الليلة الأولى

قصيدة السيّد حيدر الحلّي

هذا المُحَرّمُ قَدْ وَافَتْكَ صَارِخةً                  مِمَّا استَحَلُّوا بهِ أيّامَهُ الحُرُمُ

يَملَأنَ سَمْعَكَ مِن أصَواتِ ناعيةً                في مَسمَعِ الدّهرِ مِن إعوَالِها صَمَمُ

مُوَسّدِينَ على الرمَضاءِ تنظُرهُمً                حَرَّى القُلوبِ على وُرْدِ الرَدَى ازدحَموا
  
وخَائِضينَ غِمارَ المَوتِ طافِحَةًً                 أمواجُها البيضُ بالهاماتِ تَلتَطِمُ

مشَوا إلى الحَربِ مَشْيَ الضَارياتِ لهاً          فَصَارَعوا المَوتَ فيها والقَنا أُجُمُ

ولا غَضَاضَةَ يومَ الطَّفِ إنْ قُتِلواً               صَبْراً بِهَيجَاءَ لَم تَثْبُت لها قَدَمُ

فالحَرْبُ تَعلَمُ إن ماتَوا بِها فَلَقَدً                 ماتَتْ بِها منهُمُ الأسيَافُ لا الهِمَمُ
ً                
وحائراتٍ أطَارَ القَومُ أعيُنَها                    رُعْبَاً غَداةَ عَلْيهَا خِدْرَها هَجَموا

فغُودِرَتْ بَينَ أيدِي القَومِ حاسِرَةًً               تُسبَى وَليسَ لَها مَنْ فيهِ تَعتَصِمُ

نَعَم لَوَتْ جِيدَها بالعَتْبِ هاتِفةًً                  بِقَومِها وَحَشَاهَا مِلْؤُهُ ضَرَمُ


9


نصّاري:

يبويه گوم شوف اشلون ولياي                   كلها امذبحه اوما ذاقت الماي

يبويه لو تشوف اشماتة عداي                   وتشوف ابناتكم تاهت بالبرور

أبو ذيّة:

جسمي امن الحزن يا ناس ينهار               اودمع العين علوجنات ينهار

عسنّك لا تجي يا ريت ينهار                     ابشمس وعداي تتفرّج عليّه

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "وارحم تلك الخدود التي تقلَّبت على قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام (ليس فقط الذين على القبر بل حتّى الذين يحضرون المجالس ويذرفون الدموع...) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن، وارحم تلك الصرخة التي كانت لأجلنا..." أي واحسيناه... وامظلوماه... واغريباه...

تَبكيكَ عَيني لا لأَجْلِ مَثُوبَةٍ                       لَكنّمَا عَيني لأجلِكَ باكِية

تَبْتَلُّ مِنْكُمُ كَربَلا بِدَمٍ وَلا                          تَبْتَلُّ مِنِّي بِالدُموعِ الجَارِيَة

أنسَتْ رَزِيَّتُكُم رَزَايانا التي                       سَلَفَتْ وَهَوَّنَتِ الرَزايا الآتِيَة


10


هذه المجالس التي يحبّونها ويأنسون بإقامتها، كما قال إمامنا الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا".

لذا أقام فُضَيل بن يَسَار مأتماً للحسين عليه السلام ولم يُخبر به إمامنا الصادق عليه السلام، فلمّا كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام- روحي فداه- فقال له: "يا فُضيل أين كنت البارحة"؟

قال: سيّدي شغل عاقني...

(ما أحَبَّ فُضيل أن يخبر الصادق عليه السلام بأنّه صنع مجلساً في بيته للحسين عليه السلام، حتى لا يؤلم قلبه بسماع ذكر الحسين عليه السلام، لأنّه صلوات الله عليه ما ذُكر اسم جدّه الحسين إلّا وخنقته العبرة).

فقال عليه السلام: "يا فُضيل، لا تخفي عليّ، أمَا صنعت مأتماً وأقمت بدارك عزاءً في مصاب جدّي الحسين عليه السلام"؟! فقال: بلى سيّدي، قال عليه السلام: "وأنا كنت حاضراً"، قال: سيّدي إذاً ما رأيتك، أين كنت جالساً؟ فقال عليه السلام: "لمّا أردت الخروج من البيت أمَا عثرت بثوب أبيض"؟! قال: بلى، سيّدي، قال عليه السلام: "أنا كنت جالساً هناك"، فقال له: سيّدي لِمَا جلست بباب البيت ولِمَ لَمْ تتصدّر المجلس؟! (أنتم المقدَّمون في الدنيا والآخرة، ولكم صدور المجالس والمحافل، ولا يجوز لنا أن نتقدّم عليكم أهل البيت).


