المجلس الثاني

ألدَّمْعُ مِنِّيْ لِسِبْطِ المُصْطَفَى هَمَعَا          
لَمْ أَنْسَهُ مُذْ أَتَى أَرْضَ الطُّفُوْفِ وَقَدْ              
دَعَا بِصَحْبٍ كِرامٍ كَالأُسُوْدِ إِذَا                   
تَرَاهُمُ فِي الوَغَىْ مُسْتَبْشِرينَ بِهَا                      
فَمُذْ دَعَاهُمْ إِلَهُ العَرْشِ خَالِقُهُمْ                     
وَظَلَّ سِبْطُ رَسُوْلِ الله بَعْدَهُمُ                       
فَشَدَّ فِي القَوْمِ يِحْمِي عَنْ عَقَائِلِهِ                      
حَتَّى أُصِيْبَ بِسَهْمٍ فِيْ حُشَاشَتِهِ                              
فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ والسَّبْعُ الطِّبَاقُ بَكَتْ                      
لَهْفِي عَلَى زَيْنَبٍ قَدْ عَايَنَتْهُ عَلَى                         
الجِسْمُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ لُقًى                               
وَبَيْنَهَا حُجَّةُ الجَبَّارِ مُضْطَهَداً                                 
لَمْ أَنْسَهُ نَاظِراً رَأسَ الشَّهِيْدِ عَلَى                             
وَالقَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الحُزْنِ قَدْ لَسَعَا
حَطَّ الخِيَامَ وَحَرْبٌ جَيْشُها اجْتَمَعَا
قَامَ الهِيَاجُ وَثَارَ النَّقْعُ وَارْتَفَعَا
وَكُلُّ فَرْدٍ بِمَوْتِ العِزِّ قَدْ طَمِعَا
هَوَوا عَلَى التُّرْبِ إِذْ دَاعِي القَضَاءِ دَعَا
فَرْداً وَحِيداً وَمِنْهُ الدَّمْعُ قَدْ هَمَعَا
كَأَنَّهُ حَيْدَرُ الكَرَّارُ قَدْ طَلَعَا
أَصَابَ قَلْبَ عَلِيٍّ وَالنَّبيِّ مَعَا
وَالعَرْشُ قَدْ مَادَ والرُّوحُ الأَمِينُ نَعَى
وَجْهِ  الصَّعِيدِ قَتيْلاً بِالعَرَا صُرِعَا
وَرَأسُهُ فَوْقَ عَالِي الرُّمْحِ قَدْ رُفِعَا
بِالقَيْدِ بَاكٍ فَدَيْتُ البَاكِيَ الوَجِعَا
رَأسِ القَنَاةِ وَدَمْعُ العَيْنِ قَدْ هَمَعَا

37


شعبي:

يا عين ابكي وسحّي الدمع غدرا
ابكي وسحي الدمع يا عين
آه لنوحن وگضي العمر بالنوح
اشلون الصبر وحسين مذبوح
على المذبوح بأرض الطف عطشان
على أهل المجد سبعين واثنين
واعمي عيوني واتلف الروح

أبوذيّه:

بقلبي مأتك يحسين ينصاب
گلبي دون گلبك ريت ينصاب
وذكرك من يمر الدمع ينصاب
وجسمي دون جسمك عالوطيّه

عن إمامنا الرضا عليه السلام: من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكَّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.


38


ونحن في هذه المجالس نواسي أهل البيت عليهم السلام بحزننا وبكائنا وعزائنا, ونجتمع كما أمرونا وكما كانوا يجتمعون للعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام..

نواسي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسن عليهم السلام..
نواسي إمامنا زين العابدين عليه السلامالذي بكى على أبيه الحسين بقيّة عمره الشريف بعد مصاب كربلاء..

لم يقدّم له طعام أو شراب إلّا بلّه بدموع عينيه ويقول: كيف آكل وكيف أشرب؟ وقد قتل أبي جائعاً وعطشانَ!!
وكان عليه السلامإذا أخذ إناءً ليشرب الماء بكى حتّى يمزجه بدموعه, فقيل له في ذلك فقال: وكيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش..

لذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلامأنّ الإمام زين العابدين أحد البكّائين الخمسة في التاريخ (آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمّد وعليّ بن الحسين عليهم السلام), فقد بكى الإمام عليه السلامبقيّة حياته بعد واقعة كربلاء, وما وضع طعام إلّا بكى حتّى قال له مولى له: جُعلت فداك يا بن رسول الله, إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين, قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله, وأعلم


39


من الله ما لا تعلمون, إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك العبرة..

يسأله أحد الموالين: يا بن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له ويحك! إنّ يعقوب النبيّ عليه السلامكان له اثنا عشر ابناً فغيَّب الله عنه واحداً منهم فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه, وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغمّ, وكان ابنه حيّاً في الدنيا, وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟!

يَا سَيِّدَ العُبَّادِ رِزْؤُكَ فَادِحٌ
فَأَبُوكَ والأَهْلُونَ والأَنْصَارُ قَدْ
جَلَلٌ تَكَادُ لَهُ الجِبَالُ تَصَدَّعُ
أَمْسَوا وَهُمْ بِالطَّفِّ حَوْلَكَ صُرَّعُ

وكان عليه السلام كلّما اجتمع إليه جماعة, أو وفد من وفود الأقطار يردّد عليهم تلك المأساة, ويخرج إلى السوق أحياناً فإذا رأى جزّاراً يريد أن يذبح شاة أو غيرها يدنو منه ويقول: هل سقيتها الماء؟ فيقول له: نعم يا بن رسول الله إنّا لا نذبح حيواناً حتّى نسقيه ولو قليلاً من الماء, فيبكي الإمام زين العابدين عليه السلام عند ذلك ويقول: لقد ذُبح أبو عبد الله عطشانَ!!


