قَدْ خَاضَ بَحْرَ
المَوْتِ فِي حَمَلاتهِ
وَعُبَابُهُ بِصِفاحِهِمْ
مُتلاطِمُ
وَتَراهُ طَلَّاعَ
الثَنايَا فِي الوَغَى
تَبْكِي العِدَى وَالثَغرُ
مِنهُ بَاسِمُ
قَدْ آمَنَتْهُ وَلا
أَمانَ لِغَدْرِها
فَبَدَتْ لَهُ مِمَّا
تُجِنُّ عَلائِمُ
سَلَبَتْهُ لامَةَ
حَرْبِهِ ثُمَّ اغْتَدَى
مُتَأَمِّراً فِيهِ
ظَلُومٌ غَاشِـمُ
أَسَرَتهُ مُلْتَهِبَ
الفُؤادِ مِنْ الظَّما
وَلَهُ عَلَى الوَجَناتِ
دَمْعٌ سَاجِمُ
لَمْ يَبْكِ مِنْ خَوْفٍ
عَلَى نَفَسٍ لَهُ
لَكِنَّهُ أَبْكاهُ رَكْبٌ
قَادِمُ
يَبْكِي حُسَيْناً أَنْ
يُلاقيَ ما لَقَى
مِنْ غَدْرِهِمْ فَتُباحُ
مِنهُ مَحارِمُ
فَرَمَتْهُ مَكْتُوفاً
مِنَ القَصْرِ الَّذي
قَامَتْ عَلَى الطُّغْيانِ
مِنهُ قَوَائِمُ
وَا لَهْفَتَاهُ
لِمُسْلِمٍ يُرْمَى مِنَ
الـ
ـقَصْرِ المَشُومِ وَليسَ
يَحْنُو رَاحِمُ
َيُجَرُّ فِي الأَسْواقِ
جَهْراً جِسْمُ مَن
تُنْمِيهِ لِلشَّرَفِ
الصُّرَاحِ ضَرَاغِمُ
قَدْ هَدَّ مَقْتَلُهُ
الحُسينَ فَأَسْبَلَ الـ
ـعَبَرَاتِ وَهُوَ لَدَى
المُلِمَّةِ كَاظِمُ
أبوذية:
مسلم من وگع والسيف طرفاه
على احـسيـن أبو اليمة
ايدير طــرفاه
ينظـر يمينَـه ويسـراه
طــرفاه
اوينادي لا تجي يبن
الزكية
عمـل كوفان هدّ حيلي
وهـاني
ولا مشربـي صنعه طيّب
وهاني
يــا وسفه رجل مسلم
وهـاني
بحبل بالسوق جرّوهم سويّه
عن ابن عبّاس، قال: قال
عليّ عليه السلام لرسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم: يا رسول الله، إنّك
لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي
والله إنّي لأحبّه حبّين:
حبّاً له، وحبّاً لحبّ
أبي طالب له، وإنّ ولده
لمقتول في محبّة ولدك،
فتدمع عليه عيون المؤمنين،
وتصلّي عليه الملائكة
المقرّبون. ثمّ بكى رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم حتّى جرت دموعه على
صدره، ثمّ قال: إلى الله
أشكو ما تلقى عترتي من
بعدي.
وفعلاً إنَّ مصيبة مسلم
مصيبة أليمة ومحرقة
للقلوب، خاصّةً وأنّه
أقبل إلى الكوفة وهو
العزيز عند أهل البيت
عليهم السلام وسفير
الحسين وممثّله خاصّة،
وقد بايعه أكثر من ثمانية
عشر ألفاً، كلّهم يقرأون
كتاب الحسين عليه السلام
ويضعون على أعينهم ثمّ
سرعان ما خذلوا مسلم
وضيّعوا بيعتهم
وَقَدْ خَذَلُوهُ وَقَدْ
أَسْلَمُوه
وَغَدْرَتُهُمْ لَمْ
تَزَلْ وَاضِحَه
فَيا بْنَ عَقيلٍ فَدَتْكَ
النُّفوس
لِعِظْمِ رَزِيَّتِكَ
الفَادِحَه
لِنَبْكِ لِهَا بِمَذابَ
القُلوب
فَمَا قَدْرُ أَدْمُعِنا
المَالِحَه
بَكَتْكَ دَماً يا ابنَ
عَمِّ الحُسين
مَدَامِعُ شِيعَتِكَ
السَّافِحَه
وَلا بَرِحَتْ هَاطِلاتُ
العُيون
تُحَيِّيكَ غَادِيَةً
رَائِحَه
فما أن دخل ابن زياد لعنه
الله الكوفة وهدّد أهلها
ورغّب مناصريه حتّى تفرّق
النّاس عن مسلم، كان يأتي
الأب إلى ابنه والأمّ إلى
ولدها والأخ لأخيه يقولون
ما لنا والدخول بين
السلاطين! (ما لنا
والدخول في السياسة).
