من قصيدة للشيخ عبد
الحسين شكر قدس سره :
لستُ أَنساهُ مُفردَاً
بينَ جَمعٍ
أَبرزوا فيهِ
كَامِنَ الأَحقادِ
يَحطِمُ الجيشَ رابطَ
الجأشِ حتَّى
صَبَغَ الأرضَ من
دِمَاءِ الأَعادي
لَم يَزَل يَحصد الرؤوسَ
بعَضبٍ
أبداً للدِّماءِ
في الحربِ صَادي
وإِذَا بِالنِّداء عَجِّل
فَلَبَّى
وَهَوَى لِلسُّجودِ
فَوقَ الوِهَادِ
عَجَباً
للسماءِ لَم تَهوي حُزنَاً
فوقَ وَجهِ
البَسيطِ بَعدَ العِمادِ
عَجَباً لِلمِهادِ كَيفَ
استقرَّت
ونِظامُ الوجودِ
تَحتَ العَوادِي
عَجَباً للنُّجومِ كَيفَ
استَنَارَت
لَم تَغِبْ بَعدَ
نُورِها الوَقَّادِ
وَمُثيرُ الأَشجانِ رِزءُ
الأَيَامى
مُذْ وَعَتْ
باِلصَّهيلِ صَوتَ
الجَوادِ
بَرَزَتْ تَعثُرُ فِي
الذَّيــلِ
وَقَانِي الدُّموعِ
شِبهُ الغَوَادِي
فَرَأتْ سَرَجَه خَلِيَّاً
فَنَادَت
تِلكَ وَاوَالدِي
وَذِي وَاعِِمَادِي
وَعَدَت وُلَّهاً بِغيرِ
شُعُورٍ
نَحَو مَثَوَى
بَقِيَةِ الأَمْجَادِ
فَرَأَتْ فِي الصَّعِيدِ
مُلقىً حِمَاهَا
هَشَّمت صَدْرَه
خُيُولُ الأَعَادِي
فَدَعَتْ وَالجُفُونُ
قَرحَى وَفِي القَلــبِ
لَهِيبٌ مِنَ
الأَسَى ذُوْ اتِّقَادِ
أَحِمَى الضَّائِعَاتِ
بَعْدَكَ ضِعْنَا
فِي يَدِ
النَّائِبَاتِ حَسرَى
بَوَادِ
أَوَ مَا تنظرُ
الفَوَاطِمَ فِي الأَســر
وَسترُ الوجُوهِ
مِنهَا الأَيَادِي
خطبة الحسين علي
السلام الأولى
لَمَّا كَانَ يَومُ
عاشورَاء دَعَا
الحُسينُ عليه السلام
براحلتِهِ فركِبَها،
وتقدَّمَ نحوَ القومِ
ونادى بأعلى صوتٍ
يُسمِعُ جلَّهم:
"أيُّها الناس،
اسمعوا قولي ولا
تعجَلُوا حتى
أعِظَكُمْ بما يحِقُّ
لكُمْ عليّ، وحتّى
أُعْذَرَ إليكُمْ،
فإنْ أعطيتُموني
النَّصفَ كنتُمْ بذلكَ
أسعد، وإنْ لم
تُعطوني النَّصفَ من
أنفسِكُمْ فأجمعِوا
رأْيَكُمْ ثمّ لا
يكُنْ أمرُكُمْ
عليكُمْ غُمّةً. ثُمَّ
اقضُوا إليَّ ولا
تُنْظِرونْ، إنَّ
وليِّيَ اللهُ الذي
نزَّلَ الكتابَ وهو
يتولَّى الصالحين".
ثم حمِدَ اللهَ وأثنى
عليه وذكَرَهُ بما هو
أهلُهُ وصلَّى على
النبيِّ وآلهِ وعلى
الملائكةِ والأنبياء.
ثم قال علي السلام:
"أيّها الناس:
فانسِبوُني فانظُروا
مَنْ أنا؟ ثُّمَ
ارْجِعوا إلى
أنفسِكُمْ وعاتِبوها،
فانظُروا هلْ يصلُحُ
لكُمْ قتلي وانتهاكُ
حُرمتي؟! ألستُ ابنَ
بنتِ نبيِّكُمْ، وابنَ
وصيِّهِ وابنَ عمِّهِ
وأوَّلَ المؤمنِينَ
المصدِّقِ لرسولِ
اللهِ بما جاءَ بهِ
من عندِ ربِّه؟ أوليسَ
حمزةُ سيّدُ الشهداءِ
عمّي؟ أوليسَ جعفرٌ
الطيّارُ في الجنَّةِ
بجناحَيْنِ عمّي؟
أَوَلَمْ يبلُغْكُمْ
ما قالَ رسولُ اللهِ
لي ولأخي: هذانِ
سيِّدا شبابِ أهلِ
الجنَّة؟
فإن صدَّقتموني بما
أقولُ وهوَ الحَقُّ،
فواللهِ ما تعمَّدْتُ
كَذِباً منذُ علمْتُ
أنَّ اللهَ يمقُتُ
عليْهِ أهلَه، وإنْ
كذَّبتُمُوني فإنَّ
فيكُمْ منْ إنْ
سأَلتُموهُ عن ذلكَ
أخبرَكُم. سلُوا جابرَ
بنَ عبدِ اللهِ
الأنصاري، وأبا سعيدٍ
الخِدْريّ، وسهلَ بنَ
سعدٍ الساعديّ، وزيدَ
بنَ أرقَمْ، وأَنَسَ
بنَ مالكْ،
يُخْبِرُوكُمْ أنّهم
سمعُوا هذهِ المقالةَ
من رسولِ اللهِ إليَّ
ولأخي، أَمَا في هذا
حاجزٌ لكُمْ عن سفكِ
دمي؟!".