40


وَيْلُ الفُرَاتِ أَبَادَ الله غَامِرَهُ
لَمْ يُطْفِ حَرَّ غَليْلِ السِّبْطِ بَارِدُهُ
لَمْ يُذْبَحِ الكَبْشُ حَتَّىْ يُرْوَىْ مِنْ ظَمَأٍ
وَرَدَّ وَارِدَهُ بِالرَّغْمِ لَهْفَانَا
حَتَّىْ قَضَى فِي سَبِيْلِ الله عَطْشَانَا
وَيُذْبَحُ ابْنُ رَسُولِ الله ظَمْآنَا

وسمع ذات يوم رجلاً ينادي في السوق: أيَها النّاس ارحموني أنا رجل غريب, فتوجَه إليه الإمام عليه السلام وقال له: لو قدّر لك أن تموت في هذه البلدة فهل تبقى بلا دفن؟ فقال الرجل: الله أكبر كيف أبقى بلا دفن وأنا رجل مسلم وبين ظهرانيَّ أمّة مسلمة؟! فبكى الإمام زين العابدين وقال: وا أسفاه عليك يا أبتاه تبقى ثلاثة أيَّام بلا دفن وأنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

كَأَنَّ كُلَّ مَكَانٍ كَرْبَلاءُ لَدَى
لَهْفِي لِظَامٍ عَلَى شَاطِي الفُرَاتِ قَضَى
إِنْ يَبْقَ مُلْقًى بِلا دَفْنٍ فَإِنَّ لَهُ
عَيْنِي وَكُلَّ زَمَانٍ يَوْمُ عَاشُورَا
ظَمْآنَ يَرْنُو لِعَذْبِ المَاءِ مَقْرُورَا
قَبْراً بِأَحْشَاءِ مَنْ وَالَاهُ مَحْفُورَا

ولعلّ أكثر المصائب التي أثّرت في قلبه الشريف تلك التي يذكرها لأبي حمزة الثماليّ حيث دخل عليه يوماً فرآه حزيناً كئيباً على عادة الإمام فقال له: سيّدي, ما هذا البكاء؟ أما آن لحزنك أن ينقض؟ إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله


41


الشهادة, فقال له الإمام عليه السلام: شكر الله سعيك يا أبا حمزة, كما ذكرت, إنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة, ولكن يا أبا حمزة هل سمعت أذناك أو رأت عيناك أنّ امرأة منّا أسرت أو هتكت قبل يوم عاشوراء؟! والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وذكرت فرارهنّ في البيداء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء, والمنادي ينادي أحرقوا خيام الظالمين..

وَحَائِراتٍ أَطَارَ القَوْمُ أَعْيُنَهَا
فَغُوْدِرَتْ بَيْنَ أَيْدِي القَوْمِ حَاسِرَةً
رُعْباً غَدَاةَ عَلَيْهَا خِدْرَهَا هَجَمُوا
تُسْبَى وَلَيْسَ تَرَىْ مَنْ فِيهِ تَعْتَصِمُ

شعبي:

گلبي يبو حمزة تراهو اتفطر اوذاب
ذيك الاقمار اللي ابمنازلنه يزهرون
سبعة اوعشرة عاينتهم كلهم اغصون
مثل المصيبه اللي دهتني محّد انصاب
والليل كله من العبادة ما يهجعون
فوگ الوطية امطرّحين ابحر الاتراب

42


ما نكّست راسي لجل ذيك الصناديد
نكّسه الراسي ادخول زينب مجلس ايزيد
ما قصّروا بالغاضرية زلزلوا البيد
حسرى او من نوح اليتامه راسها شاب

نعم يذكر الإمام السجّاد عليه السلامالشام ومصائبهم فيها, ويحدّث ابنه الباقر عليه السلام عند سؤاله عن حمل يزيد لهم وكيفيّة دخوله على يزيد لعنه الله: ونسوتنا خلفي على بغال (من غير سرج) والفارطة خلفنا وحولنا الرماح, إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح, حتّى إذا دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت!!

ثمّ يقول عليه السلام: أوقفونا أوّلاً على باب من أبواب القصر ثلاث ساعات في طلب الإذن من يزيد, ثمّ أدخلونا عليه ونحن مربّطون بحبل واحد, وكان الحبل في عنقي وعنق عمّتي زينب وأمّ كلثوم وباقي النساء والبنات, وكلّما قصّرنا عن المشي ضربونا حتّى أدخلونا على يزيد..

قصد ظعن الحرم كوفان والشام
 
اوسوط الشمر منها المتن وشّام
 

43


ضمير العدو منه مات والشام بلا رحمة سباها الفاطمية

 

وَلَهْفِي لِزَيْنِ العَابِدينَ وَقَدْ سَرى
وَآلُ رَسولِ الله تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ
أَسِيراً عَلِيْلاً لَا يُفَكُّ لَهُ أَسْرُ
وَمِنْ حَوْلِهِنَّ السِّتْرُ يُهْتَكُ وَالخِدْرُ

يا الله


44