المجلس الأول
هَذَا المُحَرَّمُ قَدْ وَافَتْكَ صَارِخةً
يَمْلَأنَ سَمْعَكَ مِنْ أصْوَاتِ نَاعيةٍ
مُوَسِّدِينَ عَلَى الرَّمْضَاءِ تَنْظُرُهُمْ
وَخَائِضيْنَ غِمَارَ المَوْتِ طَافِحَةً
مَشَوا إِلَى الحَرْبِ مَشْيَ الضَارِيَاتِ
وَلَا غَضَاضَةَ يَوْمَ الطَّفِّ إنْ قُتِلُوا
فَالحَرْبُ تَعْلَمُ إنْ مَاتَوْا بِها فَلَقَدْ
وَحَائِرَاتٍ أطَارَ القَوْمُ أَعْيُنَهَا
فغُودِرَتْ بَينَ أيدِي القَومِ حاسِرَةً
نَعَمْ لَوَتْ جِيْدَهَا بالعَتْبِ هَاتِفَةً
مِمَّا اسْتَحَلُّوْا بهِ أَيَّامَهُ الحُرُمُ
في مَسْمَعِ الدَّهْرِ مِنْ إعْوَالِها صَمَمُ
حَرَّى القُلُوْبِ عَلَى وُرْدِ الرَّدَى ازْدَحَمُوا
أمْوَاجُهَا البِيْضُ بالهَامَاتِ تَلْتَطِمُ
لَهْا فَصَارَعُوا المَوْتَ فِيهَا وَالقَنَا أُجُمُ
صَبْراً بِهَيْجَاءَ لَمْ تَثْبُتْ لَهْاَ قَدَمُ
مَاتَتْ بِهَا مِنْهُمُ الأَسْيَافُ لَا الهِمَمُ
رُعْبَاً غَدَاةَ عَليْهَا خِدْرَها هَجَمُوا
تُسبَى وَليسَ لَها مَنْ فيهِ تَعتَصِمُ
بِقَوْمِهَا وَحَشَاهَا مِلْؤُهُ ضَرَمُ

9


شعبيّ:

يبويه وم شوف اشلون ولياي
يبويه لو تشوف اشماتة عداي
كلها امذبحه اوما ذاقت الماي
وتشوف ابناتكم تاهت بالبرور

أبوذيّة:

جسمي امن الحزن يا ناس ينهار
عسنّك لا تجي يا ريت ينهار
اودمع العين علوجنات ينهار
ابشمس وعداي تتفرّج عليّه

رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "وارحم تلك الخدود التي تقلَّبت على قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن، وارحم تلك الصرخة التي كانت لأجلنا..." أي واحسيناه... وامظلوماه... واغريباه...


10


تَبْكِيْكَ عَيْنِيْ لَا لِأَجْلِ مَثُوْبَةٍ
تَبْتَلُّ مِنْكُمُ كَرْبَلَا بِدَمٍ وَلَاْ
أَنْسَتْ رَزِيَّتُكُمْ رَزَايَانَا الَّتِيْ
لَكِنَّمَا عَيْنِيْ لِأَجْلِكَ بَاكِيَةْ
تَبْتَلُّ مِنِّيْ بِالدُّمُوْعِ الجَارِيَةْ
سَلَفَتْ وَهَوَّنَتِ الرَّزَايَا الآتِيَةْ

هذه المجالس التي يحبّونها ويأنسون بإقامتها، كما قال إمامنا الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: "أحيوا أمرنا, رحم الله من أحيا أمرنا".

لذا أقام فُضَيل بن يَسَار مأتماً للحسين عليه السلام ولم يُخبر به إمامنا الصادق عليه السلام، فلمّا كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام- روحي فداه - فقال له: "يا فُضيل أين كنت البارحة"؟
قال: سيّدي شغل عاقني...

(ما أحَبَّ فُضيل أن يخبر الصادق عليه السلام بأنّه صنع مجلساً في بيته للحسين عليه السلام، حتىّ لا يؤلم قلبه بسماع ذكر الحسين عليه السلام، لأنّه صلوات الله عليه ما ذُكر اسم جدّه الحسين إلّا وخنقته العبرة).

