تشكّل الشّخصيّة
الإنسانيّة وحدة غير
قابلة للتّجزئة. وهي تقسم
نظريًّا، تسهيلاً
للدراسة، إلى مجالات
متداخلة فيما بينها.
تختلف تسمية هذه المجالات
حسب كاتبها. كما ويتباين
عددها ومستوى الاهتمام
بها حسب الثّقافة ونوع
التّربية والإعداد.
هذه المجالات هي الآتية:
-
المجال الرّوحيّ.
-
المجال العقليّ أو
الإدراكيّ أو الذّهنيّ أو
الفكريّ.
-
المجال العاطفيّ
أو الانفعاليّ أو
الوجدانيّ أو الشّعوريّ.
-
المجال الحسّيّ.
-
المجال الحركيّ.
-
المجال
الاجتماعيّ.
يُجمعُ المجال الحسّيّ مع
الحركيّ أحياناً ويسمّى
بالمجال الحسّيّ الحركيّ
أو المهاريّ أو النّفس
حركيّ. كما ويُجمع المجال
العاطفيّ مع الاجتماعيّ
ويسمّى بالمجال العاطفيّ
الاجتماعيّ.
تُعطي الثّقافة الدّينيّة
المجال الرّوحيّ أهميّة
قصوى ومرتبة أعلى من
المجالات الأخرى. أمّا
الثّقافة الغربيّة
الماديّة فتولّي أهميّة
قصوى للمجال العقليّ
والحسيّ الحركيّ على حساب
الرّوحيّ والعاطفيّ
الاجتماعيّ. كما ويختلف
مستوى الاهتمام بهذه
المجالات حسب نوع
التّربية. فالعسكريّة
منها، على سبيل المثال،
تهتمّ أكثر بالمجال
الحسيّ الحركيّ والعقليّ.
سنعتمد، من أجل توحيد
اللغة، أسماء مجالات
الشّخصيّة الإنسانيّة كما
يأتي: الرّوحيّ، العقليّ،
العاطفيّ الاجتماعيّ،
والحسيّ الحركيّ. لا بدّ
للعمل التّربويّ من
الاهتمام بتنمية جميع هذه
المجالات بشكل متوازن،
وإلّا نتج خلل تظهر آثاره
في سلوك الإنسان وحياته.
نشير، هنا، إلى خصوصيّة
التّربية الإسلاميّة التي
تهتمّ بجميع مجالات
شخصيّة الإنسان، وإذا حصل
خلل ما في توازن هذه
المجالات نتيجة ضغط
الحياة وصعوباتها، تأتي
العبادات لتساهم في إعادة
التّوازن إليها. فالصّوم
يعطي دفعاً للمجال
العاطفيّ الاجتماعيّ
والرّوحيّ، والحجّ يرفد
الشّخصيّة بدعم لا
يُستهان به في نفس
المجالات.
يمكننا تمثيل شخصيّة
الإنسان وتوازن مجالاتها
بالخيمة التي تتزعزع في
حال عدم الاهتمام بواحدة
أو أكثر من ركائزها
الممثّلة للمجالات1.
تتعامل الأهداف
التّعليميّة والتّعلّميّة
مع مجالات الشّخصيّة
الإنسانيّة في نشاطات
التّعليم والتّعلّم
والموادّ المعرفيّة بشكل
متفرّق أو موحّد. إنّ
تقسيم المجالات يسهّل
عمليّة التّعليم
والتّعلّم، ولذلك اعتمده
الكثير من التّربويّين في
تصوّر تصنيفات2
للأهداف العقليّة
والحسيّة الحركيّة
والعاطفيّة الاجتماعيّة.
إنّ الفصل بين تصنيفات
مجالات شخصيّة الإنسان له
حسنات وسلبيّات. فمن
حسناته أنّه يفيد في
تنويع الأهداف وفي
تدرّجها من البسيط إلى
المركّب، كذلك الأمر فإنّ
له الفضل الكبير في إكساب
المزيد من الدّقّة في
كتابة الأهداف، وله آثار
إيجابيّة على كامل
مكوّنات عمليّة التّعليم
والتّعلّم.
