المجلس الأول

شِبلُ الزَكِيِّ المُجتَبَى بَدرُ الهُدَى                      
وَعَلى البَسَالَةِ قدْ تَعوَّدَ نَاشِئَاً                                       
لم أَنسَهُ مُذْ أَشجَاهُ وِحدَةُ عَمِّهِ                               
طَلَبَ القِتَالَ مِن الحُسينِ وَقَلبُهُ                                          
فَتَدَفَّقَتْ عَبَرَاتُ بَدرِ سَنَا الهُدَى                                              
فَانصاعَ نَحوَ القومِ يَخطُبُ فِيهُمُ                                            
وَيِكِرُّ فِيهِم قِائِلاً إن تُنكِرُوا                                            
فَأبَادَ شُجعَانَ الوَغَى وَسَقَاهُمُ                                       
وَعليهِ أشقَى الخَلقِ شَدَّ مُقَنِّعاً                                       
وَدَعَا أَيَا عَمَّاهُ أدرِكنِي فَقَد                                          
فَأتَاهُ غَوثُ المُستَغيثِ مُبَادِرَاً                                      
وَأتَى بِهِ نَحوَ المُخَيَّمِ نَاعِياً                                                        
شَمسُ المَنَاقِبِ والعُلَا وَالسُؤدَدِ
أَسَدٌ لِغَيرِ البَأسِ لم يَتَعَوَّدِ
 بَينَ الأَعَادِي مَا لَهُ مِن مُنجِدِ
مُتَوَقِّدٌ بِالحُزنِ أَيَّ تَوَقُّدِ
سِبطِ النَبِيِّ على شَقيقِ الفَرقَدِ
بِلِسانِ صَمْصَامٍ وَأسَمَرَ أَملَدِ
إسمِي فَإنِّي ابنُ الزَكِيِّ الأَمجَدِ
مُرَّ الطِعانِ بِكَأسٍ لِهَذمِهِ الصَدِي
في سَيفِهِ رَأسَاً لأكرمِ سَيِّدِ
أَوْرَى الظَمَا كَبِدِي وَبَانَ تَجلُّدِي
وَإذَا بِهِ بِالرِجْلِ يَفحَصُ وَاليَدِ
يَبكِي وَيَرثِيهِ بِقَلبٍ مُكْمَدِ

213


شعبيّ:

شاله او للخيم سـدر
صارت للحرم لمه
وهي تصيـح يوليــدي
عسـاك ابعرسـك امهنه
يبني واحسب اسنينك
اوعيني ناظره العينك
واحني ابيمنتي ايمينك
ابدال العرس يوليدي
واعيّد وافرح ابعيدي
او حطه ابخيمة عياله
ورمله تنتحب يمه
عمته اتحبه واتشمه
ربيتك ابماي العين
واتفكر لعد طولك
لبالي افرح ابعرسك
وانصب حوفتك بيدي
اشـــوفنك على التربان
يمـدلل ابهـا الحالــه

214


أبوذية:

يا بني ما ذكرت امك وحنيت
يجاسم خضبت شيبي وحنيت
عفتني امن انطبق ظهري وحنيت
ابدمك يا شــباب الغاضريــة

عن الإمام الحسين عليه السلام مخاطباً آل أبي طالب: صبراً على الموت يا بني عمومتي والله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم.
وجّه الإمام الحسين عليه السلام هذا الخطاب إلى بني عمومته بعد استشهاد ابنه عليّ الأكبر وعبد الله بن مسلم بن عقيل إذ حملوا حملة واحدة فاعتورهم الناس وأحاطوا بهم فجعلوا يقاتلون أشدّ القتال.

أورد ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قيل لرجل شهد الطفّ مع ابن سعد: ويحك أقتلتم ذرّيّة رسول الله؟ فقال:.. لقد ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية، تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي بأنفسها على الموت لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره، فما كنّا فاعلين..


215


فمن هم هؤلاء الليوث من آل أبي طالب الذين نصروا الحسين عليه السلام واستشهدوا بغالبيتهم معه؟ هم ستة من بني عليّ عليه السلام: وهم محمّد الأصغر وعبد الله الأكبر إضافة للعبّاس وإخوته.

وثلاثة أبناء الحسين عليه السلام واثنان ولدا العباس.

بنو عقيل بن أبي طالب تسعة:
وكان أوّل من برز منهم بعد عليّ الأكبر عبد الله بن مسلم بن عقيل وهو ابن رقيّة الكبرى بنت أمير المؤمنين وهو يقول:

اليَوْمَ أَلْقَى مُسْلِماً وَهْوَ أَبِي
لَيْسُوا بِقَوْمٍ عُرِفُوا بِالكَذِبِ
مِنْ هَاشِمِ السَّادَاتِ أَهْلِ الحَسَب
وَعُصْبَةً بَادُوا عَلَى دِينِ النَّبِي
لَكِنْ خِيَارٌ وَكِرَامُ النَّسَبِ

قتل العشرات بثلاث حملات ولم يزل يقاتل حتّى رماه لعين بسهم فاتّقاه بيده فسمرها إلى جبهته وما استطاع أن يزيلها فقال: اللهمّ إنّهم استقلّونا واستذلّونا فاقتلهم كما قتلونا.
وبينما هو كذلك إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فقضى نحبه.
 
