الليلة الثالثة

قصيدة الشيخ محمّد علي الأعسم

ذِكْرُ الطُفُوفِ وَيَومُ عَاشورَاءِ               مَنَعَا جُفُونِي لَذَّةَ الإغْفَاءِ

وَتَذَكُّرِي رِزْءَ الحُسينِ بِكَربَلا               أغْرَى دُمُوعَ العَينِ بالإجْرَاءِ

لَمْ أَنْسَهُ لَمَّا سَرَى مِن يَثرِبٍ                بِعُصَابَةٍ مِن رَهْطِهِ النُجَبَاءِ

للهِ كَمْ قَطَعُوا هُنَاكَ مِن فَدْفَدٍ                 تَكْبُو الرِّيَاحُ بهِ مِن الإعْيَاءِ

حتَّى أتَوا أرضَ الطُفُوفِ فَدَتْهُمُ            أرضُ الطُفُوفِ وأرضُ كُلِّ بَلاءِ

وَيْلاهُ إذْ وَقَفَ الجَوادُ وَلمْ يَسِرْ             فَغَدَا يَقولُ لِصَحبِهِ الخُلَصَاءِ

يا قومُ ما اسمُ الأرضِ قالوا نَيْنَوى         قالَ أوضِحُوا عَنها بِغيرِ خَفَاءِ

قالوا تُسَمَى كَربَلا فَتَنَفَّسَ الصُعَـ            ـدَاءِ وَقالَ هُنَا مَحَلُ فَنَائِي

حُطُوا الرِّحالَ فَذَا مَحَطُ خِيَامِنا             وَهُنا تَكونُ مَصَارِعُ الشُهَدَاءِ

وَبِِهَذهِ يَغدُو جَواديَ صَاهِلاً                مُرخَى العَنَانِ يَجُولُ في البَيْدَاءِ

وَبِهذهِ أغْدُوا لِطِفْلِيَ حَامِلاً                 في الكَفِّ أطلُبُ جَرْعَةً مِن مَاءِ


23


فايزي

انكان هذي كربلا بشروا بلايه                  نزلوا تره لاحت علامات المنايه

لازم بجانب هالنهر نقضي ظمايا               واجسادنا تبگى على الغبرة سليبة

انكان اسمها كربلاء هاي الفيافي               ملزوم تلف أرواحنا فيها نوافي

حطّوا ولا تخطوا ترى وعد النبي حان         جدّي وعدني بهالأرض اندفن عطشان

وفيها ترض صدري حوافر خيل سفيان       وبيها العدى يسلّبوا حرم صفوة المختار

لمّا أعلن الإمام عليه السلام عن نهضته المباركة وعزم على الخروج من المدينة، أقبل سيّد الشهداء عليه السلام لزيارة قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: "السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة (يشكو إليه حاله) فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنّهم خذلوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك".


24


 ولم يزل راكعاً ساجداً حتى الصباح.

وفي الليلة الثانية جاء إلى قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وصلّى رَكَعات، ثمّ قال: "اللهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال بحقّ القبر ومن فيه إلّا ما اخترت لي ما هو لك رضىً ولرسولك رضىً". وبكى، ثمّ وضع رأسه على القبر فغفا، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه، فضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه، وقال: "حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء، بين عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى، وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي لا أنالَهُم اللهُ شفاعتي يومَ القيامة.

حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك"، فصار الحسين عليه السلام ينظر في منامه إلى جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبكي، ويقول له: "يا جدّ لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، خذني معك". فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ يا حسين، لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى تذوق الشهادة".


25


ضُمَّني عَندَك يا جَدَّاهُ في هذا الضَريح            عَلَّنِي يا جَدُّ مِن بَلوَى زَمَانِي أستَرِيح

ضَاقَ يا جَدَّاهُ مِن رَحْبِ الفَضَا كُلُّ فَسِيح           فَعَسَى طَوْدُ الأسَى يَنْدَكُ بين الدَكّتَيْن

جَدُّ صَفوُ العَيشِ بعدَكَ بالأكدَارِ شِيب               وأشَابَ الهَمُ رأسِي قبلَ إبَّانِ المَشِيب

فَعَلَا مِن داخِلِ القِبرِ بُكاءٌ ونَحيب                   ونداءٌ بافتِجَاعٍ يا حَبيبي يا حُسين

سَتَذوقُ الموتَ ظُلمَاً ظَامِيَاً في كَربَلاء             وَستَبقَى في ثَرَاهَا ثَاوِياً مُنجَدِلا

وَكَأنِّي بَلَئِيمِ الأصْلِ شِمرٍ قدْ عَلا                   صَدرَكَ الطَاهِرِ بالسيفِ يَحزُّ الوَدَجين

مجاريد

من ضاگت اعلى حسين الاوطان                  واتكاثرت كتب أهل كوفان

لجدّه اعتنه يشتكيله الأحزان                      زاره وغفه والگلب لهفان

اجاه النده يبني يعطشان                          ظامي الكبد والگلب ولهان

او تنذبح يبني بين عدوان                       او تبگه ثلاثاً على التربان

خرج الإمام عليه السلام من المدينة إلى مكّة، وهناك جاء محمّد بن الحنفيّة إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها من مكّة (يحاول ثني أخيه عن الذهاب إلى العراق خوفاً عليه من الغدر، كما فعلوا بأبيه علي بن أبي طالب من قبل، وكذلك الحسن عليه السلام) فقال الحسين عليه السلام: "أنظر فيما قلت".


