وتشتمل هذه الإدارة على
التنظيم المادّيّ للصّفّ،
وعلى القوانين والإجراءات،
ومن ثَمَّ على الأنظمة
المساعدة على حسن إدارة
عمل المتعلّمين والحركات
والنّظرات والأعمال
الرّوتينيّة وأخيرًا على
سبل المحافظة على السّلوك
الإيجابيّ، والتّعامل مع
السّلوك المشكل.
1- التّنظيم المادّيّ
للصّفّ
إنّ التّوزيع المكانيّ
للمتعلّمين في الصّفّ ليس
أكثر من وسيلة متاحة
للمعلّم من أجل تأمين
ظروف تعلّم مناسبة. يمكن
للمعلّم توزيع المتعلّمين
على المقاعد بشكل تقليديّ
أي في صفوف مستقيمة أو
على شكل نصف دائرة أو
مجموعات. ويمكنه أيضًا
تقسيمهم إلى مجموعات على
أساس المستوى أو الجنس أو
القبول المتبادل في بعض
النّشاطات. وأيّا يكن شكل
التّوزيع المعتمد من قبل
المعلّم، يجب أن يخدم
تسهيل المشاركة والتّواصل
والاستقلاليّة في العمل،
وأن يخدم توليد التّفاعل
وخفض العدوانية وزيادة
التعاون والإنتاجيّة في
صفوف المتعلّمين.
لا يمكن، بالرّجوع إلى ما
تقدّم، اعتماد شكل واحد
من التنظيم يلبّي كلّ
الحاجات. ولهذا كان تنظيم
المقاعد في الصّف بأشكال
متنوّعة، حسب النّشاطات،
يسمح لكلّ متعلّم بأن يجد
حاجته في الجلوس المريح
الميسّر للتعلّم. إنّ من
متطلّبات اعتماد التنّوع
في أشكال توزيع
المتعلّمين في الصّفّ سعة
مساحته وتوفّر مقاعد
إفراديّة للمتعلّمين تسمح
بحريّة الحركة، على أن
يكون الكرسيّ مستقلّاً
ومريحًا وصحّيًّا لا
يقوّس الظهر.
فكما
أنّ المتعلّم يكتسب عادات
وقيمًا في المدرسة فهو قد
يرث تشوّهات جسديّة بسبب
طريقة الجلوس في المدرسة،
وبصريّة أحيانًا بسبب
زاوية مكان وجوده
بالنّسبة إلى اللّوح.
توجد قواعد صحيّة
وتربويّة في اختيار
تحهيزات الصّف، لا بدّ
للمدرسة من مراعاتها حين
شراء التّجهيزات
المدرسيّة. إنّ عدم
مراعاتها يمكن أن يشكّل
سببًا غير مباشر على
الإدارة الصفّيّة.
فالمتعلّم غير المرتاح،
على سبيل المثال في جلسته،
لا يستطيع التركيز
والمتابعة بشكل طبيعيّ مع
المعلّم.
2- تنظيم موجودات
الصّفّ
ونعني بذلك حسن توزيع
واستثمار موجودات الصّف،
( الطّاولات، الكراسي،
مكتب المعلّم، تعليقة
الثياب، الأجهزة
السّمعيّة والبصريّة،
اللوحات، المجسّمات،
المكتبة، الوسائل...) إذ
يحتاج تنظيم محتويات
الصّف إلى اتخاذ قرارات
مناسبة أساسها خدمة
الوظائف المعدّة لها
وتوفير ظروف تعليم وتعلّم
فعّالة ومريحة.
على المعلّم الاهتمام
بترتيب الجدران واللّوحات
والسّقوف وتزيينها من دون
إفراط تجنّبًا لتشتيت
انتباه المتعلّمين.