ثمّ قال لهم الحسين
علي السلام:
"فإن كنتم في شكٍّ من
هذا! أفتشُكُّونَ
أنّي ابنُ بنتِ
نبيِّكم! فواللهِ ما
بينَ المشرقِ والمغربِ
ابنُ بنتِ نبيٍّ غيري
فيكُمْ ولا في
غيرِكُمْ. ويحَكُمْ!
أتطلبونني بقتيلٍ
منكم قتلتُهُ! أو مالٍ
لكمُ استهلكتُهُ! أو
بقِصاصِ جراحة!؟".
فأخذوا لا يكلِّمونه.
فنادى علي السلام:
"يا شَبثَ بن ربعيّ،
يا حجّارَ بنَ أبجَر،
يا قيسَ بنَ الأشعث،
يا يزيدَ بنَ الحارث،
ألم تكتُبوا إليَّ أنْ
قد أينعَتِ الثِّمارُ
واخْضَرَّ الجَناب،
وإنّما تُقْدِمُ على
جندٍ لك مُجنَّدة؟!".
فقال له قيسُ بنُ
الأشعث: ما ندري ما
تقول! ولكن انَزِلْ
على حُكْمِ بني عمِّك،
فإنّهم لا يُرونَكَ
إلا ما تحبّ!.
فقال له الحسينُ علي
السلام:
"أنت أخو أخيك، أتريدُ أن
يطلبَكَ بنو هاشمٍ بأكثرَ
من دمِ مسلمِ بنِ عقيل،
لا واللهِ، لا أُعطيهِمْ
بيدي إعطاءَ الذليلِ، ولا
أُقِرُّ إقرارَ العبيد.
عبادَ اللهِ، إنيّ عُذْتُ
بربّي وربِّكُمْ أنْ
ترجُمون، أعوذُ بربِّي
وربِّكُمْ من كلِّ
متكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ
الحساب".
ثُمَّ إنَّهُ أناخَ
راحلتَهُ وأمرَ عُقبةَ بنَ
سَمعانَ فعَقلَها،
وأقبلوا يزحفونَ نحوَه.
خطبة الحسين علي
السلام الثانية
وتقدَّمَ الحسينُ علي
السلام ورأَى صفوفَهُم
كالسَّيْلِ فخطَبَ فقال:
"الحمدُ للهِ الذي
خلَقَ الدنيا فجعَلَها
دارَ فَناءٍ وزَوال،
مُتصرِّفةً بأهلِها حالاً
بعدَ حال، فالمغرورُ مَنْ
غرَّتْهُ، والشقيُّ من
فتَنَتْهُ، فلا
تغرَّنَّكُمُ الحياةُ
الدنيا ولا يَغُرَّنَّكُم
باللهِ الغَرور".
وممَّا قال:
فنِعْمَ الربُّ
ربُّنَا وبئِسَ العِبادُ
أنتُمْ، أقرَرْتُمْ
بالطاعةِ وآمنتُمْ
بالرَّسولِ محمَّدٍ، ثُمَّ
أنتُمْ رجَعْتُمْ إلى
ذُرّيَّتِهِ وعِتْرتِهِ
تريدُونَ قتلَهُم، لقدِ
استحْوَذَ عليكُمُ
الشيطانُ فأنساكُمْ ذِكْرَ
اللهِ العظيم، فتَبّاً
لكُمْ ولمِا تُرِيدُون،
إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ
راجعون، هؤلاءِ قومٌ
كفَرُوا بعدَ إيمانِهِمْ
فبُعْداً للقَوْمِ
الظالمين.
تبَّاً لكم أيَّتُها
الجَماعةُ وتَرْحاً،
أَحِينَ
اسْتَصْرَخْتُمونا
والِهين، فأصرَخْناكُمْ
مُوجِفين، سَلَلْتُمْ
علَيْنا سيفاً لنا في
أيْمانِكُم، وحَشَشْتُمْ
علينا ناراً اقْتدَحْناها
على عَدُوِّنا وعدوِّكُم،
فأصبحتُمْ إلْباً
لأعدائِكُمْ على
أوليائِكُمْ، بغيرِ عَدْلٍ
أفشَوْهُ فيكُمْ، ولا أملٍ
أصبحَ لكُمْ فيهِمْ.
