العوامل المؤثّرة في إدارة الصّفّ

يؤثّر في إدارة المعلّم للصّف عوامل عديدة نذكر منها: جنس المعلّم وجنس المتعلّمين وشخصيّة، المعلّم والمادّة المعرفيّة، والمتعلّمين وطريقة جلوسهم في الصّف، وعديدهم ومساحة الصّف والمدرسة...

1- عامل جنس المعلّمين والمتعلّمين
بيّنت نتائج دراسة عن أثر الانتماء الجنسي للمعلّمين والمتعلّمين على الإدارة الصفّيّة ما يأتي:
- ملاحظة فوارق في سلوك ومواقف المتعلّمين الذّكور والإناث في مجالات: النشاطات الصفّيّة، طريقة التّواصل، العلاقات بالآخرين، التّصرّفات، النظرة إلى الذّات، الدّافعيّة المدرسيّة.
- ملاحظة فوارق في سلوك المعلّمين حسب الجنس: فروقات نسبيّة قليلة في مجال التّواصل، وخاصّة في مجال حفظ النّظام والانضباط في الصّفّ.
- ملاحظة فوارق في سلوك ومواقف المعلّمين، حسب جنس المتعلّمين في عدّة مجالات: تنظيم النشاطات وتوزيع الانتباه والدّعم وحفظ النظّام والانضباط ومستوى التّوقّعات من المتعلّمين.


  9


2- عامل المعلّم
تتغيّر طريقة إدارة الصّف من معلّم إلى آخر. فبالإضافة إلى السّمات الشّخصيّة للمعلّم وشهاداته العلميّة وفعاليّة إعداده المهنيّ وسنوات الخبرة والأقدميّة والطّريقة المعتمدة، تأتي مهارة المعلّم في تشغيل مجموع المتعلّمين على اختلاف مستوياتهم المعرفيّة ونتائجهم المدرسيّة لتؤثّر في الإدارة الصفّيّة وتميّز معلّمًا من آخر. إنّ فعاليّة المعلّم هي نتاج وصفة سحريّة معقّدة لا تلخّص بهامش تصرّف قابل للكشف بالتّجربة.

إنّ مهارة التّعليم تتطلّب وجود صفات إنسانيّة ومعنويّة واضحة لدى المعلّم إضافة إلى التزام حقيقيّ بالمهنة وقبولها والشّعور فيها بالاطمئنان والاستقرار الوظيفيّ. فالتّعليم هو عبارة عن خليط من العمل الفنّيّ والارتجال. وكأنّ المعلّم يقوم في صفّه بدور المهندس المعماريّ والفنّان وأحيانًا البهلوان.

3- عامل المادّة المعرفيّة
تقوم طبيعة المادّة العلميّة أو الأدبيّة بدورٍ في طريقة تعليمها وتعلّمها، وبالتّالي تؤثّر في إدارة الصّف. فالعلوم، على سبيل المثال، نتاج جماعيّ يقوم فيه المعلّم والمتعلّم بدورٍ ناشط، بحيث تضع نشاطات المختبر والمشاريع المعلّم في دور المنشّط، والمتعلّم في دور المتمرّن.

وهكذا تسمح هذه المادّة (المختبر) بمقاربة المواقع والوظائف لكلّ من المعلّم والمتعلّم بشكل مختلف يشجّع على إشاعة جوّ من التّعاون والبحث الجماعيّ المهمّ جدًّا في إيجاد ظروف ملائمة للتعلّم وحسن إدارة الصّف. كما وأنّ صورة المادّة التي يولّدها النّظام التربويّ والمدرسة في أعين المتعلّمين تؤثّر في الإدارة الصفّيّة. فالموادّ مصنّفة، في لبنان على أرض الواقع العمليّ في كثير من المدارس، أساسيّة وغير أساسيّة على الرغم من كون جميع الموادّ أساسيّة لجهة مساهمة كلّ منها في تنمية جانب أو أكثر من شخصيّة الإنسان من خلال تعليم وتعلّم معارفها ومفاهيمها.


  10


من أسباب هذا التّصنيف اللاتربويّ وضع نسب متفاوتة من العلامات لكل مادّة في التّقييم. فالمادّة المعطاة كمّاً قليلاً من العلامات تصنّف غير أساسيّة، ممّا ينتج النّظر إليها بدونيّة من قبل المتعلّمين ومعلّمي الموادّ الأخرى "الأساسيّة" والإدارة وحتّى الأهل. هذه النّظرة الدّونيّة تصعّب الإدارة الصفّيّة في هذه الموادّ.