انفضّوا عن مسلم وتفرّقوا
حتّى توجّه في مجموعة
كبيرة إلى المسجد في
الكوفة وصلّى المغرب
فتفرّقوا بعد الصلاة وما
بقي إلّا عشرة أشخاص. خرج
مسلم من المسجد وإذا بهم
تفرّقوا جميعاً ولم يبقَ
معه شخص واحد يدلّه على
الطريق وهو الغريب في تلك
البلاد. لتتصوّروا هذه
الغربة والمظلوميّة لمسلم،
وهو القائد والعظيم، ولا
يدري أين يذهب حتّى وصل
إلى باب دار امرأة يُقال
لها: طوعة، (كانت واقفة
تنتظر ابناً لها خرج مع
النّاس)، فسلّم عليها،
وردّت السلام، فسألها
شربة من الماء فأتت له
بالماء وشرب وحمد الله.
ثمّ دخلت المرأة إلى
بيتها وخرجت فرأت مسلماً
ما زال واقفاً على باب
الدار، فقالت له: يا عبد
الله ألم تشرب الماء؟ قال:
بلى، فقالت: فاذهب إلى
أهلك، فسكت مسلم، ثمّ
أعادت القول ثانيةً فلم
يردّ عليها. تأمّلَت هذه
المرأة الصالحة بمسلم
رأيت عليه مهابة الإيمان
والتقوى وسيماء الصالحين،
فكلّمته بهذا العنوان
وقالت: أصلحك الله يا عبد
الله لا يصلح لك الوقوف
على باب داري ولا أحلَّه
لك، فقال لها: أمة الله
مالي في هذا المِصر أهل
ولا عشيرة فهل لكِ أجر
ومعروف أن تضيفيني سواد
هذه الليلة،
ولعلّي مكافئكِ
يوم القيامة!
قالت: ومن أنتَ
حتّى تكافئني يوم
القيامة؟ قال:
أنا مسلم ابن
عقيل غدر بي أهل
مصركم هذا وبقيت
وحيداً فريداً (وامسلماه
واسيّداه
واغريباه).
(ويلي) يگلها
وعينه مستديرة
لا أهل عندي ولا
عشيرة
غريب وعمامي بغير
ديرة
ومثل حيرتي ما
جرت حيرة
أنا مسلم الفاقد
نصيرة
فقالت له: أنت
مسلم ابن عقيل (أنت
ابن عمّ الحسين)
أدخل سيّدي فداك
أبي وأمّي..
أنه مسلم وعندك
ضيف هالليل
فرحت طوعة ومنها
الدمع هليل
على رحب وسعه
والوجه هاليل
بسرور اتفضل
ومنّه عليّه
هنيئاً لهذه
المرأة الصالحة
بهذا الشرف
العظيم، أدخلته
إلى بيتها قدّمت
له العشاء أبى أن
يأكل وبقى تلك
الليلة قائماً
راكعاً ساجداً
قارئاً للقرآن
ذاكراً لله تعالى.
وهوّدت عيناه قبل
الفجر فرأى عمّه
أمير المؤمنين
عليه السلام يقول
له: يا مسلم
الوحى الوحى،
العجل العجل (فعلم
أنّه الفراق
وأنّها آخر ليلة
له من الدنيا)
فقام وصلّى
الفجر وما شاء من النفل،
وبينما هو كذلك وإذا
بِخَيْل ابن زياد (لع)
تقتحم عليه، فلبس لامة
الحرب، وشدّ على الفرسان
والخيل والرجال بكلّ بأسٍ
وشجاعة كالأسد الغضبان
وهو يقول: يا نفس اخرجي
إلى الموت الذي ليس له من
محيص، حتّى أخرجهم من
الدار، ثمّ عادوا، فحمل
عليهم وهو يقاتلهم وهم
سبعون فارساً وراجلاً
يحاصروه فيردّهم قائلاً:
هُوَ المَوْتُ فَاصْنَعْ
وَيْكَ مَا أَنتَ صَانِعُ
فَأَنْتَ بِكَأسِ المَوْتِ
لا شَكَّ جَارِعُ
فَصَبْراً لِأَمرِ اللهِ
جَلَّ جَلالُهُ
فَحُكْمُ قَضاءِ اللهِ
فِي الخَلْقِ ذَائِعُ
فأكثر القتل فيهم وأراهم
بأساً لم يُشهد مثله إلّا
بأس عمّه أمير المؤمنين..
