الليلة الأولى

قَدْ عَادَ حُزْنِي وَالْبُكَا وَتَأَلُّمِي
وَلَبِسْتُ ثَوْبَ الْحُزْنِ فِيْهِ مُوَاسِياً
ثُمَّ انْثَنَيْتُ إِلَى الهِلَالِ مُخَاطِباً
بِكَ يَا هِلَالُ عَدَتْ جُيُوش أُمَيَّةٍ
بِكَ يَا هِلَالُ هَوَى ابْنُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ
بِكَ جِسْمُهُ فَوْقَ الْصَّعِيدِ مُبَضَّعاً
وَالْرَّاسُ شِيلَ عَلَى قَنَاةٍ بَيْنَهُمْ
بِكَ يَا هِلَالُ بُيُوتُ أَحْمَدَ أُحْرِقَتْ
فَفَرَرْنَ لِلْبَيْدَاءِ يَنْدُبْنَ الْأُولَى
وَلِشِدَّةِ الْبَلْوَى تَنَحَّتْ زَيْنَبٌ
تَسْتَنْهِضُ الْعَبَّاسَ مِنْ آلَامِهَا
هَذِي أُمَيَّةُ أَقْبَلَتْ بِخُيُولِهَا

مُذْ أَبْصَرَتْ عَيْنِي هِلَالَ مُحَرَّمِ
آلَ الْنَّبِيِّ الأَطْهَرِينَ بِمَأتَمِ
وَالْدَّمْعُ مِنْ عَيْنِي جَرَى كَالْعَنْدَمِ
وَلِآلِ أَحْمَدَ أَهْرَقَتْ أَزْكَى دَمِ
مِنْ بَعْدِ مَا فِي قَلْبِهِ سَهْماً رُمِي
تَرَكَتْهُ شَرُّ عِصَابَةٍ لَمْ تَرْحَمِ
يَعِظُ الْعِبَادَ بِآيِ ذِكْرٍ مُحْكَمِ
وَبَقِينَ رَبَّاتُ الْخُدُورِ بِلَا حَمِي
نَالُوا الشَّهَادَةَ كَالْطُّيُورِ الْحُوَّمِ
عَنْ جَمْعِهِنَّ تأمُّ نَهْرَ الْعَلْقَمِ
وَتَقُولُ قُمْ وَاحْمِ الْحِمَى بِالْمِخْذَمِ
وَالْنَّارُ تَحْمِلُهَا لِحَرْقِ مُخَيَّمِي

9

شعبي:

ويلاه عسى لا طب شهر عاشور
بس ما يهل عيني تهل
بس ما يهل عيني تهل دمعها
واصبغ للهضوم ولا
ونوحن وانتحب واحزن
وخوته بلا ذنب قتلوا
من هجمت عليه الخيل
واهلها مقتّله وتندب
هذي تشوف ابنها
وصارت شجرة النشّاب		 ولا هل بالسما هلاله
دمعها وتظل هماله
ودم على الخدين
تنشف دموع العين
من أذكر بيه مصاب حسين
ومن هجموا على عياله
شبت نار بخيمها
ولا واحد وصل يمها
وذيك تنظر والدها وعمها
على شمس الضحى ظلها

10

أبوذية:

يحق لاهل السما يحسين تنصاب
مصابك ما بمثله الناس تنصاب

مآتم والعيون عليك تنصاب
يبكِّي الصخر واعظم كل رزية

ما إنْ يَهِلُ هلال شهر محرَّم حتىّ يخيِّم الحزن والمصاب على كلّ الموالين والمحبّين لرسول الله وآل بيته عليهم السلام, وفي ذلك علامة المحبّة والموالاة, فالحسين عليه السلام هو قتيل العبرات, وصريع الدمعة الساكبة, وقد جاء عنه عليه السلام قوله: "أنا قتيل العبرة, لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر".

وما يزيد في لوعة قلب المحبّ أن يرى حالة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكرهم للحسين عليه السلام أو دخول هذا الشهر بالخصوص:
فعن إمامنا الصادق عليه السلام أنّه ما ذُكر الحسين بن عليّ عليهما السلام عند أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم قطُّ فرُئي أبو عبد الله عليه السلام في ذلك اليوم متبسماً إلى الليل.

وعن إمامنا الرضا عليه السلام: "إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرِّمون فيه القتال، فاستُحِلَّت فيه دماؤنا، وهُتِكت فيه حرمتنا،

11

وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهِب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام".

ثمّ قال عليه السلام: "كان أبي صلوات الله عليه- يعني الإمام الكاظم عليه السلام- إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتىّ يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين صلوات الله عليه".