لقد لاحظنا أيضًا على أرض الواقع ممارسات لا تربويّة متأثّرة بهذا التّصنيف تجعل بالنتيجة الإدارة الصفّيّة في الموادّ غير "الأساسيّة" أمرًا صعبًا، وخاصّة في صفوف الشّهادات الرّسميّة وما قبلها وبعدها. من هذه الممارسات إلغاء موادّ لا امتحان فيها، في الشّهادة الرّسميّة من صفوف الشّهادات وقبلها بسنة أحيانًا. فموادّ الرياضة البدنيّة والفنون واللّغة الأجنبيّة الثّانية والشّفهي في اللغات الأولى، تتعرّض للإلغاء من المناهج أو تصادر حصصها التّعليميّة لتعطى للموادّ الأخرى بحجج مختلفة، ممّا يجعل متابعة المتعلّمين لمعارف هذه الموادّ مقطوعة.

فالمتعلّم الذي يتوقّف عن دراسة اللّغة الأجنبيّة الثّانية في الصّف التاسع لا يتمكّن بسهولة من متابعة هذه المادّة في الصّف العاشر. وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الإجراء المعتمد في بعض المدارس والقاضي بمعاقبة المتعلّم المقصّر في الرّياضيّات مثلًا، بحرمانه من مادّة الرّياضة البدنيّة بدون علم معلّم هذه المادّة أحيانًا، وبموافقته مرغمًا أحيانًا أخرى.

كيف تصبح الإدارة الصفّيّة في موادّ صنّفت زورًا غير أساسيّة لا امتحانات فيها ولا متابعة متواصلة لنشاطات تعليمها وتعلّمها؟!
نضيف أخيرًا إلى الممارسات المؤثّرة في الإدارة الصفّيّة والنّاتجة من النّظرة الدّونيّة إلى بعض الموادّ المعرفيّة، والتي ينتج منها عدم الاهتمام بنوعية المعلّمين المعتمدين لتعليم هذه المواد وعدم تأهيلهم كغيرهم من معلّمي الموادّ "الأساسيّة"، وعدم تعيين إشراف عليهم، وكذلك الأمر، عدم تأمين الوسائل الضّروريّة المعينة لهم في عمليّة التّعليم.


  11


4- عامل المتعلّمين وتوزيعهم
يوضع المتعلّمون عادة في الصّفوف الدّراسيّة بالرّجوع إلى أعمارهم ومكتسباتهم التعلّميّة، وذلك على أساس التّفاوت في الأعمار والتّجانس النّسبيّ بالمكتسبات والقدرات. تكمّل أنظمة تقييم المكتسبات وترفيع المتعلّمين النّاجحين وقبول الجدد منهم لتعزّز هذا التّوزيع، على أساس التّقارب في العمر والمكتسبات.

يؤثّر عدم التقارب الزائد في العمر والمكتسبات لدى المتعلّمين في الإدارة الصفّيّة ويربك المعلّم. كما وييسّر هذه الإدارة، مبدئيًّا، وجود بعض التّفاوت في المكتسبات، الذي يشجّع التّفاعل بين المتعلّمين أنفسهم وبينهم وبين المعلّم.

نودّ هنا، أن نشير إلى بعض الممارسات التي تعرقل التّفاعل في الصّفّ، وتربك بالتّالي الإدارة الصفّيّة، حين تلجأ بعض المدارس إلى فصل متعلّمي الصّف الواحد ووضع الأقوياء منهم في شعبة واحدة والضّعاف في الشّعبة الأخرى، وفي ظنّها أنّ هذا الإجراء يسمح لمتعلّمي كل شعبة بالتّقدّم في التعلّم بدون معوّقات. لقد بيّنت العديد من الدّراسات عقم هذا الإجراء لأنّه يظهر الفوارق بين المتعلّمين ويفاقمها.

فالأقوياء يزدادون قوّة والضّعاف ضعفًا. كما وتتدنّى، في هذا الخيار، توقعات المعلّمين من المتعلّمين الضّعاف، ويزيد هذا الإجراء من عقد التّفوّق والضّعف ويخفّف من التّنافس وآثاره الإيجابيّة.

