ينبغي
لأهل المنبر وقرّاء
التعزية, مراعاة أشياء
حتّى يصيروا ممّن عظّم
شعائر الله ووفّق لهداية
عباد الله.
الأوّل: الإخلاص
والاجتناب من الرّياء:
فقد روي عن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم قال:
"إنّ أخوف ما أخاف عليكم
الشرك الأصغر", قيل:
وما الشرك الأصغر يا رسول
الله؟ قال: "الرّياء"
قال: "يقول الله عزَّ
وجلّ يوم القيامة إذا
جازى العباد بأعمالهم:
اذهبوا إلى الذين كنتم
تراؤون في الدنيا هل
تجدون عندهم ثواب
أعمالكم"2.
وقال الصادق عليه
السلام لعبّاد بن كثير
البصريّ في المسجد:
"ويلك يا عبّاد, إيّاك
والرّياء فإنّه من عمل
لغير الله وكله الله إلى
من عمل له"3.
فينبغي أن يقصد بوعظه وجه
الله تعالى وامتثال أمره
وصلاح نفسه وإرشاد عباده
إلى معالم دينه, ولا يقصد
بذلك عرض الدنيا فيصير من
الأخسرين أعمالاً
﴿الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعًا﴾4.
ومرتبة الإخلاص عظيمة
المقدار كثيرة الأخطار
دقيقة المعنى صعبة
المرتقى يحتاج طالبها إلى
نظر دقيق ومجاهدة تامّة,
وينبغي أن يعمل بما يقول
لئلّا يصير مثله مثل
السراج يضيء للنّاس ويحرق
نفسه.
الثاني: الصدق:
فقد روي عن الصادق عليه
السلام: "إنّ الله
عزَّ وجلّ لم يبعث نبيّاً
إلّا بصدق الحديث وأداء
الأمانة إلى البرّ
والفاجر"5.
وعن أبي كهمش قال: قلت
لأبي عبد الله عليه
السلام: عبد الله بن أبي
يعفور يقرؤك السلام, قال:
"عليك وعليه السلام,
إذا أتيت عبد الله فاقرأه
منّي السلام وقل له: إنّ
جعفر بن محمّد يقول لك:
أنظر ما بلغ به عليّ عليه
السلام عند رسول الله
صلى الله عليه وآله
وسلم فالزمه فإنّ
عليّاً عليه السلام إنّما
بلغ ما بلغ به عند رسول
الله صلى الله
عليه وآله وسلم بصدق
الحديث وأداء
الأمانة"6.
وقال أبو عبد الله عليه
السلام: "لا تنظروا
إلى طول ركوع الرجل
وسجوده فإنّ ذلك شيء
اعتاده فلو تركه استوحش
لذلك, ولكن انظروا إلى
صدق حديثه وأداء أمانته"7.
فيجتنب الكذب والافتراء
على الله تعالى وعلى حججه
وعلى العلماء, ولا يخلط
الحديث ولا يدلّس ولا
ينقل الكذب بعنوان لسان
الحال.
فعن أبي جعفرعليه السلام:
"إنّ الله عزَّ وجلّ
جعل للشرّ أقفالاً وجعل
مفاتيح تلك الأقفال
الشراب, والكذب شرٌّ من
الشراب"8.
وعنه
عليه السلام قال:
"إنّ الكذب هو خراب
الإيمان"9.
وقال أمير المؤمنين
عليه
السلام: "لا يجد عبد
حقيقة الإيمان حتّى يدع
الكذب جدّه وهزله"10.
وقال عليّ بن الحسين
عليه السلام:
"اتّقوا الكذب الصغير منه
والكبير في كلّ جدٍّ
وهزل, فإنّ الرجل إذا كذب
في الصغير اجترأ على
الكبير"
؟", قال: بلى
والله, فكأنّي لم أسمع
هذه الآية قطّ من كتاب
الله من عجميّ و لا من
عربيّ (لا جرم) إنّي لا
أعود إن شاء الله وإنّي
أستغفر الله, فقال له:
"قم فاغتسل وصلّ ما بدا
لك, فإنّك كنت مقيماً على
أمر عظيم ما كان أسوأ
حالك لو متّ على ذلك,
احمد الله (استغفر الله)
وسله التوبة من كلّ ما
يكره, إنّه لا يكره إلّا
القبيح والقبيح دعه لأهله
فإنّ لكلٍّ أهلاً"12.