وعن دِعبِل الخُزاعيّ أنّه قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، في مثل هذه الأيّام فرأيته جالساً جِلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال: "مرحباً بك يا دِعبِل, مرحباً بناصرنا بيده ولسانه". ثمّ إنّه وسَّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: "يا دِعبِل أحبُّ أن تنشدني شعراً، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أميّة، يا دِعبِل من بكى أو أبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على

12

الله، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا، يا دعبل من بكى على مصاب جدّي الحسين عليه السلام غفر الله له ذنوبه البتة". ثم إنّه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام، ثمّ التفت وقال: "يا دعبل, ارث الحسين عليه السلام، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت". قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي، وأنشأت أقول:

بَكَيْتُ لِرَسْمِ الدَّارِ مِن عَرَفاتِ

وَأَذْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ بِالعَبَرَاتِ

وأنشد قصيدته المعروفة إلى أن قال عليه السلام له: "يا دعبل, عرّج بنا إلى كربلاء", فجعلت أقول:

أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الحُسَيْنَ مُجَدَّلاً
إذاً لَلَطَمْتِ الخّدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ
أَفَاطِمُ قُومِي يَا ابنَةَ الخَيْرِ وانْدُبِي
قُبُورٌ بِكُوفُانٍ وَأُخْرَى بِطَيْبَةٍ

وَقَدْ مَاتَ عَطْشاناً بِشَطِّ فُرَاتِ
وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ العَيْنِ فِي الوَجَناتِ
نُجومَ سَمَاوَاتٍ بِأَرْضِ فَلَاة
وَأُخْرَى بِفَخٍّ نَالَها صَلَوَاتِي

ليست الزهراء عليها السلام غائبة عن مصائب كربلاء ولا عن مجالس البكاء على ولدها الحسين عليه السلام, فعن الإمام

13

الصادق عليه السلام أنّه قال: "وما من عين أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه, وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه, ووصل رسول الله وأدّى حقّنا...".

وعنه عليه السلام أنّه قال لأبي بصير: "يا أبا بصير, إذا نظرتُ إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم, يا أبا بصير, إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنّم زفرة... فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة...

يا أبا بصير, أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام...؟".

أنا حاضرة يحسين يبني
تسعدني على ابني يلتحبني
ودوّر عزا ابني وين ما كان
ولعبت عليه الخيل ميدان
أنا الوالدة المذبوح ابنها

يمن يا ريت ذباحك ذبحني
أنا الوالدة والقلب لهفان
جسمه طريح ولا له اكفان
أويلي على ابني المات عطشان
وطول الدهر ما قل حزنها

14

مصيبة يشيب الطفل منها
بالمعركة ماحّد دفنها
بالحسين واولاده ورضيعه
عباس اكفوفه القطيعه
على ابني الذي حزو رقبته
اويلاه يبني الماحضرته

سبعين جثة ابدور كنها
أنا وين اليواسيني يشيعه
وابن والده عين الطليعه
أنا وين اليواسيني بدمعته
وظلت ثلث تيام جثته
وما غسلت جسمه ودفنته

وعن الشيخ المفيد رحمه الله أنّ زَرّة النّائحة رأت فاطمة عليها السلام فيما يرى النائم أنّها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد:

أَيُّها العَيْنانِ فِيضَا
وَابْكِيا بِالطَّفِّ مَيْتاً
لَمْ أُمرِّضْهُ قَتِيلاً

وَاسْتَهِلاّ لا تَغِيضا
تَرَكَ الصَّدْرَ رَضِيضا
لا وَلا كَانَ مَرِيضا

سيّدتي يا زهراء أنت لم تكوني حاضرة بجسدك, ولكن نابت

15

عنك ابنتك زينب عليها السلام, أمّ المصائب والرزايا, ساعد الله قلبها كم رأت من المصائب؟! الشاعر يعدّد مصائبها بلسان الحال:

أنا اللي شفت نارين لكن نار أشد من نار
وأنا اللي شفت صدرين واحد صوّبه المسمار
أنا امّ الخدر زينب من اهلي اطلعت مفجوعه
وأنا لشفت أخويه حسين منه مرضضه اضلوعه
أنا أم الخدر زينب وأنا اللي فجعني البين
كبد الحسن بيه واحد وواحد بيه راس حسين
وأنا اللي وقفت مرتين والمرتين آذنّي
ووحدة بمجلس الشامات وذيك اللي زيدت وني

نار احرقت خيمتنا ونار احرقت باب الدار
وواحد كربلاء تخبرك اشلون الخيل رضّنّه
وأنا لشاهدت كفّين للعباس مقطوعه
ولاضل من هلي واحد بذاك الحال اخبرنّه
وكنت محيّرة بدنياي وأنا اللي شفت طشتين
وأنا لسهام الذبح قلبي بفقد حسين صابنه
وحدة بمجلس بن زياد والشامت نشد عندي
وأنا لشفت راس حسين بعصاه يزيد ضربنه

هَذِهِ زَيْنَبُ وَبِالأَمْسِ كَانَتْ                بِفِنَا دَارِها تَحُطُّ الرِّحَال

16