العظيم كان يرفض
طرحها بشكل علنيّ وواضح
في أجواء عاشوراء
ومفاهيمها"6.
الإمام القائد: "لقد
قضى الإمام (رضوان الله
تعالى عليه) بأسلوبه
الظريف على ذلك التصوّر
الخاطئ الذي راج في برهة
من الزمان, قبل انتصار
الثورة, لقد تمكّن من
الربط بين البعد السياسيّ
الراقي للثورة, والبعد
العاطفيّ في قضيّة
عاشوراء، وعمل على إحياء
العزاء وذكر المصيبة,
وأعلن أنّ هذا الأمر ليس
أمراً بالياً ومنسوخاً أو
هامشيّاً في مجتمعنا، بل
هو أمر لازم ويجب أن يكون
ذكر مصيبة الإمام الحسين
عليه السلام وتوضيح فضائل
ذلك العظيم- سواء كان ذلك
على شكل العزاء أو بأيّ
شكل من أشكال التعزية-
رائجاً بين الناس بشكله
الرائج والمتداول
والعاطفيّ والمشجي, لا بل
ينبغي أن يكون أقوى ممّا
هو عليه الآن, وقد أكّد
على هذا الأمر مراراً
وتدخّل بنفسه عمليّاً
لأجله"7.
2- النجاة من العقاب
الإلهيّ بمجرّد حبّ أهل
البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "الأبيات
الشعريّة التي قرأها الأخ،
لا تحمل مضموناً صحيحاً،
فليس من الصحيح أن تقول
بما أنّنا شيعة ومحبّون،
فإنّ الله لن يعاقبنا إذا
عصينا، لا، ليست المسألة
على هذا النحو: "من
أطاع الله فهو لنا وليّ"8،
والوليّ يجب أن يطيع الله،
لأنّ هؤلاء العظماء وصلوا
إلى هذا المقام بطاعة
الله. وقد جرى اختبارهم
قبل الوجود وقبل مجيئهم
إلى هذه الدنيا: "يا
ممتحَنة امتحنكِ الله
الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ
فوجدكِ لما امتحَنكِ
صابرة"9،
إنّ التدبير الإلهيّ يجري
ضمن نظام وقانون, ففي
رواية عن النبيّ الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم
الذي وصل إلى أعلى
المقامات وأعظمها، يخاطب
ابنته فاطمة الزهراء
عليهاالسلام ومع ذلك يقول
وهو في
هذا المقام: "يا فاطمة,
إنّني لن أغني عنك من
الله شيئاً"10,
وهذا يعني أن الإنتساب
إليّ لا ينفعك عند الله.
ألم نشاهد أن بعض أبناء
الأنبياء والأئمّة عليهم
السلام لم يكن لديهم أيّة
رابطة أو علاقة مع الله
ولم يتمكّنوا من
الاستفادة من ذلك الجوهر
النوريّ والقيمة
المعنويّة؟ إنّ الذي رفع
أولياء الدّين إلى قمّة
الشرف البشريّ، بدءاً من
شخص النبيّ الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم
وأمير المؤمنين وباقي أهل
بيته الطاهرين- الذين هم
الأسوة المنقطعة النظير
في عالم الوجود- وانتهاءً
إلى أدنى المراتب عند
الآخرين، هو الطاعة
والعبوديّة لله تعالى.
لذلك عندما تذكرون رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم بالتعظيم في تشهّد
الصلاة تقولون: "وأشهد أنّ
محمّداً عبده", بداية
تذكرون عبوديّته ثمّ
تذكرون "ورسوله",
فالعبوديّة أعلى من
الرسالة, والعبوديّة هي
أساس وجوهر القضيّة, ونحن
أيضاً يجب أن نتحرّك على
الطريق نفسه, فهذه القمم,
وإن كانت عالية جدّاً,
فإنّ علينا السعي
والتحرّك, فلا طريق غيره,
ولو تمكّنت أبصارنا من
إدراك تلك القمم، فعلينا
أن نشكر الله كثيراً،
فكيف إذا قُدّر لنا
الوصول؟ ينبغي أن نقطع
هذه المسافات بمقدار
قدرتنا، فإذا فعلنا ذلك
فسنستفيد بمقدار طاقتنا"11.
