الليلة السادسة

قصيدة الحاج حسن القيم

إنْ تَكُن جَازِعَاً لَهَا أو صَبُورَا                 فَلَيَالِيكَ حُكمُهَا أنْ تَجُورَا

يومُ عَاشُورِ الذي قَد أرَانا                     كُلَّ يَومٍ مُصابُهُ عاشورَا

يَومَ حَفَّت بابنِ النَبِيِّ رِجَالٌ                   يَملَئونَ الدُروعَ بَأسَاً وَخيرا

مَا تَعَرَّتْ بالطَفِّ حَتى كَسَا                    هَا اللهُ في الخُلدِ سُندُسَاً وَحَرِيرا

لم تَعثُر أقدَامُها يَومَ أمسَى                    قَدَمُ المَوتِ فِي النُفوسِ عُثورا

بقلوبٍ كَأنَّمَا البَأسُ يَدعوهَا                  بِقَرعِ الخُطوبِ كُونِي صُخورَا

عَشِقُوا الغَادَةَ التِي أنشَقَتهُم                 مِن شَذَاهُ النَقعَ المُثارَ عَبِيرا

فَجَثَوا أنجُمَاً وَغَابوا بُدُوراً                  وَهَوَوا أَجْبُلاً وَغَاضُوا بُحُورا

مِن صَريعٍ مُرَمَّلٍ غَسَّلَتهُ                     مِن دِمَاهُ السيوفُ مَاءً طَهُورَا

وَمُعَرّىً في الثَرَى كَفَّنَتهُ                     أُمُّهُ الحَربُ نَقعَها المُستَثيِرا

عَفَّرَ التُربُ مِنهُم كُلَّ وَجهٍ                   عَلَّمَ البَدرَ فِي الدُجَى أَنْ يُنِيرَا


45


نصّاري

هووا ما بين من قطعوا وريده            وگع راسه وبين لطارت ايده

وبين مشبّح برميه شديدة                 وبين لصار للنشّاب مكور


فلمّا ورد الحسين عليه السلام كربلاء، خرج حبيب ومسلم إليه متخفيين، يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه.

ثمّ أقبل حبيب على جواده وشدّه شدّاً وثيقاً، وقال لعبده: خذ فرسي، وامضِ به ولا يعلم بك أحد وانتظرني في المكان الفلاني، فأخذه العبد، ومضى به وبقي ينتظر قدوم سيّده.

ثمّ إنّ حبيب ودّع زوجته وأولاده، وخرج متخفّياً فاستبطأه الغلام، وأقبل على الفرس، فجعل الغلام يخاطبه، ويقول له: يا جواد حبيب، إن لم يأتِ صاحبك لأعلونّ ظهرك، وأمضي بك لنصرة سيّدي الحسين عليه السلام.

لمّا سمع حبيب خطاب الغلام لجواده، أخذ يصفق بإحدى يديه على الأخرى ، ويقول: بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول الله، العبيد يتمنّون نصرتك فكيف بالأحرار.

ثمّ قال لعبده: يا غلام، أنت حرّ لوجه الله، فبكى الغلام، وقال: سيّدي والله لا تركتك حتى أمضي معك وأنصر الحسين عليه السلام ابن


46


بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقتل بين يديه، فجزّاه خيراً.

ثمّ جدَّا السير ليلاً نهاراً، حتى وصلا أرض كربلاء، هذا والحسين عليه السلام قد وزّع الرايات على أصحابه، وبقيت راية واحدة، وكلّ واحد من أصحابه يقول: سيّدي منّ عليّ بحمل هذه الراية، والإمام عليه السلام يجيبهم: "الآن يأت صاحبها"، بينا هم في الكلام، وإذ بغبرة من جهة الكوفة، فالتفت الإمام عليه السلام وقال لهم: "جاء صاحب الراية، هذا أخوكم حبيب بن مظاهر الأسديّ"، فلمّا صار حبيب قريباً من الإمام ترجّل عن جواده، وجعل يقبّل الأرض بين يديه وهو يبكي، فسلّم على الإمام عليه السلام وأصحابه فردّوا عليه السلام، وأعطاه الإمام الراية.

فائزي:

اتناول العلم حبيب العلم من كفّه الشفيّه              اوهزّه ابيمنه اوگال ما احلى المنيّة

والله يا ابن بنت النبي لوگطّعوني                    بالسيف والخطي او بالنار احرگوني

او ذرّوا عظامي بالهواء اوتالي انشروني           سبعين مرّة هالفعل يجري عليه


47


 فسمعت زينب عليها السلام فقالت: من هذا الذي أقبل؟ فقيل لها: حبيب بن مظاهر.

فقالت، أقرؤوه عنّي السلام، فلمّا بلّغوه سلامها، لطم حبيب على وجهه، وحثّ التراب على رأسه، وأخذ يقول: من أنا ومن أكون حتى تسلّم عليَّ بنت أمير المؤمنين.