والانتباه إلى نوعيّة
اللّوح وسعته وحسن
استثماره والمحافظة على
نظافته، والاهتمام
بالتهوئة والإنارة. كما
ويمكنه، بمساعدة
المتعلّمين، إضافة لمسات
شخصيّة إلى موجودات الصّف:
نباتات، حوض أسماك، أقفاص،
طيور أو حيوانات أليفة (سلاحف،
أرانب...) متحجّرات، ساعة
حائط... من المفيد إذًا،
إشراك المتعلّمين في
تنظيم موجودات الصّف
وإعادة توزيعها من وقت
إلى آخر تجنّبًا للملل.
إنّ تنظيم موجودات الصّف،
وقبل ذلك المواصفات
المعتمدة في شرائها، تعكس
فلسفة المدرسة والمعلّم
التربويّة. يجب الالتفات
إلى خمسة أسس للترتيب
الجيّد لموجودات الصّف:
- ترتيب موجودات الصّف
بشكل منسجم مع الأهداف
والأنشطة التّعليميّة.
- جعل
أماكن المرور والحركة
الرئيسيّة خالية من
الاكتظاظ.
- التّأكد من مشاهدة
المعلّم لجميع المتعلّمين
بسهولة.
- وضع الموادّ
التّعليميّة ولوازم
المتعلّمين أو الصّفّ،
التي تُستخدم باستمرار،
في أماكن يسهل الوصول
إليها (زاوية المصادر
والمراجع، سلّة المهملات،
تعليقة الثياب، المغسلة...).
- التأكد من أن جميع
المتعلّمين يتمكّنون من
مشاهدة الوسائل واللوح
واللوحات والعروض
التّعليميّة.
3- القوانين
والإجراءات المدرسيّة
والصفّيّة
يحدّد القانون المدرسيّ
والصّفيّ توقّعات أو
معايير عامّة للسّلوك
المرغوب في المدرسة
والصّفّ (اللطف مع
الآخرين، احترام ملكيّة
الغير، منع الركض في
الممرّات الدّاخليّة وعلى
الأدراج، حرمة كسر أغصان
أشجار المدرسة، المحافظة
على نظافة المدرسة،
المحافظة على ممتلكات
المدرسة...). بينما يمثّل
الإجراء التوقّعات
الخاصّة بالسّلوك مطبقة
على نشاط محدّد (تقديم
الفروض والواجبات،
التّعامل مع التّأخير،
مغادرة الصّف، إنهاء
الحصّة، العناية بموجودات
الصّفّ، طلب الإذن
لاستعارة غرض من زميل...).
من الإجراءات ما هو خاصّ
بالمدرسة، ومنها ما هو
خاص بالمعلّم، ومنها ما
هو خاصّ بالمتعلّمين.
وهنا لا بدّ من المحافظة
على التّوافق الدّاخلي
والتّكامل بين القوانين
المدرسيّة والإجراءات
المدرسيّة والصفّيّة،
فالتكامل والاتساق في ما
بينها يسهّل موضوع
تطبيقها.
يخدم حسن تطبيق القوانين
والإجراءات المدرسيّة
والصفّيّة فهم المتعلّمين
للسّلوك المتوقّع منهم
فيها، وتعريفها وتوضيحها
وتقديم أمثلة عنها وخاصّة
في الصّفوف الدنيا (التزام
الدّور، عدم المقاطعة في
الكلام، تجنّب الشّجار،
طلب الإذن عند استعارة
غرض ما من الزّميل وشكره
عند ردّه...).
ومن
المفيد أيضًا مشاركة
المتعلّمين في وضع هذه
القوانين والإجراءات إذا
أمكن ذلك، أو نقاش
أسبابها وفوائدها من أجل
تحمّل المسؤوليّة وتعزيز
الالتزام بها، ومن ثَمَّ
التّدرب عليها والتّأكد
من فهمها وتشجيع
المتعلّمين والثناء عليهم
ومكافأتهم عند احترامها،
والتذكير بها عند عدم
الالتزام بها.