3- تحريف الصورة
الحقيقيّة للإمام الحسين
عليه السلام
الإمام القائد: "أعزّائي,
يا شيعة أبي عبد الله
الحسين عليه السلام, إنّ
الحسين بن عليّ عليه
السلام يستطيع اليوم أن
ينقذ العالم! شريطة أن لا
يطال التحريف قضيّته، لا
تدعوا المفاهيم والأعمال
المضلّلة المنحرفة تكون
سبباً في انصراف الأنظار
والقلوب عن الصورة
المباركة والمشرقة لسيّد
الشهداء, يجب أن نتصدّى
للتضليل والتحريف"12.
4- الإفراط والتفريط
في طرح المسائل السياسيّة
في مجالس العزاء
الإمام القائد: "ينبغي
لنا اجتناب طرفين
متقابلين: فمن جهة, لا
ينبغي حذف المسائل
السياسيّة بالكامل من
دائرة الكلام والحوار
والجهاد الإعلاميّ، وذلك
كما كان يأمل الأعداء أن
نصاب به منذ عشرات السنين،
حيث جاءت الثورة
الإسلاميّة وأضرمت
النيران في مخطَّطاتهم,
وأدخلت الحوار والفكر
السياسيّ إلى نصوص
النشاطات الدينيّة، ومن
جهة ثانية لا ينبغي أن
نتصوّر أنّ المنبر وجميع
جوانب التبليغ والخطابة
بين الناس والمؤمنين, يجب
أن تكون حول أمريكا
وإسرائيل والمسائل
السياسيّة. كلّا، لأنّه
يوجد لدينا تكليف إن لم
يكن هو الأهمّ والأكثر
ضرورة، فإنّه مهمّ وضروريّ
وهو قلب مخاطبكم, حيث يجب
علينا إعمار وإرواء قلبه
وروحه وفكره"13.
الإمام الخمينيّ:
"وأمّا الخطباء وأرباب
المنابر- أيّدهم الله
تعالى- فعليهم أن يسعوا
لهداية الناس نحو المسائل
الإسلاميّة, سواء منها
المسائل السياسيّة أو
المسائل الإجتماعيّة، وأن
لا يتخلّوا عن إقامة
مجالس العزاء, فنحن أحياء
بهذه المجالس"14.
الإمام الخمينيّ:
"إنّ الأبعاد السياسيّة
لهذه الشعائر والمجالس
تفوق في أهميّتها سائر
الأبعاد والأمور الأخرى،
ولهذا فليس من العبث ما
كان يوصينا به بعض
أئمّتنا, من إقامة مجالس
العزاء عليهم، وأمرهم لنا
بالبكاء والإبكاء
والتباكي، وأنّ من يفعل
ذلك فإنّ له كذا وكذا من
الأجر، فالمسألة في
جوهرها ليست مجرّد مسألة
البكاء والتباكي، وإنّما
هي مسألة سياسيّة، كان
الأئمّة يهدفون من ورائها,
ومن خلال نظرتهم الإلهيّة
إلى الأمور, إلى تعبئة
هذه الشعوب, وزيادة أواصر
التلاحم في ما بينها،
وذلك لئلّا تكون عرضة
للأخطار في المستقبل. إنّ
أغلب
أحكام الإسلام، هي أحكام
سياسيّة"15.
الإمام الخمينيّ:
"يتصوّر بعض الشباب- من
دون أن يكون لديهم سوء
نيّة- أنّ علينا, في هذا
الزمان, أن نتحدّث حول
الأمور المعاصرة الجديدة.
إلّا أنّ كلام الإمام
الحسين عليه السلام هو
كلام متجدّد ومبتكر، وهو
في الحقيقة متجدّد دائماً
ولا يبلى؛ فإنّ سيّد
الشهداء عليه السلام هو
الذي تحدّث بقضايا
التجديد والإصلاح،
وقدّمها لنا، وفي المقابل
فإنّ مجالس البكاء هذه هي
التي حفظت دماء سيّد
الشهداء عليه السلام
ونهجه"16.
الأمر الثاني -
الانحراف العمليّ
الإمام الخمينيّ: "هنا
يجب أن نتحدّث بعض الشيء
في خصوص العزاء, والمجالس
التي تُقام باسم الحسين
بن عليّ عليه السلام. نحن
وجميع المتديّنين لا نقول،
بأنّ كلّ عمل يقوم به أيّ
شخص بذريعة هذا الإسم، هو
جيّد، فهناك الكثير من
العلماء الكبار الذين
اعتبروا بعض هذه الأعمال
غير مقبولة ومنعوها
بأنفسهم"17.