أمّا سلبيّاته فنذكر منها
قلّة التّفاعل بين
المجالات، وتداخل
المجالات كما الفئات داخل
تصنيف المجال الواحد بسبب
عدم وجود حدود قطعيّة
فيما بينها.
تصنيف المجال العقليّ
يشتمل هذا التّصنيف على
العمليّات الإدراكيّة أو
الفكريّة التي يقوم بها
المتعلّم لدى معالجته
للمعارف المعدّة للتعلّم
أو لتلك المكتسبة من
البيئة الخارجيّة.
ومن فئات تصنيف القدرات
العقليّة متدرّجة، قدر
الإمكان، من البسيط إلى
المركّب:
1- الفهم أو الاستيعاب
تتعامل هذه الفئة مع
الإجراء العقليّ المؤدّي
إلى إدراك معنى رسالة أو
فكرة موجودة في كلام
(مكتوب أو محكي) أو في
مستند (رسوم، صور...) أو
في حركات أو إيماءات
(التّواصل مع المرسِل)
(ويكون الفهم للمسموع أو
المقروء أو المرئيّ، كما
ويكون استذكاريّاً
بالرّجوع إلى المخزون
الذّاكريّ وحده، أو
باللجوء، زيادة عليه، إلى
المراجع المناسبة).
إنّ الفهم قدرة باطنيّة
تحتاج، في التّعليم
والتّعلّم، للكشف عن
حصولها لدى المتعلّم إلى
اللجوء إلى قدرات أخرى
كالتّعبير والتّمييز.
من الأفعال المستعملة في
كتابة الأهداف
التّعلّميّة من هذه الفئة
والمعتمدة في الكشف عن
تحقّقها لدى المتعلّم:
يعطي عنوانًا، يختار
الإجابة الصّحيحة، يحوّق،
يعلّل، يلخّص، يفسّر،
يترجم، يستنتج، يعيد
كتابة، يحوّل، يقرأ خريطة
أو رسمًا، يفرّق، يشرح،
يبرهن، يكمل، يحلّل...
أمثلة:
- يجد، بالرجوع إلى كتب
التفسير، المعنى المناسب
لكلمة "وُسْعَه" في الآية
﴿وَلَا
نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا﴾.
- يستنتج العبرة من قصّة
"سعيد بن جُبير".
- يفرّق بين الحسد
والغبطة.
2- الحفظ في الذّاكرة
تعني هذه الفئة عمليّة
تخزين المعلومات في
الذّاكرة وحفظها فيها
لاسترجاعها منها عند
الحاجة. ويكون الحفظ في
الذّاكرة لمعارف وقواعد
وأشكال وجداول ونصوص...
كما ويكون لمهارات حسيّة
حركيّة ولمواقف عاطفيّة
اجتماعيّة. يساعد فهم
المعارف على حفظها في
الذّاكرة، ولكنّه لا
يعتبر شرطًا إلزاميًّا
لذلك. كما يساعد على حفظ
المعلومات في الذّاكرة:
-
تجزئة المحتوى إلى
أقسامه الأساسيّة وإعادة
تنظيمه وتبيان عناصره
المكوّنة.
-
اللجوء إلى ربط
المحتويات المعدّة للحفظ
مع تلك الموجودة في
الذّاكرة.
-
إعداد تلخيصات،
وضع ترسيمات.
أمّا في حفظ القواعد
والأشكال والجداول فيفيد:
-
تكرار استعمالها
مع الاحتفاظ بنصّها تحت
النّظر.
-
القراءة المتتابعة
والمتباعدة زمنيًّا.
وفي حفظ المهارات
الحركيّة تساعد:
-
الممارسة حتّى
تصبح المهارة آليّة.
وأخيرًا في حفظ الموقف
العاطفيّ الاجتماعيّ
يفيد:
تكرار عيش ظروف إنتاجه
حتّى يثبت في الشّخصية
ويصبح جزءًا منها.