لقد أثبتت التجارب عن عزل المتعلّمين الضعاف عن الأقوياء، أنّ المجموعات المتجانسة بتطرّف (متعلّمين أقوياء وضعافًا) لا تتطوّر كثيرًا. فالمتعلّمون الضّعاف يحتاجون إلى متعلّم قويّ أو أكثر يستثير تطوّرهم ويقوده من خلال التّفاعل الإيجابيّ والنّقاش.

نودّ أن نشير إلى سلبيّات أخرى لفرز المتعلّمين ضعافًا وأقوياء، فالمتعلّمون لا يلبثون أن يكتشفوا أساس توزيعهم على الشّعب فينعتون شعبة الضّعاف بالكسل. والمعلّمون من جهتهم لا يتحمّسون لتعليم هذه الصّفوف، بسبب وجود حالات صعبة فيها. فصفوف الأقوياء سهلة الفرز


  12


بينما من يبقى من المتعلّمين يُجمع في شعبة واحدة، بغض النّظر عن خلفيّات وأسباب الضّعف.

وإذا ما قلّ عدد المتعلّمين في نهاية العام الدّراسي، تضطّر المدرسة في العام الدراسيّ التّالي إلى جمع المتعلّمين الضّعاف والأقوياء في صف واحد، ممّا يصعّب أكثر الإدارة الصفّيّة للمجموعة الجديدة! إن الحلّ الأفضل، الميسّر للإدارة الصفّيّة، يكمن في توزيع المتعلّمين بشكل طبيعيّ على أساس العمر والنّجاح في المكتسبات بدون اللجوء إلى التّصفيات والغربلة. فالمتعلّمون الأقوياء يعطون نتائج أفضل في صفوف فيها عدم تجانس نسبيّ وينمّي لديهم الأداء المدرسيّ ومفهوم تقدير الذّات، بينما جمعهم في صف أقوياء ينمّي بينهم أجواء التّنافس على حساب التّكامل والتّعاون ويتحوّل إلى مشكلة وتهديد للكفاءة الشّخصيّة. بينما يقلّل جعل الضّعاف في صف واحد، من فرص تطوّرهم واستفادتهم، عبر التّفاعل مع الأقوياء، ويساهم في زيادة ضعفهم وشعورهم بالدّونيّة.

المطلوب من المدرسة اعتماد توزيع طبيعيّ للمتعلّمين على الصّفوف كما تقدّم، توزيع ينتج منه ظروفٌ ميسّرة للإدارة الصفّيّة، ولتكوين مجموعة صفّ يتعاون أفراده ولا يتنافسون بشكل سلبيّ وليس تجمّع متعلّمين! وإذا أرادت المدرسة الاهتمام أكثر بالضّعاف فمن خلال نشاطات خاصّة وبشكل فرديّ أو مجموعات، حاجات محدّدة الموضوع، محدودة العدد والزّمن، فلها ذلك من دون اللجوء إلى إجراءات أثبتت التّجارب والدّراسات ضررها على الإدارة الصفّيّة وعلى المسار التعلّميّ السليم للمتعلّمين.

5- عامل الصّف وعديد المتعلّمين
تؤثّر خصائص جماعة المتعلّمين في الصّف الواحد، وعديدهم ومساحة الصّف على الإدارة الصفّيّة. فالخصائص الجمعيّة لجماعة المتعلّمين (المستوى الوسطيّ، مدى التباين


  13


بين الأفراد، نوع العلاقات بين المتعلّمين...) تؤثّر في الإدارة الصفّيّة والنتائج المدرسيّة أكثر من تأثير الخصائص الفرديّة. يظهر هذا التأثير بشكل خاصّ في المرحلة الابتدائيّة حيث تتغيّر مكتسبات المتعلّمين حسب خصائص جماعة الصّفّ ( ما بين 10-20 %).

يقترح أحد التربويّين تفكيك مجموعة الصّف الثابتة المتمثّلة بتركيبة واحدة للعمل والسّعي إلى تكوين مجموعات في بعض النّشاطات على أساس الحاجات والمشاريع والمستوى، أي تجاوز سلبيّات محتملة للخصائص الجمعيّة والتّعامل مع الخصائص الفرديّة.

أما عديد المتعلّمين في الصّف الواحد فيختلف، لاعتبارات مختلفة، حسب الدّول والمدارس. إنّ الرّأي الشّائع والصحيح، بشكل عامّ، هو العلاقة الإيجابيّة بين قلّة عديد المتعلّمين وتشجيع الظّروف المناسبة للتّعليم والتعلّم. لقد أثبتت الأبحاث زيادة في مكتسبات المتعلّمين عندما يقلّ عددهم عن عشرة، وخاصّة عند الفتيان حتّى عمر خمس عشرة سنة.

