المجلس الثاني

الله يَا حَامِي الشَّرِيْعَه                     
بِكَ تَسْتَغِيْثُ وَقَلْبُهَا                        
مَاتَ التَّصَبُّرُ فِي انتِظَارِكَ                
فَانْهَضْ فَمَا أَبْقَى التَّصَبُّرُ                 
قَدْ مَزَّقَتْ ثَوْبَ الأَسَىْ                     
كَمْ ذَا القُعُوْدُ وَدِينُكُمْ                      
تَنْعَى الفُرُوْعُ أُصُوْلَهُ                       
فَاشْحَذْ شَبَا عَزْمٍ لَهُ                        
وَاطْلُبْ بِهِ بِدَمِ القَتيْلِ                         
مَاذَا يُهِيْجُكَ إنْ صَبَرْتَ                    
أَتَرَىْ تَجيئُ فَجِيْعَةٌ                       
حَيْثُ الحُسَيْنُ عَلَى الثَّرَى             
قَتَلَتْهُ آلُ أُمَيَّةٍ                             
وَرَضِيعُهُ بِدَمِ الوَرِيْدِ                      
أَتُقِرُّ وَهْيَ كَذَا مَرُوْعَه؟
لَكَ عَنْ جَوًى يَشْكُوْ صُدُوْعَه
أَيُّهَا المُحْيِي الشَّريْعَه
غَيْرَ أَحْشَاءٍ جَزوْعَه
وَشَكَتْ لِوَاصِلِهَا القَطِيْعَه
هُدِمَتْ قَوَاعِدُهُ الرَّفِيْعَه
وَأُصُوْلُهُ تَنْعَىْ فُروْعَه
الأَرْوَاحُ مُذْعِنَةٌ مُطِيْعَه
بِكَرْبَلَا فِي خَيْرِ شِيْعَه
لِوَقْعَةِ الطَّفِّ الفَظِيعَه
بِأَمَضَّ مِنْ تِلْكَ الفَجِيْعَه
خَيْلُ العِدَىْ طَحَنَتْ ضُلُوْعَه
ظَامٍ إلَىْ جَنْبِ الشَّريعَه
مُخَضَّبٌ فَاطْلُبْ رَضِيْعَه

251


شعبي:

لو بس الزلم تخلص قتل بالكون
لكن ليش ما ذنب الّذي يرضِعون
(آه) ردّوك يبني ابسهم مفطوم
بعدك لحرم لذت النوم
وابكي عليك بقلب مالوم
هاي نقول عادة وأمر بلكي يهون
عطاش وحرملة بسهام يسقيها
يالرحت عن الماي محروم
وأصبغ يعگلي سود الهدوم


أبوذيّه:

مياتم للحزن ننصب ونبني
الطفل عادة يفطمونه (ونبني)
فجعني حرملة ابسهمه ونبني
انفطم ويلاه بسهام المنية

ورد في زيارة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف:

(السلام على عبد الله الرضيع المرميّ الصريع المتشحِّط


252


دماً والمصعّد بدمه إلى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسديّ وذويه).

من جملة الشهداء الّذين قدّمهم الحسين قرباناً إلى الله فداءً لدينه عبد الله الرضيع ولده.
والحسين عليه السلام أخبر عن شهادته وذكره في جملة من سيُقدِّمهم في سبيل الله، تلك الدّماء الطاهرة العزيزة على الله التي أحيت الدين كان من جملتها دماء الرضيع التي رمى بها الحسين إلى السماء فما رجع قطرة واحدة منها, وسكنت في الخلد واقشعرّ لها أظلّة العرش. ولذلك هذه المصيبة وهذا الفداء ذكره الإمام الحجّة عجّل الله فرجه الشريف ولقد آلم قلبه الشريف كما كانت هذه المصيبة مذكورة عند أئمّة أهل البيت عليهم السلام في مجالسهم يشيرون إليها ويبكون عندها ويأمرون شيعتهم بالبكاء لها، حتّى إنّ الإمام الصادق عليه السلام عندما كان يعقد مجالس العزاء على جدّه الحسين كان يأمر بأن يؤتى بطفل رضيع يُرفع أمام النّاس ليتذكّر المؤمنون مصيبة عبد الله الرضيع..