الرابع: أن لا يروّج
الباطل ولا يمدح الفاسق
والفاجر:
فعن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم قال:
"إذا مدح الفاجر اهتزّ
العرش وغضب الرّبّ"13.
الخامس: أن لا
يهين عظماء الدّين.
السادس: لا يفشي
أسرار آل محمّد عليهم
السلام.
السابع: أن لا
يفسد في الأرض ولا يثير
الفتنة.
الثامن: أن لا
يعين الظلمة, قال الله
تعالى: ﴿وَلاَ
تَرْكَنُواْ إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُواْ
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾14.
وفي الخبر عن رسول الله
صلى الله عليه وآله
وسلم قال: "إذا كان
يوم القيامة نادى منادٍ:
أين الظلمة وأعوانهم, من
لاق لهم دواةً أو ربط لهم
كيساً أو مدَّ لهم مدّة
قلم فاحشروهم معهم"15.
وفي وصيّة أمير
المؤمنين عليه
السلام لكميل: "يا
كميل, إيّاك والتطرّق إلى
أبواب الظالمين ولا تخالط
بهم .." إلى أن قال:
"يا كميل, إذا اضطررت
إلى حضورهم فداوم ذكر
الله تعالى وتوكّل عليه
واستعذ بالله من شرّهم
واطرق عنهم وأنكر بقلبك
فعلهم واجهر بتعظيم الله
تعالى لتسمعهم فإنّهم
يهابونك وتكفى شرّهم"16.
وقال عليّ بن الحسين عليه
السلام في كتابه للزهريّ
بعد أن حذّره من إعانة
الظلمة على ظلمهم:
"أوليس بدعائه إيّاك حين
دعاك جعلوك قطباً أداروا
بك رحى مظالمهم, وجسراً
يعبرون عليك إلى بلاياهم,
وسلّماً إلى ضلالتهم,
داعياً إلى غيّهم, سالكاً
سبيلهم, يدخلون بك الشكّ
على العلماء ويقتادون بك
قلوب الجهّال إليهم, فلم
يبلغ أخصّ وزرائهم ولا
أقوى أعوانهم إلّا دون ما
بلغت من إصلاح فسادهم
واختلاف الخاصّة والعامّة
إليهم؟! فما أقلّ ما
أعطوك في قدر ما أخذوا
منك, وما أيسر ما عمروا
لك في كنف ما خرّبوا
عليك, فانظر لنفسك فإنّه
لا ينظر لها غيرك وحاسبها
حساب رجل مسؤول"17.
التاسع: أن لا
يُغرِ المجرمين ولا يقول
ما يتجرّأ به الفاسقون,
فإنّ "الفقيه كلّ
الفقيه من لم يقنط النّاس
من رحمة الله ولم يؤيسهم
من روح الله ولم يؤمنهم
من مكر الله"18.
العاشر: أن لا
يصغّر المعاصي في
الأنظار:
ففي وصيّة النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم
لابن
مسعود: "لا تحقّرنّ
ذنباً ولا تصغّرنّه,
واجتنب الكبائر, فإنّ
العبد إذا نظر يوم
القيامة إلى ذنوبه دمعت
عيناه قيحاً ودماً, يقول
الله تعالى: ﴿يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا
عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُّحْضَرًا وَمَا
عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ
أَمَدًا بَعِيدًا﴾19"20.
وعن أبي عبد الله عليه
السلام قال: "اتّقوا
المحقّرات من الذنوب,
فإنّها لا تغفر", قلت
وما المحقّرات؟ قال:
"الرجل يذنب الذنب فيقول
طوبى لي لو لم يكن لي غير
ذلك"21.
وعنه عليه السلام قال:
"إذا أخذ القوم في معصية
الله فإن كانوا ركباناً
كانوا من خيل إبليس, وإن
كانوا رجّالة كانوا من
رجّالته"22.
الحادي عشر: أن لا
يفسّر القرآن برأيه:
فقد صحّ عن النبيّ صلى
الله عليه وآله وسلم وعن
الأئمّة القائمين مقامه
عليهم السلام أنّ تفسير
القرآن لا يجوز إلّا
بالأثر الصحيح والنصّ
الصريح.
وروى ابن عبّاس عن
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم قال: "من
قال في القرآن بغير علم
فليتبوّأ مقعده من
النّار"23.