فهلّا، لكُمُ الويلات،
تركْتُمُونا والسيفُ
مَشِيمٌ، والجأْشُ طامِنٌ،
والرأيُ لمَّا يُستحْصَف،
ولكنْ أسرعْتُمْ إلَيْها
كطَيْرةِ الدُبى،
وتداعيتُمْ إلَيْها
كتهافُتِ الفَراش،
فَسُحْقاً يا عبيدَ
الأمّةِ
وشُذَّاذَ
الأحزاب، ونَبَذَةَ
الكِتاب، ومُحرِّفي
الكَلِم، وعصبةَ الآثامِ
ونفثَة
َالشَيطان، ومُطْفئِي
السُّنَن، أهؤلاءِ
تَعْضُدُونَ وعنَّا
تتخاذَلُونْ؟ أجلْ والله،
ألغَدْرُ فيكُمْ قديم،
وشَجَتْ إليهِ أصولُكُم
وتأزَّرَتْ عليهِ
فُروعُكُم، فكُنتُم
أخبثَ ثَمَرٍ، شجّاً
للناظرِ وأُكْلةً للغاصِب،
ألاَ وإنَّ الدَعِيَّ ابنَ
الدعيِّ قدْ رَكَزَ بينَ
اثنتين، بينَ السَّلَّةِ
والذِلَّة، وهيهاتَ
مِنَّا الذِّلَّةُ، يأبى
اللهُ ذلكَ لنا ورسولُهُ
والمؤمنون، وحُجورٌ طابَتْ
وطهُرَتْ، وأنوفٌ حَميّةٌ
ونفوسٌ أبيَّةٌ، مِنْ أنْ
نُؤْثِرَ طاعةَ اللئامِ
على مَصارِعِ الكرام، ألا
وإنّي زاحفٌ بهذهِ
الأُسرةِ معَ قِلَّةِ
العددِ وخُذلةِ الناصر.
ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا
تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ
كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسُ،
حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ
الرَّحى وتقلقَ بكُمْ
قلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ
عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ
جدِّي. فأَجْمِعُوا
أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ
لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ
غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ
ولا تُنْظِرون، إنّي
توكَّلْتُ على اللهِ
ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ
دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ
بناصِيتِها، إنَّ ربّي
على صراطٍ مستقيْم.
ثمّ رَفَعَ يَدَيْهِ
نَحْوَ السمَاءِ وَقال:
أللهمَّ احبِسْ عنْهُمْ
قَطْرَ السماءِ وابعَثْ
عليهِمْ سِنينَ كسِنيّ
يُوسُف، وسلِّطْ عليهِمْ
غُلامَ ثَقيفٍ
فيَسُومَهُمْ كأساً
مُصَبَّرةً، فإنَّهُمْ
كذَبُونا وخذَلُونا،
وأنتَ
ربُّنا عليكَ توكَّلْنا
وإليكَ أنَبْنا وإليكَ
المصير".
ثُمَّ نزَلَ علي السلام
ودعا بفَرَسِهِ، فركِبَهُ
وعَبَّأ أصحابَهُ للقِتالِ...
ولَمَّا نَشَبَت
الحربُ جَعَلَ يبرزُ
مِن أَصحابِ الحُسَينِ
عليه السلام الوَاحِدُ
تِلوَ الآخَر، حتَّى
استُشهِدُوا
بِأَجمعِهِم..
ولمّا لم يَبقَ سِوى
أَهلُ بيتِ الحُسَينِ
عليه السلام عَزَمُوا
عَلَى الشَّهادَةِ
وَمُلاقاةِ الحُتُوف،
فَبَرَزَ عليُّ
الأَكبر، ثمَّ القاسمُ
بنُ الحسنِ عليه
السلام، ثمَّ أَبو
الفَضِل
العَبَّاس..واستُشهدِوا
بِأَجمعِهِم..صلواتُ
اللهِ عَلَيهم
أَجمعِين..
شَهادةُ الإِمام
الحُسين علي السلام:
ولما بَقِيَ الحُسَينُ
علي السلام وَحيدَاً
فَرِيدَاً قَدْ قُتِلَ
جَميعُ أَصحابِه
وأَهلُ بَيتِه،
وَرآهُم عَلى وجهِ
الأَرضِ مُجزّرينَ
كَالأضَاحِي، وَلم
يَجِدْ أَحَدَاً
يَنْصُره وَيذبّ عَن
حَريمِه، وَهو إِذْ
ذَاك يَسمعُ عَويلَ
العيالِ وصُراخَ
الأطفَال.
عندَ ذلك نَادَى
بِأعلَى صَوتِه: "هَل
مِنْ ذَابٍ عَن حُرمِ
رَسُولِ الله، هَل
مِن مُوحّدٍ يَخافُ
اللهَ فِينا؟ هَل مِن
مُغيثٍ يَرجُو اللهَ
في إِغَاثَتِنا".
فارتَفعتْ أَصواتُ
النّساء بِالبُكاءِ
وَالعَويْل.
الوَداعُ الأَول:
ولمَّا عَزمَ الحُسين
علي السلام عَلَى
مُلاقاةِ الحُتُوف،
جَاءَ وَوَقَفَ
بِبَابِ خَيمةِ
النّساء مُودّعاً
لحُرمه مُخَدَّراتِ
الرِّسَالة وَعَقائِل
النُبوَّة، وَنَادَى:
"يَا زَينب، ويَا أُمّ
كُلثوم، ويَا فَاطِمة،
ويَا سُكينة، عَليكنّ
مِنّي السَّلام".
فَنَادته سُكينة: يَا
أَبَه، أستسلمتَ
للِموت؟
فَقَال: كيفَ لا
يستسلمُ لِلموت مَن
لا نَاصرَ لَه ولا
مُعين؟
فَقَالت: رُدَّنا
إِلى حَرمِ جَدّنَا
رَسُولِ الله.
فَبَكَى الحُسَينُ
علي السلام بُكاءً
شَدِيدَاً، وَقال:
هَيهَات!! لَو تُرك
القَطا لَغَفَا
وَنَام..