والإمام الحسين كذلك أوصى شيعته كما في وصيّته لابنته سكينة..


253


وقد نظمت بهذه الأبيات:

شِيعَتي مَهْمَا شَرِبْتُمْ عَذْبَ مَاءٍ فَاذْكُرُوْنِي
فَأَنَا السِّبْطُ الَّذِي مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ قَتَلُونِي
لَيْتَكُمْ فِيْ يَوْمِ عَاْشُورَا جَميْعاً تَنْظُرُوْنِي
فَسَقَوْهُ سَهْمَ بَغْيٍ عِوَضَ المَاءِ المَعِيْنِ

أَوْ سَمِعْتُمْ بِشَهيْدٍ أَوْ غَريْبٍ فَاندِبونِي
وَبِجُرْدِ الخَيْلِ بَعْدَ القَتْلِ عَمْداً سَحَقُوْنِي
كيفَ أسْتَسْقِي لِطِفْلِيْ فَأَبَوا أَنْ يَرْحَمُوْنِي
 

نعزّي إمامنا الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذه الليلة الحزينة بهذه المصيبة الإلهيّة ونسأل الله أن يكتبنا في جملة أوليائه الذين يأخذون بثاراته حين ينادي فيهم: يا لثارات الحسين, بعد أن يظهر عجّل الله فرجه في الكعبة ويتوجّه إلى كربلاء كما يُروَى- يجتمع النّاس من حوله وهو عند جدّه الحسين عليه السلام يضرب سيفه بالأرض يستخرج جثمان الرضيع المدفون على صدر والده الحسين أو إلى جنبه، يرفعه أمام النّاس على الحالة التي قتل وذُبح بها من الوريد إلى الوريد وينادي: أيّها النّاس, بأيّ ذنب يُذبح هذا الرضيع من الوريد إلى الوريد ؟! (بأيِّ ذنب يُذبح على يدي


254


والده الحسين)؟! فيضجّ النّاس بالبكاء وَكلٌّ ينادي وا حسيناه وا شهيداه وا إماماه. نعم أيّها المؤمنون - هذا الطفل لم يكفِ أنّه ذُبح على يدي والده إلّا أنّه ذُبح عطشانَ ظمآنَ لم يذق ماءً. في مثل هذه الليلة كان الطفل يضطرب بين سيّدتنا زينب اضطراب السمكة في الماء - كما تروي سكينة ابنة الحسين - وهو يصرخ وهي تقول: صبراً يا بن أخي وأنّى لك الصبر وأنت على هذه الحالة؟! يعزّ والله على عمّتك أن تراك عطشانَ، طلبت له جرعة صغيرة من الماء تبلّ شفتيه اليابستين, لم تجد, حامت حول الخيام ومعها ما يقرب من عشرين صبيّ وصبيّة يطلبون الماء لهذا الرضيع ولهم, فلم يجدوا, حتّى كان اليوم العاشر, أقبلت به الحوراء زينب إلى الحسين وكان قد قتل جميع الأصحاب وكذلك أهل بيت الحسين ولم يبق إلّا زين العابدين العليل في خيمته، أتت به إلى الحسين وقد أراد أن يودّعه فقالت له: يا أخي إنّ هذا الطفل - له مدّة - ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء, نظر إليه الحسين مغمىً عليه من العطش, شفتاه قد ذبلتا من الظمأ, أجلسه في حجره جعل يقبّله ويقول: ويلٌ لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمّد المصطفى خصمهم... وضعه الحسين تحت ردائه يظلّله من حرارة الشمس، أقبل به نحو الأعداء وقف أمام الجيش حاملاً طفله التفت يمنة ويسرة


255


 ثمّ خاطبهم قائلاً: يا قوم قد قتلتم أخوتي وأولادي وأنصاري، وما بقى غير هذه الطفل، وهو يتلظّى عطشاً من غير ذنب أتاه إليكم، فاسقوه شربة من الماء.