وروى العامّة عن النبيّ
صلى الله عليه وآله
وسلم قال: "من فسّر
القرآن برأيه فأصاب الحقّ
فقد أخطأ"24.
الثاني عشر:
أن لا يذكر
للأخبار المعاني الفاسدة
الباطلة ولا يتصرّف فيها
التصرّفات الباردة كما
شاع وذاع في عصرنا أعاذنا
الله تعالى.
الثالث عشر:
أن لا يفتي في
الأحكام إذا لم يكن من
أهل الفتوى:
وكفى في هذا المقام كلام
السيّد الأجلّ الأورع
الأزهد الأسعد قدوة
العارفين ومصباح
المتهجّدين صاحب الكرامات
الباهرة أبي القاسم رضيّ
الدّين السيّد ابن
طاووس قدس سره ورفع في
الملأ الأعلى ذكره, قال
في كلام له: كنت قد رأيت
مصلحتي ومعاذي في دنياي
وآخرتي في التفرّغ عن
الفتوى في الأحكام
الشرعيّة لأجل ما وجدت من
الاختلاف في الرواية بين
فقهاء أصحابنا في
التكاليف الفعليّة, وسمعت
كلام الله جلّ جلاله يقول
عن أعزّ موجود من الخلائق
عليه محمّد صلى الله
عليه وآله وسلم:
﴿وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا
بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ
*
لَأَخَذْنَا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ﴾25.
فلو
صنّفت كتباً في الفقه
يعمل بعدي عليها كان ذلك
نقصاً لتورّعي عن الفتوى
ودخولاً تحت خطر الآية
المشار إليها, لأنّه جلّ
جلاله إذا كان هذا تهديده
للرسول العزيز الأعلم لو
تَقَوّلَ عليه فكيف يكون
حالي إذا تقوّلت عليه جلّ
جلاله وأفتيت أو صنّفت
خطأً أو غلطاً يوم حضوري
بين يديه...إلى آخر ما
ذكره رحمه الله.
الرابع عشر: أن لا يذكر
ما ينقص الأنبياء
والأوصياء الكرام إذا
أراد رفع مقامات
الأئمّة عليهم السلام.
الخامس عشر: أن لا
يذكر الشبهات في مسائل
أصول الدّين إذا لم يقدر
أن يرفعها من الأذهان
بأحسن بيان, ولا يخرّب
أساس أصول دين المسلمين.
السادس عشر: أن
يستعمل الرفق والّلين:
والرفق عظيم في جميع
الأمور, وكان في آخر
وصيّة الخضر لموسى عليهما
السلام: "لا تعيِّرنّ
أحداً بذنب, وإنّ أحبّ
الأمور إلى الله تعالى
ثلاثة: القصد في الجِدة,
والعفو في المقدرة,
والرفق بعباد الله, وما
رفق أحد بأحد في الدّنيا
إلّا رفق الله عزَّ وجلّ
به يوم القيامة"26.
وقال النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم: "إنّ
هذا الدّين لمتين فأوغل
فيه برفق, ولا تبغّض إلى
نفسك عبادة الله فإنّ
المنبتّ لا أرضاً قطع ولا
ظهراً أبقى"27.
السابع عشر: أن لا
يطيل الكلام لأغراض
فاسدة, وأن يترك الأغراض
الشخصيّة.
الثامن عشر: ينبغي أن
يراعي في ذكر المصائب, لا
سيّما في غير أيّام
عاشوراء, ما لا يقسّي به
القلوب ولا يهوّن به
الخطوب كالمصائب الموجعة
الفادحة.
حدّثني المحدّث الفاضل
المؤرّخ المتبحّر الميرزا
هادي الخراسانيّ النجفيّ
أيّده الله قال: رأيت في
الطيف كأنّي في صحن أمير
المؤمنين عليه السلام في
حجرة من حجراته, وجميع
الأئمّة أو أكثرهم عليهم
السلام فيها جالسون,
ورأيت رجلاً من أهل
المنبر يقرأ لهم التعزية
وهم يستمعون, حتّى إذا
بلغ إلى قوله: قال شمرٌ
لسكينة يا بنت الخارجيّ,
رأيت أمير المؤمنين عليه
السلام اشمأزّ من هذا
الكلام وانقبض أشدّ
انقباض واكفهرّ وجهه
الشريف, فلمّا رأيت ذلك
أشرت إلى الرجل القارئ أن
اسكت أما ترى أمير
المؤمنين عليه السلام وما
حلّ بساحته المقدّسة؟!
