المجلس الأول

أَفْدِي حُسَيْناً حِيْنَ خَفَّ مُوَدِّعاً               
وَافَى إِلَى تَوْدِيعِهِ وَفُؤَادُهُ                 
وَغَدَا يَبُثُّ لَهُ زَفِيرَ شُجُوْنِهِ                      
يَا جَدُّ حَسْبِي مَا أُكَابِدُ مِنْ عَنَا                      
فَأَجَابَهُ: صَبراً بُنَيَّ عَلَى الأَذَى                        
وَلَقَدْ حَبَاكَ الله أَمْراً لَم يَكُنْ                            
وَكَأَنَّنِي بِكَ يَا بُنَيَّ بِكَرْبَلَا                             
وَلَقَدْ رَآهُ بِمَشهَدٍ مِن زَيْنَبٍ                                    
مُلقَىً بِرَمْضَاءِ الهَجِيرِ عَلَى الثَّرَى                             
فِي مَصْرَعٍ سُفِكَتْ عَلَيهِ دِمَاؤُهُ                                  
قَبْراً بِهِ ثِقْلَ النُّبُوَّةِ أَوْدَعَا
بِمَدَى الفِرَاقِ يَكَادُ أَنْ يَتَقَطَّعَا
بِشَكَاتِهِ وَالطَّرْفُ يُذرِي الأَدْمُعَا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَقُضُّ المَضْجَعَا
حَتَّى تَنَالَ بِذَا المَقَامَ الأَرفَعَا
بِسِوَى الشَّهَادَةِ ظَهْرُهُ لَكَ طَيِّعَا
تُمسِي ذَبِيحاً بِالسُّيُوْفِ مُبَضَّعَا
هُوَ والوَصِيُّ وَأُمُّهُ الزَّهْرَا مَعَا
تَطَأُ السَّنَابِكُ صَدْرَهُ وَالأَضْلُعَا
أَفْدِي بِنَفْسِيَ مِنهُ ذَاكَ المَصْرَعَا

53


شعبي:

وصل ويلي القبر جده وبكه احسين
هوى فوق الضريح وصاح صوتين
يجدي بوسط لحدك ضمني وياك
يقله يا حبيبي وعدك هناك
تروح وتنذبح يحسين عطشان
ويظل جسمك لعند الخيل ميدان
يودعه والدمع يهمل من العين
يجدي مفارقك غصبن عليه
تراني الضيم شفته عقب عيناك
تروح وتنذبح بالغاضريه
وتبقى على الارض مطروح عريان
ولا تبقى من ضلوعك بقيه

أبوذيّة:

يحق لاهل السما يحسين تنصاب
مصابك ما بمثله الناس تنصاب
مآتم والعيون عليك تنصاب
يبكّي الصخر واعظم كل رزيه

54


لمّا أعلن الإمام عليه السلام عن نهضته المباركة وعزم على الخروج من المدينة، أقبل سيّد الشهداء عليه السلام لزيارة قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: "السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة (يشكو إليه حاله) فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنّهم خذلوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك".

ولم يزل راكعاً ساجداً حتىّ الصباح.
وفي الليلة الثانية جاء إلى قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم وصلّى رَكَعات، ثمّ قال: "اللَّهمَّ إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللَّهمَّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال بحقّ القبر ومن فيه إلّا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى". وبكى، ثمّ وضع رأسه على القبر فغفا، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه، فضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه، وقال: "حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرمَّلا بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء، بين عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تروى، وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي لا أنالَهُم الله شفاعتي يومَ القيامة.


55


حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك"، فصار الحسين عليه السلام ينظر في منامه إلى جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبكي، ويقول له: "يا جدّ لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، خذني معك". فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ يا حسين، لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى تذوق الشهادة".

ضُمَّنِيْ عَنْدَكَ يَا جَدَّاهُ فِي هَذَا الضَّرِيْح
ضَاقَ يَا جَدَّاهُ مِنْ رَحْبِ الفَضَا كُلُّ فَسِيْحْ
جَدُّ صَفْوُ العَيشِ بعْدَكَ بالأكْدَارِ شِيْبْ
فَعَلَا مِنْ دَاخِلِ القِبْرِ بُكَاءٌ ونَحِيْبْ وَنِدَاءٌ
سَتَذُوْقُ المَوْتَ ظُلْمَا ظَامِيًا فِيْ كَرْبَلَا
وَكَأنِّيْ بَلَئِيْمِ الأصْلِ شِمرٍ قدْ عَلا
عَلَّنِي يَا جَدُّ مِن بَلْوَى زَمَانِي أسْتَرِيْحْ
فَعَسَى طَوْدُ الأسَىْ يَنْدَكُّ بيْنَ الدَّكَّتَينْ
وَأَشَابَ الهَمُّ رَأسِيْ قَبْلَ إبَّانِ المَشِيبْ
بافْتِجَاعٍ يَا حَبِيْبِيْ يَا حُسَيْنْ
وَسَتَبقَى فِي ثَرَاهَا ثَاوِيًا مُنْجَدِلَا
صَدْرَكَ الطَاهِرَ بالسَّيْفِ يَحُزُّ الوَدَجَيْنْ