فَرفَعت سُكينةُ
صَوتَها باِلبُكاءِ
وَالنّحِيب،
فَضَمَّها الحُسَين
علي السلام إِلى
صَدرِه، وَمَسَحَ
دُمُوعَها بِكَمّه،
وَكَانَ يُحبُّها
حُبّاً شَدِيدَاً،
وَجَعَلَ يقولُ:
سَيطولُ بُعدي يَا
سُكينةُ فَاعلَمِي مِنكِ البُكاءُ إِذَا
الحِمَامُ دَهَانِي
لا تُحرقِي قَلبِي
بِدَمعِكِ حَسرَةً مَا دَامَ مِنّي
الروحُ فِي جُثمَانِي
فَإِذَا قُتِلتُ
فَأَنتِ أَولَى
بِالَّذِي تَأتِينَه يَا خِيرةَ
النسوانِ
وّنَهَضَ عَليُّ بنُ
الحُسَين زينُ
العَابدين علي السلام
وَخَرَجَ يتوكَّأُ
عَلَى عَصَاً وَيَجُرُّ
سَيفَه، إِذْ لا
يَقدِرُ عَلَى حَملِهِ
لأنَّه كَانَ مَريضَاً
لا يستطيعُ الحَرَكة.
فَصَاحَ الحُسَينُ
علي السلام بأمِّ
كُلثوم: اِحبسيه يَا
أُختَاه، لِئَلا
تَبقَى الأرضُ
خَاليةً مِن نَسلِ آلِ
مُحمَّدٍ صلى الله
عليه وآله وسلم.
فَقَالَ زينُ
العَابدين: يَا
عَمَّتَاهُ، ذرينِي
أُقَاتِل بَينَ يَدَي
بنَ رَسُولِ الله.
فَأَخَذت أُمُّ
كُلثوم تُمانِعُه،
وتُنادِي خَلفه: يا
بُنيَّ ارجِع، حتَّى
أَرجَعتهُ إِلى
فِراشِه.
مصرعُ عبدِ اللهِ
الرَّضيع:
ثمَّ تَقَدَّم علي
السلام إِلى بَابِ
الخَيمة، وَدَعَا
بِابنِه عَبدِ اللهِ
الرَّضيع لِيودّعه،
فأَجلَسَه فِي حِجرِه،
وَأَخذَ يقبِّلُهُ
وَيقُولُ:
"وَيلٌ لِهَؤُلاءِ
القَومِ إِذَا كَانَ
جَدُّكَ المُصطَفَى
خَصمَهُم".
وفي بَعضِ المَقَاتِل:
"ثمَّ أَتَى بِهِ
نحوَ القومِ يطلبُ لهُ
المَاءَ، وقالَ: إنْ
لَمْ تَرحمونِي
فارحَمُوا هَذَا
الطفل".
فَرَمَاه حَرملَةُ بنُ
كاهلِ الأَسَدي بسهمٍ
فَذَبَحَهُ- وَهُوَ
فِي حِجرِ أَبيه-
فَتَلقَّّى الحُسَينُ
علي السلام الدَّمَ
بِكَفّه، وَرَمَى بِهِ
نَحوَ السَّماء.
فَعَنِ الإِمَامِ
البَاقِرِ علي السلام
أَنَّه لَمْ يَسقُط
مِن ذَلِكَ الدَّم
قَطرةٌ إِلى الأَرض.
وَعن الإِمامِ
الحُجّة- كَمَا فِي
الزّيارةِ المَنسوبةِ
إِلى النّاحيةِ
المقدّسة-: "السَّلامُ
عَلَى عبدِ اللهِ بنِ
الحُسَينِ الطّفلِ
الرَّضيعِ، المَرمِيِّ
الصَّريعِ،
المتُشحِّطِ دَمَاًًََ،
المُصعّدِ دَمُهُ فِي
السَّماءِ، المَذبوحِ
بِالسّهمِ فِي حِجرِ
أَبيه..".
ثمَّ قَالَ الحُسَينُ
علي السلام: "هَوَّنَ
مَا نَزَلَ بِي
أَنَّه بِعينِ الله،
اللهمَّ لا يَكُن
أَهونَ عَلَيكَ مِن
فصيل[ناقة صالح]،
اللهمَّ إِنْ كُنتَ
حَبَستَ عَنَّا
النَّصرَ فاجعلهُ
لِمَا هُوَ خيرٌ مِنه،
وَانتقِم لَنَا مِن
الظَّالِمين..".
ثمَّ نَزَلَ علي
السلام عَن فَرَسِه،
وَحَفَرَ لَه بِجِفنِ
سَيفِه، وَصَلَّى
عَلَيه وَدَفَنَه
مُرَمّلاً بِدَمِه.
وَيُقال: وَضَعَه مَعَ
القَتلى مِن أَهلِ
بَيتِه.
يا ناس حتى الطفل
مذبوح
دمه على زند حسين
مسفوح
وين اليساعدني ويجي
ينوح
قلبي على فرگاه مجروح
الوداع الثاني:
ثمَّ إِنَّه علي
السلام أَمَرَ
عِيَالَه بِالسُّكوتِ،
وَوَدَّعَهم ثَانِياً..
ثمَّ تَقَدَّمَ علي
السلام نَحوَ القَومِ
مُصلتاً سَيفَه،
عَازِمَاً عَلَى
الشَّهادَة، فَدَعَا
النَّاسَ إِلَى
البِرَازِ، فَلَم
يَزَلْ يَقتلُ كلَّ
مَن بَرَزَ إِليه
حَتَّى قَتَلَ جَمعاً
كَثيرَاً.
