موقع التقويم في التعليم والتعلّم

تحتوي عمليّة التّعليم والتّعلّم على المكوّنات الآلية:
الأهداف التّعلّميّة، الوسائل (المحتويات المعرفيّة، الطرائق، الوسائل المعينة)، تقويم التعلّم وعناصر عمليّة التّعليم والتّعلّم.
كان التّعليم التقليديّ يقارب العمليّة من زاوية الوسائل، أي من خلال المحتويات المعرفيّة والنشاطات, حيث كان المعلّم يبدأ التّعليم من النصوص المعرفيّة وتنفيذ النشاطات. وعندما كان يصل إلى التّقويم لا يعرف ماذا يقوّم! فالنصوص المعرفيّة توحي بنشاطات محدّدة، وهي توجّه العمليّة باتّجاه حفظ المعلومات واستذكارها من قبل المتعلّمين. هكذا كان الحال، وما زال كذلك لدى الكثير من المعلّمين الذين لم يخضعوا لإعداد أساسيّ وتأهيل متواصل على كفايات التّعليم.

تُمثّل الترسيمة التّالية التّعليم التقليديّ المتمحور حول المادّة المعرفيّة والمعلّم ناقل المعرفة والمتعلّم الحافظ للمعلومات المستذكرة عند الطلب:


 


9


يتأثّر هذا النمط من التّعليم بالمحتويات المعرفيّة المختارة المدرجة في المنهج، والتي غالباً ما يضعها أشخاص لا علاقة لهم بعلم المناهج ومستلزماته. لقد وضعنا، عن قصد، في الترسيمة عبارة "تقويم نتائج التّعليم", لأنّ الواقع يشير إلى نتائج التّعليم وما يعطيه المعلّم من معلومات أكثر ممّا يكتسبه المتعلّم من قدرات ومهارات ومواقف.

وعندما كنّا نسأل المعلّمين التقليديّين عن الأهداف، كانوا يعبّرون بارتباك وغموض عن أهداف التّعليم، أو عن موضوع التعليم، وليس عن التّعلّم المفترض. أما الأهداف التّعلّميّة فوضعناها في الترسيمة ضمن إطار منقّط للدلالة على عدم وضوحها والعمل عليها بشكل إراديّ، فأتى مكانها آخر الترسيمة، وليس في أوّلها عن قصد، للدلالة على كونها نتيجة محصّلة بالصدفة!

أتى التّعليم الحديث ليؤكّد على الأهداف التّعلّميّة أوّلاً وعلى كونها مرجعيّة للوسائل (محتويات معرفيّة وطرائق ونشاطات ووسائل معينة) وللتقويم. وليركّز على التفاعل المتبادل فيما بين مكوّنات عمليّة التّعليم والتّعلّم حيث يكون التّعليم في خدمة التّعلّم، والمعلّم وسيطًا، والهدف الأساس في العمليّة بناء وتكوين شخصيّة المتعلّم من خلال إكسابه قدرات ومهارات ومواقف. هذا التعديل الجوهريّ في مقاربة العمليّة يجعل الترسيمة تأخذ الشكل الآتي:


10


تنطلق عمليّة التّعليم والتّعلّم في التّعليم الحديث، إذًا، من الأهداف الواضحة والمعلنة والتي يختار المعلّم بالرجوع إليها، النصوص المعرفيّة والطرائق ووضعيات العمل وتكنولوجيا التّعليم المساعدة. وبعد التخطيط للعمليّة وتنفيذها وتقويم النتائج تقويما تكوينيًّا يصل أخيرًا إلى التّقويم الختاميّ.

يظهر في الترسيمة المكان المحوريّ لمكوّن التّقويم الذي يرافق كلّ مراحل العمليّة ويعطي المعلومات والتغذية الراجعة المساعدة على التطوير الدائم لجميع مكوّناتها. إنّه موجود بقوّة عند كتابة الأهداف التّعلّميّة ومعايير ومبيّنات التحقّق من اكتسابها. وهو موجود خلال تنفيذ نشاطات التّعليم والتّعلّم وفي نهايتها.

إنّ ازدياد أهمية موقع التقويم في التعليم والتعلّم، جعل بعض التربويّين يطالبون ببدء العمليّة به، أي قلب ترتيب الترسيمة رأسًا على عقب، واقتراح كتابة أدوات التّقويم ومعاييره بالتوازي مع صياغة الأهداف التّعلّميّة من أجل إحكام الربط بينهما، والعمل بعد ذلك على اختيار الوسائل ومنها النصوص المعرفيّة!

وهكذا تأخذ الترسيمة الممثِّلة لآخر اتجاهات مقاربة عمليّة التّعليم والتّعلّم الحديث وموقع التّقويم فيها كما يأتي:


11