المجلس الثاني

رَحَلُوا وَمَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدَادِيْ                
وَخَلَتْ مَنَازِلُهُم فَهَا هِيَ بَعدَهُمْ                    
وَلَقَدْ وَقَفْتُ بِهَا وُقُوْفَ مُوَلَّهٍ                       
يَا دَارُ أَيْنَ مَضَىْ ذَوُوْكِ أَمَا لَهُمْ                 
يَا دَارُ قَدْ ذَكَّرْتِنِي بِرُبُوعِكِ الـ                           
لَمَّا سَرَىْ عَنْهَا ابْنُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ                       
قَدْ كَاتَبُوْهُ بَنُو الشَّقَا أَقْدِمْ فَلَيْسَ                             
لَكِنَّهُ مُذْ جَاءَهُم غَدَرُوْا بِهِ                                   
تَبًّا لَهُمْ مِن أُمَّةٍ لم يَحفَظُوا                                              
قَدْ شَتَّتُوهُمْ بَيْنَ مَقهُورٍ وَمَأ                                  
هَذَا بِسَامُرَّا وَذَاكَ بِكَرْبَلا                                        
إلَّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِيْ وَفُؤَادِي
قَفْرَا وَمَا فِيهَا سِوَى الأَوْتَادِ
وَبِمُهْجَتِي لِلوَجْدِ قَدْحُ زِنَادِ
بَعْدَ التَرَحُّلِ عَنْكِ يَومُ مَعَادِ؟
قَفْرَا رُبُوْعَ بَنِي النَّبِيِّ الهَادِي
بِالأَهْلِ وَالأَصْحَابِ وَالأَوْلَادِ
سِوَاكَ نَعْرِفُ مِنْ إِمَامٍ هَادِي
وَاسْتَقبَلُوهُ في ضُبَاً وَصِعَادِ
عَهْدَ النَّبيِّ بِآلِهِ الأَمْجَادِ
سُورٍ وَمَنْحُورٍ بِسَيْفِ عِنَادِ
 وَبِطُوْسِ ذَاكَ وَذَاكَ فِي بَغْدَادِ

61


شعبي:

منهم بسامرا ومنهم في خراسان
واعظم مصيبة مصيبة المذبوح عطشان
هلنوح يا زهرة على منهو تنوحين
حنّت او نادت والدمع بالخد بادي
لكن امصاب احسين ساطي في فؤادي
ومنهم بارض طيبة ومنهم بارض كوفان
لحسين وين الذي يواسيني على حسين
نوحك على المسموم لو نوحك على احسين
إن تسألوني يا خلق كلهم اولادي
واعظم مصايبنه علينه امصيبة احسين

لمّا تهيّأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة، مضى في جوف الليل إلى قبر أمّه فاطمة عليها السلام فودّعها ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح، وبعد أن ودّع جدّه وأمّه وأخاه، وجاء إلى داره عازماً على ترك المدينة، ماضياً إلى حيث المثوى والمنتهى في كربلاء، قال الراوي: جاءت أمّ سلمة، وقالت له: يا بنيّ لا تحزنّي بخروجك


62


إلى العراق فإنّي سمعت جدّك يقول: "يقتل ولدي الحسين عليه السلام في العراق بأرض يقال لها كربلاء"، فقال لها: "يا أمّاه، والله إنّي أعلم ذلك... وإنّي مقتول لا محالة وليس لي من هذا بُدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وأعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ أرَدْتِ يا أمّاه أن أريك حفرتي ومضجعي".

فعند ذلك بكت أمّ سلمة، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى، فقال لها الحسين عليه السلام: "يا أمّاه قد شاء الله أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً". فقالت أمّ سلمة: يا أبا عبد الله عندي تربة دفعها إليَّ جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قارورة، فقال: "والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني".

ثمّ أنّه أخذ تربة في قارورة وأعطاها إيّاها وقال لها: "اجعليها مع قارورة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن فاضتا دماً عبيطاً


63


فاعلمي أنّي قد قُتلت"، فأخذتها أمّ سلمة ووضعتها مع قارورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وسار الحسين عليه السلام إلى العراق... وأمّ سلمة تنظر في كلّ يوم إلى القارورتين، فإذا هما على حالهما، ولمّا كان يوم العاشر من المحرّم، نظرت أمّ سلمة إلى القارورتين تفيضان دماً عبيطاً فصاحت واولداه... واحسيناه...

