المجلس الثالث

يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ كَمْ أَوْقَدْتِ فِيْ كَبِدِيْ               
كَأنَّ كُلَّ مَكَانٍ كَرْبَلاءُ لَدَىْ                        
أَفْدِيْ غَرِيْبَ رَسُوْلِ الله إذْ شَخَصَتْ                           
هُوَ الحُسَيْنُ الأَبيُّ الضَّيْمِ مَنْ شَرَعَتْ                           
لَهْفِيْ لِظَامٍ عَلَى شَاْطِي الفُرَاتِ قَضَىْ                      
لَا غَرْوَ إِنْ كُسِفَتْ شَمْسُ الضُّحَىْ حَزَناً                       
وَأَعْوَلَتْ فِي السَّما الأَمْلَاكُ مُزعِجَةً                        
يَا لَيْتَ عَيْنَ رَسُولِ الله نَاظِرةٌ                                          
وَجِسْمَهُ نَسَجَتْ هُوجُ الرِّيَاحِ لَهُ                                   
لَمْ يَشْفِ أَعْدَاهُ مِثْلُ القَتْلِ فَابْتَدَرَتْ                                      
إنْ يَبْقَ مُلْقًى بِلَا دَفْنٍ فِإنَّ لَهُ                                      
لَمْ يَكْفِهِ قَتْلُ أوْلَادٍ لِفَاطِمَةٍ                                             
وَطِيْسَ حُزْنٍ لِيَوْمِ الحَشْرِ مَسْجورَا
عَيْنِيْ وَكُلَّ زَمَانٍ يَوْمُ عَاشُوْرَا
بِهِ مِنَ البَيْتِ كُتْبٌ ضُمِّنَتْ زُوْرَا
عُلَاهُ نَهْجَاً لِصَوْنِ العِزِّ مَأثُوْرَا
ظَمْآنَ يَرْنُوْ لِعَذْبِ المَاءِ مَقْرُورَا
عَلَى مَنِ اقْتَبَسَتْ مِنْ نُوْرِهِ النُّورَا
ضَوْضَاؤُهَا العَرْشُ تَهْلِيلاً وَتَكْبِيرَا
رَأسَ الحُسَيْنِ عَلَى العَسَّالِ مَشْهُورَا
ثَوْباً بِقَانِي دَمِ الأَوْدَاجِ مَزْرُورَا
تُجْرِي عَلَى جِسْمِهِ الجُرْدَ المَحَاضِيرَا
قَبْراً بِأَحْشَاءِ مَنْ وَالَاهُ مَحْفُورَا
حَتَّى سَبَا الفَاطِميَّاتِ المقَاصِيرَا

69


وعلى رأسهنّ الحوراء زينب عليها السلام تنادي جدّها ما فعلوا بأخيها الحسين عليه السلام

يا جدي گوم شوف احسين مذبوح
يا جدي ما بگت له من الطعن روح
يا جدي... لنوحن وگظِّي العمر بالنوح
يابا إشلون الصبر واحسين مذبوح
على الشاطي وعلى التربان مطروح
يا جدي گلب أخويه احسين فطر
وإعمي اعيوني واتلف الروح

أبوذية:

المصايب بس قلب زينب حملها
يهالناس وحيده بكربلاء حملها
ودهرها بنايبه واخرى حملها
وما ظل يقص كفوف غدر الغاضرية


وتسارعت الأقدار.. ليمضي سيّدُ الأحرار نائياً عن جدّه المختار قسراً, راكضةً إليه ركبُ المنون, منبعثةً من أرضِ الطفوفِ أنْ أقدِم إلينا.. فما تقدّم إلّا على غصص البلايا.. وبكاء النساء السبايا..