لا يوجد أدنى شكّ في دور
وأهميّة الذّاكرة في
التّعلّم. ولهذا فإنّ
المطلوب في التّعليم
والتّعلّم حسن اختيار
المعلومات المعدّة
للتخزين في الذّاكرة
البعيدة المدى، واقتصارها
قدر الإمكان، على
أساسيّات الموادّ
المعرفيّة لاستحضارها عند
الحاجة إلى الذّاكرة
المباشرة وذاكرة العمل من
أجل استخدامها في حلّ
المسائل.
إنّ الإكثار من كمّ
المعلومات المخزّنة في
الذّاكرة وخاصّة عندما
تكون غير منظّمة، يعيق
التّرحيل أو يصعّبه
(الاستخدام في وضعيّات
جديدة). إنّه يحدّ من
التّفكير التّباعديّ
والإبداع.
من الأفعال المستعملة في
كتابة الأهداف من هذه
الفئة أو في استحضار
لمعلومات من الذّاكرة
والتّأكّد من حفظها:
يعدّد، يستذكر، يحفظ،
يتعرّف إلى، يعيد قول/
كتابة، يسمّي، يوقّع
رسمًا، يكمل، يسرد، يعيد
تنفيذ، يكرّر، يقلّد...
أمثلة:
- يستذكر آية الكرسيّ.
- يسرد خلاصة سيرة حياة
الإمام السّجاد عليه
السلام.
- يعدّد مبطلات الصّوم.
3- التّطبيق
يُقصد بالتّطبيق القدرة
على استعمال مكتسبات
معرفيّة في وضعيّات
جديدة. إنّنا نقترب في
هذا التّعريف من تعريف
حلّ المسائل تطبيقًا
لقانون أو قاعدة أو طريقة
أو مبدأ أو آليّة.
يَشترط حُسن التّطبيق فهم
القانون، القاعدة،
الطّريقة... ثمّ يتمّ
التّدرّب على التّطبيق
بالرّجوع إلى القاعدة،
الطّريقة أو الخطوات حتى
حفظها بعد فهمها
واستعمالها بناء للطلب
وبشكل عفويّ.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذه الفئة أو في الكشف عن
التّمكّن من التّطبيق:
يحلّ مسائل، يطبّق،
يستعمل، يعرب، يقرأ،
يحوّل، يحسب، يقيس، يجد
جواباً...
أمثلة:
- يطبّق حكم الغُنّة في
تلاوة سورة الرّحمن.
- يحلّ مسائل عن توزيع
الإرث حسب الفقه
الجعفريّ.
- يجد جوابًا عن مسألة
شكّ في الصّلاة.
4- التّعبير والتّواصل
تعني هذه الفئة القدرة
على التّعبير السّليم
المقرون بحصول التّواصل
ما بين مرسِل ومُرسَل
إليه. أمّا موضوع
الرّسالة فهو فكرة أو
رسالة.
تُعتمد في التّعبير
والتّواصل قنوات متعدّدة:
تعبير خطّيّ أو شفهيّ،
إيماءات، حركات، رسوم...
ويساعد على التّعبير
والتّواصل، الذي هو نوع
خاصّ من حلّ المسائل
المتعلّق
بالتّخاطب والتّواصل بين
النّاس، اعتماد لغة
مشتركة بين المرسل
والمرسَل إليه، أي أن
يكون هؤلاء على نفس
الموجة (قناة تعبير
وتواصل متفاهم على
رموزها).
يكون التّعبير، بناء على
ما تقدّم، خطيًّا أو
شفهيًّا أو عمليًّا وهو
يفترض التّمكّن من اللغة
لدى المرسل والمرسَل
إليه. ويمرّ التّدرّب على
اكتساب القدرة على
التّعبير، وخاصّة الخطّيّ
منه، بمرحلة السّماح
بالرّجوع إلى ضوابط اللغة
(النّحو والصّرف
والإملاء)، وصولاً إلى
القدرة على استعمال اللغة
بيسر وعفويّة بناء للطلب
وبالرّجوع بشكل أساسيّ
إلى المخزون الذّاكريّ.
أمّا التّواصل فيحصل عند
وصول الفكرة أو الرّسالة
إلى المرسَل إليه، فيحصل
الفهم لديه بالرّجوع إلى
المكتسبات المخزّنة لديه
في الذّاكرة أو بالرّجوع
إلى المصادر المناسبة
(قاموس، أطلس، مراجع)
وخاصّة في التّواصل
الخطّيّ.
