المجلس الثاني

لَهْفَ نَفْسِيْ لِصَرِيع ٍقَدْ هَوَىْ                     
لَسْتُ أَنْسَاهُ وَحِيداً مُفْرَداً                   
مُذْ أَتَاهَا فَغَدَا جَاراً لَهُم                             
مَا رَعَى أَهْلُ الشَّقَا ذِمَّتَهُ                               
عَجَباً لِمْ قَعَدَتْ فِهْرٌ وَلَمْ                             
أَتَنَاسَتْ مُسْلِماً بَيْنَ العِدَىْ                             
حَرَّ أَحْشَائِي عَلَى طِفْلَتِهِ مُذْ                                
فَغَدَتْ تَسْأَلُهُ عَنْهُ وَفِي قَلْبِهَا                                           
فَانْبَرَى السِّبْطُ لَهَا يُعْلِمُهَا                                     
فَغَدَا يَمْسَحُ مِنْهَا رَأسَهَا                                          
مُوثَقَ الأَكْتَافِ مِنْ قَصْرِ الإمَارَهْ
وَعَلَيْه هَجَمَ الأَعْدَاءُ َدَارَهْ
وَأَبَىْ أَنْ يَحْفَظَ الَقَوْمُ جِوَارَهْ
لَا وَلَا بَنُو الشِّرْكِ ذِمَارَهْ
تَشْرَعِ الأَسْيَافَ كَيْ تُدْرِكَ ثَارَه
والنِّسَا تَرْمِيْهِ قَسْراً بِالحِجَارَة؟!
رَأَتْ مِنْ عَمِّهَا السِّبْطِ انْكِسَارَا
الحُزْنُ قَدْ غَدَا يُضْرَمُ نَارَا
عَنْهُ بِالتَّلوِيحِ مِنْهُ وَالإِشَارَه
وَهْيَ بِاْليُتْم ِلهَاَ أَجْلَىْ إِشَارَه

105


شعبي:

يعمي اعله ابويه أرد أنشدك
أشوفن خبر منّه مهيضدك
لمّن سمعها جذب ونّه
مقتول بالكوفه أظنّه
مصيبتهم مصيبه تصدع الأجبال
شفت ميّت يجرّونه بالحبال
سولفلي عنّه وآنه عندك
مقتول كأنّه وحگ جدّك
وگال اِلها جاني الخبر عنّه
وگطعت الرّجه وأيّست منّه
ومن گبل المشيب تشيب الأطفال
يصاحب لا تظن صارت مثلها

أبوذيّة:

گلبي امن الحزن شايل علامه
يعمي لليتم هذي علامه
تحط ايدك على راسي علامه
وظن عودي انگتل وانگطع بيه

106


أمسى مسلم وصلّى المغرب وما معه إلّا ثلاثون نفساً في المسجد, فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه إلّا أولئك النفر خرج متوجّهاً إلى أبواب كندة, فلم يبلغ الأبواب إلّا ومعه عشرة, ثمّ خرج من الباب فإذا ليس معه أحد يدلّه على الطريق, فإذا هو غريب وحيد, فمضى على وجهه في أزقّة الكوفة وهو لا يدري أين يذهب, حتّى جاء إلى باب دار امرأة يقال لها طوعة, وكانت تقف على باب دارها تنتظر عودة ولدها, فرآها مسلم وسلّم عليها, فردّت عليه السلام, فقال لها: أمة الله, هل لي إلى شربة ماء من سبيل؟ فدخلت طوعة إلى الدار وأخرجت إليه إناءً فيه ماء فشرب مسلم, ثمّ أدخلت المرأة الإناء وعادت إلى باب دارها فرأت مسلماً جالساً على باب الدار, قالت: يا عبد الله ألم تشرب الماء؟ قال: بلى, قالت: فاذهب إلى أهلك, فسكت, فأعادت الكلام وقالت: أصلحك الله, لا يصلح لك الجلوس على باب داري ولا أحلّه لك, فقام مسلم وقال: يا أمة الله, ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة, فهل لك في أجر ومعروف ولعلّي مكافيك بعد اليوم؟

قالت: يا عبد الله, وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل, كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني, قالت: أنت مسلم؟! قال: نعم,