حتّى طلب قائد الكتيبة (محمّد
بن الأشعث (لع)) المدد
والنجدة من ابن زياد (لع)
فوبّخه لضعفه وضعف أصحابه
أمام رجل وحيد فأجابه
أنّه أسدٌ ضرغام وبطل
همام من آل الرسول الكرام...
فمدّه بالسلاح والرجال،
ولم يزل مسلم يقاتلهم
حتّى أثخِنَ بالجراح
لأنّهم احتوشوه من كلّ
جانب ومكان، ففرقة ترميه
من أعالي السطوح بالنّار
والحجارة، وفرقة بالرّماح
وفرقة بالسِّهام، وأخرى
بالسُّيوف، وهذا وقد
ضربوه على فمه الطاهر
فقطعت شفته العليا، ووقف
ليستريح (رضوان الله عليه)،
فقال له ابن الأشعث
(لعنه الله): لك الأمان
يا مسلم لا تقتل نفسك.
فقال: أيّ أمان للغدرة
الفجرة. وأقبل يقاتلهم
وهو يقول:
أَقْسَمْتُ لا أُقْتَلُ
إلّا حُرّاً
وَإنْ رَأَيْتُ المَوْتَ
شَيئاً نُكْراً
كُلُّ امْرِىءٍ يَوْماً
مُلَاقٍ شَرّاً
هَيْهَاتَ أَنْ أُخْدَعَ
أوْ أُغَرَّا
فقاتل حتّى أكثروا فيه
الجراحات وعجز عن القتال،
فأسند ظهره إلى جنب جدار
فضربوه بالسهام والأحجار،
فقال: ما لكم ترمونني
بالحجارة كما تُرمى
الكفّار؟ وأنا من أهل بيت
النبيّ الأبرار، ألا
ترعون رسول الله في عترته...
عند ذلك ضربه رجل من خلفه
بعمود من حديد على رأسه،
وقيل طعنه برمحٍ فخرّ إلى
الأرضِ صريعاً، وقيل:
حفروا له حفرة فوقع فيها،
مثخناً بجراحاته،
فتكاثروا عليه بين من
يطعنه برمحه وبين من
يضربه بسيفه، حتّى أخذوه
إلى عبيد الله ابن زياد –
آجركم الله- أركبوه على
بغلةٍ مجرّداً من سيفه
موثوقاً كتافاً، فجعل
مسلم يبكي، فقال له رجل:
- جئت تطلب أمراً عظيماً-
وإنّ من يطلب مثل الذي
تطلب إذا نزل به مثل ما
نزل بك لا يبكي، فقال:
والله ما لنفسي بكيت، ولا
لها من القتل أرثي، وإن
كنت لم أحبّ لها طرفة عينٍ
تلفاً، ولكن أبكي لأهلي
المقبلين، أبكي للحسين
وآل الحسين.
سَلَبَتْهُ لامَةَ
حَرْبِهِ ثُمَّ اغْتَدَى
مُتَأمِّراً فِيهِ ظَلومٌ
غَاشِمُ
رَأَتْهُ مُلْتَهِبَ
الفُؤادِ مِنْ الظَّما
وَلَهُ عَلَى الوَجَناتِ
دَمْعٌ سَاجِمُ
لَمْ يَبْكِ مِنْ خَوْفٍ
عَلَى نَفْسٍ
لَكِنَّهُ أَبْكَاهُ
رَكْبٌ قَادِمُ
يَبْكِي حُسَيْناً أَنْ
يُلاقِي مَا لَقِي
مِنْ غَدْرِهِمْ فَتُباحُ
مِنهُ مَحارِمُ
وين الذي يوصل بهل حين
لرض المدينة ويخبر حسين
مسلم وحيد وماله معين
دارت عليه القوم صوبين
كتفوه وظل ايدير بالعين
ثلاث مرّات مسلم ذكر
الحسين عليه السلام
وواساه وسلّم عليه قبل
شهادته، كانت هذه المرّة
الأولى، والمرّة الثانية
حينما جاؤوا به إلى قصر
الإمارة، أراد أن يشرب من
قلّة فيها ماء باردة
موضوعة على باب القصر،
وكان في أشدّ وغاية الظمأ
لكنّه منعه لئيم من الشرب
منها، حتّى رقَّ لحاله
أحدهم وجيء إليه بقدح فيه
ماءً ومعه كأس، فصبّ فيه
ليشرب وأدناه من فمه وإذا
بالكأس يمتلىء دماً، فرمى
مسلم ذلك الماء، ثمّ صبّ
الماء ثانية ولم يقدر أن
يشرب، ثمّ أراد أن يشرب
ثالثةً وإذا بثناياه سقطت
في القدح..
