إدارة سلوك المتعلّمين

نقصد بسلوك المتعلّمين، هنا، تعاون هؤلاء مع القوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة ومدى تجاوبهم مع متطلّبات الأنشطة التّعليميّة والتعلّميّة. نميّز في هذا بين السّلوك الإيجابيّ المتوافق مع التّوقعات، والسّلوك السلبيّ المعرقل لعمليّة التّعليم والتعلّم على مستوى المتعلّم وأكثر منه على مستوى مجموع الصّفّ.

1- المحافظة على السّلوك الإيجابيّ

تعكس المحافظة على السّلوك الإيجابيّ، لدى المتعلّمين، انخراطهم في الأنشطة التّعليميّة والتعلّميّة، واحترامهم للقوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة.
من المفيد للمعلّم السّعي لبناء جوّ إيجابيّ بينه وبين المتعلّمين، وتجنّب الإفراط في التّركيز على السلبيّات، واللجوء إلى الثناء الخاصّ، من خلال تدوين مديح على مفكّرة المتعلّم أو مسابقته، أو عبر حديث خاصّ، أو خلال اجتماع مع الأهل، أو توجيه رسالة إليهم. أمّا الثناء العام فيلجأ إليه المعلّم أحيانًا، من خلال التّركيز على إنجازات المتعلّم، والتنويه الشّفهي وتبنّي مقولته وذكره كمثال...

على المعلّم عدم الإيحاء أو القول للمتعلّمين بأنّهم لا يملكون قدرات ولا ينفعون بشيء، بل يُطلب منه دائمًا إعطاؤهم الأمل والتشجيع، والإصغاء إليهم والحوار معهم والسّعي للحصول على إطاعتهم للقوانين وليس له بالرّجوع إلى سلطته، مع شرح فوائد القوانين في حمايتهم من الانحرافات وحفظ حقوقهم.


22


يساهم في بناء السّلوك الإيجابيّ في الصّف والمحافظة عليه تشكيل مجموعة صفّ وليس جمعًا من المتعلّمين. ويُنصح للوصول إليه: استقبال المتعلّمين وتنظيم العمل منذ اللقاء الأوّل، وتنظيم العلاقات في الصّفّ، وإدماج القادة المؤثّرين من المتعلّمين في العمل، والسّماح بالنّجاح والعمل له والتّشجيع عليه، وشخصنة العلاقات مع المتعلّمين والتقرّب منهم بدون إفراط، وتنميّة الاستقلاليّة وضمان التّوافق في المداخلات، وتقوية الرّبط بين أفراد فريق الصّفّ.

الأصل إذًا في سلوك المتعلّمين أن يكون إيجابيًّا، من خلال احترام المعلّم لشخصيّاتهم، وتشجيع جهودهم، وعدم الاستهزاء بقدراتهم، والعمل على تجنيدهم في المشروع التعلّمي كفريق، وليس كجمع من المتعلّمين.

2- التّعامل مع السّلوك المشكل

فالمعلّم يواجه، خلال عمله في الصّفّ، مشاكل انضباطيّة، ونزاعات مع المتعلّمين، وبين بعضهم البعض، وعدم التزام بالقوانين والإجراءات المدرسيّة والصفّيّة بشكل خاصّ، ولا نعني هنا حالات التّأخر في التّحصيل الدّراسيّ. كيف يتعامل المعلّم معها؟ ما هو شكل التّعامل المرغوب وما هي حدوده؟ إنّ طريقة تعامل المعلّم مع السّلوك المشكل محكوم بالقوانين التربويّة والمدرسيّة، وهو يشكّل بالنّسبة إلى المتعلّم جزءًا من تعلّم العيش في المجتمع، والتّربية على المواطنيّة والعلاقة بالقانون.

