الليلة الثانية

قصيدة الحاج هاشم الكعبيّ

تاللهِ لا أنسَى ابنَ فَاطِمَ والعِدَى              تُهدى إليهِ بَوَارِقَاً وَرُعُودَا

فَأقَامَ مَعدُومَ النَّظِيرِ فَرِيدُ بَيـ                  تِ المَجْدِ مَعدُومَ النَّضِيرِ فَرِيدَا

فَانصَاعَ لم يَعْبَأْ بِهِمْ عَن عِدَّةٍ                كَثُرَتْ عَليْهِ وَلا يَخَافُ عَدِيدَا

عَمَدَتْ لهُ كَفُّ العِنَادِ فَسَدَّدَتْ                 سَهْمَاً عَدَا التَوفِيقَ والتَسْدِيدَا

فَثَوَى بِمُستَنِّ النِزَالِ مُقَطَّعِ الأَو             صَال مَشكُورِ الفِعَالِ حَميدَا

للهِ مَطروحٌ حَوَتْ منهُ الثَرَى                نَفسُ العُلَى والسؤدَدِ المَفقُودَا

وَمَجرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا                 حُسْنَاً وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا

وَثَوَاكِلٌ في النَوْحِ تُسعِدُ مِثلَهَا              أَرَأَيْتَ ذَا ثُكلٍ يِكونُ سِعيدَا

وَنَوائِحٌ لَم تَرَ مِثلَهُنَّ نَوَائِحَا                إذ ليسَ مِثلُ فَقيدِهِنَّ فَقيدَا

نَادَتْ فَقَطَّعَتْ القُلوبَ بِشَجوِها              لكنَّمَا انتَظَمَ البَيَانُ فَريدَا


15


إنسانَ عَينِي يا حُسينُ أُخَيّ                  َ يا أمَلِي وَعِقْدَ جُمَانِيَ المَنضُودَا

ما لِي دَعَوْتُ فَلا تُجِيبُ ولَم تَكُنْ              عَوَّدتَني مِن قَبلِ ذَاكَ صُدُودَا

أَلِمِحنَةٍ شَغَلَتكَ عَنِّي أمْ قِلَىً؟                   حاشاكَ إنَّكَ مَا بَرِحْتَ وَدُودَا



مجاريد

خويه معذور يالنايم بالطفوف                    دگعد من منامك وشوف

منه امسلّبه والگلب ملهوف                     خويه ودمعي عالوجنات مذروف

نعي

انه مشيت درب الما مشيته                     وگتّال اخيّي رافگيته

من جلّت الوالي نخيته                          شتم والدي وانكر وصيته



لمّا تهيّأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة، مضى في جوف الليل إلى قبر أمّه فاطمة عليها السلام فودّعها ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح، وبعد أن ودّع جدّه وأمّه وأخاه، وجاء إلى داره عازماً على ترك المدينة، ماضياً إلى حيث المثوى والمنتهى في كربلاء، قال الراوي: جاءت أمّ سلمة، وقالت له: يا بنيّ لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإنّي سمعت جدّك يقول:


16


"يقتل ولدي الحسين عليه السلام في العراق بأرض يقال لها كربلاء"، فقال لها: "يا أمّاه، والله إنّي أعلم ذلك... وإنّي مقتول لا محالة وليس لي من هذا بُدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وأعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ إردت يا أمّاه أن أريك حفرتي ومضجعي".

فعند ذلك بكت أمّ سلمة، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى، فقال لها الحسين عليه السلام: "يا أمّاه قد شاء الله أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً". فقالت أمّ سلمة: يا أبا عبد الله عندي تربة دفعها إليَّ جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قارورة، فقال: "والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني".

ثمّ أنّه أخذ تربة في قارورة وأعطاها إيّاها وقال لها: "اجعليها مع قارورة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن فاضتا دماً عبيطاً فاعلمي أنّي قد قتلت"، فأخذتها أمّ سلمة ووضعتها مع قارورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وسار الحسين عليه السلام إلى العراق... وأمّ سلمة تنظر في كلّ يوم إلى القارورتين، فإذا هما على حالهما، ولمّا كان يوم العاشر من المحرّم، نظرت أمّ سلمة إلى القارورتين تفيضان دماً عبيطاً صاحت واولداه... واحسيناه...


17


مجاريد

يبني يراعي الفخر والباس           يبني امصابك شيّب الراس

يبني بحوافر خيل تنداس             يبني او تبقى ابغير حرّاس



علا صوتُها بالنياحة والبكاء، حتى اجتمعت النسوة من بني هاشم في المدينة، عندها قالت لهنّ: أسعدنني بالبكاء على ولدي الحسين عليه السلام.