الإمام القائد: "أقول
وللأسف, إنّه في هذه
السنوات الثلاث أو الأربع
الأخيرة، يُلاحَظ وجود
بعض الأعمال ذات علاقة
بمراسم العزاء في شهر
محرّم، وهي ممارسات خاطئة
يجري الترويج لها في
مجتمعنا, يؤسّسون لبعض
الأعمال ويروّجونها بحيث
يحصل التساؤل عند كلّ
ناظر إليها"18.
1- وضع الأقفال في
الأبدان أيّام العزاء
الإمام القائد: "في الزمن
الغابر راج بين عوامّ
الناس عادة وضع الأقفال
في أبدانهم أيّام العزاء!
وبعد مدّة منع العلماء
العظام ذلك فاندثرت هذه
العادة
السيّئة,
ولكن بدأ الترويج لها من
جديد، وسمعت أنّ بعض
الأفراد, في هذا البلد,
يضعون الأقفال في أبدانهم!
فأيّ عملٍ فاسدٍ هذا الذي
يقوم به بعض الناس؟!!"19.
2- التطبير
الإمام القائد: "إنّ
كلامي إلى الناس
المتديّنين من عشّاق آل
بيت النبوّة والولاية
عليهم السلام، هذا الكلام
المنطلق من الإشفاق عليهم،
أنا أشاهد كيف أنّ إخلاص
ومحبّة الناس لسيّد
الشهداء أبي عبد الله
الحسين عليه السلام
يتعرّضان للجفاء في
المحافل الدوليّة، وكيف
أنّ إدراكهم واعتقادهم
العميق بمقام أهل البيت
السامي، يحملان, بسبب
أعمال بعض الجهلة, على
أمور بعيدة عن الدائرة
الشيعيّة والأئمّة العظام
عليهم السلام. وأنا أرى
كيف يتعرّض العزاء على
الزهراء الطاهرة
عليهاالسلام للحملات التي
يقودها الأعداء
المتعصّبون ووسائل إعلام
الشيطان المستعمر. أنا
أشاهد كيف يتمسّك الأعداء
المغرضون ببعض الأعمال
التي لا أساس لها في
الدّين، فيقدّمون الإسلام
والتشيّع- والعياذ بالله-
على أنّهما دين خرافيّ،
ثمّ يظهرون في إعلامهم
بغضهم لنظام الجمهوريّة
الإسلاميّة المقدّس. هل
يرضى الشيعيّ المحبّ
والمخلص الذي يقوم
بالتطبير يوم العاشر
ويضرب رأس طفله حتّى تسيل
منه الدماء، أن يجعل
الأعداء الذين يملكون
الآلاف من العيون
المتربّصة بعيوبنا،
والآلاف من الألسن
المسلّطة علينا، يجعلهم
يستفيدون من عمله هذا
كمستمسكٍ لتشويه صورة
الإسلام والتشيّع؟ وهل
يرضى أن يساهم بعمله هذا
في هدر دماء عشرات الآلاف
من الشباب التعبويّين
الذين ضحّوا بأنفسهم من
أجل الإسلام والتشيّع
ونظام الجمهوريّة
الإسلاميّة؟
إنّ ما نقل عن مراجع
السلف هو عدم جواز هذا
العمل, إذا كان يحمل ضرراً
معتدّاً به. أليس
الإستخفاف بالشيعة في
الفكر الدوليّ، ضرراً
معتدّاً به؟ ألا يعدّ
تشويه صورة محبّة
وعشق الشيعة لآل النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
المظلومين, وبالأخصّ
العشق الذي لا حدّ ولا
حصر له لسيّد الشهداء
عليه السلام، ضرراً
معتدّاً به؟ هل هناك من
ضرر أكبر من هذا؟ إذا كان
التطبير على شكل عمل فرديّ
يجري وراء الأبواب
المغلقة، فإنّ الضرر
الجسميّ هو ملاك الحرمة،
ولكن عندما يجري هذا
العمل على رؤوس الأشهاد
وأمام كاميرات وأعين
الأعداء والأجانب، لا بل
أمام أعين شبابنا، عند
ذلك يصبح الضرر الذي هو
معيار الحرمة، ليس مجرّد
الضرر الجسميّ والفرديّ،
بل هو الضرر الإعلاميّ
الكبير الذي يتعرّض
لحيثيّة الإسلام والشيعة,
لقد أصبح اليوم هذا الضرر
كبيراً ومعتدّاً به، لذلك
فإنّ التطبير بشكل علنيّ
والمرافق للتظاهر، حرام
وممنوع. طبعاً الذين
قاموا بهذه الأعمال في
السنوات الماضية انطلاقاً
من العشق والإخلاص هم
مأجورون إن شاء الله
ويستحقّون الثواب الإلهيّ
بسبب نواياهم"20.
