الليلة السابعة

قصيدة في الدرّ النضيد

أنّى ويَومُ الطفِّ أّضرَمَ في الحَشَا                   جذواتِ وَجْدٍ مِن لَظَى سِجِّينِ‏

يومٌ أبو الفَضلِ استَفَزَّت بَأسَه                      فتياتُ فاطمَ من بَنِي يَاسينِ

في خَيرِ أنصارٍ بَراهُم ربُّهُم                         للدّينِ أَوَّلَ عالَمِ التَكوِينِ

حتى إذا قَطَعُوا عَليهِ طَريِقَهُ                        بِسَدَادِ جَيشٍ بَارِزٍ وَكَمينِ

وَدَعَتهُ أسرَارُ القَضَا لِشَهادَةٍ                       رَسَمَت لهُ في لَوحِها المَكنُونِ

حَسَمُوا يَديْهِ وَهامَهُ ضَرَبوا في                    عَمَدِ الحَديدِ فَخَرَّ خَيَرَ طَعِينِ

وَمَشَى إليهِ السِبطُ يَنعَاهُ كَسَرْتَ                    الآنَ ظَهرِي يَا أَخِي وَمُعِينِي

عباسُ كَبْشُ كَتيبَتِي وكنَانَتي                       وسَرِيُّ قَومِي بَل أعَزُّ حُصُونِي

يا سَاعِدِي في كُلِّ مُعتَركٍ بهِ                       أسْطُو وَسَيفُ حِمَايَتِي بِيَمِينِي

لِمَن الِلوا أُعطِي وَمَنْ هوَ جَامِعٌ                   شَملِي وفي ضَنَكِ الزِحَامِ يَقيِنِي


53


أَمُنازِلَ الأقْرَانِ حَامِلَ رايتِي              ورُواقَ أَخبِيَتِي وبَابَ شُؤونِي

عباسُ تَسمَعُ زَينبَاً تَدعوُكَ مَن           لِي يا حِمايَ إذا العِدَى نَهرُونِي

أَوَلَسْتَ تَسمَعُ مَا تقولُ سُكَينَةٌ            عَمَّاهُ يومَ الأسْرِ مَن يَحمِينِي


نصّاري

يخويه امنين اجتني هل رميّه            يخوية اسا وگع بيتي عليّه

يخويه اسا عدوّي شمت بيّه             وشوفنك يبو فاضل امطبّر

ولمّا رأى العبّاس كثرة من قتل من عسكر أخيه الحسين عليه السلام، تقدّم وقال لأخوته: يا بني أمّي تقدّموا لأحتسبكم عند الله، فتقدّم إخوته الثلاثة من أمّه وهم: عبد الله، وجعفر، وعثمان فقاتلوا جميعاً واحداً تلو الآخر حتى قُتِلُوا.

ولمّا اشتدّ النزال ولم يبق من أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته من الرجال إلّا أبو الفضل، ونظر أبو الفضل إلى وحدة أخيه الحسين عليه السلام أقبل، وقال: سيّدي هل لي من رخصة؟ نظر الحسين عليه السلام إلى العبّاس وبكى بكاءً شديداً، ثمّ قال: "يا أخي، أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرّق عسكري"، فقال العبّاس: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة، وأريد


54


أن أطلب بثاري من هؤلاء الأعداء، فقال الحسين عليه السلام: "إذا كان من بدٍّ فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء"، فذهب العبّاس ووعظهم وأبلغ في كلامه بهم فلم ينفع مع هذه العصبة الظالمة، فرجع لأخيه، وإذا به يسمع الأطفال ينادون العطش.. العطش..، ما تحمّل أبيّ الضيم سماع صراخ الأطفال إلّا أن ركب فرسه وأخذ القربة وتوجّه نحو الفرات.

لمّا وصل إلى النهر، وكان قد أحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالمشرعة، رموه بالنبال فكشفهم عن النهر بعد أن قتل منهم جماعة، فلمّا وصل إلى المشرعة، دخل الماء بجواده وركز لواءه، ثمّ انحنى عن ظهر جواده، اغترف غرفة ليشرب، فلمّا أحسّ ببرد الماء وقد كظّه العطش، تذكّر عطش الحسين عليه السلام وأهل بيته، فرمى الماء من يده، وقال: والله لا أشرب وأخي الحسين وعياله وأطفاله عطاشى...

لا كان ذلك أبداً، وجعل يقول:  

يا نفسُ من بعدِ الحُسينِ هُونِي               وبعدَهُ لا كُنتِ أنْ تَكونِي

هَذا حُسينٌ وارِدُ المَنونِ                      وتَشرَبينَ بارِدَ المَعينِ

تاللهِ ما هَذا فِعالُ دِينِي                        ولا فِعَالُ صَادِقِ اليَقيِنِ


55


نصّاري:

اشلون اشرب وخوي حسين عطشان              وسكنه والحرم واطفال رضعان

وظن قلب العليل التهب نيران                      يريت الماي بعده لا حله ومر


ثمّ ملأ القربة، وحملها على كتفه الأيمن، وتوجّه نحو المخيّم، فقطعوا عليه الطريق، وأحاطوا به من كلّ جانب فحاربهم، فأخذوه بالنّبال من كلّ جانب، حتى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، فلم يعبأ بهم، فكمن له زيد بن وَرقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطُفَيلّ، فلمّا مرّ به العبّاس ضربه بالسيف على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله وحمل القربة على كتفه الأيسر وهو يقول:

