الليلة الثامنة

قصيدة أبي الحسن التهامي‏

حُكمُ المَنِيَّةِ في البَريَّةِ جَارِ                      مَا هذهِ الدُنيَا بِدَارِ قَرارِ

طُبِعَتْ على كَدَرٍ وَأنتَ تُرِيدُها                   صَفوَاً مِن الأقذَاءِ والأكدَارِ

فَالعَيشُ نَومٌ والمَنِيَّةُ يَقظَةٌ                      وَالمَرءُ بينهُما خَيَالٌ سَارِ

فاقضُوا مَآرِبَكُم عُجَالاً إنَّمَا                      أعمَارُكُم سَفَرٌ مِن الأسفَارِ

ليس الزَمانُ وإن حَرَصتَ مُسَالِماً              خُلْقُ الزَمانِ عَداوَةُ الأحرَار

لا تأمَنِ الأيامَ يَوماً بَعدَما                      غَدَرَت بِعِترةِ أحمدَ المُختَارِ

فَجَعَت حُسينَاً بابنهِ مَن أشبَهَ ال               مُختارَ في خُلُقٍ وفي أطوَارِ

لمَّا رآهُ مُقَطَّعَ الأوصَالِ مُلـ                     قىً في الثَرَى يَذرِي عليهِ الذَارِي

ناداهُ والأحشاءُ تَلهَبُ وَالمَحَا                  جِرُ تَسْتَهِلُ بِدَمعِها المِدرَارِ

يا كَوكَباً ما كان أقصَرَ عُمرُهُ                   وكذا تكونُ كَواكبُ الأسحَارِ

عَجِلَ الخُسوفُ عليهِ قبلَ أوَانِهِ                فَمَحِاهُ قبلَ مظَّنَةِ الإبدَارِ

جاوَرتُ أعدائي وجاوَرَ رَبَّهُ                   شَتَّانَ بينَ جِوارِهِ وَجِوارِي


61


نصّاري:

گعد عنده وشافه إمغمّض العين                إبدمّه سابح مترّب الخدين‏

متواصل طبر والراس نصّين                   حنا ظهره على ابنيّه وتحسّر

يبويه من سمع يمّك ونينك                     أو من شبحت لعند الموت عينك‏

للعشرين ما حلّن سنينك                        او هاتفني عليك الدهر الأگشر


ولمّا استشهد أصحاب الحسين ولم يبق معه إلّا أهل بيته، تقدّم ولده عليّ الأكبر، مستأذناً بالبراز، وكان عليّ الأكبر مِن أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، فنظر إليه الحسين عليه السلام وأرخى عينيه بالدموع، وأطرق إلى الأرض برأسه، ويقال: أنّه قال له: "ولدي علي إليّ... إليّ... أودّعك وتودّعني،أشمّك وتشمّني"، فتعانقا حتى غشي عليهما.

نصّاري

يويلي من تلاگو عند الوداع               امشابگ طول لمن هووا للگاع‏

يگلّه والدمع بالعين دفّاق                  ابعبرة امكسّره وابگلب خفّاگ‏

يبويه اوداعة الله هذا الفراق              يبويه اشبيدنه هذا المگدر

فلمّا أفاق الحسين رفع رأسه مشيراً بسبابتيه إلى السماء، وقال:" اللهم اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً


62


ومنطِقاً برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا في وجه هذا الغلام. اللهم امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقا، ومزّقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا".

وصاح بعمر بن سعد: "قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط الله عليك من يذبحك على فراشك".

ثمّ تلا قوله تعالى:
 ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

لمّا سمع عليَّ ذلك الدعاء من أبيه علم أنّه قد سمح له. فحمل عليّ الأكبر على الأعداء يقاتلهم وهو يرتجز ويقول:

أنا عليُ بنُ الحسينِ بنِ علي               نحن وبيتِ اللهِ أولى بالنبي

أضرِبكم بالسيف أحمي عن أبي           أطعنكم بالرمحِ حتى ينثني


ضرب غلام هاشمي علوي

أخذ يقاتلهم قتال الأبطال، حتى قتل على عطشه منهم مقتلة عظيمة، وكان قد أخذ منه العطش مأخذه، رجع إلى أبيه (لكن بأيّة حالة رجع...؟) رجع وجراحاته من كلّ جانب وهو يلوك لسانه من شدّة العطش، وهو يقول: أبه العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل، أتقوى بها على الأعداء؟!.