26


ولمّا كان السحر عزم الحسين عليه السلام على الرحيل من مكّة، فبلغ ذلك محمّد بن الحنفيّة، فأتاه وأخذ بزمام ناقته التي ركبها، وقال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟!، قال عليه السلام: "بلى"، قال: إذن فما حَدَاك على الخروج عاجلاً، فقال له: "يا أخي أتاني رسول الله بعدما فارقتك"، فقال: "يا حسين، أخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلاً"، فقال ابن الحنفيّة: إنّا لله وإنّّا إليه راجعون، أخي، إذن فما معنى حملك هؤلاء النسوة وأنت تخرج على مثل هذه الحالة؟!، فقال: "إنّ الله شاء أن يراهنّ سبايا على أقتاب المطايا وهنّ ينادين واجدّاه... وامحمّداه واأبتاه... واعليّاه...".

مجاريد

امحمّد اجاه او دمعة العين                     تسيل اعلى خدّه اوگال لا وين

ماشي وماخذ النساوين                         بالكوفة ما يحصل لك امعين

گال الهم انّه معتني البين                       لعد حفرتي البيها المعين

انّه انگتل واخوتي الطيبين


خرج الحسين إلى العراق، وبينما هو يسير إذ وقف جواده عن المسير، بعثه فلم ينبعث، زجره فلم ينزجر، نزل عنه وركب جواداً غيره، فكان كذلك حتى بدّل عدّة أفراس، فلم تخطو خطوة واحدة، فالتفت الإمام عليه السلام


27


إلى أصحابه، وقال: "هل فيكم من يعرف هذه الأرض"؟! أجابوه بأنّها الغاضريات، فقال: "هل لها اسم آخر"؟!، قالوا: تسمى نينوى، قال: "هل لها اسم غير هذا"؟! فقالوا: تسمى كربلاء، فتنفس الصعداء، وقال: "اللهم إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء، أصحابي، انزلوا فها هنا محطّ رحالنا، ههنا مسفك دمائنا، ههنا ترمّل نساؤنا، ههنا تحرق خيامنا، ههنا تسبى نساؤنا".

وفعلاً ما مضت الليالي والأيّام حتى كان ما أخبر به الحسين عليه السلام، وما يجري عليه في كربلاء مع أهله وصحبه.

وإذا العقيلة زينب عليها السلام يوم العاشر من المحرّم تجرّ ذيل ردائها، والفاطميّات حولها، وهي تستغيث جدّها وأباها: بأبي من شيبته تقطر بالدّما... بأبي من هو غائب فلا يرتجى... بأبي من هو جريح فلا يداوى... لم تزل تقول بأبي... بأبي، حتى أبكت كلّ عدوّ وصديق، حتى وصلت إليه، ورأته بتلك الحالة، أخذت تنظر يميناً وشمالاً، إلى من تلتجئ؟! بمن تستغيث؟! ولا تجد إلّا من صافح التراب جبينه، وأسكت الحِمام أنينه، عند ذلك وجّهت وجهها ناحية المدينة، وصاحت: يا جدّاه يا رسول الله صلّى عليك ملائكة السماء، هذا حسينك بالعراء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، مرفوع الرأس على القنا، وبناتك سبايا،


28


وإلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى الحسن المجتبى، وإلى حمزة سيّد الشهداء...

نصّاري:

يجدّي گوم شوف حسين مذبوح              على الشاطي وعلى التربان مطروح

يجدّي ما بگتله من الطعن روح              يجدّي گلب خوي حسين فطّر

ثمّ وجّهت وجهها ناحية الغري حيث أمير المؤمنين عليه السلام.

نصّاري:

يبويه قوم شوف شلون ولياي               كلّها مذبّحة وما ذاقت الماي

يبويه لو تشوف شماتة عداي               وتشوف بناتك تاهت بالبرور

واجدّاه... وامحمّداه... واأبتاه... واعليّاه...

يا رسولَ اللهِ يا فاطِمَة                       يا أميرَ المؤمنينَ المُرتَضى

عظّم اللهُ لَكُم الأجرَ بِمَن كَظَّ                 أحشاهُ الظَمَا حَتَى قَضَى

يا الله


29