المجلس الأول

حُكْمُ المَنِيَّةِ فِي البَريَّةِ جَارِ              
طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنتَ تُرِيْدُهَا                        
فَالعَيْشُ نَوْمٌ وَالمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ                          
فَاقْضُوْا مَآرِبَكُمْ عُجَالاً إنَّمَا                                   
لَيْسَ الزَّمانُ وَإنْ حَرَصْتَ مُسَالِماً                               
لَا تَأمَنِ الأَيَّامَ يَوْمَاً بَعْدَمَا                                      
فَجَعَتْ حُسَيْناً بِابْنِهِ مَنْ أَشْبَهَ الْـ                                        
لَمَّا رَآهُ مُقَطَّعَ الأَوْصَالِ مُلْـ                                                   
نَادَاهُ وَالأَحْشَاءُ تَلهَبُ وَالمَحَا                                                
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ                                             
عَجِّلَ الخُسُوْفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَوَانِهِ                                               
جَاوَرْتُ أَعْدَائِيْ وَجَاوَرَ رَبَّهُ                                                        
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ
صَفْوَاً مِنَ الأَقْذَاءِ وَالأَكْدَارِ
وَالمَرْءُ بَيْنَهُما خَيَالٌ سَارِ
أَعْمَارُكُمْ سَفَرٌ مِنَ الْأَسْفَارِ
خُلْقُ الزَّمَانِ عَدَاوَةُ الأَحْرَارِ
غَدَرَتْ بِعِتْرَةِ أَحْمَدَ المُخْتَارِ
مُخْتَارَ فِي خُلُقٍ وَفِيْ أَطْوَارِ
ـقىً فِي الثَّرَىْ يَذْرِيْ عَلَيْهِ الذَّارِي
جِرُ تَسْتَهِلُّ بِدَمعِهَا المِدْرَارِ
وَكَذَا تَكُوْنُ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ
فَمَحَاهُ قبْلَ مَظَنَّةِ الإبْدَارِ
شَتَّانَ بيْنَ جِوارِهِ وَجِوارِي

185


شعبيّ:

گعد عنده وشافه إمغمّض العين
متواصل طبر والراس نصّين
يبويه من سمع يمّك ونينك
للعشرين ما حلّن سنينك
إبدمّه سابح مترّب الخدين‏
حنا ظهره على ابنيّه وتحسّر
أو من شبحت لعند الموت عينك‏
او هاتفني عليك الدهر الأگشر

ولمّا استشهد أصحاب الحسين ولم يبق معه إلّا أهل بيته، تقدّم ولده عليّ الأكبر، مستأذناً بالبراز، وكان عليّ الأكبر مِن أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، فنظر إليه الحسين عليه السلام وأرخى عينيه بالدموع، وأطرق إلى الأرض برأسه، ويقال: إنَّه قال له: "ولدي عليّ إليّ... إليّ... أودّعك وتودّعني،أشمّك وتشمّني"، فتعانقا حتى غشي عليهما.

شعبيّ:

يويلي من تلاگو عند الوداع امشابگ طول لمن هووا للگاع‏

186


يگلّه والدمع بالعين دفّاق
‏يبويه اوداعة الله هذا الفراق
ابعبرة امكسّره وابگلب خفّاگ
يبويه اشبيدنه هذا المگدر

فلمّا أفاق الحسين رفع رأسه مشيراً بسبابتيه إلى السماء، وقال: "اللهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطِقاً برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا في وجه هذا الغلام. اللهمَّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا".

وصاح بعمر بن سعد: "قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط الله عليك من يذبحك على فراشك".
ثمّ تلا قوله تعالى:
﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

لمّا سمع عليٌّ ذلك الدعاء من أبيه علم أنّه قد سمح له. فحمل عليّ الأكبر على الأعداء يقاتلهم وهو يرتجز ويقول:


187


أَنَا عَلِيُ بْنُ الحُسَينِ بْنِ عَلِي
أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي
ضَرْبَ غُلَامٍ هَاْشِمِيٍّ عَلَوِي
نَحْنُ وَبَيْتِ الله أَوْلَىْ بِالنَّبِي
أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي

أخذ يقاتلهم قتال الأبطال، حتى قتل على عطشه منهم مقتلة عظيمة، وكان قد أخذ منه العطش مأخذه، رجع إلى أبيه (لكن بأيّة حالة رجع...؟) رجع وجراحاته من كلّ جانب وهو يلوك لسانه من شدّة العطش، وهو يقول: أبه العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل، أتقّوى بها على الأعداء؟!.