(يا قوم إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل), (لقد جفّ اللبن في ثدي أمّه)..
 

(آه) ثُمَّ انْثَنَىْ نَحْوَ الوَغَى بِرَضِيْعِهِ        
يَدْعُوْ أَلَا هَلْ شُرْبَةٍ تَسْقُوْنَهُ                         
فَتَخَاسَرُوْا بِجَوَابِهِ لَكِنَّمَا                              
مُسْتَرْحِماً لِظَماهُ مَنْ لَمْ يَرْحَمِ
مَاءً فَها هُوَ ذَوْ حَشىً مُتَضَرِّمِ
كَانَ الجَوَابُ لَهُ جَوَابَ الأُسْهُمِ

فاختلف العسكر فيما بينهم فمنهم من لعن عمر بن سعد، ومنهم من قال إذا كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل، ومنهم من بكى على قساوة قلبه لحال هذا الطفل، ومنهم من قال اقتلوه، ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية.

فلمّا رأى ابن سعد ذلك صاح بحرملة بن كاهل (لعنه الله): ويلك حرملة اقطع نزاع القوم. قال: ما أصنع؟ قال: إرم الطفل بسهم ، قال حرملة: فوضعت سهماً في كبد القوس وتأمّلت أين أرمي الطفل فرأيت رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين كأنّها إبريق فضّة - آجركم الله يا مؤمنون - يقول اللعين: فرميت الطفل بسهمي وذبحته من الوريد إلى الوريد. رحم الله المنادي وا


256


حسيناه، وا عبد الله، وا شهيداه..

قيل لهذا اللعين حرملة (لمّا جيء به إلى المختار الثقفيّ رحمه الله والذي أخذ بثار الحسين وقتل كلّ المشاركين في قتله.. لمّا روى لهم هذه القصّة) قالوا له: ويلك أما رقّ قلبك لهذا الرضيع؟! قال: بلى، قالوا: وكيف؟! قال: لأنّ الطفل كان مغمى عليه من شدّة العطش. فلمّا أحسّ بحرارة السهم أخرج يديه من قماطه، واعتنق رقبة أبيه الحسين عليه السلام وصار يرفرف بين يديه كالطير المذبوح..

(آه) فَلَهْفِيْ لَهُ مُذْ طَوَّقَ السَّهْمَ
وَلَهْفِي لَهُ لَمَّا أَحَسَّ بِحَرِّهِ
هَفَا لِعِنَاقِ السِّبْطِ مُبتَسِمَ اللَّمَىْ
جِيدُهُ كَما زَيَّنَتْهُ قَبْلَ ذَاكَ تَمائِمُه
وَناغَاهُ مِنْ طَيْرِ المَنِيَّةِ حَائِمُه
وَدَاعاً وَهَلْ غَيرُ العِنَاق يُلَائِمُه؟

 

آه گطع اگماطة او شبك عودة
واتغيرت وردة اخدودة
ودمه على زند حسين مسفوح
قلبي على فرگاه مجروح
وامن السهم رفّت ازنودة
يا ناس حتّى الطفل مذبوح
وين اليساعدني ويجي اينوح

257


ثمّ إنّ الحسين ملأ كفّه من دم الرضيع ورمى به إلى السماء وقال: هوّن ما نزل بي أنّه بعينك يا ربّ، اللهمَّ لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح، يا ربّ إن كنت حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خيرٌ منه وانتقم لنا من الظالمين, فنودي: دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة..

