الليلة العاشرة: مجلس الطفل الرضيع

اللهُ يا حَامِي الشَّرِيعَه                 َتُقِرُّ وَهْيَ كَذا مَرُوعَه

بِكَ تَسْتَغِيثُ وَقَلْبُها                    لَكَ عَنْ جَوَىً يَشْكُو صُدُوعَه

مَاتَ التَّصَبُّرُ فِي انتِظارِكَ             أَيُّها المُحْيِي الشَّريعَه

فَانْهَضْ فَما أَبْقَى التَّصَبُّرُ             غَيْرَ أَحْشاءٍ جَزوعَه

قَدْ مَزَّقَتْ ثَوْبَ الأَسَى                  وَشَكَتْ لِواصِلِها القَطِيعَه

كَمْ ذَا القُعودُ وَدِينُكُم                   هُدِمَتْ قَوَاعِدُهُ الرَّفِيعَه

تَنْعَى الفُروعُ أُصُولَهُ                   وَأُصُولُهُ تَنْعَى فُروعَه

فَاشْحَذْ شَبا عَزْمٍ لَهُ                    الأَرواحُ مُذْعِنَةٌ مُطِيعَه

وَاطلُبْ بِهِ بِدَمِ القَتيلِ                  بِكَرْبِلاءِ فِي خَيْرِ شِيعَه

مَاذا يُهيُجُكَ إنْ صَبَرْتَ                لِوَقْعَةِ الطَّفِّ الفَظيعَه

أَتَرَى تَجيئُ فَجِيعَةٌ                     بِأَمَضَّ مِنْ تِلكَ الفَجِيعَه

حَيْثُ الحُسَيْنُ عَلَى الثَّرى             خَيْلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوعَه

قَتَلَتْهُ آلُ أُمَيَّةٍ                          ظَامٍ إلى جَنْبِ الشَّريعَه

وَرَضيعُهُ بِدَمِ الوَريدِ                  مُخَضَّبٌ فَاطْلُبْ رَضيعَه


89


شعبي:

لو بس الزلم تخلص قتل بالكون          هاي نقول عادة وأمر بلكي يهون

لكن ليش ما ذنب الّذي يرضِعون          عطاش وحرملة بسهام يسقيها

(آه) ردّوك يبني ابسهم مفطوم            يالرحت عن الماي محروم

بعدك لحرم لذت النوم                      وأصبغ يعگلي سود الهدوم

وابكي عليك بقلب مالوم

أبوذيّه:

مياتم للحزن ننصب ونبني                  فجعني حرملة ابسهمه ونبني

الطفل عادة يفطمونه (ونبني)             انفطم ويلاه بسهام المنية


90


ورد في زيارة الإمام الحجة عجّل الله فرجه الشريف:

(السلام على عبد الله الرضيع المرميّ الصريع المتشحِّط دماً والمصعّد بدمه إلى السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسديّ وذويه).

من جملة الشهداء الّذين قدّمهم الحسين قرباناً إلى الله فداءً لدينه عبد الله الرضيع ولده.

والحسين عليه السلام أخبر عن شهادته وذكره في جملة من سيُقدِّمهم في سبيل الله، تلك الدّماء الطاهرة العزيزة على الله التي أحيت الدين كان من جملتها دماء الرضيع التي رمى بها الحسين إلى السماء فما رجع قطرة واحدة منها وسكنت في الخلد واقشعرّ لها أظلّة العرش، ولذلك هذه المصيبة وهذا الفداء ذكره الإمام الحجّة عجّل الله فرجه الشريف ولقد آلم قلبه الشريف كما كانت هذه المصيبة مذكورة عند أئمّة أهل البيت عليهم السلام في مجالسهم يشيرون إليها ويبكون عندها ويأمرون شيعتهم بالبكاء لها، حتّى أنّ الإمام الصادق عليه السلام عندما كان يعقد مجالس العزاء على جدّه الحسين كان يأمر بأن يؤتى بطفل رضيع يُرفع أمام النّاس ليتذكّر المؤمنون مصيبة عبد الله الرضيع..

والإمام الحسين كذلك أوصى شيعته كما في وصيّته لابنته سكينة..


91


وقد نظمت بهذه الأبيات:

شِيعَتي مَهْما شَرِبْتُمْ عَذْبَ مَاءٍ فَاذْكُرُونِي                أوْ سَمِعْتُم بِشَهيدٍ أوْ غَريبٍ فاندِبونِي

فأَنا السِّبْطُ الَّذي مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ قَتَلُونِي                   وَبِجُرْدِ الخَيْلِ بَعْدَ القَتْلِ عَمْداً سَحَقُونِي

لَيْتَكُمْ في يَوْمِ عاشُورا جَميعاً تَنْظُرونِي                  كيفَ أسْتَسْقِي لِطِفْلِي فِأَبَوْا أنْ يَرْحَمُونِي