يُنصح المعلّم بأخذ الوقت
في بداية العام الدّراسيّ
من أجل تقديم وصف محدّد
وملموس لتوقّعات السّلوك
ومتطلّبات المادّة
ومعايير العمل. والالتفات
إلى تقديم القوانين
والإجراءات بنبرة
إيجابيّة، كأن يقول
للمتعلّم: "يمكنك الكلام
بعد أخذ الإذن"، عوض
القول: "ممنوع عليك
الكلام". كما وعلى
المعلّم أن يكون حازمًا
ومنصفًا في تطبيق
القوانين والإجراءات، وأن
يبرهن عن اتساق في
التّعامل معها، بمعنى
الاحتفاظ بنفس التّوقعات
للسّلوك المقبول وغير
المقبول في نشاطات معيّنة،
ممّا يعني تطبيق
التّوقعات على الجميع
بدون تمييز في جميع
الظّروف ومن قبل جميع
المتعلّمين. من مسبّبات
عدم الاتساق:
- كون القوانين أو
الإجراءات غير معقولة .
- إخفاق المعلّم في
التّأكد من التزام
المتعلّمين بالقوانين
والإجراءات.
- الشّعور بعدم الحاجة
لتطبيق القانون أو
الإجراء.
يُطلب من المعلّم عندما
يستنتج عدم الاتساق:
- إعادة تعليم الإجراء
وتوضيحه والتّأكيد على
الالتزام به.
- تعديل الإجراء ثمّ
إعادة تقديمه.
- ترك الإجراء أو عواقبه
أو استبداله بآخر.
يزيد
من فرص الالتزام
بالقوانين والإجراءات
المدرسيّة والصفّيّة
الإعلان عنها خطّيًّا من
خلال كتابة المناسب منها
على لوحة في الصّف وفي
الممرّات والملاعب وفي
مفكرة المتعلّم والحصول
على نوع من الالتزام
الخطّيّ بها من قبل
المتعلّم والأهل، واللجوء
إليها في كلّ مرّة لا
يلتزم بها أو التّذكير
بها.
إنّ
التّوقيع عليها بعد
نقاشها وأخذ العلم بها
على مفكّرة المتعلّم أو
عند التّسجيل في بداية
العام الدراسي يشكّل
نوعًا من العقد بين
المتعلّم وأهله من جهة،
والمعلّم والمدرسة من جهة
أخرى. وقد يكون من
المناسب والمفيد الذهاب
أبعد من ذلك في العقد،
حين ترد فيه حقوق
المتعلّم وليس فقط
واجباته!
نشير أخيرًا، إلى أهميّة
الاتّساق في فهم القوانين
والإجراءات وتطبيقها بين
المعلّمين أيضًا، من أجل
زيادة فرص الالتزام بها
من قبل المتعلّمين.
4- الكلام والحركات
والنّظرات
يُطلب من المعلّم
التّكلّم بوضوح وببطء
نسبيّ، وعدم الإكثار من
الكلام، فالسّكوت أحيانًا
يكون مفيدًا، وخاصّة من
أجل حثّ المتعلّمين على
التّعبير وإبداء الرأي
والعمل والاكتشاف.
يساعد عدم الإكثار من
الكلام، المعلّم، في
المحافظة على الاستمرار
فيه لمدّة أطول،
والالتزام بقواعد
التّخاطب والتّواصل
الأساسيّة: عدم مقاطعة
المتعلّمين، الإصغاء
إليهم. ومن المناسب أيضًا،
لجوء المعلّم إلى اعتماد
حركات مصاحبة للكلام،
ولكن بدون إفراط.
أما حركة المعلّم في
الصّفّ، فيجب أن لا يقف
أمامها أيّ رادع. يختار
المعلّم مكانه في الصّف
بالرّجوع إلى معيار غير
واضح، ويشغل المتعلّمون
مساحة الصّف تقليديًّا
حسب تسلسل معيّن: مكتب
المعلّم، الأقوياء في
الصّفوف الأولى والضّعاف
في الصّفوف الأخيرة،
والمشاغبون في زوايا
الصّف.