واللهِ إنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي                إنِّي أُحَامِي أبَداً عنْ دِينِي

وعنْ إمَامٍ صَادِقِ اليَقيِنِ             نَجْلِ النَبيّ الطَاهِرِ الأمِينِ


فقاتل حتى ضعف عن القتال، وقد أعياه نزف الدم، فكمن له حَكيمُ بن الطُفَيل من وراء نخلة، فضربه على شماله فقطعها من الزند فجعل يقول:

يا نفسُ لا تَخشَي مِن الكُفَّارِ              واستَبشِرِي بِنِعَمَةِ الجَبَّارِ

قدْ قَطَعُوا بِبَغيِهِم يَسارِي                  فَأَصلِهِم يا ربِّ حَرَّ النَّارِ


56


ولم يكن للعبّاس همٌ إلّا أن يوصل القربة إلى معسكر الحسين عليه السلام، ثمّ جاءته السهام من كلّ جانب فأصاب سهم عينه، وسهم أصاب القربة فأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وبين العبّاس واقف حائر ماذا يصنع، لا يدين فيقاتل بهما، ولا ماء فيأتي به إلى المخيم، جاءه لعين فضربه بعمود من حديد على رأسه، ففلق هامته، فانقلب عن فرسه إلى الأرض منادياً بضعيف صوته: أخي أبا عبد الله أدركني.

(ولكن أقول: أيّها الموالون، من عادة الفارس إذا ما أراد أن يقع على الأرض يتلقّى الأرض بيديه، ولكن كيف يتلقّى الأرض من كان مقطوع اليدين والسهم نابت في صدره ، وسهم في عينه؟!!).

فجاءه الإمام عليه السلام ورآه بتلك الحالة مقطوع اليدين، السهم نابت في العين، المخ سائل على الكتفين، القربة مخرّقة، العلم ممزقّ، عندها صاح الإمام عليه السلام: " الآن انكسر ظهري، الآن قلّت حيلتي، الآن شمت بي عدوي".

فَأكَبَّ مُنْحَنِِيَاً عَليهِ وَدَمعُهُ              صَبَغَ البَسيطَ كَأنََّمَا هو عَنْدَمُ‏

قَدْ رَامَ يَلثِمُهُ فَلَمْ يَرَ مَوضِعاً            لمْ يُدمِهِ عَضُّ السِلاحِ فَيَلثِمُ‏

نَادَى وقَدْ مَلَأ البَوَادِيَ صَيْحَةً          صُمُّ الصُخورِ لِهَولِهَا تَتَألَّمُ


57


‏نصّاري:

گلّه خوي بوفاضل گلّي وين الكفوف             يگلّه خويه تگطعن ما بين الصفوف

دمي على عيني جمد يحسين ما شوف           نشّف دمومي يا بقيّة آل هاشم

نصّاري

يخويه العلم گلّي وين اودّيه                      ينور العين دربي بيش اجدّيه‏

حِنا فوگه اوشمّه وشبگ ايديه                   او صاح احسين اخوي الله أكبر

بينا الحسين عليه السلام عنده وإذا بالعبّاس مدّ رجليه، واستودع أخاه الحسين وشهق شهقة، وفاضت روحه، رحم الله من نادى( واعباساه... أي واسيّداه... أي وامظلوماه...). فقام الإمام من عنده منحني الظهر باكي العين، منادياً: وا أخاه، واعباساه...

نصّاري:

يخويه انكسر ظهري ولا اگدر اگوم               صرت مركز يخويه لكلّ الهموم

يخويه استوحدوني عگبك الگوم                 او لا واحد عليه بعد ينغر


58


رجع الإمام إلى المخيّم يكفكف دموعه بطرف كمّه..(من الذي كان بالانتظار...؟) ابنته سكينة واقفة تنتظر أباها الحسين عليه السلام على باب الخيمة، لمّا رأت أباها بتلك الحالة، هرولت إليه، قالت: أبه، ما لي أراك جئت إليّ وحدك؟ أين عمّي العبّاس؟ قال الحسين عليه السلام: "بنيّة سكينة، عظّم الله لك الأجر بعمّك العبّاس، فلقد خلّفته على شاطى‏ء الفرات مقطّع اليدين مرضوض الجبين".

لمّا سمعت زينب ذلك خرجت منادية: واأخاه.. واعباساه.. واضيعتنا بعدك أبا الفضل..

شعبي:

عندك يبو فاضل يخويه اشتكي حالي                        حرمة ولا والي والشمر يبرالي

واليحدي للناگه زجر عباس يا عيوني                       ترضه يذلّوني وللشام يسبوني
 
خويه الفواطم بالدرب منهو ليحاميها                        عگبك يا واليها يويلي عليها

وانروح تاليها بيسر عباس يا عيوني                        ترضى يذلّوني وللشام يسبوني


59


نصّاري

خويه ليش هالساعة عفتني                   رحت عنَّي يخويه وضيعتني‏

إمصابك هدّ حيلي وفتنّي                      وجرحك يبو فاضل بالگلب يسعر

أَأُخَيُ مَنْ يَحمِي بَنَاتَ محمّدٍ                   إنْ صِرْنَ يَستَرْحِمْنَ مَن لَا يَرحَمُ‏

هَذا حُسَامُكَ مَن يُذِّلُ بِهِ العِدَى                 وَلِوَاكَ هَذا مَن بِهِ يَتَقَدَّم


60