الإمام القائد: "إنّ
التطبير عمل غير مشروع،
وأنا أعلم أنّ البعض
سيقول لكم: لقد كان من
المناسب أن لا يتحدّث
فلان عن التطبير، فلا
علاقة له بالأمر، وقد كان
حريّاً به أن يدعهم
يضربون الرؤوس بالقامات،
إلّا أنّه لا يمكن السكوت
على هذا، ولو كانت مسألة
(التطبير) التي بدأوا
يروّجون لها في السنوات
المتأخّرة سائدة في حياة
إمامنا الراحل (رضوان
الله عليه) لوقف قطعاً
بوجهها معترضاً. إنّ قيام
البعض بضرب رؤوسهم
بالقامات ليلطّخوا
بدمائهم، هو عمل خاطئ،
وإلّا فما هو معناه؟ وما
هي الغاية منه؟ وهل يعدّ
ذلك عزاءً؟ نعم اللطم على
الرؤوس هو العزاء، فمن
نزلت به مصيبة يلطم
عفويّاً على رأسه وصدره،
وهذا هو العزاء، المتعارف
والمقبول. أمّا أن يأتي
أحدهم ويضرب رأسه بالسيف
لفقده عزيزاً من أعزّته؟
فهل سمعتم بهذا من قبل؟
وهل يعتبر ذلك عزاءً؟ إنّ
التطبير يُعتبر من
البدع، ولا يمتّ
ذلك إلى الدّين بصلة، وما
من شكّ بأنّ الله لا يرضى
به. ربما كان السلف من
علمائنا لا يستطيعون
التصريح بذلك، وأمّا
اليوم فنحن نعيش حاكميّة
الإسلام وظهوره، فينبغي
أن لا نقوم بعمل يجعل من
المجتمع الإسلاميّ المحبّ
لأهل البيت عليهم السلام
والذي يفتخر باسم وليّ
العصر (أرواحنا فداه)
وباسم الحسين بن عليّ
عليه السلام وباسم أمير
المؤمنين عليه السلام لا
ينبغي أن نجعله في نظر
باقي مسلمي العالم وغير
المسلمين، يبدو وكأنّه
مجتمع متخلّف وغير منطقيّ.
ولقد كنت كلّما فكّرت
بهذا العمل الذي هو
بالتأكيد عمل غير مشروع
وبدعة، كنت أرى نفسي
ملزماً بالحديث عنه أمام
الناس، فليكفّوا عن هذا
العمل، فإنّني غير راضٍ
عنه، إنّني غير راضٍ, من
كلّ قلبي, عن كلّ شخص
يريد التظاهر بالتطبير.
أحياناً كان يجتمع عدد من
الأشخاص في ركن ناءٍ
ويقومون بهذا العمل بعيداً
عن أعين الناس وعن
التظاهر بذلك أمامهم، ولم
يكن أحد يتدخّل في شؤونهم
سواءٌ كان عملهم هذا
مشروعاً أم غير مشروع،
فقد كان يتمّ ضمن نطاق
محدود، وأمّا أن يخرج
اليوم عدّة آلاف من الناس
فجأة, في أحد شوارع طهران
أو قمّ أو مدن آذربيجان
أو خراسان, ويضربوا
رؤوسهم بالسيوف، فإنّنا
لن نقبل بذلك، وهذا أمر
غير مشروع لن يرضي الإمام
الحسين عليه السلام, أنا
لا أدري من أين تأتي هذه
البدع الغريبة والمنكرة
لتنتشر في مجتمعاتنا
الإسلاميّة ومجتمعنا
الثوريّ؟!"21.