تلگه احسين دم الطفل بيده
سال او ترس كفه من وريده
اشحال الينگتل ابحضنه اوليده
اوذّبه للسما اوللگاع ما خرّ


 

وَلَوْ تَرَاهُ حَامِلاً طِفْلَهُ
مُخَضَّباً مِنْ فَيْضِ أَوْدَاجِهِ
رَأَيْتَ بَدْراً يَحْمِلِ الفَرْقَدَا
أَلْبَسَهُ سَهْمُ الرَّدَى مُجَسَّدَا

ثمّ أقبل الحسين برضيعه إلى المخيّم وقد حمله تحت ردائه، فاستقبلته ابنته سكينة قائلة: أبي لعلّك سقيت أخي الرضيع ماءً وجئتنا ببقيّته؟ فأخرجه الحسين من تحت ردائه وهو يقول:
بُنيّه خذي أخاك مذبوحاً، بنيّه عظّم الله لك الأجر، فصاحت: وا أخاه، وا عبد الله..


258


يبويه الطفل للماي أخذته
شنهو الذنب خويه العملته
يبويه الطفل عني دغطيه
اشوفه ذبيح أو ماد رجليه
ابسهم العده مذبوح جبته
والماي حاضر ما شربته
مالي قلب بالعين أصد ليه
هذا الخفت منّه طحت بيه

أمّا أمّه الرباب فساعد الله قلبها حين رأته والسهم مشكوك في نحره، انفجعت وصاحت (واولداه):

(يبني) قول العطش يبني النوبه ابسهم صابوك
يا بلت روحي تالي ابها الحالة ردّوك
وترف مثل طير الذي ينذبح خلوك
لمك عسن لا ظلت امك يا جنيني

يحقّ لها أن تبقى مندهشة وحزينة هذه الرباب المفجوعة آلت أن لا تستظلّ بظلّ بعد الحسين مواساة للحسين ولولدها الرضيع لكن كأنّها ما صدّقت ما رأت وبقيت مذهولة تندب ولدها إلى ليلة الحادي عشر من المحرّم, يقولون عندما صارت


259


زينب عليها السلام تفتّش عن بقيّة العيال والأطفال الذين افتقدتهم بعد مصرع الحسين وحرق الخيام، افتقدت الرباب في جملتهم، فصارت تبحث عنها في نواحي المعركة (رباب أين أنت؟) إلى أن سمعت صوت أنين إلى جنب جسد المولى أبي عبد الله الحسين فأقبلت ناحية الصوت وإذا هي الرباب قد حملت رضيعها وأدنته لصدرها تناغيه وتكالمه فقالت لها سيّدتنا زينب: أختاه ما الذي أتى بك في وسط هذا الليل المظلم؟! قالت: سيّدتي (لمّا أن شربنا الماء) صدري أوجعني وثدياي درَّا عليّ (وكأنّ هذه علامة عند الأمّهات أنّ رضيعهنّ يطلب اللبن)، قلت آتي إلى رضيعي علّني أجد به رمقاً من الحياة, ولكنّي أراه مذبوحاً من الوريد إلى الوريد..

آه يبني يا عبد الله اعلى فرقاك
يا دين گلّي الحرملة اوياك
نيشن عليك ابسهم ورماك
انا صبري انفنى ودرّن ثداياك
للموت حين اشبحت عيناك
واگطع رجاي الكان برباك

260


وَأَدْنَتْهُ لِلْنَهْدَيْنِ وَلْهَى فَتَارَةً
بُنَيَّ أَفِقْ مِنْ سَكْرَةِ المَوْتِ وارْتَضِعْ
بُنَيَّ فَقَدْ دَرَّا وَقَدْ كَظَّكَ الظَّمَا
تُناغِيهِ أَلطَافاً وأُخْرَى تُكَالِمُه
بِثَدْيِكَ عَلَّ القَلْبَ يَهْدَأُ هَائْمُه
فَعَلَّكَ يُطْفَى مِنْ غَلِيْلِكَ ضَارِمُه

يا الله


261