فإنْ يُمْسِ
مُغْبَرَّ الجبينِ
فَطَالَما |
ضُحَى الحَرْبِ
في وَجْهِ
الكتيبةِ غَبَّرا |
وإنْ يَقضِ ظمآناً
تفطَّرَ قَلْبُهُ |
فقد رَاعَ قَلْبَ
الموتِ حتَّى
تَفطَّرا |
سَطا وهو أَحْمَى
مَنْ يَصُونُ
كريمةً |
وَأَشْجَعُ من
يَقتادُ للحَرْبِ
عَسكرا |
قَضَى بعدَ ما ردَّ
السُيُوفَ على
القَنا |
وَمُرْهَفُهُ
فيها وفي الموتِ
أَثَّرا |
تعثَّرَ حتىَّ
ماتَ في الهامِ
حَدُّهُ |
وَقَائِمُهُ في
كَفِّهِ ما
تَعثّرا |
كأنَّ أخاهُ
السيفَ أعْطِيَ
صَبْرَهُ |
فلم يَبْرَحِ
الهَيجاءَ حتّى
تَكَسَّرا |
لهُ اللهُ
مَفطوراً من
الصَّبْرِ
قَلْبُهُ |
ولو كانَ من صُمِّ
الصَّفا
لتَفطَّرا |
وفي السبيِ
مِمَّا يَصطفي
الخِدْرُ نِسْوةٌ |
يَعزُّ على
فتِيانِها أنْ
تُسَيَّرا |
حَمَتْ خِدْرَها
يَقْظَى وَوَدَّت
بنومِها |
تَرُدُّ عليها
جَفْنَها لا على
الكَرى |
مَشى الدهرُ يومَ
الطفِّ أعمى |
فلمْ يَدَعْ
عِماداً لها
إِلَّا وفيهِ
تَعثَّرا |
وجَشَّمَها
المَسْرَى ببيداءَ
قَفْرةٍ |
ولم تَدرِ قبلَ
الطفِّ ما البِيدُ
والسُّرى |
ولم تَرَ حتَّى
عينُها ظِلَّ
شَخْصِها |
إلى أن بَدَتْ في
الغاضريةِ
حُسَّرا1 |
التفت عن يسره
واليمين |
وانادي هلي وين
الحين |
انا مخدرة عباس
وحسين |
التمهيد للمصيبة (
گـوريز):
كان المنصور العباسيّ
شديد العداوة لآل محمّد؛
حيث تتبّع آثارهم وقتل
الكثير منهم, ووضع آخرين
منهم في الاسطوانات,
عندما بنى عاصمته بغداد,
وأباد جمعاً كثيراً من
أبناء الحسن عليه السلام
وكان يقول: لقد هلك من
أولاد فاطمة عليها السلام
مقدار مائة وقد بقي
سيّدهم وإمامهم فقيل له:
من هو؟ قال: جعفر بن
محمّد الصادق عليه السلام.
وكان يبعث على الإمام
عليه السلام, فيؤتى به
إلى العراق وفي كلّ مرّة
يهمّ بقتله, لكن الله كان
يحول بينه وبين قتل
الإمام عليه السلام, وبلغ
من حقده أنّه أمر عامله
على المدينة محمّد بن
سليمان أن يحرق على أبي
عبد الله الصادق عليه
السلام دارَه, فجاء هو
وجماعته
بالحطب الجزل,
ووضعوه على باب دار
الصادق عليه السلام,
وأضرموا فيه النّار,
فلمّا أخذت النّار ما في
الدهليز2 , تصايحن
العلويات داخل الدار,
وارتفعت أصواتهنّ, فخرج
الإمام الصادق عليه
السلام وعليه قميص وإزار,
وفي رجليه نعلان وجعل
يخمد النّار ويطفئ الحريق,
حتّى قضى عليها, فلمّا
كان الغد دخل عليه بعض
شيعته يسلّونه, فوجدوه
حزيناً باكياً فقالوا:
ممّا هذا التأثّر والبكاء,
أمِن جرأة القوم عليكم
أهل البيت, وليس منهم
بأوّل مرّة؟ (ليست هذه هي
المرّة الأولى التي تحرق
فيها دوركم).