أمّا أسباب تأثير قلّة عدد المتعلّمين على الإدارة الصفّيّة، وبالتّالي زيادة المكتسبات التعليميّة، فيعود إلى توزيع جهود المعلّم على عدد أقلّ من المتعلّمين، ممّا يساعد على زيادة الإنتاجيّة وتفريد التّعليم.لم تتطرّق الدّراسات في هذا الجانب إلى عامل مساحة الصّف التي لها برأينا دور في الإدارة الصفّيّة. فالمتعلّم يحتاج إلى ما مساحته حوالي متر مربّع ونصف المتر، في الصّف، أو أكثر، ممّا يعني، أنّنا، عندما نزيد عدد المتعلّمين في صفّ مساحته غير مناسبة، نعرقل تجوّل المعلّم بين المتعلّمين وبالتّالي الإدارة الصفّيّة التي تستلزم سهولة في الحركة عند المعلّم بين المتعلّمين، وبين المتعلّمين أنفسهم.

6- عامل المدرسة
لا يمكن فصل عمليّة تحليل آثار أشكال إدارة الصّف عن التّشغيل العامّ للمدرسة، من خلال وضع الموضوع في سياق أوسع من إدارة العمل التّعليميّ داخل الصّفّ.
إنّ بنية المدرسة والأنظمة التي تعتمدها: تشجيعها للتنافس وانفتاحها أو عدمه على المجتمع، تجهيزاتها، والثواب والعقاب، ومجالس المتعلّمين والأهل والمعلّمين، والعلاقات


  14


بالمحيط (اللقاءات والنّشاطات...) كلّها تؤثّر سلبًا أو إيجابًا في سلوك المتعلّمين، وبالتّالي في الإدارة الصفّيّة.

كما وأنّ انفتاح مشروع المدرسة التربويّ على الثقافة المحلّيّة يساهم، ليس فقط في تطوير هذه الثقافة، وإنما يشجّع المتعلّمين على فهم أفضل لمشاكلهم ويسمح بتحسين أدائهم، كون النشاطات مرتبطة مباشرة بتجاربهم وتنمّي لديهم الشّعور بالثّقة والطّمأنينة، لأن المدرسة تتقبّل بيئتهم ومشاكلهم وتزيد بالتالي من شعورهم بالأمان وتنمّي الأجواء الصفّيّة الإيجابيّة.

إنّ المدرسة غير المضبوطة سلوكيّاً والتي تعاني من مشاكل إداريّة وسلوكيّة، لا توفّر أجواءً ملائمة للتعليم والتعلّم. ولا يمكن هنا الرّكون إلى مهارات بعض المعلّمين داخل صفوفهم، أو الاعتماد على وعي بعض المتعلّمين الجِدّيّين، إذ ما تلبث عدوى الفوضى واللامبالاة والمشاكسة أن تنتشر، فتفلت زمام الأمور حتّى من الغيارى من المعلّمين والمتعلّمين!

7- عوامل أخرى

إضافة إلى ما تقدّم، هنالك عوامل أخرى أقلّ أهميّة تؤثّر في الإدارة الصفّيّة نذكر منها:
- عامل توقيت تنفيذ الحصّة
ونقصد بذلك وقت تنفيذ الحصّة التّعليميّة والتعلّميّة خلال اليوم المدرسيّ. فمن الملاحظ أنّ الحصّة الواقعة في نهاية الأسبوع عشيّة العطلة الأسبوعيّة أو الفصليّة تصعب إدارتها بشكل طبيعي. كما وأنّ وضع عدّة حصص متتالية للمادةّ الواحدة في نفس اليوم قد يبعث الملل في نفوس المتعلّمين. كما وأنّ وضع مادّة معتبرة غير أساسيّة في آخر اليوم دائمًا تخفّف من احتمالات المشاركة الفعّالة من قبل المتعلّمين.

- عامل الضجّة

يتطلّب التّعليم والتعلّم هدوءًا يساعد على التركيز والمتابعة والتفكير. ولهذا كان السّعي لبناء المدارس في أماكن بعيدة عن الصّخب، أو عزل النوافذ تأمينًا لأجواء مساعدة على التخفيف من التّلوّث الصّوتيّ المشتّت للانتباه والتركيز.


  15