الإمام القائد: "لقد
تحدّثت, منذ سنتين أو
ثلاث, حول أمور تتعلّق
بالتطبير، وقد تفهّم
شعبنا العزيز تلك الأمور
وعملوا بها.
في الآونة الأخيرة, نقل
لي شخص أمراً لافتاً
وعجيباً, وأنا بدوري
أنقله لكم: يقول أحد
الأشخاص العارفين بمسائل
الإتحاد السوفياتيّ
السابق، والقسم الذي
يسكن الشيعة فيه-
جمهوريّة آذربيجان-:
عندما كان الشيوعيّون
يحكمون منطقة آذربيجان
السوفياتيّة سابقاً،
عملوا على إزالة جميع
الآثار الإسلاميّة.
فحوّلوا المساجد مثلاً
إلى مخازن، وبدّلوا
الحسينيّات والمراكز
الدينيّة إلى أشياء أخرى،
ولم يبقوا على شيء يدلّ
على الإسلام والدّين
والتشيّع.
وأجازوا شيئاً واحداً وهو
التطبير! كان قادة
الشيوعيّين يأمرون
أتباعهم أن لا يسمحوا
للمسلمين بالصلاة، ولا
بأداء صلاة الجمعة، ولا
يحقّ لهم قراءة القرآن
ولا إقامة العزاء، ولا
ممارسة أيّ عمل دينيّ،
إلّا أنّه يحقّ لهم
التطبير.
لماذا؟ لأنّ التطبير
بالنسبة إليهم عبارة عن
وسيلة للتبليغ ضدّ الدّين
وضدّ التشيّع. إنّ العدوّ
قد يستفيد من هذه الأمور،
لمحاربة الدّين, وعندما
تدخل الخرافات تسوء سمعة
الدّين الأصيل"22.
الإمام القائد: "لا ينبغي
عندما تعرض مسألة محقّة
في مركز ما، ثمّ يقوم
المسؤول والمبلغ الواعي
والمطلع ببيانها، أن يحصل
على أثر ذلك حِراكٌ بسبب
توهّم أنّ أصل العزاء
للإمام الحسين عليه
السلام فيه إشكال، كما
شاهدنا الأمر في مسألة
التطبير, التطبير من وجهة
نظرنا أمر مخالف للشرع
القطعيّ، كان على هذا
النحو وسيبقى. فقد أعلنّا
هذا الأمر وأيّدنا فيه
العظماء. وبعد ذلك شاهدنا
بعض الأعزّاء يعملون عكس
ذلك, هنا وهناك! ولكن
لنفرض أنّ التطبير لا
إشكال فيه وليس حراماً،
إلّا أنّه ليس واجباً،
فلماذا يوجد دافع في بعض
الأماكن لهذه الأمور التي
يعدّ بعضها تخلّفاً؟
وحتّى الأمور التي لا
تحمل بعض جوانب التخلّف،
فإنّها تؤدّي, في عالم
اليوم، وفي الإعلام
المعاصر وفي الثقافة
العالميّة الرائجة وفي
الأفكار الفلسفيّة التي
دخلت منازلنا وانتشرت يبن
شبابنا وبناتنا، تؤدّي
إلى وجود ردّات فعل غير
مناسبة. هذه الأمور ليست
من ضروريّات الشرع
وبديهيّاته لنقول بوجوب
التصريح بها سواء قبلها
العالم أو لم يقبلها، على
الأقلّ هي أمور مشكوك
فيها, فكّروا في هذا
الموضوع وقوموا بما ينبغي.."23.
الإمام القائد: "الإسلام
هو دين منطقيّ وأكثر
المفاهيم منطقيّة في
الإسلام هي مفاهيم الشيعة،
إنّها مفاهيم راسخة, لقد
سطع المتكلّمون الشيعة
كالشمس كلٌّ في عصره
وزمانه، لم يكن أحد يجرؤ
على القول بأنّ منطقهم
ضعيف... انظروا إلى
مصنّفات المرحوم شرف
الدّين في زماننا الحاضر,
وكتاب الغدير للمرحوم
العلّامة الأمينيّ
المعاصر أيضاً, أينما
وجّهت وجهك فيها فثمّة
استدلالات محكمة، هذا هو
التشيّع، لماذا يروّجون
لأعمال ليس فقط تفتقر إلى
الاستدلال, بل إنّها أشبه
شيء بالخرافة، هذا هو
الخطر الذي يهدّد عالم
الدّين ومعارفه، وينبغي
على حُماة الدّين
والعقيدة الإلتفات إليه.
