الليلة السابعة
حَمَلَ الأثيرُ صَدَى نِدَاكَ هَدِيلا جُرِحَ النَسيمُ فَبَاتَ مِنهُ عَلِيلاً
هُوَ صَوتُ ذِكرَى بَسْمَةٍ مَجرُوحةٍ نَزَفَتْ دَمَاً فَوقَ الثَرَى مَطلُولا
مَشحونَةٌ بِالحُزنِ في طَيَّاتِهَا أَلَمٌ حَوَى هَمسَ النِدَاءِ ضَئِيلا
صَوتٌ مِن العبّاسِ يَصرُخُ هَا أَنَا أَمسَيتُ قَبلَكَ يا حُسينُ قَتيلا
قَطَعوا يَمينِي يا أَخِي، وَمُهجَتِي لَم تُروَ مِن مَاءِ الفُراتِ غَلِيلا
أَمَّا يَسَارِي فَهِيَ تِلكَ عَلى الثَرَى قُطِعَتْ وَأصبَحَ عَزمُهَا مَشلُولا
فَأَتَى لِنَجدَتِهِ وَلَكِن بَعدَما غَدْرُ الضَلَالَةِ أَطفَأَ القِندِيلا
وَرَآهُ مَقطوعَ اليَدَينِ كَأَنَّمَا نَسَجَ النَجِيعُ لِرأسِهِ إكلِيلا

45


فَرَمَى عَليه بِنَفسِهِ مُتَهَالِكاً حُزنَا وَأَشبَعَ ثَغرَهُ تَقبِيلا
نَاجَاهُ يَا بنَ أبي وَنورَ مَحَاجِرِي بِسِوَاكَ لا أجِدُ الجَمَالَ جَمِيلا
الآنَ يَا عبّاسُ قَلَّتْ حِيلَتي وَالظَهرُ أصبَحَ عَاجِزَاً مَشلُولا
عبّاسُ وَالَهفَي عَليكَ وَقَد رَأتْ عَينَايَ حَامِلَ رَايَتِي مَقتُولا
قَتَلوكَ يا ابنَ أبي كَأّنَّ بِغَدرِهِم قَتَلوا النَبِيَّ وَمَزَّقُوا التَنزِيلا

 

اشحال گلب احسين من حين الوگع گعد عنده وشافه مگطوع الكفوف
اكفوف مگطوعات والراس انفطر سال دمع احسين يشبه للمطر
صاح يا خوية الظهر مني انكسر يا بدرنه اشلون غطاك الكسوف

بعد أن قُتِلَ إخوة العبّاس الثلاثة؛عبد الله وجعفر وعثمّان، لم يبقَ مع الحسين عليه السلام إلّا أخوه أبو الفضل العبّاس عليه السلام، فجاء إلى أخيه الحسين عليه السلام يستأذنه في القتال فلم يأذن له قائلاً: "أخي أنت صاحب لوائي، إذا مضيت تفرّق عسكري"


46


صاح احسين خويه يا عبّاس يا نور العين يا تاجي على الراس
يا خويه انت الدرع والسيف والطاس اشلون تروح وآنه ابگى امحير


فأمره الحسين عليه السلام أن يطلب الماء للأطفال، فذهب العبّاس إلى القوم، وعظهم وحذّرهم من غضب الجبّار وطلب منهم شيئاً من الماء للأطفال، فردّ الشمر اللعين عليه قائلاً: يا بن أبي تراب لو كان وجه الأرض كلّه ماءً، وهو تحت أيدين، لما سقيناكم منه قطرةً، إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد.

فرجع العبّاس إلى أخيه الحسين عليه السلام، وأخبره بمقالة اللعين، فسمع الأطفال ومنهم سكينة بنت الحسين عليه السلام، ينادون العطش... العطش...

فلم يتحمّل العبّاس عليه السلام صراخ الأطفال من العطش... فاستأذن أخاه، فأجابه الحسين عليه السلام : "أخي أنت حامل لوائي وكبش كتيبتي، إذا مضيت تفرّق عسكري"، انحنى العبّاس على يدي أخيه يقبّلهما وهو يقول: "سيّدي، لقد ضاق صدري وسئمت الحياة، أريد أن آخذ بثاري من هؤلاء الأعداء"، عند ذلك أذن له الإمام عليه السلام .

 


47


فامتطى جواده... وتقلّد سيفه... وحمل القربة، وتوجّه نحو الفرات، فأحاط به جموع من الجيش لم يعبأ بجمعهم وكشفهم عن وجهه، ودخل الماء مطمئنّ، وكان قد تفتّت كبده من الظم، فاغترف من الماء غرفة فأدناها من فمه ليشرب، تذكّر عطش أخيه الحسين عليه السلام ... عطش العيال والأطفال... عطش سكينة...