ولمّا كان التّعبير لا
يتمّ إلاّ بهدف التّواصل،
ولمّا كان المرسِل
والمرسَل إليه يتبادلان
غالبًا الأدوار خلال
التّخاطب فيما بينهما،
نعتمد للدلالة على هذه
القدرة تسمية مركّبة
"التّعبير والتّواصل".
من الأفعال المستعملة في
كتابة الأهداف
التّعلّميّة من هذه
الفئة: يعبّر، يرسل،
يكتب، يروي، يسرد، يقدّم
عرضًا، يوضح...
أمثلة:
- يكتب مقالاً من صفحتين
يبيّن فيه معنى العبادة
وشرائطها.
- يقدّم عرضًا شفهيًّا
أمام الزّملاء عن النفاق
وآثاره.
- يعبّر شفهيًّا عن
مشاعره بعد زيارة مرقد
الإمام الحسين عليه
السلام.
5- التّحليل والتّصنيف
وتعني هذه الفئة القدرة
على تحليل وتجزئة المادّة
(النّصوص، الأشياء) إلى
عناصرها المكوّنة
والتّعرّف إلى ما بينها
من علاقات أو مبادئ
تنظيم. يجب أن تكون
المادّة موضوع التّحليل
غير معالجة سابقًا في
التّعليم والتّعلّم،
وإلاّ أصبحت العمليّة
استذكار تحليل!
إنّنا نضع تحليل النّصوص
والأفكار تحت عنوان
الفهم. فتحليل النّصوص
بهدف استكشاف الرّسائل
المتضمَّنة فيها هو مرتبة
من مراتب فهم المقروء،
بينما تحليل الأشياء
والموادّ بالرّجوع إلى
معايير وباستعمال الحواسّ
والذي ينتج منه بالتّجربة
الحسية تصنيفها أو إعادة
تنظيمها أو فرزها على
أساس معايير معتمدة،
فنسميه "تحليل
وتصنيف".
إنّ التّحليل يُستتبَعُ
بتصنيف، والتّصنيف يُعتمد
كمبيّن للدّلالة على
صدقيّة التّحليل.
من الأفعال المستعملة في
كتابة الأهداف
التّعلّميّة من فئة
التّحليل والتّصنيف أو في
الكشف عن صحّة التّحليل:
يميّز، يصنّف، يحلّل،
يقارن، يطابق، يفرّع،
يقسّم، يرتّب، يسلسل،
ينظّم، ينسّق، يعيد
تنظيم...
أمثلة:
- يصنّف مجموعة من
الأفعال في جدول (واجب،
مستحبّ، حرام، مكروه،
مُباح).
- يقارن تلاوة سورة
قرآنيّة لقارئين ويجد
أوجه الاختلاف فيما
بينها.
- يقارن بين كلّ من
الاستراتيجيّة المعتمدة
من الإمام الحسين من جهة،
ومعاوية ويزيد من جهة
أخرى، في الوصول إلى
الأهداف.
6- التّركيب
(التّوليف)
تعني هذه الفئة القدرة
على إعادة صياغة المادّة
وإخراجها في قالب جديد
متجانس ومنظّم؛ أي دمج
عناصر المادّة بهدف إنتاج
بنية جديدة شخصيّة غير
موجودة سابقًا.
وإذا كان التّحليل يؤدّي
إلى الكشف عن العناصر
والعلاقات ومبادئ
التّنظيم، فالتّركيب
عمليّة معاكسة تقود إلى
تجميع العناصر وتركيبها
في إنتاج شخصيّ. ولذا
فإنّ فيه لمسة من الأصالة
والإبداع. ونعود هنا
لنؤكّد على التّفريق بين
تركيب النّصوص والأفكار،
فنقع في فئة التّعبير،
ولكن في مراتبه العليا،
وتركيب الأشياء والموادّ
الذي قد يصل أحيانًا إلى
إنتاج جديد مبتكر.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذه الفئة أو في الكشف عن
تحقّقها: يكتب، يحرّر،
يسرد، ينتج، يشكّل، ينشئ،
يعدّل، يقترح حلولاً،
يخطّط، يصمّم، يدمج،
ينظّم، يولّف، يركّب...