ثمّ حَمَل عَلَى
المَيمَنَةِ، وَهَوَ
يقول:
المَوتُ أَولَى
مِنْ رُكُوبِ العَارِ
وَالعَارُ أَولَى مِنْ
دُخُولِ النَّارِ
ثمَّ حَمَلَ عَلَى
المَيسَرةِ، وَهَوَ
يَقول:
أَنَا الحُسَينَ
بنُ عَلي آليتُ أَنْ لا
أَنثنِي
أَحمِي عِيالاتِ
أَبِي
أَمضِي عَلَى دِينِ
النَّبِيّ
قَالَ بعضُ مَن حَضَرَ
المعرَكَة: "فَوَاللهِ
مَا رأيتُ مَكثورَاً
قَطّ، قَد قُتلَ
وُلدُه وَأهلُ بيتِه
وَصحبُه أَربطَ
جَأْشَاًً مِنه، وَلا
أَمضَى جِنَانَاً
وَلا أَجْرأَ
مَقدَمَاً، وَلَم أَرَ
قبلَه وَلا بَعدَه
مثلَه، وَلقد كَانت
الرِّجالُ لَتَشدُّ
عَلَيه، فَيشدُّ
عَلَيها، فَتَنكشفُ
بينَ يَديه...".
ولَقَد كَانَ يَحملُ
فِيهِم، وَقَد
تَكامَلَوا ثَلاثِينَ
أَلفَاً، فَينهزِمونَ
بينَ يَديه كَأنَّهم
الجَرَادُ المنتشرُ،
وَلَم يثبتْ لَه
أَحَدٌ، ثمَّ يَرجعُ
إِلى مَركَزِه وَهَوَ
يقولُ: "لاحولَ وَلا
قوّةَ إِلا بِاللهِ
العَلِيِّ العَظيم"،
حتَّى قَتَل مِنهم
مَقَتلةً عَظِيمَة.
فَقَصَدَهُ القومُ
واشتدَّ القِتَالُ،
وجَعَلَ يحمِلُ عليهم
ويحملونَ عليهِ،
وقَدْ اشتدَّ بهِ
العطَشُ، وكلَّمَا
حمَلَ بفرسِهِ على
الفراتِ حملوا عليهِ
حتى أجلّوه عنه.
ودنَا من الفراتِ-
ثانياً- فرمَاه
الحُصينُ بنُ نُمَير
بسهمٍ وقعَ في فمِهِ
الشريفِ، فجعَلَ
يتلقّى الدمَ مِن
فمِهِ، ويرمي بهِ نحوَ
السماءِ.
الوداعُ الثالثُ:
ثمَّ
إنَّه علي السلام عادَ
إلى الخيمَةِ، وودَّعَ
عِيالَهُ وأهلَ بيتِهِ-
ثالِثاً- وأمرَهمْ بالصبرِ،
وقالَ لهُم:
"استعدّوا للبلاءِ،
واعلمُوا أنَّ اللهَ
تعالى حاميكُم وحافظُكُم،
وسينجيْكُم من شرِّ
الأعداءِ، ويجعلُ عاقبةَ
أمرِكُم إلى خَيرٍ،
ويعذِّبُ عدوَّكم بأنواعِ
العذابِ، ويعوّضُكم عن
البليَّةِ بأنواعِ
النِّعمِ والكرامةِ، فلا
تَشكوا، ولا تقولُوا
بأَلسنَتِكُم ما يُنقصُ
مِنْ قدرِكُم".
فصاحَ عمرُ بنُ سعدٍ
بقومِهِ: "ويحكُم،
اهجمُوا عليهِ ما دامَ
مشغولاً بنفسهِِ وحُرَمِهِ،
واللهِ إنْ فَرَغَ لكُمْ
لا تمتازُ مَيمَنَتِكُم
عنْ مَيْسَرَتِكُم".
فَحَمَلوا عليهِ
يرمونَه بالسِّهامِ، حتى
تخالَفَتِ السِهَامُ بينَ
أطنابِ المخيَّمِ، وشكَّ
سهمٌ بعضَ أُزُرِ النساءِ،
فدُهِشنَ وأُرعِبنَ وصِحنَ
ودَخلْنَ الخيمةَ، وهنَّ
ينظرنَ الحسينَ كيفَ يصنعُ
فحَمَلَ على القومِ
كالليثِ الغضبانِ، فلا
يلحقُ أَحداً إلا بعَجَهُ
بسيفِهِ فقتلَهُ، أو
طعنَهُ برمحِهِ فصرعَهُ،
والسهامُ تأخذُهُ منْ كلِّ
جانبٍ وهو يتَّقيْهَا
بصدرِهِ ونحرِهِ، ويقولُ:
"يا أُمَّةَ السُوءِ،
بئسَمَا خلّفتُم محمّداً
في عترتِهِ، أمَا إنَّكُم
لن تقتلُوا
بَعدي عَبداً مِنْ عبادَ
اللهِ، فتهابُوا قتلَهُ،
بلْ يهونُ عليكُم ذلكَ
عندَ قتلِكُم
إيَّايَ، ثمَّ
ينتقِمُ لي منكُم مِنْ
حيثُ لا تَشعُرونَ".
ورَجَعَ علي السلام
إلى مركزِهِ، وهو يُكثِرُ
مِنْ قَولِ:
"لا حَولَ ولا قوَّةَ إلا
باللهِ العليِّ العظيمِ".