فَسَقَوْهُ سَهْمَ بَغْيٍ عِوَضَ الماءِ المَعينِ


نعزّي إمامنا الحجّة عجّل الله فرجه في هذه الليلة الحزينة بهذه المصيبة الإلهيّة ونسأل الله أن يكتبنا في جملة أوليائه الذين يأخذون بثاراته حين ينادي فيهم يا لثارات الحسين بعد أن يظهر عجّل الله فرجه في الكعبة ويتوجّه إلى كربلاء كما يُروي- يجتمع النّاس من حوله وهو عند جدّه الحسين عليه السلام يضرب سيفه بالأرض يستخرج جثمان الرضيع المدفون على صدر والده الحسين أو إلى جنبه، يرفعه أمام النّاس على الحالة التي قتل وذُبح بها من الوريد إلى الوريد وينادي أيّها النّاس بأيّ ذنب يُذبح هذا الرضيع من الوريد إلى الوريد (بأيِّ ذنب يُذبح على يدي والده الحسين) فيضجّ النّاس بالبكاء وَكلٌّ ينادي وا حسيناه وا شهيداه وا إماماه نعم أيّها المؤمنون- هذا الطفل لم يكفِ أنّه ذُبح على يدي والده


92


إلّا أنّه ذُبح عطشاناً ظمآناً لم يذق ماءً، في مثل هذه الليلة كان الطفل يضطرب بين سيّدتنا زينب اضطراب السمكة في الماء- كما تروي سكينة ابنة الحسين- وهو يصرخ وهي تقول: صبراً يا ابن أخي وأنّى لك الصبر وأنت على هذه الحالة يعزّ والله على عمّتك أن تراك عطشاناً، طلبت له جرعة صغيرة من الماء تبلّ شفتيه اليابستين لم تجد، حامت حول الخيام ومعها ما يقرب من عشرين صبيّ وصبيّة يطلبون الماء لهذا الرضيع ولهم فلم يجدوا حتّى كان اليوم العاشر، أقبلت به الحوراء زينب إلى الحسين وكان قد قتل جميع الأصحاب وكذلك أهل بيت الحسين ولم يبق إلّا زين العابدين العليل في خيمته، أتت به إلى الحسين وقد أراد أن يودّعه فقالت له: يا أخي إنّ هذا الطفل- له مدّة- ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء، نظر إليه الحسين مغمىً عليه من العطش، شفتاه قد ذبلتا من الظمأ، أجلسه في حجره جعل يقبّله ويقول: ويلٌ لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمّد المصطفى خصمهم... وضعه الحسين تحت ردائه يظلّله من حرارة الشمس، أقبل به نحو الأعداء وقف أمام الجيش حاملاً طفله التفت يمنة ويسرة ثمّ خاطبهم قائلاً: يا قوم قد قتلتم أخوتي وأولادي وأنصاري، وما بقى غير هذه الطفل، وهو يتلظّى عطشاً


93


من غير ذنب أتاه إليكم، فاسقوه شربة من الماء.

(يا قوم ان لم ترحموني فارحموا هذا الطفل)، (لقد جفّ اللبن في ثدي أمّه)..

(آه) ثُمَّ انْثَنَى نَحْوَ الوَغَى بِرَضِيعِهِ                    مُسْتَرحِماً لِظَماهُ مَنْ لَمْ يَرْحَمِ

يَدعُو أَلا هَلْ شُرْبَةٍ تَسْقُونَهُ                            مَاءً فَها هُوَ ذَو حَشىً مُتَضَرِّمِ

فَتَخاسَروا بِجَوابِهِ لَكِنَّما                                كانَ الجَوابُ لَهُ جَوابَ الأُسْهُمِ



فاختلف العسكر فيما بينهم فمنهم من لعن عمر ابن سعد، ومنهم من قال إذا كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل، ومنهم من بكى على قساوة قلبه لحال هذا الطفل، ومنهم من قال اقتلوه، ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية.

فلمّا رأى ابن سعد ذلك صاح بحرملة بن كاهل (لعنه الله)، ويلك حرملة اقطع نزاع القوم قال: ما أصنع؟ قال: إرم الطفل بسهم، قال حرملة: فوضعت سهماً في كبد القوس وتأمّلت أين أرمي الطفل فرأيت رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين كأنّها إبريق فضّة- آجركم الله يا مؤمنون- يقول اللعين فرميت الطفل بسهمي وذبحته من الوريد إلى الوريد رحم الله المنادي وا حسيناه، وا عبد الله، وا شهيداه..

قيل لهذا اللعين حرملة (لمّا جيء به إلى المختار الثقفيّ


94


رحمه الله والذي أخذ بثار الحسين وقتل كلّ المشاركين في قتله.. لمّا روى لهم هذه القصّة) قالوا له ويلك أما رقّ قلبك لهذا الرضيع؟! قال: بلى، قالوا: وكيف؟! قال: لأنّ الطفل كان مغمى عليه من شدّة العطش. فلمّا أحسّ
بحرارة السهم أخرج يديه من قماطه، واعتنق رقبة أبيه الحسين عليه السلام وصار يرفرف بين يديه كالطير المذبوح..