70


فتوجّه الحسين عليه السلام راحلاً عن مدينة جدّه إلى أرض كربلاء, وقد حمل عياله ومع جمعٍ من إخوته وبني عمومته, منادياً: "أين قمر بني هاشم". أجابه العبّاس: "لبيك..لبيك..سيّدي", قال: أخي أبا الفضل قدِّم لي جوادي, فقدَّمه حتّى استوى الحسين عليه السلام على ظهر جواده, وركب بنو هاشم جميعاً. ثمّ ركب العبّاس عليه السلام وبيده الراية, فصاح أهل المدينة صيحةً واحدةً, وعلت أصواتُ بني هاشم بالبكاء والنحيب وصاحوا: الوداع.. الوداع.. الفراق.. الفراق.., فقال العبّاس: "هذا والله الفراق والملتقى يوم القيامة".

ثمّ خرجوا من المدينة, فلم يبق إلّا فاطمة بنت الحسين؛ لأنّها كانت مريضة لا تطيق السفر، فوقفت على باب الدار وقالت: أبه يا حسين تتركني وحيدة في هذا الدار؟!

يحادي الظعن وياكم اخذوني
وحدي ابها الوطن لا تخلوني
عگبكم يهلي يعمن عيوني
عليله والجسم ينلظم بالسم

أجابها الحسين عليه السلام بلسان الحال:

يويلي من سمعها حسين رد امن الظعن ليها

71


گعد يمها يصبّرها
يگلها يا ضيا عيوني
يا يابه للوطن ردي
ونتك گطعت كبدي
روحي تزيد بلواها
واعلى الفرگه يسليها
دمعتك لا تهلّيها
وخليني أرشد بگصدي
وتراني امن أسمع ونينك

فقال الحسين عليه السلام: "بنيّه فاطمة إذا وصلتُ إلى مقرّي سأبعث إليك عمّك العبّاس, أو أخاك عليّاً فيحملك إلينا".

صاح إحسين يا فاطمة ارتدّي
أوديلك على ابني وكبدي
إرتدّي للمدينه وطن جدي
ولا بد ما يجي يمك امخبّر

فقالت فاطمة: لا يا أبه، إنّ نفسي تحدّثني أن لا لقاء معكم بعد هذا اليوم.
ولكن يا أبه, إنتظرني ساعة حتّى أودّع أعمامي وعمّاتي وإخوتي وأخواتي.


72


فقال: "شأنك يا بنتاه".
فأقبلت فاطمة تطوف على الهوادج تودّع إخوتها وبني عمومتها...

ودّعت عمّتها زينب عليها السلام...، وعمّتها أمّ كلثوم...، وأختها سكينة...، وأختها فاطمة...، وأختها رقيّة...، إلى أن وصلت إلى هودج الرباب زوجة أبيها الحسين عليه السلام، ودّعتها ثمّ مدّت فاطمة يديها وتناولت أخاها عبد الله الرضيع من حجر أمّه, فضمّته إلى صدرها, وودّعته...

سارت قافلة أبيها، وبقيت فاطمة تعيش أمل انتظار رجوع أحد من أبيها الحسين عليه السلام.

ردت للمدينة وسار أبوها
ظنت فاطمة لأنهم يجوها
وظلت ترگّب عمها وأخوها
أخوها والبطل عمها المشكر

بقيت منتظرة أيّاماً طِوالاً ليأتي خبر يَسُرُّها عن أبيها عليه السلام... (كيف ساروا؟. وأين نزلوا؟. إلى أين مضوا؟. وأين استقرّوا؟.) كلّ ذلك ولا تعرف عنه شيئاً.
حتّى رجعت قافلة الحسين من العراق إلى المدينة, لكن


73


 يا للأسف, رجعت بلا سيّدها وشبّانها, خاليةً من الرجال إلّا الإمام زين العابدين عليه السلام وخلفه عمّته المسبيّة!

جاؤوا إلى دار الحسين عليه السلام, وقد كانت فاطمة منتظرة وقد نفذ صبرها، وإذا بباب الدار يُفتَح, وقد فُتحت معه أبواب الرزايا أمام بنات الحسين عليه السلام وأولاده..
كيف يكون حال الدار ومن فيه..

الجواب حاضر:

يا دار وين الميامين
يا دارهم چنت زهيه
العبّاس وينه ووين الحسين
وكانت قناديلك مُضيه

يَا دَارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوْكِ أَمَا لَهُمْ بَعْدَ التَرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمُ مَعَادِ؟!

يا الله


74