107


قالت: ادخل على الرحب والسعة, فدخل إلى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه, وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يأكل, ولم يكن بأسرع من أن جاء ولدها فرآها تكثر الدخول والخروج إلى ذلك البيت, فألحّ عليها فأعلمته بعد أن أخذت عليه العهود والمواثيق بالكتمان, وكان ابن زياد قد أعدّ جائزة لمن يأتيه بخبر مسلم, فلمّا أصبح وشى بخبر مسلم إلى ابن زياد, وبات مسلم بن عقيل ليلته في دار تلك المرأة ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد, وتارة يناجي ربّه وأخرى يتضرّع وتارة يتلو القرآن إلى أن طلع الفجر, فجاءت طوعة إلى مسلم بالماء ليتوضّأ فقالت له: يا مولاي, أنا ما رأيتك رقدت هذه الليلة, فقال لها: اعلمي أنّي رقدت رقدة فرأيت في منامي عمّي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول: الوحا الوحا, العجل العجل, وما أظنّ إلّا أنّه آخر أيّامي من الدنيا. فتوضّأ وصلّى صلاة الفجر وكان مشغولاً بدعائه إذ سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال, عرف أنّه قد أُتي فعجّل في دعائه ثمّ لبس لامته وقال: يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس له من محيص, فقالت المرأة: سيّدي, أراك تأهّبت للموت؟ قال: نعم, لا بدّ لي من الموت, وأنت قد أدّيت ما عليك من البرّ والإحسان وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...


108


ظلت تناديهم يهل كوفان ارحموه
خلوه يمشي براحته گلبه شعبتوه
هذا ابن اخو الكرار حيدر لا تسحبوه
خافوا من الله ما لكم مذهب ولا دين

فاقتحموا عليه الدار وهم ثلاثمائة رجل, فخاف مسلم أن يحرقوا عليه الدار, فخرج منها وشدّ عليهم حتّى أخرجهم من الدار ثمّ عادوا إليه, فحمل عليهم وهو يقاتلهم قتالاً شديداً حتّى قَتَلَ منهم مقتلة عظيمة, فبينما هو يقاتل إذ اختلف بينه وبين بكر بن حمران ضربات, فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا, وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه, فحمل مسلم على القوم فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من أعلى السطوح يرمونه بالحجارة ويلهبون النّار في أطناب القصب, ثمّ يرمونها عليه, فلمّا رأى ذلك خرج إليهم مصلتاً سيفه في السكّة, فقال محمّد بن الأشعث: لك الأمان يا مسلم لا تقتل نفسك, فقال: وأيّ أمان للغدرة الفجرة؟! وأقبل يقاتلهم... وكان, روحي له الفداء, قد أُثخن بالجراح وعجز عن القتال وأسند ظهره إلى جنب تلك الدار فضربوه بالسهام والحجارة فقال:


109


ما لكم ترمونني بالحجارة كما تُرمى الكفّار وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار؟ ألا ترعون رسول الله في عترته؟! فعند ذلك تقدّم رجل منه وطعنه من خلفه فخرّ إلى الأرض, فتكاثروا عليه وانتزعوا سيفه وأخذوه أسيراً, فعند ذلك دمعت عيناه, وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون, فقال له عبيد الله بن العبّاس: إنّ من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك, فقال: والله إنّي ما لنفسي بكيت ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ أبكي الحسين وآل الحسين...

وين الذي يوصل بهل الحين
مسلم وحيد وما له معين
لرض المدينه ويخبر احسين
ودرات عليه القوم صوبين

ثمّ التفت إلى ابن الأشعث وقال: هل تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً يبلغ الحسين عن لساني فإنّي لا أراه إلّا وقد خرج اليوم مقبلاً أو خارج غداً, ويقول لك ابن عمّك مسلم بن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنّه يمسي حتّى يقتل, ويقول لك: ارجع فداك أبي وأمّي, ولا يغررك أهل الكوفة. ولمّا جاؤوا بمسلم إلى باب قصر الإمارة رأى جرّة فيها ماءٌ باردٌ, فقال: اسقوني من هذا الماء, فقال له رجل: أتراهُ ما أبردَهُ, والله لا تذوق منه قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم, فقال له مسلم: أنت أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي, ثمّ جاؤوا له بقُلّة فيها ماء وقدح فصُبَّ فيه ماءٌ باردٌ,


