أنصار الحسين عليه السلام وقد استشهد زوجها جنادة في الحملة الجماعيّة في بداية المعركة, أقبلت إلى ولدها وعمره إحدى عشرة سنة فألبسته لامة الحرب وقلّدته سيف أبيه الشهيد وقالت له: يا بنيّ اخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فخرج الغلام واستأذن الحسين عليه السلام في القتال فأبى أن يأذن له، وقال: هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعلّ أمّه تكره خروجه فقال الغلام: إنّ أمّي هي التي ألبستني لامة حربي وقلّدتني سيف أبي وأمرتني بالقتال بين يديك، ولكي يؤكّد له ذلك عاد إلى أمّه باكياً فقالت له: أجبنت عن القتال فقال لها: لا يا أمّاه ولكن سيّدي الحسين لم يأذن لي بالقتال.

وكأنّي بها أخذت بيد ولدها تجرّه حتّى انتهت إلى خيمة أبي عبد الله عليه السلام وقالت له: أمن الإنصاف سيّدي أن تفجع بك أمّك الزهراء ولا أواسيها بأن أفجع بولدي؟! وكأنّي بالإمام قد امتلأت عيناه بالدموع وقال لها: بارك الله فيكم وجزاكم الله عنّي خيراً ، فاعتبرها عمرو إذناً بالقتال فنزل إلى الميدان مرتجزاً:

أَمِيرِي حُسَيْنٌ وَنِعْمَ الأَمِيرْ سُرُورُ فُؤَادِ البَشِيرِ النَّذِيرْ

عَلِيٌّ وَفَاطِمَةٌ وَالِـــدَاهُ فَهَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ مِنْ نَظِيرْ

لَهُ طَلْعَةٌ مِثْلُ شَمْسِ الضُّحَى لَهُ غُرَّةٌ مِثْلُ بَدْرٍ مُنِيــرْ

او كل خيمه تشب ابنار

ردن ضربن الهيمه

والسجاد اجوا وسحبوه

اودمعه على الوجن ساله

قال الراوي: لمّا هجم القوم على خيام الحسين عليه السلام وانتهبوا ما فيه ثمّ أضرموا النّار فيها فرّت النساء واليتامى من النّار إلّا زينب الكبرى, فإنّها واقفة تنظر إلى الإمام زين العابدين عليه السلام لأنّه كان لا يقدر على القيام والنهوض, قال بعض من شهد المعركة: رأيت امرأةً جليلة واقفة بباب الخيمة, والنّار تشتعل في جوانبها, وهي تارة تنظر يمنة ويسرة, وأخرى تنظر إلى السماء, وتصفق بيديها, وتارةً تدخل تلك الخيمة وتخرج, فأسرعت إليها وقلت: يا هذه ما وقوفك ها هنا والنّار تشتعل من جوانبك وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرّقن, ولم تلحقي بهنّ؟ وما شأنك؟ فبكت وقالت: يا شيخ إنّ لنا عليلاً في داخل الخيمة, وهو لا يتمكّن من الجلوس والنهوض, فكيف أفارقه وقد أحاطت به النّار؟

من شبوا النيران فرّت كل العيال

بس العقيلة اتحيرت والدمع همّال