وهناك حواجز غير مرئيّة
تقسّم المتعلّمين حسب
الدّور والمكانة، فإذا
كان من الصّعب على
المعلّم إجبار المتعلّمين،
خاصّة في الصّفوف العليا،
على الجلوس في أماكن
يختارها هو، لهذا عليه
تيسير تنقّله في الصّف
والتّوقّف في أيّ مكان من
أجل إثبات عدم وجود
خصوصيّة لأي مكان يجلس
فيه المتعلّم، وعدم عزله
عن التّواصل مع المعلّم.
أمّا نظرات المعلّم فيجب
أن يكون هدفها إشعار
المتعلّمين بالاهتمام بهم
والتّواصل معهم
واستقبالهم بالابتسامة
وعدم مراقبتهم باستمرار
وتجنّب النّظر الدّائم
إلى متعلّم معيّن أو
مجموعة متعلّمين وإنّما
توزيع النّظرات على
الجميع.
5-
إدارة الأعمال
الرّوتينيّة
يوجد في بداية ونهاية كلّ
نشاط تعليميّ وتعلّمي
أعمالٌ وإجراءات روتينيّة
تشكّل حلقة وصل بين
التّخطيط والتّنفيذ.
تصنّف هذه الأعمال إلى
ثلاثة أنواع:
أ- روتين اجتماعيّ:
ويمتاز بكونه يؤمّن بُنية
تحتيّة تحدّد عمل المعلّم
مع المتعلّمين: طريقة
تنظيم المحفظة المدرسيّة،
العناية بغرفة الصّف، وقف
الثرثرة والهمسات... يدلّ
النقص فيها على إحساس
بالفوضى وعدم التقيّد
بالنّظام.
ب- روتين دعم وإسناد
تعليميّ ومادّيّ:
ينظّم هذا الرّوتين
الجوانب المادّيّة في
العمليّة التعليميّة
والتعلّميّة: توزيع
الفروض المصحّحة، استعمال
الأدوات (الكتب، المعاجم...)،
اللوح، القدوم إلى مكتب
المعلّم... يدلّ حصول
مشكلة في هذا الجانب على
غياب المعلّم عن مسرح
العمل.
ج- روتين تواصل:
وينظّم التّفاعلات
والسّلوك اللفظيّ وغير
اللفظيّ بين المعلّم
والمتعلّمين: رفع الأيدي
للكلام، الإصغاء، الإجابة...
ويوحي النّقص في هذا
المجال بأنّ المعلّم يحكي
وحده أو أنّ المتعلّمين
لا يتابعونه.
إنّ الصّف مكان غير مستقرّ
وغير متحكّم به بالكامل،
والتّمكّن من الأعمال
الرّوتينيّة يحرّر
المعلّم ويمكّنه من
الانطلاق لإيجاد حلول
للمشاكل غير المتوقّعة،
ويساعده على تطوير مستوى
الترابط في عمله، ويضمن
له مستوى أعلى من
الاستقرار في العلاقات مع
المتعلّمين، والحصول على
إدارة صفّ فعّالة وعلى
تعليم نوعيّ لا إضاعة
للوقت فيه.
يهمّنا التّأكيد على
أهميّة وضرورة تطبيق هذه
القواعد السّلوكيّة
الطّقسيّة، من أجل الحصول
على النّظام والانضباط،
وتنميّة مشاركة
المتعلّمين، ورفع مستوى
التبادلات بين المعلّم
والمتعلّمين، وبالتّالي
تحسين فعاليّة العمليّة
التّعليمية والتعلّميّة.
ولهذا كان من الضّروريّ
توضيح هذه الأعمال
الرّوتينيّة للمتعلّمين
والاتفاق بشأنها معهم،
وليس فقط قولها لهم،
وإنّما تبيان فوائدها، من
أجل الحصول على ثقافة
متّفق عليها في النّظام
الصّفّيّ. وكذلك الأمر،
توحيد ما أمكن منها، بين
المعلّمين تيسيرًا للحصول
على تعليم انسيابيّ
وتعلّم نوعيّ ونظام نسبيّ،
وتجنّب كلّ استطراد أو
انحراف أو مقاطعة.