فقال
لي أمير المؤمنين عليه
السلام: لم يكن الذي قلت
بالأمس أقلّ منه هذا,
فذكرت أنّي قرأت مصيبة
رأس أبي الفضل من تعليقه
على لبان الفرس, فاعتذرت
إليه وتبت.
التاسع عشر: أن يأمر
بالمعروف وينهى عن
المنكر:
قال النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم: "إذا
ظهرت البدع في أمّتي
فَليُظهِر العالِمُ علمَه
وإلّا فعليه لعنة الله
والملائكة والنّاس
أجمعين"28.
وروي أن خطب أمير
المؤمنين عليه
السلام فحمد الله وأثنى
عليه وقال: "أمّا بعد,
فإنّه إنّما هلك من كان
قبلكم حيث ما عملوا من
المعاصي ولم ينههم
الربّانيّون والأحبار عن
ذلك نزلت بهم العقوبات,
فأمروا بالمعروف وانهوا
عن المنكر واعلموا أنّ
الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لن29 يقرّبا
أجلاً
ولن30 يقطعا رزقاً, إنّ
الأمر ينزل من السماء إلى
الأرض كقطر المطر إلى كلّ
نفس بما قدّر الله لها من
زيادة أو نقصان"31.
وروى الشيخ الكلينيّ
وغيره عن أبي عبد
الله عليه السلام قال:
"إنّ الله عزَّ وجلّ بعث
ملكين إلى أهل مدينة
ليقلباها على أهلها,
فلمّا انتهيا إلى المدينة
وجدا رجلاً يدعو الله
ويتضرّع, فقال أحد
الملكين لصاحبه: أما ترى
هذا الداعي؟ فقال: قد
رأيته ولكن أَمضي لما أمر
به ربّي, فقال: لا أحدث
شيئاً حتّى أراجع ربّي,
فعاد إلى الله تبارك
وتعالى فقال: يا ربّ,
إنّي انتهيت إلى المدينة
فوجدت عبدك فلاناً يدعوك
ويتضرّع إليك, فقال: امض
لما أمرتك به فإنّ ذا رجل
لم يتمعّر وجهه غيظاً لي
قطّ"32.
وعن الرضا عليه السلام:
"كان رسول الله صلى
الله عليه وآله
وسلم يقول: إذا أمّتي
تواكلت الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر
فليأذنوا بوقاع من الله
تعالى"33.
بيان: تواكلت أي
اتّكل كلّ واحد على الآخر
ووكّل الأمر إليه,
والوقاع النازلة الشديدة
أو الحرب.
وروي عن أبي عبد
الله عليه السلام قال:
"كان رجل شيخ ناسك يعبد
الله في بني إسرائيل,
فبينا هو يصلّي وهو في
عبادته إذ بصر بغلامين
صبيّين قد أخذا ديكاً
وهما ينتفان ريشه, فأقبل
على ما هو فيه من العبادة
ولم ينههما عن ذلك, فأوحى
الله إلى الأرض أن سيخي
بعبدي, فساخت به الأرض
فهو يهوي في
الدردور34 أبد الآبدين
ودهر الداهرين"35.
وعنه عليه السلام قال:
"قال النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم: كيف بكم
إذا فسدت نساؤكم وفسق
شبابكم ولم تأمروا
بالمعروف ولم تنهوا عن
المنكر؟ فقيل له: ويكون
ذلك يا رسول الله؟ فقال:
نعم وشرّ من ذلك, فكيف
بكم إذا أمرتم بالمنكر
ونهيتم عن المعروف؟ فقيل
له: يا رسول الله ويكون
ذلك؟ قال: نعم وشرّ من
ذلك, فكيف بكم إذا رأيتم
المعروف منكراً والمنكر
معروفاً؟"36.
وقال
صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا يزال النّاس بخير ما
أمروا بالمعروف ونهوا عن
المنكر وتعاونوا على
البرّ (والتقوى), فإذا لم
يفعلوا ذلك نُزعت منهم
البركات وسُلِّط بعضهم
على بعض ولم يكن لهم ناصر
في الأرض ولا في السماء"37.
