المجلس الأول

لَقَدْ هَاجَ فِي قَلْبِي الشَّجِيِّ غَرَامُ                            
سَرَوا فَأَذَلْتُ الدَّمْعَ إِثْرَ مَسِيرِهِمْ                              
أَأَحْبَابَنَا هَلْ مِنَ سَبيلٍ لِوَصْلِكُمْ                              
وَهَلْ نَلْتَقِي بَعْدَ الفِرَاقِ سُوَيْعَةً                                     
فَيا سَعْدُ دَعَ عَنْكَ الصَّبابَةَ والهَوَى                           
وَحَيِّي كِرَاماً مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ                                
بِنَفْسِيَ أَفْدِي أُسْرَةً هَاشِمِيَّةً                                  
رَأَتْ أَنَّ دِينَ الله بَيْنَ أُمَيَّةٍ                                             
فَقَامَتْ لِنَصْرِ الدِّينِ فُرسَانُ غَالِبٍ                                  
إلَى أَنْ ثَوَوا فِي التُّرْبِ بَيْنَ مُبَضَّعٍ                                     
فَجَاءَهُمْ سِبْطُ الرَّسُولِ مُنادِياً                                        
رَضِيتُمْ بِأنْ أَبْقَى وَحِيداً وَأَنتُمُ                                  
لِرَكْبٍ بِجَرْعاءِ الغَنِيمِ أَقَامُوا
دَماً وَالحَشَا مِنِّي عَرَاهُ سِقَامُ
فَيَحْيَا فُؤَادٌ لَجَّ فِيهِ هُيَامُ
فَيُطْفَى مِنَ القَلْبِ الشَّجِيِّ أُوَامُ
وَعَرِّجْ عَلَى مَنْ بِالطُّفُوفِ أَقَامُوا
نَمَتْهَا إلى المَجْدِ الأَثِيلِ كِرَامُ
لَهَا قَدْ سَما فَوْقَ السِّمَاكِ مَقامُ
تَلاعَبُ فَيهِ مَا تَشَاءُ طِغَامُ
عَلَيْها مِنَ البَأْسِ الشَّديدِ وِسَامُ
وَمُنْعَفِرٍ مِنْهُ تَطايَرَ هَامُ
أَحِبَّايَ هُبُّوا فَالمَنَامُ حَرامُ
ضَحَايَا عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ نِيَامُ

125


شعبي:

تعنّاهم حسين ووگف يمهم
سكب دمعه اعلى اهل بيته ويكلهم
اشلون اعيونكم يهل الوفا اتنام
گامت تضطرب عالگاع الاجسام
لگاهم عالوطية ايسيل دمهم
عليّ افراگكم يكرام يزحم
او تسمعون الحرم لاجت بالخيام
اورادت تنهض لولا المحتم

أبوذيّه:

بالطف لهيب الشمس والحر
وهلال وحبيب الليث والحر
ذاب اوسال دم العبد والحر
هووا مثل النجوم اعلى الوطيّه

كان أوّل قتيل بين يدي سيّد الشهداء الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وقد كان شريفاً في قومه ورئيساً في الكوفة، فلمّا رأى القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليه السلام وسمع صيحة الإمام ينادي:


126


"أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟" جاء إلى عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟! قال: إي والله، قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤوس، وتطيح الأيدي، قال الحرّ: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟ قال عمر بن سعد: أما والله، لو كان الأمر إليّ لفعلت، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك.

فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل يقال له قُرّة بن قَيس. فقال: يا قُرّة، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال له: أما تريد أن تسقيه؟ قال: فظننت أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال، وكره أن أراه يصنع ذلك. فقلت له: أنا منطلق فأسقيه.

قال: فاعتزلت ذلك المكان، فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذته مثل الرعدة. فقال له صاحبه: يا بن يزيد، والله، إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟! قال الحرّ: إنّي – والله - أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار، ووالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو


127


قطّعت وحرّقت. ثمّ ما لبث أن أقبل ملبيِّاً نادماً منكسراً على ما فعله من منعه الحسين عليه السلام من المسير في أرض الله العريضة، جاء إلى الحسين ويداه على رأسه وهو يقول: اللهمّ إليك تبت فتب عليَّ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيّك، فلمّا دنا من الحسين عليه السلام قلب ترسه وأقبل وقد نزل عن فرسه، وجعل يقبّل الأرض بين يديه، فقال الحسين عليه السلام: "من تكون أنت ارفع رأسك"؟! قال جعلني الله فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وأنا تائب إلى الله تعالى ممّا صنعت فترى لي من توبة؟

فقال الحسين عليه السلام: "نعم، يتوب الله عليك، فانزل"، قال: أنا لك فارساً خير منّي راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري، فقال له الحسين عليه السلام: "فاصنع - يرحمك الله - ما بدا لك".