(آه) فَلَهْفِي لَهُ مُذْ طَوَّقَ السَّهْمَ جِيدُهُ                 كَما زَيَّنَتْهُ قَبْلَ ذَاكَ تَمائِمُهُ

وَلَهْفِي لَهُ لَمَّا أَحَسَّ بِحَرِّهِ                             وَناغاهُ مِنْ طَيْرِ المَنِيَّةِ حائِمُه

هَفا لِعِناقِ السِّبْطِ مُبتَسِمَ اللَّمَى                        وَداعاً وَهَلْ غَيرُ العِناق يُلائِمُه

آه گطع اگماطة او شبك عودة                        وامن السهم رفّت ازنودة

واتغيرت وردة اخدودة                                يا ناس حتّى الطفل مذبوح

ودمه على زند حسين مسفوح                        وين اليساعدني ويجي اينوح

قلبي على فرگاه مجروح

ثمّ أنّ الحسين ملأ كفّه من دم الرضيع ورمى به إلى السماء وقال: هوّن ما نزل بي أنّه بعينك يا ربّ، اللهم لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح، يا ربّ إن كنت حبست عنّا النصر من


95


السماء فاجعل ذلك لما هو خيرٌ منه وانتقم لنا من الظالمين، فنودي: دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة..

تلگه احسين دم الطفل بيده                      اشحال الينگتل ابحضنه اوليده

سال او ترس كفه من وريده                     اوذّبه للسما اوللگاع ما خرّ

وَلَوْ تَراهُ حَامِلاً طِفْلَهُ                             رَأَيْتَ بَدْراً يَحْمِلِ الفَرْقَدا

مُخَضَّباً مِنْ فَيْضِ أَوْداجِهِ                        أَلْبَسَهُ سَهْمُ الرَّدَى مُجَسَّدا


ثمّ أقبل الحسين برضيعه إلى المخيّم وقد حمله تحت ردائه، فاستقبلته ابنته سكينة قائلة: أبي لعلّك سقيت أخي الرضيع ماءً وجئتنا ببقيّته؟ فأخرجه الحسين من تحت ردائه وهو يقول:

بُنيّه خذي أخاك مذبوحاً، بنيّه عظّم الله لك الأجر، فصاحت: وا أخاه، وا عبد الله..

يبويه الطفل للماي أخذته                   ابسهم العده مذبوح جبته

شنهو الذنب خويه العملته                  والماي حاضر ما شربته

يبويه الطفل عني دغطيه                   مالي قلب بالعين أصد ليه


96


اشوفه ذبيح أو ماد رجليه         هذا الخفت منّه طحت بيه

أمّا أمّه الرباب فساعد الله قلبها حين رأته والسهم مشكوك في نحره، انفجعت وصاحت (واولداه):

(يبني) قول العطش يبني النوبه ابسهم صابوك                وترف مثل طير الذي ينذبح خلوك

يا بلت روحي تالي ابها الحالة ردّوك                           لمك عسن لا ظلت امك يا جنيني


يحقّ لها أن تبقى مندهشة وحزينة هذه الرباب المفجوعة آلت أن لا تستظلّ بظلّ بعد الحسين مواساة للحسين ولولدها الرضيع لكن كأنّها ما صدّقت ما رأت وبقيت مذهولة تندب ولدها إلى ليلة الحادي عشر من المحرّم، يقولون عندما صارت زينب عليها السلام تفتّش عن بقيّة العيال والأطفال الذين افتقدتهم بعد مصرع الحسين وحرق الخيام، افتقدت الرباب في جملتهم، فصارت تبحث عنها في نواحي المعركة (رباب أين أنت؟) إلى أن سمعت صوت أنين إلى جنب جسد المولى أبي عبد الله الحسين فأقبلت ناحية الصوت وإذا هي الرباب قد حملت رضيعها وأدنته لصدرها تناغيه وتكالمه فقالت لها سيّدتنا زينب: أختاه ما الذي أتى بك في


97


وسط هذا الليل المظلم؟! قالت: سيّدتي (لمّا أن شربنا الماء) صدري أوجعني وثدياي درّتا عليّ (وكأنّ هذه علامة عند الأمهات أن رضيعهن يطلب اللبن)، قلت آتي إلى رضيعي علّني أجد به رمقاً من الحياة، ولكنّي أراه مذبوحاً من الوريد إلى الوريد..

آه يبني يا عبد الله اعلى فرقاك                انا صبري انفنى ودرّن ثداياك

يا دين گلّي الحرملة اوياك                     للموت حين اشبحت عيناك

نيشن عليك ابسهم ورماك                     واگطع رجاي الكان برباك

وَأَدْنَتْهُ لِلْنَهْدَيْنِ وَلْهَى فَتَارَةً                    تُناغيهِ أَلطافاً وأُخْرى تُكالِمُه

بُنَيَّ أَفِقْ مِنْ سَكْرَةِ المَوْتِ وارتَضِع            بِثَدْيِكَ عَلَّ القَلْبَ يَهْدأُ هائِمُه

بُنَيَّ فَقَدْ دَرَّتا وَقَدْ كَظَّكَ الظَّما                   فَعَلَّكَ يُطْفَى مِنْ غَلِيلِكَ ضَارِمُه


98