ورّماهُ أبو الحتوفِ
الجُعفيُّ بسَهمٍ وقَعَ
في جبهتِهِ المقدّسةِ
فنزَعَهُ، وسالَتْ الدماءُ
على وجهِهِ وكريمتِهِ،
فقالَ:
"اللهُمَّ إنَّكَ تَرى
مَا أَنَا فيهِ مِن
عبادِكَ هؤلاءِ العُصَاةِ،
اللهمَّ أحصِهم عَدَداً،
واقتلْهم بَدَدَاً، ولا
تذَرْ على وجهِ الأرضِِ
منهم أحَداً ولا تغفرْ
لهُم أبَداً".
ثمَّ لمْ يزلْ يقاتلُ
حتَّى أصابتْهُ جراحاتٍ
كثيرةٍ... ولمَّا ضعُفَ
عن القتالِ وقفَ ليستريحَ
ساعةً، فبينمَا هو واقفٌ
إذ رمَاهُ رجلٌ بحَجَرٍ
وقعَ في جبهتِهِ الشريفةِ،
فسَالتْ الدماءُ على
وجهِهِ، فأخذَ الثوبَ
ليمسحَ الدمَ عنْ وجهِهِ
وعينَيهِ، إذ رمَاهُ
لَعينٌ آخرَ مِنَ القومِ
بسهمٍ محدَّدٍ مسمومٍ لهُ
ثلاثُ شعبٍ وقعَ على
صدرِهِ...
فقالَ الحسينُ علي
السلام:
"بسمِ اللهِ وباللهِ وعلى
ملَّةِ رسولِ اللهِ".
ورفَعَ رأسَهُ إلى
السماءِ وقالَ:
"إلهيْ إنَّكَ تعلمُ
أنّهم يقتلونَ رجلاً ليسَ
على وجهِ الأرضِ ابنُ [بنت]
نبيٍّ غيرُه".
ثمَّ أخذَ السهمَ
فأخرجَهُ..فانبعثَ الدمُ
كالميزابِ..
فوضَعَ يدَهُ تحتَ
الجرحِ، فلمَّا
امتلأَتْ دَماً رمَى
بهِ نحوَ السماءِ
وقالَ: "هوَّنَ مَا
نَزَلَ بي أنَّهُ
بعينِِ اللهِ". فلَمْ
تسقطْ من ذلكَ الدمِ
قطرةٌ إلى الأرضِِ.
ثمَّ وضعَ يدَهُ-
ثانياً - فلمَّا
امتلأَتْ لطَّخَ بهِ
رأسَهُ ووجهَهُ، وقالَ:
"هكَذَا أكونُ حتَّى
ألقَى اللهَ وجَدِّي
رسولَ اللهِ وأنَا
مخضوبٌ بدَمِي، وأقولُ:
يَا جدِّي قتَلَنِي
فلانٌ وفلانٌ".
وأَعياهُ نزفُ الدمِ،
فجلسَ على الأرضِِ....،
فانتهَى إليهِ مالكُ
بنُ النِسْرِ
الكِنْدِيّ في تلكَ
الحالِ، فشتَمَ
الإمامَ علي السلام
ثمَّ ضربَهُ على
رأسِهِ بالسيفِ،
فامتَلأَ البُرنُسُ
دَماً..
قالوا: ولمَّا سقَطَ
الحسينُ عَنْ ظهرِ
فرسِهِ- وقد أُثخِنَ
بالجراحِ- قاتَلَ
راجلاً قِتالَ الفارسِِ
الشجاعِ....، وشدَّ
على الخيلِ وهو يقولُ:
"وَيحَكُم أَعَلَى
قَتلِي تجتَمِعُونَ؟!".
مصرعُ غلامٍ من آلِ
عَقيلٍ:
يقولُ هانِي بنُ ثبيتٍ
الحضرميُّ: "إنِّي
لَواقفٌ عاشرُ عشرةٍ
لمَّا صُرِعَ الحسينُ
عليه السلام، إذْ
نظرتُ إلى غلامٍ من
آلِ الحسينِِ عليهِ
إزارٌ وقميصٌ، وفي
أذنَيهِ دُرّتانِ،
وبيدِهِ عمودٌ مِن
تلكَ الأبنيةِ، وهوَ
مذعورٌ يتلفتُ يميناً
وشِمالاً، فأقبلَ رجلٌ
يركضُ حتَّى إذا دنَا
منهُ مالَ عنْ فرسِهِ
وعَلاهُ بالسيفِ
فقتلَهُ، فلمَّا
عُيِّبَ عليهِ كنَّى
عن نفسِه..
وذلكَ الغلامُ هو
محمّدُ بنُ أبي سعيدٍ
بنُ عقيلٍ بنُ أبي
طالبٍ، وكانت أمُّهُ
تنظرُ إليهِ وهيَ
مدهوشةٌ.
مصرعُ عبدِ اللهِ
بنِ الحسنِ عليه
السلام :
ثمَّ إنَّهم لبثوا
هُنيئةً وعادوا إلى
الحسينِِ عليه السلام
وأحاطوا بهِ وهوَ
جالسٌ على الأرضِِ لا
يستطيعُ النهوضَ,
فنظرَ عبدُ اللهِ بنُ
الحسنِِ السِّبْطِ
عليه السلام وله إحدى
عَشَرةَ سنةً إلى
عمِّهِ وقد أحدقَ بهِ
القومُ, فأقبلَ يشتدُّ
نحوَ عمِّهِ, فصاحَ
الحسينُ بأختِهِ
العقيلةِ زينبَ: "إحبسيهِ
يا أختاهُ", فلحقتْهُ
زينبُ
عليها السلام
وأرادتْ حبسَهُ
فأفلَتَ من بينِِ
يدَيها, وأَبَى عليها,
وقالَ: "لا- واللهِ-
لا أُفارقُ عَمِّي",
وجاءَ حتَّى وقفَ إلى
جنبِ عمِّهِ الحسينِِ
عليه السلام .