ولمّا أن بدأ القتال، حمل الحرّ على القوم وهو يرتجز:


128


إنِّي أنَا الحُرُّ ومَأوَى الضَّيفِ
عَنْ خَيْرِ مَن حَلَّ بأرْضِ الخَيفِ
أضرِبُ فِي أعنَاقِكُم بِالسَّيفِ

فقاتل قتالاً شديداً حتّى أكثر فيهم القتلى، فعقروا فرسه، فجعل يقاتلهم راجلاً، فحملت عليه الرجّالة وتكاثروا عليه حتّى قتلوه، فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتّى وضعوه بين يديه عليه السلام وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه، ويقول: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، حرّ في الدنيا والآخرة". ثمّ أنشأ الحسين يقول:

"لَنِعْمَ الحُرُّ حُرُّ بَنِي رِيَاحِ
لَنِعَمَ الحُرُّ إذْ وَاسَى حُسينَاً
صَبورٌ عِندَ مُشتَبَكِ الرِّمَاحِ
وَجَادَ بِنَفسِهِ عِندَ الصَّبَاحِ"

وهكذا كان يصنع الإمام مع كلّ شهيد يسقط من أصحابه، كان يمشي إليه، يضع رأسه في حجره، يقبّله ما بين عينيه، يبكي عليه، ويبشّره بالجنّة.
ولكنّ الموقف الصعب حينما سقط الحسين على رمضاء كربلاء، من الذي مشى إليه؟، من الذي وضع رأسه في حجره؟، من الذي مسح عنه الدم والتراب؟، من الذي نعاه وبكاه؟!، جاءته أخته زينب عليها السلام تنظر إليه ورأسه على رأس رمح طويل، صاحت: وا أخاه، وا سيّداه، وا حسيناه.


129


شعبيّ:

ما تدري يخويه شلون حالي
براس الرمح راسك گبالي
شحال الغريبه بغير والي
وكلمن شاف ذي الحال بكالي

ولكن الموقف الأصعب على قلب الحوراء زينب عليها السلام هو لمّا أمر عمر بن سعد أن تُرضّ الأجساد بحوافر الخيل، وقفت عشيرة بني رياح وأحاطوا بجثمان الحرّ وجردوا سيوفهم، وقالوا: لا والله لا يُرضّ جسد رئيسنا بحوافر الخيول، فقال ابن سعد لهم: ويلكم لقد خرج على الأمير، قالوا: نعم خرج عليه ساعة من الزمن وأطاعه دهراً من عمره، خاف ابن سعد وقوع الفتنة، فقال: ويحكم احملوا جثمان الحرّ خارج الميدان.

هذا والعقيلة زينب واقفة أمام الخيمة تنظر إلى عشيرة بني رياح يحملون جثمان الحرّ خارج الميدان، وتنظر إلى جهة أخيها الحسين عليه السلام، والحسين عليه السلام قد رضّت الخيل صدره وظهره، وهي تنادي: يا قوم أما فيكم مسلم يدفن هذا السليب...؟!


130


شعبيّ:

العشيرة شالته بحرّ الظهيره
بس ظلّوا لماعدهم عشيره
الكلّ منهم عليه شالته الغيره
ضحايه بالشمس من غير تغسيل

لذا وجّهت نداءها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يابه يجدّي تعالوا لبنكم غسّلوه
وجيبوا گطن للجرح نشّفوه
يجدّي مات محّد وگف دونه
وحيد يعالج او منخطف لونه
يجدي مات محد مدد ايديه
يعالج بالشمس محّد گرب ليه
والكفن ويّاكم دجيبوه‏
وعلى اكتافكم لحسين شيلوه‏
ولا نغّار غمضله عيونه
ولا واحد بحلگه ماي گطر
ولا واحد يجدّي عدل رجليه
يحطلّه اظلال يا جدّي امن الحر

131


قُومُوا غِضَابَاً مِنَ الأجْدَاثِ وانتَدِبُوا
هَذَا حُسَيْنٌ بِلا غُسْلٍ ولَا كَفَنٍ
واستَنقِذُوا مِنْ يَدِ البَلْوَى بَقَايَانَا
عَارٍ تَجُولُ عَليهِ الخَيْلُ مَيْدَانَا

يا الله


132