يملك المعلّم في الصّفّ، إضافة إلى سلطته الإداريّة والمعرفيّة، سلطة معنويّة يستعملها في التّعامل مع السّلوك المشكل بالتّدرّج الزّمني وبالمستوى. فعندما يشهد المعلّم سلوكًا مشكلّاً يقدّر بأنّه يستحقّ إتخاذ موقف منه يلجأ إلى:
عدم التّدخّل: وخاصّة في بداية حصول هذا السّلوك، أو لإتاحة الفرصة أمام صاحبه لوقفه أو لتقدير المعلّم أنّه غير مناسب الرّد عليه، أي إن المعلّم يتّخذ موقف الانتظار والملاحظة.

التّدخل من دون إزعاج النّشاط الصّفّيّ: وهنا يعتمد المعلّم عدّة استراتيجيّات تبدأ بتحديق


23


النّظر من غير تهديد ولكن بجدّيّة مع وقف الكلام، إلى صاحب أو أصحاب السّلوك غير المنضبط، يليها الاقتراب الجسديّ واللّمس الخفيف إذا رأى ذلك مناسبًا، وأخيرًا سؤال المتعلّم شخصيًّا عن دوافع سلوكه... يُمكن المعلّم التّعبير للمتعلّم عن الانزعاج من السّلوك مع تبيان أثره والشّعور تجاهه.

التّدخل أمام الصّف:
وخاصّة عندما يكون السلوك مزعجًا بدرجة أعلى، وعندما يدوم بعد اللجوء إلى المراحل السابقة. يطلب المعلّم، بنبرة مختلفة، من المتعلّم وقف السّلوك المزعج أمام كلّ الصّفّ (كأن يقول للمتعلم: عندما تتابع الحديث بدون إذن فإنّ ذلك يعطّل الدرس ويجعلني أشعر بالانزعاج، ولهذا أطلب منك التوقّف). يعزل المتعلّم في الصّف مع وعده بالرّجوع إلى مكانه حالما يتوقّف عن السلوك السلبيّ. يأخذ مفكّرته.

- التّدخل بعد الصّف:
يستبقي المعلّم المتعلّم بعد الحصّة لنقاش الموضوع معه وحده ومحاولة فهم الأسباب لأهميّة هذا الجانب في علاج المشكل. وإذا لم يكف لقاء واحد، متابعة النّقاش في لقاءات أخرى دوريّة للعلاج. إنّ المعلّم خصم وحكم في الوقت نفسه ولهذا من المفيد في بعض الحالات اللّجوء إلى وسيط (النّاظر، الإرشاد التربويّ، الأهل، معلّم الصّف...).

- العقاب الفوريّ:
بعد تكرار السّلوك السلبيّ وإصرار المتعلّم عليه، يلجأ المعلّم إلى العقاب الذي يجب أن يكون طابعه تربويًّا. فالعقاب الجسدي ممنوع بالمطلق لعدم فائدته ولأنّه، حسب ابن سينا، يعلّم الولد النّفاق. يجب أن لا يكون العقاب جماعيًّا، خاصّة عندما لا يستطيع المعلّم حصر المتعلّم صاحب السّلوك السلبيّ لأنّه يطال بهذه الطّريقة أبرياء. وأن لا يكون تحت تأثير الغضب والانتقام. وهنا يستحسن بُعد المعلّم الجسدي عن المتعلّم المخطئ. على المعلّم أيضًا توضيح سبب العقاب وتحميل المتعلّم المسؤوليّة. تلجأ بعض المدارس إلى عقاب المتعلّم بحرمانه من المشاركة في نشاط تعليمي في مادّة أو نشاط يحبّه (الرّياضة أو الرّسم أو الرحلة التربويّة). إنّنا نرى في اعتماد هكذا عقاب خطأ تربويًّا فادحًا. كما وأنّ بعض المعلّمين يلغون، للمتعلّم غير المنضبط، بعض علامات المادّة، وفي هكذا تصرّف خطأ آخر. يمكن للمدرسة اعتماد نظام خاصّ بعلامات السلوك يسمح للمعلّم بإنقاص علامات