أمثلة:
- يقترح حلولاً تعطي
المزيد من الفعاليّة لدور
المسجد.
- يؤلّف نصًّا يحثّ فيه
على شكر الخالق سبحانه
وتعالى.
- ينشئ/ ينتج مجلّة حائط
(عمل فريقي) عن الصّبر.
7- التّقويم
تعني هذه الفئة القدرة
على تحليل مواضيع أو
موادّ، أو إنتاج محدّد أو
طرائق مستعملة بالرّجوع
إلى معايير داخليّة أو
خارجيّة من أجل إصدار حكم
نقديّ مدعّم بالأدلّة على
قيمتها النّوعيّة أو
الكمّيّة. من الواضح أنّ
هذه الفئة تستبطن الفئات
السّابقة مع إضافة الحكم
القيميّ والرّأي الشّخصيّ
المدعّم بالحجج
والبراهين.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذه الفئة أو في الكشف عن
تحقّقها: يحكم على،
يقيّم، يقرّر، يبرهن،
يعطي رأياً، يثبت، يوازن،
يدافع، يفنّد، يختار
موضّحاً الأسباب...
أمثلة:
- يدافع عن الزّواج ويرفض
الطّلاق غير المسوَّغ.
- يثبت بالحجج المقنعة من
القرآن والأحاديث
الشّريفة ولاية الفقيه.
- يختار البُعد عن
النّفاق موضّحًا الأسباب.
نذكّر أخيرًا في نهاية
هذا العرض الموجز لبعض
فئات القدرات العقلية
بأنّها لا تغطّي كلّ ما
يمكن المعلم تصوّره في
عمليّة التّعليم
والتّعلّم من نشاطات
فكرية على شكل أهداف
تعلّمية يطغى عليها
الجانب العقليّ.
يقع الحفظ والفهم في
قاعدة هذه القدرات
العقليّة ويشكّلان مقدمات
للقدرات الأخرى
كالتّطبيق والتّحليل
والتّصنيف والتّركيب
والتّقويم. أمّا القدرة
على التّعبيرِ والتّواصل
فتتضمّن بنسبٍ متفاوتةٍ -
حسب طبيعة الموضوع
المعالج- جميعَ القدراتِ
الأخرى.
كما نلفت إلى وجود مراتب
ومستويات في كلّ قدرة؛
فالفهم مراتب والتّطبيق
درجات وكذلك الأمر في
القدرات الأخرى. المهمّ،
في كتابة الأهداف من
المجال العقليّ، أن
تغطّيّ جميع الفئات
المعروضة سابقًا وغيرها،
وأن تتدرّج في مستوى
الصّعوبة داخل كلّ فئة،
وكذلك الأمر أن تأخذ بعين
الاعتبار البدء بالتّعامل
أوّلاً مع الأهداف
التّعلّميّة من الفئات
الدّنيا كالفهم والحفظ
التي تدخل كمكوّنات في
القدرات العقليّة العليا
كالتّطبيق والتّحليل
والتّركيب والتّقويم.
تصنيف المجال الحسّيّ
الحركيّ
يتعرّض هذا المجال
لاستخدام الفرد لعضلاته
الصّغيرة والكبيرة وهيكله
العظميّ في إنتاج حركات
إراديّة متناسقة. سنعرض،
فيما يلي، مراحل تطوّر
ونموّ المهارات الحركيّة
الإراديّة بالتّعلّم.
1- التّقليد
يُعتبر التّقليد المرحلة
الأولى في اكتساب المهارة
الحركيّة بعد اتخاذ
المبادرة إلى تعلّمها
والاستعداد له، حيث يبدأ
الفرد بملاحظة أداء
المهارة المعروضة أمامه،
ومن ثَمَّ يقوم بتقليدها
بالتّجربة والخطأ حتّى
يتمكّن من أدائها بشكل
أوّليّ.