نصّاري:

انه منين وتسلّم عليه                        بنت المرتضى حامي الحميّة

هاي مدلّلة عباس هيّه                       وبحگهم نزل وينص الكتاب

عليَّ انتِ يَبِتْ حيدر تسلمين                ولكم خادم انه او عبد لحسين

گام اولطم وجهه وهلت العين              حبيب اوفوگ راسه ذب التراب


فاستأذن من الحسين عليه السلام أن يسلّم عليها، فأذن له أقبل حبيب وقف على باب الخيمة.

جعل يتأوّه ويتحسّر على أمّ المصائب يقول في كلامه: "آه... لوجدك يا زينب يوم تُحملين على بعير ضالع، ورأس أخيك الحسين عليه السلام على علم (لأنّه سمع من أبيها أمير المؤمنين ما سيجري عليها من السبي والأسر) تحفّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي هذا معلّق في


48


عنق الفرس يضربه الفرس بركبتيه، أجابته زينب عليها السلام: يا حبيب لقد أخبرني بهذه المصائب ابن أمّي الحسين عليه السلام البارحة، ولوددت أنّي عمياء، ولا أرى هذه المصائب.

مجاريد

انا اصيحن او بالصياح راح صوتي             يا ريت گبل احسين موتي‏

ولا اشوف العده تنهب ابيوتي‏


وفعلاً ما مضت الساعات، وإذا بحبيب يوم العاشر من المحرّم، لماّ قاتل بين يدي الحسين عليه السلام في المرّة الأخيرة رجع إلى المخيّم ودموعه جارية على خدّيه. فقال له الإمام الحسين عليه السلام: "مما بكاؤك يا حبيب؟! لعلك ذكرت الأهل والأوطان، أنت في حلّ من بيعتي". فأجابه حبيب: لا، لقد استبدلت عن أهلي أهلا، وعن داري دارا، وعن صبيتي صبية.

قال: "إذا ممّا بكاؤك"؟! قال: أبكي لحال تلك الواقفة بباب الخيمة (الحوراء زينب)، ولمّا يجري عليها من بعدك، فجزّاه الإمام خيراً...

ولمّا سقط حبيب شهيداً، مشى إليه الحسين عليه السلام، وعندما وصل إليه استعبر باكياً، وقال: "لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة".


49


ثمّ قام الإمام من عنده محنيّ الظهر( لأنّ مقتل حبيب قد هدّ ظهره) وهو يقول: "عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي".

عراقي:

گضوا حگ لعليهم دون الخيام                ولا خلوا خوات احسين تنضام

لمن طاحوا تفايض منهم الهام                تهاووا مثل مهوى النجم من خر

إن يَهُدَّ الحسينَ قتلُ حَبيبٍ                    فَلَقَد هَدَّ قتلُهُ كلَّ رُكنِ

قَتَلُوا مِنهُ لِلحُسينِ حَبِيباً                      جَامِعاً في فِعالِهِ كُلَّ حُسْنِ


وكان ما أخبر به حبيب، وجرى ما جرى على الحسين في كربلاء، عندما وصلت زينب إلى مصرع المولى أبي عبد الله، رأته بتلك الحالة يجود بنفسه، جراحاته تشخب دماً، لسانه كالخشبة اليابسة، شفتاه ذابلتان، جلست عند رأسه، أسندته إلى صدرها، ورفعت طرفها إلى السماء، وقالت: اللهم تقبّل منّا هذا القربان، ثمّ أعادت الحسين إلى الأرض، وأخذت تكلِّمه، قالت: أخي أبا عبد الله، إلى من نلتجئ وإلى من نفزع؟! مات جدّنا رسول الله ففزعنا إلى أبيك علي، مات أبونا علي ففزعنا إلى أخيك الحسن، فإلى من نفزع بعدك أبا عبد الله؟ وهذا ابنك ملقىً مغمىً عليه، فلم تسمع منه جواباً، قالت: أخي بحقّ جدّي رسول


50


 الله كلّمني، بحقّ أبي أمير المؤمنين كلّمني، بحقّ أمّنا فاطمة كلّمني، عند ذلك فتح عينيه، وقال: "أخيّة زينب لقد كسرت قلبي وزدت كربي، ارجعي إلى الخيام واحفظي لي العيال والأيتام..."

نعي مجاريد:

تگلّه أنا بعيني لباريلك عيالك              وبروحي لسكتّلك اطفالك

خويه الموت لو يرضه بدا لك             انروح كل احنا فدا لك

خويه تحيرت والله بيتاماك                ما ينحمل يحسين فرگاك

والمثل هالوگت ردناك

أَأُخَيُ مَا لَكَ عن بَنَاتِكَ مُعرِضَاً             والكُلُّ مِنكَ بِمَسمَعٍ وَمَنظَرِِ


51