56


شعبيّ

من ضاگت اعلى حسين الاوطان
لجدّه اعتنه يشتكيله الأحزان
اجاه النده يبني يعطشان
او تنذبح يبني بين عدوان
واتكاثرت كتب أهل كوفان
زاره وغفه والگلب لهفان
ظامي الكبد والگلب ولهان
او تبگه ثلاثا على التربان

خرج الإمام عليه السلام من المدينة إلى مكّة، وهناك جاء محمّد بن الحنفيّة إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها من مكّة (يحاول ثني أخيه عن الذهاب إلى العراق خوفاً عليه من الغدر، كما فعلوا بأبيه عليّ بن أبي طالب من قبل، وكذلك الحسن عليه السلام) فقال الحسين عليه السلام: "أنظر فيما قلت".

ولمّا كان السَّحر عزم الحسين عليه السلام على الرحيل من مكّة، فبلغ ذلك محمّد بن الحنفيّة، فأتاه وأخذ بزمام ناقته التي ركبها، وقال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟!، قال عليه السلام: "بلى"، قال: إذاً فما حَدَاك على الخروج عاجلا؟ فقال له: "يا


57


أخي أتاني رسول الله بعدما فارقتك"، فقال: "يا حسين، أخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلا"، فقال ابن الحنفيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أخي، إذاً فما معنى حملك هؤلاء النسوة وأنت تخرج على مثل هذه الحالة؟!، فقال: "إنّ الله شاء أن يراهنّ سبايا على أقتاب المطايا وهنّ ينادين واجدّاه... وامحمّداه.. واأبتاه... واعليّاه...".

شعبيّ:

امحمّد اجاه او دمعة العين تسيل
ماشي وماخذ النساوين
گال الهم انّه معتني البين
انّه انگتل واخوتي الطيبين
اعلى خدّه اوگال لا وين
بالكوفة ما يحصل لك امعين
لعد حفرتي البيها المعين

هذا الذي أخبر به الحسين عليه السلام يوم العاشر من المحرّم وإذا بالعقيلة زينب عليها السلام تجرّ ذيل ردائها، والفاطميّات حولها، وهي تستغيث جدّها وأباها: بأبي من شيبته تقطر بالدّما... بأبي


58


من هو غائب فلا يرتجى... بأبي من هو جريح فلا يداوى... لم تزل تقول بأبي... بأبي، حتىّ أبكت كلّ عدوّ وصديق، حتىّ وصلت إليه، ورأته بتلك الحالة، أخذت تنظر يمينا وشمالا، إلى من تلتجئ؟! بمن تستغيث؟! ولا تجد إلّا من صافح التراب جبينه، وأسكت الحِمام أنينه، عند ذلك وجّهت وجهها ناحية المدينة، وصاحت: يا جدّاه يا رسول الله صلّى عليك ملائكة السماء، هذا حسينك بالعراء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، مرفوع الرأس على القنا، وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى الحسن المجتبى، وإلى حمزة سيّد الشهداء...

شعبيّ:

يجدّي گوم شوف حسين مذبوح
يجدّي ما بگتله من الطعن روح
على الشاطي وعلى التربان مطروح
يجدّي گلب خوي حسين فطّر

ثمّ وجّهت وجهها ناحية الغري حيث أمير المؤمنين عليه السلام.


59


شعبيّ:

يبويه قوم شوف شلون ولياي
يبويه لو تشوف شماتة عداي
كلّها مذبّحة وما ذاقت الماي
وتشوف بناتك تاهت بالبرور

واجدّاه... وامحمّداه... واأبتاه... واعليّاه...

يَا رَسُولَ الله يَا فَاْطِمَةْ
عَظَّمَ الله لَكُمْ أجْراً بِمَن
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ المُرْتَضَى
كَظَّ أَحْشَاهُ الظَمَا حَتَّىْ قَضَى

يا الله


60