والباقون هم: جعفر بن عقيل، عبد الرحمن بن عقيل، عبد الله الأكبر بن عقيل، عليّ الأكبر بن عقيل، محمّد بن عقيل


216


وجعفر بن محمّد بن عقيل، محمّد بن مسلم بن عقيل وآخرهم محمّد بن أبي سعيد بن عقيل.

ولمسلم بن عقيل ولدان صغيران أسرا ثمّ قتلا بعد أن فرّا من السجن..

أبناء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ثلاثة:
1- عون بن عبد الله بن جعفر وأمّه العقيلة زينب عليه السلام برز وهو يرتجز:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ جَعْفَرِ
يَطِيرُ فِيهَا بِجَنَاحٍ أَخْضَرِ
شَهِيدِ صِدْقٍ فِي الجِنَانِ أَزْهَرِ
كَفَى بِهَذَا شَرَفاً مِنْ مَعْشَرِ

وجعل يقاتل فقتل ثلاثة فرسان وثمانية عشر رجلاً ثمّ استشهد.

2- وخرج أخوه محمّد بن عبد الله بن جعفر وأمّه الخوصاء وأخذ يرتجز ويقول:

نَشْكُو إِلَى الله مِنْ العُدْوَانِ
قَدْ تَرَكُوا مَعَالِمَ القُرْآنِ
فِعَالَ قَوْمٍ فِي الرَّدَى عُمْيَانِ
وَأَظْهَرُوا الكُفْرَ مَعَ الطُّغْيَانِ

فقتل عشرة من الأعداء واستشهد.

والثالث - على رواية - عبيد الله بن عبد الله بن جعفر وهو شقيق محمّد.


217


أبناء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ثلاثة أسرى وثلاثة شهداء: وقد مثّلوا أباهم الإمام الحسن عليه السلام بحضورهم مع عمّهم في كربلاء وأكّدوا أن لا فرق بين الموقف الحسنيّ والموقف الحسينيّ كما قال جدّهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وكانوا أوفياء بارّين بعمّهم الحسين عليه السلام كما وفى الإمام الحسين عليه السلام لأخيه الحسن عليه السلام في حياته بوقوفه معه في الحرب والسلم والسرّاء والضرّاء حتّى قضى نحبه شهيداً مسموماً بالسمّ الذي دسّته له زوجته الخائنة جعدة بنت الأشعث, وبعد استشهاده بأن تكفّل بأيتامه وضمّهم إلى أولاده وتولّى تربيتهم ورعايتهم..

أمّا الأسرى فهم الحسن المثنّى وزيد وعمرو:
الحسن المثنى: وأمّه خولة الفزاريّة صرع في المعركة وأصيب بثماني عشر جراحة وقطعت يده اليمنى فلمّا جاؤوا ليحتزّوا رأسه وجدوا به رمق فتشفّع به أسماء بن خارجة الفزاريّ وحمله إلى الكوفة وعالجه فبرىء ثمّ رجع إلى المدينة وتزوّج بابنة عمّه فاطمة بنت الحسين عليه السلام ومنه عقب الإمام الحسن الزكيّ عليه السلام. وفي رواية كان بين الأسرى ومعه أخواه زيد وعمرو, وأمّا الشهداء فهم: عبد الله الأكبر والقاسم وعبد الله الأصغر وأمّهم رملة.


218


1- عبد الله الأكبر: وهو أكبر من القاسم ويروى أنّ الإمام الحسين عليه السلام زوّجه ابنته سكينة. برز قبل القاسم وهو يرتجز:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ حَيْدَرَه
عَلَى الأَعَادِي مِثْلُ رِيحٍ صَرْصَرَه
ضِرْغَامُ آجَامٍ وَلَيْثٍ قَسْوَرَه
أَكِيلُكُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَه

وقاتل ببسالة حتّى قتل.
القاسم: وعمره يوم عاشوراء 14 سنة..

بعد استشهاد عليّ الأكبر وجملة من بني هاشم تقدّم القاسم من عمّه الحسين عليه السلام مستأذناً في القتال فلم يأذن له الحسين عليه السلام بادئ الأمر لكنّ القاسم كان مصرّاً على أخذ الإذن من عمّه الحسين عليه السلام فلا زال يقبّل يديه ويتوسّل إليه حتّى أذن له ثمّ ألبسه ثوباً على صورة الكفن وعمّمه بعمامة أبيه الحسن عليه السلام وأرخى لها ذؤابتين ونظر إليه (نظرة عطف وحنان) فلم يملك نفسه دون أن تقدّم إليه واعتنقه وجعلا يبكيان....