كما ذكرت, هناك عدد من
الناس سيسمعون هذا الكلام,
ويقولون في أنفسهم, لا عن
سوء نيّةٍ: كان يجدر
بفلان أن لا يتحدّث في
هذا الأمر. كلّا, فأنا من
يجب أن يتحدّث به،
فمسؤوليّتي أكبر من
مسؤوليّة الآخرين، وأيضاً
يجب على السادة العلماء
قطعاً أن يتحدّثوا بهذا
الأمر.
لقد كان لإمامنا الراحل
مواقف حازمة وصارمة، كان
أينما رأى مسألة فيها
انحراف يتحدّث بشأنها
بصرامة, ولا يخشى لومة
لائم، ولو كانت هذه
الأمور سائدة في زمانه أو
كانت رائجة, كما هي اليوم,
فإنّه كان سيتحدّث بشأنها
يقيناً.
ثمّة أشخاص متعلّقون بهذه
الأمور سيستاؤون من
الطريقة التي تحدّثت بها
عن تلك الأمور المحبّبة
لديهم، إنّهم في
غالبيّتهم أفراد مؤمنون
وصادقون ولا يرمون لشيء,
ولكنّهم مخطئون"24.
3- القيام بحركات تؤدّي
إلى توهين الزيارة
الإمام القائد: "لقد ظهرت
مؤخّراً بدعة غريبة غير
محبّذة, في باب الزيارة,
حيث
يقوم البعض بالإنبطاح
أرضاً عند مدخل مقام
الأئمّة المقدّس، ثمّ
يزحفون على صدورهم ليصلوا
إلى المرقد الشريف, كلّنا
يعلم أنّ أئمّة الهدى
عليهم السلام كانوا
يزورون المرقد الطاهر
للرسول الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم، كما أنّ
إمامنا الصادق عليه
السلام والإمام موسى بن
جعفر عليه السلام، وباقي
الأئمّة عليه السلام
كانوا يزورون المرقد
الطاهر للإمام الحسين
عليه السلام، وكذلك
المراقد الطاهرة لأهل
البيت عليه السلام في
العراق وإيران, أصبحت
مزارات يؤمّها العلماء
والفقهاء والفضلاء، هل
سمعتم أنّ إماماً أو
عالماً كان ينبطح أرضاً
عند دخوله حرم أحد
المراقد ويزحف نحو الضريح؟
لو كان هذا الأمر مستحسناً
ومحبّذاً ومقبولاً لأقدم
عليه أئمّتنا وعلماؤنا.
وقد نُقل أيضاً عن
المرحوم آية الله العظمى
البروجرديّ (رضوان الله
تعالى عليه) العالم
الكبير والمجتهد المفكّر
الفذّ، أنّه كان يمنع
تقبيل عتبات المراقد, رغم
أنّ ذلك قد يكون مستحبّاً،
ويحتمل أن تكون الروايات
قد نقلت مسألة تقبيل
العتبات، في كتب الأدعية
والمصادر الروائيّة,
حسبما يتبادر إلى ذهني.
فبالرغم من أنّ ذلك قد
يكون مستحبّاً, إلّا أنّ
المرحوم البروجرديّ كان
يمنع الناس عنه لكي لا
يظنّ البعض أنّهم يسجدون
لها ولا يشنّع الأعداء
على الشيعة.
واليوم يقوم البعض, في
المرقد الطاهر للإمام عليّ
بن موسى الرضا عليه
السلام بالإنبطاح أرضاً
عند دخولهم, والزحف نحو
مائتي متر حتّى يصلوا إلى
الضريح المطهّر، فهل يعدّ
هذا العمل صحيحاً؟ كلّا
إنّه عمل خاطئ، إنّه
توهين بالدّين والزيارة.
من الذي ينشر هذه البدع
بين الناس؟ ربما كان ذلك
أيضاً من صنع الأعداء،
اشرحوا هذه الأمور للناس،
وأنيروا أذهانهم"25.
|