63


نصّاري:

يبويه شربة اميّه الكبدي                  اتگوى ورد للميدان وحدي

يبويه انفطر كبدي وحگ جدّي           العطش والشمس والميدان والحر

فصاح الإمام عليه السلام: "وا غوثاه، بني ارجع إلى قتال عدوّك، فإنّي أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدّك المصطفى بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا"ً.

مجاريد:

يگلّه سهله يبويه طلبتك هاي            لكن يعگلي اوماي عيناي

امنين اجيبن شربة الماي                والعطش مثلك يبّس حشاي

ثمّ ودّع أباه وودّع النساء ورجع إلى الميدان، وعيون الحسين عليه السلام تشيّعه، فلم يزل يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الأوساط حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.

فلم يزل يقاتل قتالاً شديداً مع ما فيه من العطش، فقال مرّة بن منقذ العبدي: إن مرّ بي هذا الغلام عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به، فلما مرّ به طعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه، فاحتمله إلى معسكر الأعداء، وأحاطوا به حتى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.


64


فلمّا وصلت روحه إلى التراقي نادى برفيع صوته: يا أبتاه عليك منّي السلام، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها، ويقول لك: إنّ لك كأساً مذخورة.

فأتاه الحسين عليه السلام ولمّا وصل إليه أخلى رجليه من الركاب معاً، ورمى بنفسه من على ظهر الجواد على مصرع ولده، وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدّه، وأخذ يصيح: "ولدي علي، ولدي علي"، ولمّا لم يسمع منه جواباً، صاح الإمام عليه السلام: "على الدنيا بعدك العفا، أمّا أنت فقد استرحت من همّ الدنيا وغمّها وبقي أبوك لهمّها وغمّها".

نصّاري:

يبويه گول منهو الشرگ راسك                  ينور العين من خمّد انفاسك‏

يعگلي من نهب درعك اوطاسك                  يروحي اشلون اشوفنك امطبّر


ثمّ التفت الإمام إلى شباب بني هاشم وقال:" احملوا أخاكم عليّاً"، ولكن كيف يحملونه وهو مقطّع إرباً إربا؟ أقبلوا إلى المخيّم وجاءوا ببساط وجمعوا جثمان عليّ الأكبر على ذلك البساط وجاءوا به إلى المخيّم، هذا والحسين يمشي خلفهم ويقول: "بني قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمان، وعلى انتهاك حرمة الرسول".

فجاؤوا به إلى الفسطاط حيث النساء وحرائر الرسالة ينظرون إليه


65


محمولاً، مخضّباً بالدماء، موزّع جثمانه بالطعن والضرب، فدخلنّ الخيمة واستقبلنه بعويل وصراخ: واعليّاه... وامظلوماه...

تتقدّمهنّ عقيلة بني هاشم زينب الكبرى صارخة منادية: يا حبيب قلباه... وثمرة فؤاداه، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء.

نصّاري:

هوت فوقه تحب خدّه وتشمّه                وغدت تصبغ وجهها بفيض دمّه

عسه بعيد البله تگلّه يعمّه                  على التربان نايم ليش بهالحر

لمّا أقبل الحسين عليه السلام ودخل الخيمة التي فيها ولده، جلس عنده ينادي: "واولداه.. وآعليّاه..."

أبو ذيّة:

شافه والنبل شابك علي راح                هوه فوگه اوصفگ علي راح

صاح بصوت يزينب علي راح              يخويه اظلمّت الدنيا عليه

فلتذهبِ الدُنيا على الدُنيا العَفَا              ما بَعدَ يَومِكَ مِن زَمانٍ أرْغَدِ

وَمَحا الرَدَى يَا قَاتَلَ اللهُ الرَدَى             مِنهُ هِلالَ دُجَىً وَغُرَّةَ فَرقَدِ


66