كما يتمكّن المتعلّم من
اكتساب المهارة بالتّنفيذ
المنهجيّ لخطوات مكتوبة
أو بدون وجود عرض حيّ
مقدّم من المعلّم. بعد
اكتساب المهارة بشكل
أوّليّ مع شاهد أو
بالرّجوع إلى خطوات
مكتوبة، يقوم الفرد
بمتابعة تنفيذها وتكرار
الأداء حتّى يصبح
عاديًّا.
من الأفعال المستعملة في
هذا المستوى: يقلّد،
يجرّب، يرسم، ينسّق،
يصنع، يشيّد، يشغّل،
يُصلح، يفكّ، يزرع،
يقلّم، يزن، يصل،
يصحّح...
أمثلة:
- يقلّد الإمام في حركات
الوضوء.
- ينفّذ تغسيل الميت
بالرّجوع إلى الخطوات
المكتوبة.
- يفكّ ويركّب سلاحه
الفرديّ.
2- الأداء الدّقيق
يدلّ هذا المستوى على
إتقان المهارة إلى درجة
أدائها بسرعة ودقّة بدون
تردّد وحتّى إلى الحكم
على مستوى أدائها من قبل
الآخرين.
من الأفعال المستعملة في
هذا المستوى: نفس الأفعال
المستعملة في مستوى
التّقليد مع إضافات
تبيّن، في صياغة الهدف،
مستوى متقدِّمًا من
الأداء.
أمثلة:
- يحكم على سباحة أخ
مؤمن.
- يصحّح طريقة سجود أخ
مؤمن.
- يصيب دبابة عدوّة
ويدمّرها.
3- الأداء المبدع
يدلّ هذا المستوى من أداء
المهارة على القدرة على
ابتكار حركات جديدة فيها،
أو تطويرها أو تكييفها مع
وضعيّات جديدة، أو حتّى
محاولات النّظر إليها من
زوايا غير مألوفة
وتعديلها مع جهد جسديّ
وعقليّ محدود.
من الأفعال المستعملة في
هذه الفئة: يعدّل، ينقّح،
يغيّر، ينظّم، يتكيّف،
يكيّف، يطوّر، يبتكر،
يصمّم...
أمثلة:
- يبتكر طريقة جديدة في
تجنّب أذى الطّائرة
العدوّة من دون طيّار.
- يكيّف قيادة سيّارته مع
ظروف مناخيّة صعبة.
- يطوّر تقنيّة جديدة في
نصب الكمائن الحربيّة.
نخلص إلى القول، في مراحل
اكتساب المهارة، إنّها
تمرّ بالتّقليد أوّلاً
بالرّجوع إلى من يقدّم
عرضاً لها أمام المتعلّم،
أو عبر تنفيذ خطوات
المهارة المكتوبة، بعد
البدء بأداء المهارة، ومع
التّكرار يصبح المتعلّم
قادرًا على أدائها بسرعة
ودقّة وإتقان بدون تردّد.
بعد التّمكّن من المهارة
الحركيّة، قد يستطيع
الفرد الذّهاب بعيدًا في
نوعيّة أدائها إلى درجة
الإبداع فيها.
تصنيف المجال العاطفيّ
الاجتماعيّ
يشتمل المجال العاطفيّ أو
العاطفيّ الاجتماعيّ على
مواقف واهتمامات وقيم
صادرة عن الفرد. تُصنّف
الأهداف المندرجة تحت هذا
المجال التّغيّرات في
الاهتمامات والمواقف
والقيم، إضافة إلى
التّطوّر الحاصل في الحكم
والقدرة على التّكيّف.
لقد تبنّينا للمواقف
والاهتمامات والقيم
التّعريفات الآتية:
- الموقف: هو
تشكّل داخليّ للفرد يترجم
بردّات فعل انفعاليّة
معتدلة متعلّمة، يحسّ بها
الفرد كلّ مرّة يتواجد
فيها مع شيء أو فكرة أو
نشاط. تحمله هذه الإجابات
إلى التّقرّب من موضوعها
أو الابتعاد عنه.