فقال: الحمد لله لو كان
لي من الرزق المقسوم
لشربته (نعم واسى
الحسين في شهادته فأبى أن
يموت إلّا ظمآناً كسيّد
الشهداء).
كَأَنَّما نَفْسُكَ
اختَارَتْ لَهَا عَطَشَاً
لَمَّا دَرَتْ أَنْ
سَيَقْضِي السِّبْطُ
عَطْشَانا
فَلَمْ تُطِقْ أنْ تَسِيغَ
الماءَ عَنْ ظَمَأٍ
مِنْ ضَرْبَةٍ سَائِقُها
بَكْرُ ابنُ حَمْرَانا
صَعد للقصر والقوم وياه
طلب ماي اليطفي جمرة
احشاه
سقوه وبالقدح سِقطت
ثناياه
وما سلّم على ابن زياد
بالحسين
والمرّة الثالثة التي ذكر
فيها مسلم الحسين وسلّم
عليه مودِّعاً حينما
صعدوا به إلى أعلى قصر
الإمارة وجراحاته تنزف
والعطش قد أخذ به وهو
يذكر الله (بعد أن جرى
بينه وبين ابن زياد (لع)
محاورة قاسية حيث لم
يسلّم فيه مسلم على ابن
زياد (لع) وردّ عليه شتمه
لعليّ والحسن والحسين
عليهم السلام قائلاً: أنت
وأبوك أحقّ بالشتم فاقضِ
ما أنت قاضٍ يا عدوّ الله).
ولمّا رأى مسلم السيف
مشهوراً استمهلهم ليصلّي،
فصلّى ركعتين وقال: اللهمّ
احكم بيننا وبين قومٍ
غرّونا وخذلونا وكذّبونا،
وتوجّه نحو المدينة وصاح:
السلام عليك يا أبا عبد
الله، السلام عليك يا ابن
رسول الله.
(آه) صعدوا بمسلم والدمع
يجري من العين
توجه بوجهه للحجاز يخاطب
حسين
يحسين أنا مقتول ردوا لا
تجوني
خانوا أهل كوفة عگب ما
بايعوني
وللكافر ابن زياد كلهم
سلموني
مفرد وانتوا يا هلي عني
بعيدين
وبينما النّاس قد اجتمعوا
حول القصر فمنهم من يقول
عن مسلم يقتلونه، ومنهم
من يقول يسوقونه إلى
الشام، ومنهم من يظنّ
أنّه يحبس حتّى يأتي
الخبر من الشام- يا
مؤمنون- عظّم الله لكم
الأجر وإذا بجثّة مسلم
تهوى من أعلى قصر الإمارة
بلا رأس، ثمّ يتبعها رأسه
الشريف- رحم الله المنادي:
وامسلماه واسيّداه... (ثمّ
ربطوا رجله بالحبال وكذلك
فعلوا بهاني ابن عروه (رضوان
الله عليه) بعد أن قتلوه
وجرّوهما في أزقة الكوفة
وشوارعها)
صاح الدعي ابن زياد فيهم
لا تمِهلوه
بالعجل من القصر للگاع
ذبوه
گطعوا كريمه والجسد
بالسوق سحبوه
بالحبل ما بين الملا وا
فجعة الدين
فّإنْ كُنْتِ لا تَدْرينَ
مَا المَوْتُ فَانْظُرِي
إلى هَانىءٍ بِالسُّوقِ
وابنِ عَقيلِ
إلى بَطَلٍ قَدْ هَشَّمَ
السَّيْفُ وَجْهَهُ
وَآخَرَ يَهْوِي مِنْ
طِمارِ قَتيلِ
رَبَطُوا بِرِجْلَيْهِ
الحِبالَ وَمَثَّلُوا
فِيهِ فَلَيْتَ
أَصَابَنِي التَّمْثِيلُ
|