فقال الإمام عليه السلام:
لمّا أخذت النّار ما في
الدهليز, نظرت إلى نسائي
وبناتي يتراكضن في الدّار
من حجرة إلى حجرة, ومن
مكان إلى مكان, هذا وأنا
معهنّ, فتذكّرت روعة عيال
جدّي الحسين عليه السلام,
يوم عاشوراء لمّا هجم
القوم عليهنّ والمنادي
ينادي: أحرقوا بيوت
الظالمين.
المصيبة:
نعم؛ رُوي أنّه لمّا صُرع
الحسين عليه السلام تسابق
القوم على نهب رحاله وسلب
نسائه، وابن سعد ينادي
بجيشه أحرقوا بيوت
الظالمين، فأضرموا النّار
في الخيام ففرّتِ النساء
والأطفال على وجوههم في
البيداء, وهم يلوذون
بعضهم ببعض ويصرخون:
واجدّاه وامحمّداه
واأبتاه، يقول الرواة:
أُحرق بالنّار من أطفال
الحسين ما يقرب من عشرين
طفل وطفلة يوم عاشوراء، يقول حميد بن مسلم: رأيت
طفلة هاربة من الخيمة,
والنّار تستعرُ بأطراف
ثيابها, فلحقتُ بها
واخمدتُ النّار عنه، لمّا رأت منّي ذلك الصنع
الجميل، قالت: يا شيخ أنت
لنا أم علينا؟ فقلتُ لها:
بُنيّة أنا لا لكم ولا
عليكم، قالت: يا شيخ هل
قرأت القرآن؟ قلتُ: نعم، قالت:يا شيخ هل قرأت قوله
تعالى﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ﴾
قلتُ:
نعم قرأته، قالت: يا شيخ
والله أنا يتيمة الحسين، قلت لها: بُنيّة لا تخافي
إنّي لا أُريد السوء بك، بُنيّة هل من حاجة
فأقضيها لك؟ قالت: يا شيخ
دُلّني على جسد والدي
الحسين، قال: جئتُ بها
إلى الميدان، أوقفتها على
مصرع أبي عبد الله، قلتُ
لها: بُنيّة هذا جسد أبيك
الحسين، فلمّا رأته جثةً
بلا رأس، وقعت عليه تنادي:
أبه يا أبه من الذي قطع
وريديك، أبه من الذي
أيتمني- على صغر سني –
أبه إذا أظلم الليل فمن
الذي يحمي حمانا.
يبويه انروح كل
احنه فداياك
|
أخذنه للحرب
يحسين وياك |
أهي غيبه يبويه
واگـعد أنعاك |
واگـولن سافر او
يومين يسدر |
- وفي موقف آخر– يقول
حميد بن مسلم: رأيت امرأة
واقفة على باب خيمة،
والنّار تستعر بأطراف هذه
الخيمة، ولكن هذه
المرأة تارة تدخل إلى
الخيمة وتارة تخرج منه،
فتقدمّتُ إليها قلتُ لها:
أمَةَ الله النّار النّار
ما وقوفك إلى جانب هذه
الخيمة المشتعلة بالنّار؟
فالتفتت إليّ وقالت: إنّ
لنا عليلاً في هذه الخيمة-
تعني الإمام زين العابدين
عليه السلام-, دخلوا عليه
وهو مسجّى على نطع لا
يستطيع النهوض من شدّة
المرض, فجرّد الشمر سيفه
ليقتله فقال له حميد بن
مسلم: يا سبحان الله
أتقتل هذا المريض؟ فقال
الشمر: لقد أمرنا الأمير
بقتل أولاد الحسين، فجاءت
عمّته زينب عليها السلام
ورمت بنفسها عليه وقالت:
إن أردتم قتله فاقتلوني
معه، وبينما هم كذلك إذ
دخل عمر بن سعد فصحن
النساء في وجهه وبكين،
فقال للشمر: دعه وشأنه
فلمّا خرج عمر بن سعد
سحبوا النطع من تحت
الإمام زين العابدينعليه
السلام وتركوه ملقىً على
الأرض.
كانت عِيَادَتَهُ
مِنهم سِياطُهُمُ |
وفي كُعوبِ
القَنا قَالوا
البَقَاءَ لَكَا |
جَرُّوهُ
فانتهَبُوا
النَّطَعَ المُعدَّ
لهُ |
وأوطأوا جِسمَهُ
السَعدَانَ
والحَسَكَا |
وَالَهفَتَاهُ
لِزَينِ
العَابِدينَ
لُقَىً |
مِن طُولِ
عِلَّتِه
والسُّقمِ قَدْ
نُهِكَا |
|