فصاح الإمام عليه السلام: "وا غوثاه، بنيّ ارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك المصطفى بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا".

شعبيّ:

يگلّه سهله يبويه طلبتك هاي
امنين اجيبن شربة الماي
لكن يعگلي اوماي عيناي
والعطش مثلك يبّس حشاي

188


ثمّ ودّع أباه وودّع النساء ورجع إلى الميدان، عينا الحسين عليه السلام تشيِّعانه، فلم يزل يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الأوساط حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.
فلم يزل يقاتل قتالاً شديداً مع ما فيه من العطش، فقال مرّة بن منقذ العبدي: إن مرّ بي هذا الغلام عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به، فلما مرّ به طعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه، فاحتمله إلى معسكر الأعداء، وأحاطوا به حتى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.

فلمّا وصلت روحه إلى التراقي نادى برفيع صوته: يا أبتاه عليك منّي السلام، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها، ويقول لك: إنّ لك كأساً مذخورة.
فأتاه الحسين عليه السلام ولمّا وصل إليه أخلى رجليه من الركاب معاً، ورمى بنفسه من على ظهر الجواد على مصرع ولده، وانكبّ عليه واضعا خدّه على خدّه، وأخذ يصيح: "ولدي علي، ولدي علي"، ولمّا لم يسمع منه جواباً، صاح الإمام عليه السلام: "على الدنيا بعدك العفا، أمّا أنت فقد استرحت من همّ الدنيا وغمّها وبقي أبوك لهمّها وغمّها".


189


نصّاري:

يبويه گول منهو الشرگ راسك
يعگلي من نهب درعك اوطاسك
ينور العين من خمّد انفاسك‏
يروحي اشلون اشوفنك امطبّر

ثمّ التفت الإمام إلى شباب بني هاشم وقال: "احملوا أخاكم عليّا"، ولكن كيف يحملونه وهو مقطّع إرباً إرباً؟ أقبلوا إلى المخيّم وجاءوا ببساط وجمعوا جثمان عليّ الأكبر على ذلك البساط وجاءوا به إلى المخيّم، هذا والحسين يمشي خلفهم ويقول: "بنيّ قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمان، وعلى انتهاك حرمة الرسول".

فجاؤوا به إلى الفسطاط حيث النساء وحرائر الرسالة ينظرون إليه محمولاً، مخضّباً بالدماء، موزّعاً جثمانه بالطعن والضرب، فدخلن الخيمة واستقبلنه بعويل: واعليّاه... وامظلوماه...
تتقدّمهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى صارخة منادية: يا حبيب قلباه... وثمرة فؤاداه، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء.


190


شعبيّ:

هوت فوقه تحب خدّه وتشمّه
عسه بعيد البله تگلّه يعمّه
وغدت تصبغ وجهها بفيض دمّه
على التربان نايم ليش بهالحر


لمّا أقبل الحسين عليه السلام ودخل الخيمة التي فيها ولده، جلس عنده ينادي: "واولداه.. وآعليّاه..."

أبو ذيّة:

شافه والنبل شابك علي راح
صاح بصوت يزينب علي راح
هوه فوگه اوصفگ علي راح
يخويه اظلمّت الدنيا عليه

 

فَلْتَذْهَبِ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا العَفَا
وَمَحَا الرَّدَىْ يَا قَاتَلَ الله الرَّدَى
مَا بَعْدَ يَوْمِكَ مِنْ زَمَانٍ أرْغَدِ
مِنْهُ هِلَالَ دُجَىً وَغُرَّةَ فَرْقَدِ

يا الله


191