وبينمَا هوَ كذلِكَ
إذْ جاءَ أبحرُ بنُ
كَعبٍ وأَهوَى إلى
الحسينِِ عليه السلام
بالسيفِ ليضربَهُ,
فصاحَ الغلامُ: "ويلَكَ
يا ابنَ الخبيثةِ,
أتقتلُ عمِّي؟".
فضربَهُ أبحرُ بالسيفِ,
فاتّقاها الغلامُ
بيدِهِ, فأطنَّها إلى
الجلدِ, فإذا هيَ
معلّقةٌ, فصاحَ
الغلامُ: يا عمَّاهُ!!
فأخذَهُ الحسينُ عليه
السلام وضمَّهُ إلى
صدرِهِ, وقالَ: "يا
بنَ أخي, إصبرْ على
ما نزَلَ بِكَ,
واحتسِبْ في ذلكَ
الخيرَ, فإنَّ اللهَ
تعالى يُلحقُكَ
بآبائكَ الصالحينَ".
فرماهُ حَرْمَلةُ بنُ
كاهلٍ الأسديُّ بسهمٍ
فذبحَهُ, وهوَ في
حِجْرِ عمِّهِ الحسينِِ
عليه السلام .
فرفعَ الحسينُ عليه
السلام يدَيهِ إلى
السماءِ قائلاً: "اللّهمَّ,
إنْ متَّعتَهُم إلى
حينٍ, ففرِّقهُم
فِرَقاً, واجعلْهُم
طرائقَ قِدَداً, ولا
تُرضِِ الوُلاةَ
عنهُم أبَداً,
فإنَّهُم دَعَوْنَا
ليَنصُرُونَا فعَدَوا
علَينا يُقاتِلونَنا".
الحسينُ على وجهِ
الثرَى:
قالوا: ومكَثَ الحسينُ
طَويلاً من النَّهارِ
مَطروحَاً عَلَى وَجهِ
الأرضِِ وهوَ مغشيٌّ
عليهِ، ولو شَاؤا أنْ
يقتلوهُ لفعلُوا، إلا
أنَّ كلَّ قبيلةٍ
تتَّكِلُ على الأُخرى
وتكرَهُ الإقدامَ.
فعندَها صاحَ شِمرٌ
بالناسِِ: ويحكُمْ،
مَا وقوفُكُمْ؟! ومَا
تنتظرونَ
بالرجلِ؟! وقدْ
أثخنَتْهُ السهامُ
والرماحُ، احملُوا
عليهِ، اقتلوهُ،
ثكلتْكُم أمُّهاتُكُم.
فحَمَلُوا عليهِ مِنْ
كلِّ جانبٍ:
فضّربَهُ لعينٌ على
كفِّهِ اليُسرَى
فقطعَها...
وضربَهُ آخرٌ على
عاتقِهِ المقدَّسِ...
وطعنَهُ سنانُ بالرمحِ
على تِرقُوَتِهِ
فوقَعَ، ثمَّ انتزعَ
الرمحَ وطعنَهُ في
بواني صدرِهِ، ثمَّ
رماهُ بسهمٍ وَقَعَ
في نحرِهِ..
وطعنَهُ لعينٌ بالرمحِ
في خاصِرَتِهِ..
وقصدَهُ آخرٌ يضربهُ
بسيفِهِ..
ورماهُ الحصينُ بنُ
تميمٍ في حلقِهِ..
فعندَ ذلكَ وقعَ
مغشيّاً عليهِ..
َلَو أنَّ أَحمدَ
قَد رآكَ عَلَى
الثَّرَى
لَفرشنَ مِنه
لِجسمِكَ الأحشاءُ
أَو بِالطفوفِ رَأَتْ
ظَمَاكَ سقَتكَ مِن
ماءِ
المَدَامعِ أُمُكَ
الزّهراءُ
يقولُ هلالُ بنُ نافعٍ:
كنتُ واقفاً نحوَ
الحسينِ وهوَ يجودُ
بنفسِهِ، فواللهِ
ما
رأيتُ قتيلاً قطُّ
مضمَّخاً بدمِهِ أحسنَ
وجهاً ولا أنورَ!
ولقدْ شَغلَنِي نورُ
وجهِهِ عن الفِكرةِ
في قتلِهِ..