11


فقال الإمام الصادق عليه السلام: "كانت جدّتي فاطمة جالسة بصدر المجلس، لذا ما تصدّرت إجلالاً لها".

فالزهراء عليها السلام تحضر مجالس ولدها الحسين، وتطلب من يسعدها بالبكاء عليه، وقد جاء في الرواية عن إمامنا الصادق عليه السلام: " ابكِ على جدّي الحسين، وأسعد بذلك فاطمة".

فائزي:


نوحي على الأولاد يا زهرة الحزينة        في كربلا واحد وواحد في المدينة

وتفرقوا عنك وصار الشمل تبديد           واحد من جعيدة قضى وواحد من يزيد

واحد اندفن عندك وواحد عنك ابعيد        قبر الحسن عندك وقبر احسين وينه

حزني على ولادي ذبايح يوم عاشور       لنصب عليهم مآتم في وسط القبور


فالزهراء عليها السلام لم تكن غائبة عمّا جرى على ولدها يوم عاشوراء، ولذلك يروى: أنّ عمر بن سعد حينما بعث برأس الحسين إلى الكوفة


12


مع خولّي بن يزيد إلى ابن زياد، أقبل خولّي إلى قصر الأمارة، فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى به إلى منزله، ووضع الرأس الشريف في أجانة، ثمّ آوى إلى فراشه، فقالت له زوجته: ما وراءك؟ فقال لها: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معكِ في الدار، قالت: ويلك، الناس يأتون بالذهب والفضّة، وأنت تأتيني برأس ابن بنت رسول الله، لا والله لا جمعت رأسي ورأسك وسادةٌ أبداً.

تقول تلك المرأة: خرجت إلى ساحة الدار، وإذا أنا بنور مثل العامود يسطع من تلك الأجانة إلى عنان السماء، وسمعت هاتفة تقول: "بني حسين، قتلوك ومن شرب الماء منعوك، وما عرفوا من أمّك ومن أبوك".

نعي مجاريد:

أنا الوالده والگلب لهفان        وادوّر عزه ابني وين ما كان

جسمه طريح ولا له اكفان       ودارت عليه الخيل ميدان

أنا الوالده المذبوح ابنها        او طول الدهر ما كل حزنها

امصيبه او يشيب الطفل منها   سبعين جثه ابدور كنها

بالمعركة محدّ دفنها


والحسين عليه السلام كان وصيّة الزهراء عليها السلام لزينب الحوراء حينما دنت منها الوفاة، ولذلك عندما ودّع الحسين عياله وأطفاله، وتوجّه


13


حو الميدان، وإذا بمنادية خلفه: أخي حسين، قف لي هنيهة، فالتفت الحسين عليه السلام إلى خلفه، وإذا بها أخته زينب عليها السلام. قال لها: "أخيّة ما تريدين"؟! قال: أخي انزل من على ظهر جوادك، فنزل الحسين عليه السلام. جاءت إليه، قالت: أخي اكشف لي عن صدرك وعن نحرك، فكشف لها الحسين، ضمّته إلى صدرها، قبّلته في نحره، شمّته في صدره، ثمّ حوّلت وجهها ناحية المدينة، وصاحت: أمّاه، لقد أدّيت الأمانة. قال الحسين عليه السلام: "أخيّة وما الأمانة"؟!

قالت: اعلم يا أخي، لمّا دنت الوفاة من أمّنا فاطمة، دعتني إليها، ضمّتني إلى صدرها، قبّلتني في نحري، شمّتني في صدري، وقالت: بنيّ زينب، إذا رأيت أخاك الحسين وحيداً فريداً في كربلاء، قبّليه في نحره، فإنه موضع السيوف، شمّيه في صدره فإنّه موضع حوافر الخيول...


نعي عراقي:

انحنت فوگه تشم نحره وصدره      وتندب صارخه والعين عبره

هذي نيابتي عنك يا زهره            وسفه يروح والينا للقبور

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا         وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذن للطمت الخدّ فاطم عنده           وأجريت دمع العين في الوجنات

يا الله


14