110


وقالوا له: اشرب, فأخذ القدح ليشرب فامتلأ القدح دماً فلم يقدر على الشرب, ففعل ذلك ثلاثاً, فلمّا كان في الثالثة أدنى القدح ليشرب فسقطت ثناياه في القدح, فقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربت, ثمّ أُدخل على ابن زياد وجرى بينه وبين ابن زياد كلام فاستشاط ابن زياد غضباً وأمر بأن يُصعد بمسلم إلى أعلى القصر وتُضرب عنقه, فأُصعد مسلم إلى أعلى القصر, ومسلم يسبّح الله ويكبّره ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا وكذبونا, وتوجّه نحو المدينة وسلّم على الحسين عليه السلام..
 

صعدوا بمسلم والدمع يجري من العين
يحسين أنا مگتول ردوا لا تجوني
او للفاجر ابن زياد كلهم سلموني
اوجّه اوجهه للحجاز ايخاطب احسين
خانوا اهل كوفان عگب ما بايعوني
مفرد ونتوا يا هلي عني بعيدين

111


ثمّ رفع اللعين سيفه, آجركم الله, عظّم الله لك الأجر يا أبا عبد الله, وضرب مسلماً على عنقه فقطع رأسه, ثمّ رمى به من أعلى القصر, رحم الله من نادى: وامسلماه أي واسيّداه أي وامظلوماه, ولم يكتفوا بذلك بل ربطوا برجليه الحبال وجعلوا يسحبونه في الأسواق...
 

قَتَلُوْهُ ظَمْآناً وَقَدْ فَعَلُوْا بِهِ
صَعَدُوْا بِهِ قَصْرَ الِإمَارَةِ نَازِلاً
سَحَبُوهُ فِي الأَسْوَاقِ وَهْوَ مُرَمَّلٌ
مَا لَيْسَ يَفْعَلُ قَاْتِلٌ بِقَتِيْلِ
لِلأَرْضِ حِينَ رَمَوْهُ أَيَّ نُزُوْلِ
بِدَمِ الشَّهَادَةِ أَفْضَلَ التَّرْمِيْلِ

 

عادة اليستجير يكون ينجار
مثل مسلم صدگ بالحبل ينجار
وعن گتله حليف الشرف ينجار
او تتنومس بگتله علوج اميه

ولمّا قتل مسلم جاء الخبر إلى الإمام الحسين عليه السلام وهو في زرود فأخذ يسترجع ويقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وبكى, واشتدّ به الحزن, وقال: رحمك الله يا مسلم, لقد وفيت بعهدك ولقيت ربّك, فارتجّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل, وصار كلّ واحد يلطم رأسه وينادي: وامسلماه, ثمّ دعا الحسين بطفلة لمسلم اسمها حميدة, فلمّا جاءت إليه أجلسها الإمام


112


في حجره وأخذ يمسح على رأسها كما يُفعل بالأيتام فقالت: يا عمّ, ما رأيتك قبل هذا اليوم تفعل بي مثل هذا, أظنّ أنّه قد استُشهد والدي مسلم, فقال لها: بنيّة, أنا أبوك وبناتي أخواتك, فصاحت ونادت: واأبتاه, وامسلماه...

من اجت عد عمها حميده
تگله يعمي ابوي أريده
يگلها وبگه يصفگ بإيده
وأهل الغدر گطعوا وريده
يتيمة صرت ومالي احد
گعدت تون ونّه شديده
أشوف سفرته صارت بعيده
بالكوفه ابيّك بگه وحيده
صاحت وتجري الدّمع علخد

‏شعبي:

گلبي كسرته يا غريب الغاضرية
تمسح على راسي ودمع العين همّال
مثل اليتامى تمسح بكفّك عليّه
كنّي يتيمه الكافي الله منها الاحوال

113


ما عودتني بها الفعل من گبل يا خال خلّيت عبراتي على خدّي جريه

 

لَمْ يُبْكِها عَدَمُ الوُثُوقِ بِعَمِّها
لَكِنَّها تَبْكِي مَخَافَةَ أَنَّها

لَا ولَا الوَجَدُ المُبَرَّح فِيها
 تُمْسِي يَتِيمَةَ عَمِّها وَأَبِيها

يا الله


114