شعبيّ:

يبني يراعي الفخر والباس
يبني بحوافر خيل تنداس
يبني امصابك شيّب الراس
يبني او تبقى ابغير حرّاس

علا صوتُها بالنياحة والبكاء، حتى اجتمعت النسوة من بني هاشم في المدينة، عندها قالت لهنّ: أسعدنني بالبكاء على ولدي الحسين عليه السلام.
حتى وصلت الأخبار إلى ابن عباس أنّ أمّ سلمة تبكي على ولدها الحسين عليه السلام، أقبل إليها وقال لها: يا أمّ المؤمنين من أين لك نبأ قتل الحسين عليه السلام وبين العراق والمدينة مسافة بعيدة؟! فقالت: يا بن عباس رؤيا أزعجتني وأسبلت دمعي، رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم في هذه الساعة وهو يلتقط الدم الذي سال من الحسين وأصحابه وأهل بيته.
فقال: يا أمّ سلمة هذه رؤيا... والرؤيا لا تغن من الحقّ شيئًا هل عندك دليل آخر، قالت: بلى يا بن عباس, تعال وانظر إلى


64


القارورتين (وكان يعلم ابن عباس بحديث القارورتين).

فلمّا نظر إليهما وهما تفيضان دماً عبيطاً انتحب وبكى، وصاح: واسيّداه... واحسيناه...
ثمّ قال: يا أمّ سلمة، اكتمي هذا الخبر حتى يأتي خبر الحسين عليه السلام من العراق، فكتمَت الخبر إلى أن جاء اليوم الذي قدم فيه الإمام زين العابدين إلى المدينة بعمّاته وأخواته، ودخل بشر بن حذلم ينعى الحسين، وهو ينادي في أزقّة المدينة وشوارعها:

يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقاْمَ لَكُمْ بِهَا
الجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلَاءَ مُضَرَّجٌ
قُتِلَ الحُسَيْنُ فَأَدْمُعِيْ مِدْرَارُ
والرَّأسُ مِنْهُ عَلَى القَنَاةِ يُدَارُ

فضجّت المدينة ضجّة واحدة وكان كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول بشر: بينا أنا أسير، وإذا بامرأة طويلة القامة على كتفها طفل رضيع، قالت: يا بشر عندك علم بالحسين عليه السلام؟ قلت: نعم، ولكن من أنت تسألين عن الحسين؟

فقالت: يا بشر أنا أمّ البنين، أمّ أبي الفضل العبّاس، فقلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدك جعفر، قالت: أنا ما سألتك عن جعفر، أخبرني عن الحسين. فقلت: عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت: أنا ما سألتك عن عبد الله، يا بشر


65


أخبرني عن الحسين، قلت: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت: يا بشر أخبرني عن الحسين، قلت: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدك قمر العشيرة أبي الفضل العبّاس، فلمّا سمعت ذلك وضعت يدها على خاصرتها، وقالت: يا بشر لقد قطّعت نياط قلبي، أخبرني عن ولدي الحسين، عند ذلك قلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بالحسين فلقد خلّفناه بأرض كربلاء جثّة بلا رأس. فصاحت أمّ البنين: واولداه واحسيناه..

شعبيّ:

تگله والجفن تيّار دمعه
يبن حذلم اوولادي الأربعة
يگلها عظّم الله أجرك بالحسين
كلّ الكون والساكن الوسعه
فدوه اتروح بس احسين يسلم
بگه ابوادي الطفوف ابغير تكفين

فلم يكن لدى أمّ البنين همّ سوى معرفة خبر الحسين عليه السلام، ولذلك حينما دخلت على زينب لتعزيتها، اعتنقتها زينب وصاحت: وا أخاه وا عباساه، فصاحت أمّ البنين: وا ولداه وا حسيناه..


66


شعبيّ:

صاحت بصوت آه يا فقد الأحباب
ساعه وسمعن الصرخه على الباب أنا
بكت زينب وصاحت آه يحزني
تصيح بصوت آه يحسين يبني
والله شو موحشه يا دار الأحباب
أمّ عباس جيت لا تفترين
لفتها أمّ البنين بظهر محني

هذا موقف لزينب عليها السلام ، وهناك موقف آخر، وهو لمّا وصلت إلى المدينة جاءت إلى مسجد جدّها صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فأخذت بعضادتي باب المسجد وصاحت بصوت شجي: يا جدّاه يا رسول الله إنّي ناعية إليك أخي الحسين عليه السلام...

شعبيّ:

يجدّي الرمح بفّاده تثنّه
يجدّي اوشيبه ابدمّه تحنّه
يجدّي او بالوجه للسيف رنّه
يجدّي او بالرمل خدّه تعفرّ...

67


يجدّي مات محّد مدّد ايديه
يعالج بالشمس محّد گرب ليه
ولا واحد يجدّي عدل رجليه
يحطلّه اظلال يا جدّي من الحر

 

لَوْ رَسُولُ الله يَحْيَا بَعْدَهُ
لَيْسَ هَذَا لِرَسُولِ الله يَا
قَعَدَ اليَوْمَ عَلَيهِ لِلْعَزَا
أُمَّةَ الطُّغْيَانِ والبَغْيِ جَزَا

يا الله


68