وكأنّي بالقاسم لمّا أخذ الإذن من عمّه الحسين عليه السلام أسرع إلى أمّه رمله ليودّعها, فضمّته إلى صدرها وقالت: بنيّ قاسم بلّغ سلامي إلى والدك الحسن.


219


من طلع جاسم للحرب
او جاسم يقلها من برز
واطلعت رمله اتودعـه
يا والده اسألك الدعــه

فبرز القاسم إلى الميدان باكياً وهو يقول:

إِنْ تُنْكِرُوْنِي فَأَنَا نَجْلُ الحَسَنْ
هَذَا حُسَيْنٌ كَالأَسِيْرِ المُرْتَهَنْ
سِبْطُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَالمُؤْتَمَنْ
بَيْنَ أُنَاسٍ لَا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

وراح يقاتل قتال الرجال والأبطال على الرغم من عطشه وصغر سنّه, وبينما هو يقاتل انقطع شسع نعله اليسرى فوقف وانحنى ليشدّها (غير مكترث بالأعداء من حوله) فاغتنم هذه الفرصة اللعين عمرو بن سعد بن نفيل الأزديّ وقال: والله لأشدّنّ عليه, فما ولّى حتّى ضرب رأس القاسم بالسيف ففلقه, فوقع القاسم على وجهه وصاح يا عمّاه (أدركني), فأتاه الحسين عليه السلام مسرعاً وانقضّ عليه كالصقر, فوجده مخضّباً بدمائه وهو يفحص برجليه, فجلس عند رأسه وقال: بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك. يعزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك هذا يوم كثر واتره وقلّ ناصره.


220


ثمّ حمله على صدره - ورجلا القاسم تخطّان الأرض - فجاء به إلى الخيمة ووضعه بجانب ابنه عليّ الأكبر والقتلى من أهل بيته.

جابه الخيمة اعيالـه اوحطه
قعد ما بينهم يبكـي
نوبه ايعاين اوليـــــده
اونوبه يعاين الجاسم
يعمي اعلى الترب نايم
او بدر السـعد وهلالـــه
ابصف علي الأكبر
وعليهم قام يتحســر
اونار الحزن بيه تسعر
يقله والدمــع ســـاجم
وانت زهــرة اخيامـــي

وكأنّي برملة أمّ القاسم تلقي بنفسها على جسد ولدها ولسان حالها:

انا الوالده وحقي اعاتب
يبني يجاسم ما يناسب
انا ربيتك وبرباي اطالب
تعوف امـك لهــاي المصايــب

221


ساعد الله قلب رملة فقد فجعت بأولادها الثلاثة عبد الله الأكبر ثمّ القاسم ثمّ عبد الله الأصغر وله من العمر يومئذ إحدى عشرة سنة, وذلك عندما رأى عمّه الحسين عليه السلام قد سقط عن جواده وجثا على الأرض وأحاط به الأعداء فخرج من عند النساء يشتدّ نحو الحسين عليه السلام فصاح الحسين عليه السلام بأخته زينب عليها السلام إحبسيه يا أختاه, فلحقته الحوراء زينب عليها السلام وأرادت حبسه وردّه إلى الخيمة فأفلت من بين يديها وأبى عليها وامتنع امتناعاً شديداً, وقال: لا والله لا أفارق عمّي فجاء حتّى وقف إلى جنب عمّه الحسين عليه السلام.

وبينما هو كذلك إذا بأبحر بن كعب يأتي ويهوي إلى الحسين عليه السلام بالسيف ليضربه فصاح الغلام به: ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمّي؟ فضربه أبحر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة فصاح: يا عمّاه.

لفاهم واحد امن القوم
يضرب بي يريد احسين
عن عمه شقف بيده
 
مشهر مرهفه ابيده
لاكن من عرف قصده
اوطاح المرهف ابزنده
 

222


صاح الطفل يا عمي
إقرب صاحله يمي
ويعايـن القـتـالـــه
طبرني وانهدر دمي
ايـده امعلقـه او يصـرخ

فأخذه الحسين عليه السلام وضمّه إلى صدره وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فإنّ الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين, فرماه حرملة بن كاهل الأسديّ بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين عليه السلام, فرفع عليه السلام يديه إلى السماء قائلاً: اللهمّ إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً واجعلهم طرائق قدداً ولا ترضي الولاة عنهم أبداً فإنّهم دعونا لينصرونا فغدوا علينا يقاتلوننا.

أَطْفَالُهُمْ بَلَغُوا الحُلُومَ بِقُرْبِهِمْ شَوْقَاً إِلى الهَيْجَاءِ لَا الحَسْنَاءِ

يا الله


223