المجلس الثالث

خُذْ بِالبُكَاءِ فَقَدْ أَتَاكَ مُحَرَّمُ
وأَذِلْ بِهِ دَمْعاً أَذَلَّ عَزِيْزَهُ
لِلْحُزْنِ فَوْقَ جَبِيْنِ كُلِّ مُوَحِّدٍ
فَيَحُقُّ أَنْ يُجْرِي مَدَامِعَهُ دَماً
إِنِّي أَلِفْتُ وَمَا سَئِمْتُ مِنَ البُكَا
فَوْقَ البَسِيطَةِ لِلأَنَامِ وَتَحْتَهَا
وَالحِجْرُ أَعْوَلَ وَالمَشَاعِرُ كُلُّهَا
وَتَجَاوَبَتْ بِالنَّوْحِ أَنْدِيَةُ العُلَى
شَهْرٌ بِهِ شَهَرَتْ أُمَيَّةُ مِخْذَماً
فَعَجِبْتُ حَتَّىْ قُلْتُ لِمْ لَا حَلَّهُمْ
وَبِعَيْنِهِ زُمَرُ الضَّلَالَةِ أَقْبَلَتْ
صَاحُوْا بِهِ نَهْباً فَهَا هُوَ مُقْسَمٌ
مَا وَقَّرُوْا مِنْ آَلِهِ شَيْخاً وَلَمْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ بِهِ السُّلُوَّ مُحَرَّمُ
يَوْمٌ يُذَلُّ الدِّينُ فِيْهِ فَيُهْضَمُ
وَسْمٌ بَرَغْمِ عَدُوِّهِ هُوَ مِيسَمُ
عَبْدٌ جَرَىْ مِنْ نَحْرِ سَيِّدِهِ الدَّمُ
سَئِمَتْنِيَ العَلْيَاءُ إنْ أَنَا أَسْأَمُ
لِلْجِنِّ فِيْهِ لِلنِّيَاحَةِ مَوْسِمُ
وَالرُّكْنُ ضُعْضِعَ والحَطِيْمُ وَزَمْزَمُ
وَالمَكْرُمَاتُ وَكُلُّ نَادٍ مَأتَمُ
فَتَكَتْ بِهِ فِي الدِّينِ فَهْوَ مُخَذَّمُ
غَضَبُ الإلَهِ وَكَيْفَ عَنْهُمْ يَحْلُمُ؟!
عَدْواً عَلَىْ حَرَمِ الإِمَامَةِ تَهْجُمُ
بَيْنَ العِدَىْ وَبَنَاتُ أَحْمَدَ مَغْنَمُ
يَنْجُ الشَّبَابُ وطِفْلُهُمْ لَا يُرْحَمُ

23


شعبي:

هل عاشور هلن دمع يا عيوني
هل عاشور من يدخر بواكيه
يويلي ضلوعها من الحزن محنيه
قومي يا خلق بحسين عزوني
وبعاشور زينب غدت مسبيه
تنادي يا هلي من اليسر فكوني

أبوذيّة:

ما لاجل الثواب بكيت واجره
مصاب حسين آبد ما صار واجره
لچن نار بصميم الگلب واجره
فرض كل يوم ننصبله عزيه

لقد بكى على الإمام الحسين عليه السلام جميع الأنبياء وهو نور بساق العرش, فقد رُوي في حديث مناجاة موسى عليه السلام أنّه قال: يا ربّ, لِمَ فضّلت أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضّلتهم لعشر خصال، قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى:


24


الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء؛ قال موسى: يا ربّ, وما العاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبط محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, والمرثيّة والعزاء على مصيبة ولد المصطفى. يا موسى, ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلّا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها, وما من عبد أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك، درهماً أو ديناراً إلّا باركت له في دار الدنيا، الدرهم بسبعين وكان معافى في الجنّة، وغفرت له ذنوبه, وعزّتي وجلالي ما من رجل أو امرأة، سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلّا وكتب له أجر مائة شهيد.

ورُوي أنّ نوحاً لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا, فلمّا مرّت بكربلا أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال: إلهي, طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض, فنزل جبرئيل وقال: يا نوح, في هذا الموضع يُقتَل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء, فقال: ومن القاتل له يا جبرئيل؟ قال: قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين، فلعنه نوح أربع مرّات, فسارت السفينة حتّى بلغت الجوديّ واستقرّت عليه.