- الاهتمام: هو تشكّل
داخليّ للفرد يترجم
بانفعالات قويّة متعلّمة،
يحسّ بها الفرد كلّ مرّة
يتواجد فيها مع نشاط
محدّد، تحمله هذه
الإجابات على الاقتراب من
النّشاط والاهتمام به أو
الابتعاد عنه. ويشكّل
الاهتمام تعبيرًا عن
القيم ومؤشّرًا يعتمد
عليه كوسيلة من وسائل
قياسها.
- القيمة: وهي حالة
داخليّة للفرد، نوع من
المعتقد، تُترجم
بانفعالات قويّة متعلّمة
يحسّ بها الفرد بشكل ثابت
تجاه فكرة أو شيء أو نشاط
ما. تحمل هذه الانفعالات
الفرد للدفاع عن موضوع
الانفعال أو دحضه.
إنّنا تبنّينا التّصنيف
التّالي لتشكّل القيمة
بالتّعليم والتّعلّم:
1- التّلقّي
ويكون عندما يتلقّى
الفرد، عَرَضيًّا أو
إراديًّا، مثيرات ماديّة
(أشياء، نشاطات) أو
معنويّة (أفكار، رسائل)
يعي الفرد وجودها فينجذب
إليها ويتقبّلها ويعطيها
انتباهه برضاه . تُقسم
هذه المرحلة إلى: الوعي
وإرادة التلقيّ والانتباه
الموجّه أو التفصيليّ.
يستولد التلقّي لدى الفرد
ردّ فعل عاطفي أوّليّ
يعبّر عنه بالتّعاطف
الإيجابيّ من خلال
الاقتراب من الموضوع
(فكرة، شيء، نشاط) أو
التّعاطف السّلبي من خلال
الابتعاد عنه.
من الأفعال المستعملة في
هذا المستوى: يطلب،
يختار، يتبع، يؤيّد،
يتوجّه نحو، يتعقّب،
يتقبّل، يصغي، يهتمّ،
يتحسّس، يرفض، يبتعد عن،
يسأل عن، يستشعر...
أمثلة:
1- يهتمّ لحضور فيلم عن
واقعة الطّفّ.
2- يُصغي باهتمام إلى
محاضرة عن آفة الكذب.
3- يختار زيارة مقام
السّيدة خولة عليها
السلام.
2- الاستجابة
وتتمثّل بالانتقال إلى
الحضور الإيجابيّ
والمشاركة الفعليّة في
الموضوع أو المشكلة بعد
تحسّسه، واتخاذ موقف منه
مع الرّضا وتحمّل
المسؤوليّة والقناعة
بالدّور. ويتمّ ذلك
مرورًا بالمراحل الآتية:
- إظهار الموقف ردًّا على
طلب خارجيّ.
- إظهار الموقف لأنّه يجد
فيه متعة.
- اتخاذ الموقف بحماسة.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذا المستوى: يستجيب،
يتذوّق، يستمتع، يشارك،
يتطوّع، يوافق على،
يساعد، يطيع، يتوافق مع،
يناقش، يستقبل، ينجز،
يطبّق، يصفّق، يقرأ،
يتبرّع، يبدي رأيه، يقول،
يكتب، يعطي بعفوية،
يقدّم، يقف مع، يطالب بـ،
يقضي أوقات فراغه بـ،
يهتف مع/ ضدّ...
أمثلة:
- يتصدّق بمبلغ من المال
للأيتام.
- يشارك في تزيين المسجد
احتفالاً بعيد الغدير.
- يستمتع بالصّلاة جماعة
في المسجد.
3- التّثمين
ويتمثّل بإظهار الفرد
لسلوك ثابت ومتماسك
ومنسجم بالكامل مع
القيمة، ويعبّر عن تبنّي
القيمة وتفضيلها
والالتّزام بها. ويدلّ
هذا المستوى على استبطان
الفرد للقيمة حيث يكتشف
أهميّة عيشها فينخرط
شخصيًّا في تطبيقها
ويحاول إقناع الآخرين
بها.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذا المستوى: يقيّم،
يثمّن، يدعم، يقدّر،
يختار، يحتجّ، يفرّق،
يشرح، يدعو إلى، يُسوِّغ،
يعرض، يبدي رأيه، يتقاسم،
يعمل، يؤدّي، يدرّب،
يلقّن، يموّل، يشجّع،
ينفي، يُباحث، يحاجج،
يعطف على، يدحض، يدافع
عن...