24


من تلك المخصّصة للسّلوك المشكل وبالرّجوع إلى النّظام المعلن والموضّح للمتعلّم، مع توثيق الحالة والإجراء المتّخذ. يأخذ العقاب هنا، بعد تحديد وظيفته وإطاره، شكل نسخ قاعدة للحفظ عدداً غير مبالغ فيه من المرّات، فالمهمّ هنا، هو عنوان الإجراء وليس كمّه حتّى لا يؤثّر تنفيذه في أداء المتعلّم لواجباته المدرسيّة، فنغرقه بدل إعطائه الفرصة للتّغيير. كما ويمكن أن يُطلب منه نسخ جملة تبدأ بضمير المتكلّم (ذكر المشكلة)، ثمّ إضافة وذلك (وصف الأثر السلبيّ) يجعلني (ذكر الشّعور والسّعي لعدم العودة إلى السّلوك). أو أن يُحجز على الفرصة ولكن مع مراقبته. وإذا وجد المعلّم مناسباً إبلاغ الأهل خطّيًّا عبر مفكرة المتعلّم أو عبر رسالة خطّيّة أو شفهيّة خاصّة بسلوك ولدهم، مع اعتماد آليّة للتّأكّد من وصولها، يمكنه ذلك، لخير المتعلّم وعمليّة التّعليم والتعلّم. كما ويمكنه استدعاء الأهل لنقاش الأمر معهم بحضور المتعلّم.

- الفصل من الصّف:
ويكون هذا الإجراء آخر الدّواء. لهذا يجب أن يكون استثنائيًّا وبعد استنفاد السّبل الأخرى في تقويم سلوك المتعلّم. لا يُسمح للمعلّم إخراج المتعلّم من الصّفّ عند أدنى سلوك مُشكل. إنّنا نرى عدم جواز إرسال المتعلّم خلال الحصّة لجلب الطّبشور أو أي وسيلة معينة أخرى للمعلّم؛ لأنّ في ذلك تعدِّيًا على حقّه بحضور كامل الحصّة. وإذا رأى المعلّم أخيراً، الحلّ في إرسال المتعلّم إلى النّاظر، فمن المستحسن أن يكون ذلك بعد انتهاء الحصّة إلاّ إذا كان الموضوع مُلحًّا ولا يتحمّل التأجيل. أمّا الفصل من الحصّة للوقوف أمام باب الصّف فإجراء غير مستحسن؛ لأنّ المتعلّم المعاقب لا يخضع للرّقابة وقد يكون ذلك مطلبه!

أخيراً، وإذا كان السّلوك المشكل يستحقّ الفصل ليوم أو أكثر من المدرسة، فهذا الإجراء هو من صلاحيّات المجلس التّأديبيّ في المدرسة الذي يجتمع ويستمع إلى الحالة ويحقّق مع المتعلّم ويوثّق الحالة ويعلم الأهل خطّيًّا بالعقاب المتّخذ.

وهنا لا بدّ أيضًا من إيجاد قانون خاصّ بالحالات والعقوبات للرجوع إليه. إنّ وجود هكذا قانون يُرجع العقاب إلى الأفعال وليس إلى الأشخاص، مع أنّه لا وجود لقانون جامع شامل لكلّ الحالات. من هنا ضرورة وجود مجلس يناقش الحالات ويتّخذ القرارات.


25


نلخّص مراحل التّعامل مع المشاكل السّلوكيّة في الجدول الآتي:

مستوى إشكالية السّلوك نوع التدخّل شكل التدخّل
بسيط / صغير عدم التّدخّل الانتظار
  الملاحظة
التّدخّل من دون تعكير
النّشاط التّعليمي-
التعلّمي في الصّف
تثبيت النّظر
الاقتراب من المتعلّم
سؤال المتعلّم على حدة
التّدخّل بعد الصّفّ
(الدّرس)
طلب تعديل السّلوك
عقد جلسة مع المتعلّم
معالجة مشكلة عدم تكيّف مدرسيّ
العقاب العقاب المسوَّغ والموضّح
العقاب العاجل
كبير الفصل الفصل المحدود من الصفّ

26