حتى وصلت الأخبار إلى ابن عباس أنّ أمّ سلمة تبكي على ولدها الحسين عليه السلام، أقبل إليها وقال لها: يا أمّ المؤمنين من أين لك نبأ قتل الحسين عليه السلام وبين العراق والمدينة مسافة بعيدة؟! فقالت: يا ابن عباس رؤيا أزعجتني وأسبلت دمعي، رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الساعة (يعني وقت الزوال) وهو يلتقط الدم الذي سال من الحسين وأصحابه وأهل بيته.

فقال: يا أمّ سلمة هذه رؤيا... والرؤيا لا تغن من الحقّ شيئاً هل عندك دليل آخر، قالت: بلى يا ابن عباس تعال وانظر إلى القارورتين (وكان يعلم ابن عباس بحديث القارورتين).

فلمّا نظر إليهما وهما تفيضان دماً عبيطاً انتحب وبكى، وصاح: واسيّداه... واحسيناه...


18


ثمّ قال: يا أمّ سلمة، اكتمي هذا الخبر حتى يأتي خبر الحسين عليه السلام من العراق، فكتمَت الخبر إلى أن جاء اليوم الذي قدم فيه الإمام زين العابدين إلى المدينة بعمّاته وأخواته، ودخل بشر بن حذلم ينعى الحسين، وهو ينادي في أزقّة المدينة وشوارعها:

يا أهلَ يثرِبَ لا مُقامَ لكُم بها          قُتل الحسينُ فأدمُعِي مِدرارُ

الجسمُ منهُ بِكَربلاءَ مُضَرَّجٌ            والرأسُ منهُ على القَناةِ يُدارُ



فضجّت المدينة ضجّة واحدة وكان كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول بشر: بينا أنا أسير، وإذا بامرأة طويلة القامة على كتفها طفل رضيع، قالت: يا بشر عندك علم بالحسين عليه السلام؟ قلت: نعم، ولكن من أنت تسألين عن الحسين؟

فقالت: يا بشر أنا أمّ البنين، أمّ أبي الفضل العباس، فقلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدك جعفر، قالت: أنا ما سألتك عن جعفر، أخبرني عن الحسين. فقلت: عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت: أنا ما سألتك عن عبد الله، يا بشر أخبرني عن الحسين، قلت: عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت: يا بشر أخبرني عن الحسين، قلت: يا أم البنين عظّم الله لك الأجر بولدك قمر العشيرة أبي الفضل العباس، فلمّا سمعت ذلك وضعت يدها على خاصرتها، وقالت: يا بشر لقد قطّعت


19


نياط قلبي، أخبرني عن ولدي الحسين، عند ذلك قلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بالحسين فلقد خلّفناه بأرض كربلاء جثّة بلا رأس. فصاحت أمّ البنين: واولداه واحسيناه..

زريجي:

تگله والجفن تيّار دمعه                 كلّ الكون والساكن الوسعه

يبن حذلم اوولادي الأربعة              فدوه اتروح بس احسين يسلم

يگلها عظّم الله أجرك بالحسين         بگه ابوادي الطفوف ابغير تكفين


فلم يكن لدى أمّ البنين همّ سوى معرفة خبر الحسين عليه السلام، ولذلك حينما دخلت على زينب لتعزيتها، اعتنقتها زينب وصاحت: وا أخاه وا عباساه، فصاحت أمّ البنين: وا ولداه وا حسيناه..

نصّاري:

صاحت بصوت آه يا فقد الأحباب            والله شو موحشه يا دار الأحباب

ساعه وسمعن الصرخه على الباب          أنا أمّ عباس جيت لا تفترين

بكت زينب وصاحت آه يحزني               لفتها أمّ البنين بظهر محني

تصيح بصوت آه يحسين يبني


هذا موقف لزينب عليها السلام ، وهناك موقف آخر، وهو لمّا وصلت إلى


20


المدينة جاءت إلى مسجد جدّها صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بعضادتي باب المسجد وصاحت بصوت شجي: يا جدّاه يا رسول الله إنّي ناعية إليك أخي الحسين عليه السلام...

نصّاري

يجدّي الرمح بفّاده تثنّه                      يجدّي او بالوجه للسيف رنّه

يجدّي اوشيبه ابدمّه تحنّه                   يجدّي او بالرمل خدّه تعفرّ...

يجدّي مات محّد مدّد ايديه                   ولا واحد يجدّي عدل رجليه

يعالج بالشمس محّد گرب ليه                يحطلّه اظلال يا جدّي من الحر

لو رسولُ اللهِ يَحيَى بَعدَهُ                     قَعَدَ اليومَ عليهِ لِلعَزَا

ليس هذا لرسولِ اللهِ يا                      أمَّةَ الطُغيَانِ والبَغيِ جَزَا

يا الله


21