شلون اشرب واخويه احسين عطشان وسكنة والحرم وأطفال رضعان
أظن گلب العليل التهب نيران ذب الماي من كفه وتحسر

فرمى الماء من يده وقال:

يا نفسُ مِن بَعدِ الحُسينِ هُونِي وَبَعدَهُ لا كُنتِ أنْ تَكونِي
هَذا الحُسينُ وَارِدَ المَنونِ وَتَشرَبينَ بَارِدَ المَعينِ
تَاللهِ مَا هَذا فِعَالُ دِينِي وَلا فِعَالُ صَادِقِ اليَقِينِ

ملأ القربة... ركب جواده... توجّه نحو المخيّم، فقطعوا عليه طريقه، ومنعوه من إيصال الماء... فمضى يقاتلهم حتّى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق، ولمّا عجزوا عن مواجهته،كَمنَ له لعينٌ وراء نخلة، وضربه على يمينه فقطعه، فلم يأبَهِ العبّاسُ بيمينه، فأخذ


48


السيفَ بيساره، ووضع القربة أمامه على ظهر فرسه، وهو يقول:

وَاللهِ إنْ قَطَعتُمُوا يَمِينِي إنِّي أُحَامِي أَبَدَاً عَن دِينِي
وَعن إِمَامٍ صَادِقِ اليَقينِ نَجلِ النَبِيِّ الطَاهِرِ الأَمينِ


حتّى كَمنَ له لعينٌ آخرُ وراءَ نخلةٍ، فلمّا مرّ العبّاسُ عليه السلام، ضربه على يساره فقطعه، فلم يعبأْ بها وخاطب نفسه قائلاً:

يَا نَفسُ لا تَخشَيْ مِنَ الكُفَّارِ وَأبشِرِي بِرَحمَةِ الجَبَّارِ
مَعَ النَبِيِّ السيِّدِ المُختَارِ قَد قَطَعُوا بِبَغيِهِم يَسَارِي

فَأَصلِهِم يَا رَبِّ حَرَّ النَارِ

فجعل يُسرع نحو المخيّم، وهمّه أن يوصل الماء إلى العيال، فلمّا نظر ابن سعد إلى اهتمام العبّاس بالقربة صاح بالقوم: ويلكم ارشقوا القربة بالسهام، فوالله لإن شرب الحسين عليه السلام من هذا الماء أفناكم عن آخركم.

فتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصابه سهمٌ في صدره، وسهمٌ أصاب إحدى عينيه فأطفأها، وعينه الأخرى جَمُدَت عليها الدماء، ورغم كلّ هذه الجراحات تابع سيره، ولكن لمّا أصاب القربة سهمٌ


49


وأريقَ ماؤه، وقف العبّاسُ حائراً، وأحسّ بكلّ جراحاته، بينما هو كذلك، غَدَرَهُ لعينٌ من القوم، وضربَهُ بعمودٍ من حديدٍ على أمّ رأسه، فَفَلَقَ هَامَتَه، فسقط العبّاسُ عن فرسه منادياً: عليك منّي السلام أبا عبد الله، فأتاه الحسين عليه السلام مسرع، ولمّا وصل إليه رمى بنفسه عليه وهو يقول: "الآن إنكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشَمُتَ بي عدوّي".

تعنّه امن الخيم للعلگمي إحسين  يصيح ابصوت يعضيدي وگعت وين
بعد ما شوف دربي يا ضوه العين يخويه الكون كله ابعيني أظلم


جلس عنده أخذ رأسه وضعه في حجره، فرفع العبّاسُ عليه السلام رأسَه من حجر الحسين عليه السلام وردَّه إلى التراب، أعاده الحسين عليه السلام إلى حجره، فردّه العبّاسُ إلى التراب ثانيةً، وفي الثالثة كذلك، فقال الحسين عليه السلام: "أخي أبا الفضل، لماذا ترفع رأسك من حجري وتردّه إلى التراب، فأجابه العبّاس عليه السلام : أخي أبا عبد الله، الآن أنت تأخذ رأسي، ولكن بعد ساعةٍ مَن الذي يأخذ برأسك.

ولمّا أراد الحسين عليه السلام أن يحمله إلى المخيّم، طلب منه العبّاسُ أن يبقيه في مكانه


50


يخويه احسين خليني ابمكاني يگله ليش يا زهرة زماني
يخويه واعدت سكنه تراني ابماي واستحي منها من أسدر

بينما الحسين عليه السلام عند أخيه العبّاس، وإذا فاضت روحه من الدنيا، واعبّاساه ... واشهيداه... وامظلوماه...

تركه مكانه وقام من عنده، محنيَّ الظهر، ورجع إلى المخيّم يكفكف دموعه بكمّه، هذا وقد هجمت الرجال على المخيّم، فصاح الحسين عليه السلام منادياً: أما من مغيث يغيثنا... أما من مجير يجيرنا... أما من طالب حقّ فينصرنا... أما من خائف من الله فيذبّ عنا...

أقبلت سكينة تقول: أبه ما لي أراك جئت إليَّ وحدك، أجل أين عمّي العبّاس؟!.

ويلي تلگته تبكي سكينه تگله عمي العبّاس وينه
شرب ماي نسانه وما نسينه العطش وگلوبنا تلهب امن الحر


قال: "بنيّه عظّم الله لك الأجر بعمّك العبّاس، لمّا سمعت زينب عليها السلام ذلك صاحت واأخاه... واعبّاساه... واضيعتنا بعدك يا أخي


51


خويه ليش ها الساعة عفتني رحت عنّي يا خويه وحيّرتني
مصابك هدّ حيلي ومتني وجرحك بالگلب يخويه يسعر
خويه انت حامي الظعن وانت حامل الراية بيوم الغاضرية وبيك الكفاية
خويه وزينب من يرده لذيك الولاية وضعن الحرم لو ويّ الغرب غرّب

 

أَأُخَيُّ مَنْ يَحمِي بَنَاتِ محمَّدٍ إنْ صِرنَ يَستَرحِمنَ مَن لا يَرحَمُ
هَوَّنتَ يا بنَ أبي مَصِارَعَ فِتيَتِي وَالجُرحُ تُسكِنُهُ الذي هو أَأَلَم

52