العشرون: أن لا
يقول ما يُشعر بذلّة أبي
عبد الله الحسين وأهل
بيته
المكرّمين عليهم السلام,
فإنّه كان سيّد أهل
الإباء والحميّة الذي
علّم النّاس الموت تحت
ظلال السيوف اختياراً على
الدّنيّة, ونادى برفيع
صوته يوم عاشوراء:
"ألا وإنّ الدّعي ابن
الدّعي قد ركز بين اثنتين
بين السلّة والذّلّة
وهيهات منّا الذّلّة يأبى
الله لنا ذلك ورسله
والمؤمنون.." الخ..
وذكر شيخنا المحدّث
المتبحّر الحاج الميرزا
حسين النوريّ نوّر الله
مرقده في دار السلام ما
ملخّصه:
أنّه رأى بعض السّادة من
قرّاء التعزية في المنام
كأنّ القيامة قد قامت
والنّاس في وحشة ودهشة
لكلّ امرئ منهم شأن
يغنيه, والموكلون يسوقون
النّاس إلى الحساب مع كلّ
واحد منهم سائق
وشهيد..إلى أن قال:
وساقونا إلى موقف الحساب,
فإذا بمنبر عالٍ كثير
المرقاة والدرج, على
ذروته سيّد
المرسلين صلى الله عليه
وآله وسلم, وعلى الدرج
الأوّل منه خاتم
الوصيّين عليه السلام وهو
مشغول بحساب الناس وهم
مصطفّون قدّامه إلى أن
انتهى الأمر إليّ فخاطبني
موبّخاً وقال: لِمَ ذكرت
تذلّل ولدي العزيز
الحسين عليه
السلام ونسبته إلى
الذّلّة؟ فتحيّرت في
جوابه وما وجدت حيلةً
إلّا الإنكار, فإذا بوجعٍ
في عضدي من شيءٍ كأنّه
مسمار أولج فيه, فالتفتُّ
إلى جنبي فرأيت رجلاً
بيده طومار فناولني
فنشرته فإذا هو صورة
مجالسي وتفصيل ما ذكرته
في المحافل مشروحاً في
كلّ مكان أو زمان وفيه ما
سألني وأنكرته.. إلى آخر
الرؤيا الهائلة التي صارت
سبباً لترك السيّد شغله
ذلك38.
وروى الشيخ أنّه اجتمع
السيّد الحميريّ وجعفر بن
عفّان الطائيّ, فقال له
السيّد: ويحك, أتقول في
آل محمّد عليهم
السلام (شرّاً):
مَا بَالُ بَيْتِكُمُ
يُخَرَّبُ سَقْفُهُ
وَثِيَابُكُمْ
مِنْ أَرْذَلِ
الأَثْوَابِ؟
فقال
جعفر: فما أنكرت من ذلك؟
فقال له السيّد: إذا لم
تحسن المدح فاسكت, أيوصف
آل محمّد عليهم
السلام بمثل هذا؟! ولكنّي
أعذرك هذا طبعك وعلمك
ومنتهاك, وقد قلت ما أمحو
عنهم عار مدحك:
أُقْسِمُ بِاللهِ
وَآلَاْئِهِ
إنَّ عَليَّ بْنَ
أَبي طَالِبٍ
كَانَ إِذَا
الحَربُ
مَزَّقَهَا
القَنَا
يَمْشِي إلى
القَرْنِ وَفِي
كَفِّهِ
مَشْيَ
العِفِرِّينِ
بَينَ
أَشْبَالِهِ |
وَالْمَرْءُ
عَمَّا قَالَ
مَسْؤُولُ
عَلَى التُّقَى
وَالبِرِّ
مَجْبُولُ
وَأَحْجَمَتْ
عَنْهَا
البَهَالِيلُ
أَبَيضُ مَاضِي
الحَدِّ
مَصْقُولُ
أَبرَزَهُ
لِلقُنَّصِ
الغِيْلُ |
ذَاكَ الَّذي
سَلَّمَ فِي
لَيلَةٍ
مِيكَالُ فِي
أَلفٍ وَجِبرِيلُ
فِي
لَيلَةَ بَدْرٍ
مَدَدَاً
أَنزَلُوا |
عَلَيهِ مِيكَالُ
وَجِبرِيلُ
أَلفٍ
وَيَتلُوهُمْ
سَرَافِيلُ
كَأَنَّهُمْ
طَيْرٌ
أَبَابِيْلُ |
كذا
يُقال فيه يا جعفر, وشعرك
يقال مثله لأهل الخصاصة
والضعف, فقبّل جعفر رأسه
وقال: أنت والله الرأس يا
أبا هاشم ونحن الأذناب39.