فقال عليه السلام: "يا فُضيل, لا تُخْفِ عليّ, أمَا صنعت مأتماً وأقمت بدارك عزاءً في مصاب جدّي الحسين عليه السلام"؟! فقال: بلى سيّدي, قال عليه السلام: "وأنا كنت حاضراً", قال: سيّدي إذاً ما رأيتك, أين كنت جالساً؟ فقال عليه السلام: "لمّا أردت الخروج من


11


البيت أمَا عثرت بثوب أبيض"؟! قال: بلى, سيّدي, قال عليه السلام: "أنا كنت جالساً هناك", فقال له: سيّدي لِمَ جلست بباب البيت ولِمَ لَمْ تتصدّر المجلس؟! (أنتم المقدَّمون في الدنيا والآخرة، ولكم صدور المجالس والمحافل، ولا يجوز لنا أن نتقدّم عليكم أهل البيت).

فقال الإمام الصادق عليه السلام: "كانت جدّتي فاطمة جالسة بصدر المجلس, لذا ما تصدّرت إجلالاً لها".
فالزهراء عليها السلام تحضر مجالس ولدها الحسين, وتطلب من يسعدها بالبكاء عليه, وقد جاء في الرواية عن إمامنا الصادق عليه السلام: "ابكِ على جدّي الحسين, وأسعد بذلك فاطمة".

أنـا الـوالده يحسين يابني
اسعدني على ابني يالتحبني
يـمن ريت ذبّاحك ذبحني
مصابة تره بگلبي وشعبني

فالزهراء عليها السلام لم تكن غائبة عمّا جرى على ولدها يوم عاشوراء, ولذلك يُروى: أنّ عمر بن سعد حينما بعث برأس الحسين إلى الكوفة مع خولّي بن يزيد إلى ابن زياد, أقبل خولّي إلى قصر الإمارة, فوجد باب القصر مغلقاً, فأتى به إلى


12


منزله, ووضع الرأس الشريف في أجّانة, ثمّ آوى إلى فراشه, فقالت له زوجته: ما وراءك؟ فقال لها: جئتك بغنى الدهر, هذا رأس الحسين معكِ في الدار, قالت: ويلك, الناس يأتون بالذهب والفضّة, وأنت تأتيني برأس ابن بنت رسول الله, لا والله لا جمعت رأسي ورأسك وسادةٌ أبداً.

تقول تلك المرأة: خرجت إلى ساحة الدار, وإذا أنا بنور مثل العمود يسطع من تلك الأجّانة إلى عنان السماء, وسمعت هاتفة تقول: "بني حسين, قتلوك ومن شرب الماء منعوك, وما عرفوا من أمّك ومن أبوك".

شعبيّ:

أنا الوالده والگلب لهفان
جسمه طريح ولا له اكفان
أنا الوالده المذبوح ابنها
وادوّر عزه ابني وين ما كان
ودارت عليه الخيل ميدان
او طول الدهر ما كل حزنها

13


امصيبه او يشيب الطفل منها
بالمعركة محدّ دفنها
سبعين جثه ابدور كنها

والحسين عليه السلام كان وصيّة الزهراء عليها السلام لزينب الحوراء حينما دنت منها الوفاة, ولذلك عندما ودّع الحسين عياله وأطفاله, وتوجّه نحو الميدان, وإذا بمنادية خلفه: أخي حسين, قف لي هنيهة, فالتفت الحسين عليه السلام إلى خلفه, وإذا بها أخته زينب عليها السلام. قال لها: "أخيّة ما تريدين"؟! قالت: أخي انزل من على ظهر جوادك, فنزل الحسين عليه السلام. جاءت إليه, قالت: أخي اكشف لي عن صدرك وعن نحرك, فكشف لها الحسين, ضمّته إلى صدرها, قبّلته في نحره, شمّته في صدره, ثمّ حوّلت وجهها ناحية المدينة, وصاحت: أمّاه, لقد أدّيت الأمانة. قال الحسين عليه السلام: "أخيّة وما الأمانة"؟!

قالت: اعلم يا أخي, لمّا دنت الوفاة من أمّنا فاطمة, دعتني إليها, ضمّتني إلى صدرها, قبّلتني في نحري, شمّتني في صدري, وقالت: بُنَيَّة زينب, إذا رأيت أخاك الحسين وحيداً فريداً في كربلاء, قبّليه في نحره, فإنه موضع السيوف, شمّيه في صدره فإنّه موضع حوافر الخيول...


14


شعبيّ:

انحنت فوگه تشم نحره وصدره
هذي نيابتي عنك يا زهره
وتندب صارخه والعين عبره
وسفه يروح والينه للقبور

 

أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الحُسَيْنَ مُجَدَّلاً
إِذَنْ لَلَطَمْتِ الخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ
وَقَدْ مَاتَ عَطْشاناً بِشَطِّ فُراتِ
وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ العِيْنِ في الوَجَناتِ

يا الله


15