ولمّا اشتدَّ بهِ
الحالُ رفعَ طرفَهُ
إلى السماءِ وقالَ: "اللهُمَّ
أنت متعالي المكانِ،
عظيمُ الجبروتِ، شديدُ
المِحالِ، غنيٌّ عَنِ
الخلائقِ، عريضُ
الكِبْرياءِ، قادرٌ
علَى مَا تشاءُ، قريبُ
الرحمةِ، صادقُ الوعدِ،
سابغُ النّعمةِ،
حَسَنُ البلاءِ،
قريبٌ إذا دُعِيتَ،
مُحيطٌ بما خَلَقْتَ،
قابِلُ التوبةِ لمن
تابَ إليك، قادرٌ على
ما أردتَ، تُدرِكُ ما
طَلَبتَ، شكورٌ إذا
شُكِرتَ، ذكورٌ إذا
ذُكِرتَ، أدعوكَ
مُحتَاجاً وأرغبُ
إليك فَقيراً، وأفزَعُ
إليك خائِفاً، وأبكي
مَكروباً، وأستعينُ
بك ضعيفاً، وأتوكّل
عليك كافياً. اللهُمَّ
احكُمْ بَينَنَا وبينَ
قومِنَا، فإنَّهم
غرُّونَا وخَذَلُونَا،
وغدَرُوا بِنَا
وقتلونا، ونحنُ عِترةُ
نبيِّكَ، ووُلدِ
حبيبِكَ محمّدٍ الذي
اصطفيتَه بالرسالةِ،
وائتمنتَهُ على الوحيِ،
فاجعَل لنَا من
أمرِنا فرَجاً ومخرجاً
يا أَرحم الراحمينَ".
"صَبراً على
قضائِك يا ربِّ، لا
إلهَ سِواكَ يا غياثَ
المُستَغيثينَ، ما لي
ربُّ سِواكَ ولا
معبودٌ غيرُك، صبراً
على حُكمِك، يا غِياثَ
من لا غِيَاثَ له، يا
دائماً لا نَفَادَ له،
يا مُحييَ المَوتى،
يا قائِماً على كلِ
نَفسٍ بما كَسبَت،
أُحكُم بَيني وبيَنهم
وأنتَ خيرُ الحاكِمين".
فرسُ الحسينِ علي
السلام:
وأقبَلَ فرسُ الحسينِ
علي السلام يدورُ
حولَهُ، ويلطِّخُ
عرفَهُ وناصيَتَهُ
بدمِهِ، ويشَمُّهُ
ويصهَلُ صهيلاً عالياً،
وأقبلَ نحوَ المخيّمِ
بذلكَ الصهيلِ..
"فلمَّا نظرْنَ
النساءُ إلى الجوادِ
مخزيّاً، وسرجُهُ
عليهِ ملويّاً، برزْنَ
منَ الخدورِ...، على
الخدودِ لاطمَاتٍ...،
وبالعويلِ داعياتٍ،
وبعدَ العزِّ مذلّلاتٍ،
وإلى مصرعِ الحسينِ
مبادراتٍ".
فواحدةٌ تحنُوْ
عليهِ تضمُّهُ وأُخرى عليهِ بالرداءِ
تظلّلُ
وأُخرى بفيضِِ النحرِ
تصبغُ
وجهَهَا وأُخرى
تُفدّيهِ وأُخرى
تقبّلُ
وأُخرى على خوفٍ تلوذُ
بجنبِهِ وأُخرى
لِمَا قَدْ نالَهَا
ليسَ تعقِلُ
وخرجَتْ زينبُ عليها
السلام ومِنْ خلفِها
النساءُ والأرامِلُ
واليتامَى مِنَ
الفِسطاطِ إلى أرضِ
المعركةِ، وهيَ
تنادِي: "وامحمَّداهُ،
واعليّاهُ، واجعفراهُ،
واحمزتاهُ، واسيِّداهُ،
هذا حسينٌ بالعراءِ،
صريعُ كربلاءِ، ليْتَ
السماءُ أَطبقَتْ على
الأرضِ، وليتَ الجبالُ
تدكدَكَتْ على السهلِ".
وانتهَتْ زينبُ ابنةُ
عليٍّ نحوَ الحسينِ،
وقدْ دنَا منهُ عُمَرُ
بنُ سعدٍ- والحسينُ
يجودُ بنفسِهِ-
فصاحَتْ بهِ:
"أيْ عُمَرُ، وَيحَكَ
أيُقتَلُ أبو عبدِ
اللهِ وأنتَ تنظرُ
إليهِ؟ فصرَفَ بوجهِهِ
عنْها ودموعُهُ تسيلُ
على وجهِهِ ولحيتِهِ.
فعندَ ذلكَ صاحَتْ
زينبُ بالقومِ: "وَيحكُمْ،
أَمَا فيكُمْ مسلمٌ؟!"،
فلمْ يُجبْهَا أحدٌ.
الفاجعةُ الكبرى:
ثمَّ صاحَ ابنُ سعدٍ
بالناسِ: ويحَكُمْ،
انزلُوا إليهِ
فأريحُوهُ..
فنزَلَ إليهِ شمرُ بنُ
ذي الجوشنِ...
فضربَهُ برجلِهِ..
وأَلقاهُ على وجهِهِ..
ثمَّ أخذَ بكريمتِهِ
المقدَّسةِ..
فرمقَهُ الحسينُ
ببصرِهِ وقالَ لهُ:
أتقتُلَنِي، أَوَلا
تعلمُ مَنْ أنَا؟!
فقالَ الشمرُ:
أعرِفُك حقَّ المعرفةِ:
أمُّكَ فاطمةُ
الزهراءُ..
وأبوكَ عليُّ
المرتضَى..
وجدُّكَ محمَّدُ
المصطفَى..
وخصمُكَ العليُّ
الأَعلَى..
وأقتلُكَ ولا أبالي..
فضربَهُ بالسيفِ
اثنتَي عشرةِ ضربةٍ...
ثمَّ..حزَّ رأسَهُ
الشريفَ...
واإماماهُ،
واسيّداهُ، واغريباه.
وامذبوحاه، واعطشاناه،
وامظلوماه.
واحسيناه
|