أمثلة:
- يدعو إلى تجنّب اللجوء
إلى الغيبة.
- يدافع عن قبول الإمام
الرّضا عليه السلام
للبيعة.
- يقدّر المشاركة في
المرابطة.
4- التّنظيم
وتتمثّل هذه المرحلة
بقيام الفرد بمفهمة
الظّواهر موضوع القيم من
أجل إيجاد علاقات بينها
وبين القيم. وتمرّ هذه
العمليّة بـ:
- تكوين مفهوم القيمة.
- اكتشاف خصائصها.
- تنظيم القيم في نسق
واحد بعد تحديد علاقاتها
الدّاخليّة والتّعرّف إلى
الفروقات فيما بينها
وإقرار الأساسيّ منها.
وهي تساعد الفرد، حال
إنجازها، على مواجهة
مواقف تتضمّن غير قيمة،
وذلك بالعودة إلى منظومة
قيم داخليّة متماسكة
تشكّل بداية تكوّن فلسفة
حياة شخصيّة. من الملاحظ
أنّنا نقترب في مرحلة
تنظيم القيم أكثر من
المجال العقليّ أي من
عمليّة التّفكير على
القيم، وهذا أمر طبيعيّ؛
لأنّ العاطفة لا تفعل
إلاّ نادرًا بمعزل عن
العقل. إنّها تستند إلى
حقائق عقليّة ولا تتحرّك
إلاّ عند تحرّكها.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذا المستوى: ينظّم،
يخطّط، يوازن، يرتّب،
يربط، يغيّر، يدمج،
يقارن، يتمّم، يعمّم،
يؤلّف، يجرّد، يلتزم،
ينخرط بـ، يطلب، يحضّر،
يوضح.
أمثلة:
- يوضح القيم المستفادة
من الصّيام.
- يرتّب القيم الإسلاميّة
المتعلّقة بالتّعامل مع
البيئة الطّبيعيّة
(الماء، الهواء، التّربة،
الحيوان والنّبات).
- يقارن بين أدوار كلّ من
الإمامين الحسن والحسين
عليهما السلام.
5- التّميّز بمنظومة
قيم
ويتحصّل هذا المستوى
عندما تصبح القيم سلوكًا
يعبّر عن فلسفة حياة
متجانسة تندمج فيها
المعتقدات والأفكار
والاتجاهات لتشكّل نهج
سلوك خاصّ وثابت نسبيًّا
ومتميّز من غيره من
سلوكات الآخرين بحيث يكون
بالإمكان توقّعه
والتّنبّؤ به قبل حصوله،
وبحيث يرى الفرد العالَم
على أساس منظومة القيم
الخاصة به.
من الأفعال المستعملة في
كتابة أهداف تعلّميّة من
هذا المستوى: يؤمن،
يحترم، يعتزّ، يبرهن،
يثق، يشكّل، يقوم بدور،
يفعل، يتصرّف، يؤثر،
يطبّق، يحلّ، يخدم،
يستعمل، يتحقّق، يقاوم،
يتجنّب، يحافظ، يرفض،
يبتعد عن...
أمثلة:
- يؤمن بالرّسل عليهم
السلام ولا يفرّق بينهم.
- يقاوم الظّلم بكلّ
أشكاله.
- يحترم العلماء
المجاهدين الأتقياء.
نخلص هنا، في مجال تعليم
وتعلّم المواقف والقيم،
إلى ضرورة اعتماد تعليمها
بشكل منهجيّ وإراديّ
وهادف، وبشكل متدرّج من
خلال تعريض المتعلّم،
بداية، لمثيرات تولّد
لديه ردّات فعل عاطفيّة
مرغوبة يرضى عنها
ويكرّرها ويقتنع بها
وينظّمها مع مثيلاتها،
حتّى تستقرّ أخيرًا في
منظومة القيم الشّخصيّة.
|