25


ورُوي أنّ إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار, وقال: إلهي, أيّ شيء حدث منّي؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم, ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرئيل ومن يكون قاتله؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين والقلم جرى على اللوح بلعنه...

ورُوي أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أيّ شيء حدث منّي؟ فأوحى إليه أن هنا يُقتل الحسين عليه السلام, وهنا يُسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه, فقال: ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له: هو سبط محمّد المصطفى، وابن عليّ المرتضى، فقال: ومن يكون قاتله؟ فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه.

ورُوي أنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء، فمرّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا فأدارت الريح بساطه


26


ثلاث دورات حتّى خاف السقوط فسكنت الريح، ونزل البساط في أرض كربلا, فقال سليمان للريح: لم سكنتِ؟ فقالت: إنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام, فقال: ومن يكون الحسين؟ فقالت: هو سبط محمّد المختار، وابن عليّ الكرّار، فقال: ومن قاتله؟ قالت: لعين أهل السماوات والأرض يزيد، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه وأمّن على دعائه الإنس والجنّ، فهبّت الريح وسار البساط.

وروى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى:
﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة عليهم السلام, فلقّنه جبرئيل قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان, فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي وما هي؟ قال: يقتل عطشانَ غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه! واقلّة ناصراه! حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحد إلّا بالسيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، وينهب رحله أعداؤه وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في


27


علم الواحد المنّان، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى.

ورُوي أنّه دخل الحسن والحسين عليهما السلام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فشمّ الحسن في فمه الشريف وشمّ الحسين في نحره فقام الحسين وأقبل إلى أمّه فقال لها: أمّاه شمّي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فشمّته في فمه, فإذا هو أطيب من المسك, ثمّ جاءت به إلى أبيها فقالت له: أبه, لم كسرت قلب ولدي الحسين فقال صلى الله عليه وآله وسلم ممّ؟ قالت: تشمّ أخاه في فمه وتشمّه في نحره؟! فلمّا سمع بكى وقال: بنيّة أمّا ولدي الحسن فإنّي شممته في فمه لأنّه يُسقى السمّ فيموت مسموماً, وأمّا الحسين عليه السلام فإنّي شممته في نحره لأنّه يذبح من الوريد إلى الوريد, فلمّا سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت: أبه, متى يكون ذلك؟ فقال: بنيّة, في زمان خال منّي ومنك ومن أبيه وأخيه, فاشتدّ بكاؤها, ثمّ قالت: أبه, فمن يبكي عليه ومن يلتزم بإقامة العزاء عليه؟ فقال لها: بنيّة فاطمة إنّ نساء أمّتي يبكين على نساء أهل بيتي, ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته, ويجدّدون عليه العزاء جيلاً بعد جيل, فإذا كان يوم القيامة أنت تشفعين للنساء, وأنا أشفع للرجال, وكلّ من يبكي على ولدي الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة.


28


شيعتنه يگلها اعليه يبكون
وابهذا العزه كلهم يگومون
كل عام اليجي ومأتم ينصبون
او حتّى اطفالهم تحزن على احسين

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على ولدي الحسين, فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة.

للجنه بيدي كون اوديه
واعله الصراط اشلون اخليه
كل عين هلت يوم عاشور
تنحشر مسروره اومسرور
كل من يزهرا ابنك بكه عليه
يا ما لطم لحسين صدره
لحسين واعله اصحابه لبدور
صاحب هلجنان الزهيه

 

وَبَكَتْهُ الإنْسُ وَالجِنُّ وَمَا
رُزْؤُهُ قَدْ أَلبَسَ الدُّنيَا أَسًى
حَقَّ لِلأَعْيُنِ أَنْ تَبْكِيَهُ
كَيْفَ لَا يَبْكِي الوَرَى فِي مَأتَمٍ
حَوَتِ الأَرْضُ وَسُكَّانُ السَّمَا
وَأَحَالَ الكَوْنَ نَوْحاً وَبُكَا
بَدَلَ الدَّمْعِ بِمُحْمَرِّ الدِّمَا
فِيهِ يَبْكِي المُصْطَفَى وَالمُرْتَضَى؟!

يا الله


29