بسم
الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على رسوله محمّد وآل بيته الطيّبين
الطاهرين المظلومين...
وبعد..
عن إمامنا الرضا عليه السلام:
"إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة
يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت
فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت
النيران في مضاربنا، وانتُهب ما فيها من ثِقلنا،
ولم تُرعَ لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
حرمةٌ في أمرنا, إنَّ يوم الحسين أقرح جفوننا،
وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء،
وأورثنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء..."1.
وفي الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدّسة:
"السلام على الأجساد
العاريات، السلام على الجسوم الشاحبات، السلام على
الدماء السائلات، السلام على الأعضاء المقطّعات،
السلام على الرؤوس المشالات، السلام على النسوة
البارزات"2
, إلى أن يقول: "وسبي
أهلك كالعبيد، وصفّدوا في الحديد، فوق أقتاب
المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات، يُساقون في
البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الأعناق،
يُطاف بهم في الأسواق, فالويل للعصاة الفسّاق..."
3.
هذه بعض مشاهدٍ من فوادح ونوائب جرت على الكرام
الأطائب من آل بيت الرسول ونساء سبطه مهجة الرسول,
وأولاده وأبنائه قرّة عين الزهراء البتول, تحزن
لها القلوب وتُدمى, وتسيل المدامع عليها وتُبكى,
كيف لا؟ وقد بكت السماء عليه دما, وبكاه كلّ شيءٍ
ما يرى ولا يُرى..
ولسنا نجازف القول إن قلنا, إنّ ما جرى بعد
عاشوراء لا يقلّ فجيعة, وليس دون ما جرى في اليوم
العاشر بليّةً, فقد أُبرزت فيه كرائم الوحي
ومخدّرات الرسالة, وفيهم بقيّة الماضين زين
العابدين عليه السلام وبضعُ نساءٍ وأطفال ليس لهم
حامٍ ولا حميّ, يُدار بهم من بلدٍ إلى بلد,
ويُساقون كما تُساق الأسارى... فيا لله ولهذه
الفاجعة الأليمة, ما أصعبها وأمضَّها وآلمها على
قلب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم, هذا..
وقد أوصى بعترته وأهل بيته...
لَيسَ هَذا لِرَسولِ اللهِ
يا أُمّةَ الطُّغيانِ والبَغيِ جَزَا
وغير خفيٍّ على أحد أنَّ صوت هذا الموكب وهو على
تلك الحالة المحزنة المفجعة, قد أقضَّ مضاجع
الطغاة, ومنع عَينَي يزيد وأعوانه الرقاد, وزلزل
بنيانهم وأهوى به إلى جهنّم وبئس المهاد, فهو صوت
المظلوم وصرخته, ودعاؤه وندبته.. الذي ليس دونه
حجاب, وتُفتح له السماء باباً بعد باب.
وإنّ من عوامل بقاء هذا الصوت المدوّي بوجه الطغاة
هو التذكير به في كلّ عصر ومصر, من خلال إقامة
مجالس العزاء وإثارة المشاعر بالتباكي والبكاء,
تقرّباً إلى الله تعالى ومودّة للرسول وآل بيته
المظلومين...
ومن هنا قام معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر
الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب "مجالس السبايا" ليكون
عوناً للأخوة القرّاء في رثائهم ومجالسهم.. في هذه
المناسبة الأليمة.. والتي تمتدّ منذ يوم شهادة
الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من المحرّم
وحتى يوم الأربعين ورجوعهم إلى مدينة رسول الله
صلى الله عليه و آله و سلم..
ونذكِّر في هذه المقدّمة بما يلي:
1- تناولنا العديد من المجالس والمصائب في هذا
الكتاب ولكنّنا لم نستقصي كلّ ما يذكر في هذا
المجال.
2- حاولنا- قدر الإمكان- عرض المجالس التي
يتداولها القرّاء عادة بعد عاشوراء, مقتصرين على
أهمّها.
3- اقتصرنا على ذكر القصائد والنعي والأبيات
الشعبيّة والمصيبة مع الإشارة إلى الربط أو ما
يسمى بالـ "الـگوريز", دون ذكر المحاضرة اتّكالاً
منّا على قدرات الأخوة القرّاء وجدارتهم.
وفي الختام, فأملنا أن يلقى هذا العمل رضا الله
تعالى ورضا نبيّه وأهل بيته عليهم السلام, وأن
يتقبّلوه منّا بأحسن القبول, وأن يرزقنا الله
شفاعتهم ويحشرنا معهم إنّه سميع مجيب..
معهد سيّد الشهداءعليه السلام للمنبر الحسينيّ |