تمهيد
إن قضية التبليغ واحدة من
القضايا الأساسية في
الحياة الاجتماعية، وهي
لا تختص بحقبة معيّنة دون
سواها فالتبليغ الذي عبر
عنه القرآن الكريم بكلمات
من قبيل البلاغ، والبيان،
والتبيين وما شاكلها يدخل
في عداد الوظائف المقدسة.
وهو من جملة واجبات
الأنبياء، والعلماء،
والمفكرين، والمصلحين
والتبليغ معناه الإيصال.
ولكن ما هو الشيء الواجب
إيصاله؟ إنه إيصال لتلك
الحقائق والمعاني إلى
أذهان وقلوب المخاطبين
تلك المعاني التي يؤدي
الجهل بها إلى الضرر
والخسران. وهذا ما يرفع
من قيمة التبليغ؛ إذ أن
له صفة إنسانية. فالتبليغ
الذي أمر به الإسلام،
وحرص عليه علماء الإسلام
وزعماء الشيعة على امتداد
التاريخ له صبغة إلهية
﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلاَ
تَكْتُمُونَهُ﴾1 وهو ذو
صبغة إنسانية أيضاً لأنه
ينتهي إلى الأخذ بقلوب
وعقول المحرومين من العلم
والمعرفة، والواقفين في
مهاوي الجهل والشكّ. هذا
الواجب ينبغي أن ينظر
إليه بهذا المنظار.
فالتبليغ بصورته
المتعارفة بيننا اليوم
رائع جداً، والحقيقة أن
أيّاً من الأساليب
الإعلامية والفنية وما
تقدمه الأجهزة الخبرية لا
يسد مسدَّ هذا التبليغ لا
أريد القول أن التبليغ
يغني عنها، إلا أنها أيضاً
لا تغني عن التبليغ
بأسلوبه وطريقته هذه. حيث
من المهم أن يجلس المرء
وجهاً لوجه أمام المؤمنين
في المجالس التي تُعقد
بشكل متواصل يومياً أو
ليلياً ويبين لهم بالطرق
الواجب اتباعها المعارف
الإلهية، وينصحهم ويشرح
لهم الأخلاق الفاضلة
ويرشدهم إلى الصراط
المستقيم، إذ تتلاقى
خلالها بين المتحدّث
والمخاطب الأنفاس
والنظرات وعلى الأوساط
العلمائية والحوزات
العلمية المباركة أن لا
تفرّط بهذا بأي ثمن كان
وهذا هو الواقع حالياً
طبعاً: فالطلاب والفضلاء
والمبلّغون على هذا
السبيل، يدركون أهمية هذا
التبليغ2.
حقيقة التبليغ الإسلامي
إن التبليغ الإسلامي من
وجهة نظرنا يعني إيصال
الإسلام، ويعني إيصال
رسالته إلى القلوب وبأي
وسيلة أمكننا ذلك، من
الوسائل الشريفة،
والمتناسبة مع المضمون
والمحتوى المقدّس لهذا
التبليغ أي التوحيد
والإسلام... سواء كانت
هذه الوسيلة عبارة عن
القول أو العمل وسواء تم
ذلك عبر السكوت أو غيره
من الوسائل. مهما تكن
وسيلة الايصال فإن غرضنا
من التبليغ (والاعلام) هو
هذا الأمر وليس مفهوم (بروبكندا)
الشائع والمتداول في
العالم الغربي وفي جميع
العالم المادي القائم على
الخداع وإظهار غير الواقع
الحقيقي للآخرين.
التبليغ والاعلام عبارة
عن امتلاك القلوب
واحتلالها لا العيون
والآذان والجوارح، على
العكس مما هو شائع في
العالم البعيد كل البعد
عن المعنويات إذ أنهم
يعتقدون أن الاعلام في
الحقيقة هو شيء من قبيل
احتلال العيون والآذان
والجوارح وايجاد جو يجعل
الإنسان لا يستطيع أن
يدرك الحقيقة بفكره وقلبه
ويلمسها.
إننا لا نعتبر هذا إعلاماً
وتبليغاً، بل نعتبره
خداعاً ومكراً أما
اعلامنا فإنه يتم عبر
الحكمة والموعظة الحسنة
والأساليب الإلهية
والإنسانية3.
"فالتبليغ الديني لا
يجزِّئ الحقيقة وإنما
يكشفها كاملة، ولو لم
يستمرئها المخاطب التبليغ
الديني يبيّن الحقيقة كما
هي دون زيادة أو نقصان،
وبعيداً عن الأهواء
والرغبات وبكلمة أخرى: إن
المبلّغ الديني يؤدي
الشهادة مثل الشاهد
الصادق، فيكشف عن الحقيقة
ويضعها أمام الأنظار".
التبليغ في الإصطلاح
المعاصر يعني استقطاب
اهتمام الناس نحو شيء
معين دون الأخذ بالإعتبار
ما يحمله هذا الشيء من
الحقيقة جزءها أم عشرة
اضعافها أو مئة ضعف لها.
والتبليغ في اصطلاحنا هو
التبليغ القرآني يعني
توصيل الحقيقة إلى أذهان
الناس وإخراجهم من الجهل
﴿وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ
شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ
اللّهِ﴾4 فمن الظلم أن المرء لا
يؤدي الشهادة التي
يمتلكها5.
"إن التبليغ والإعلام في
العرف العام عبارة عن جذب
الأنظار نحو شيء ما، هذا
هو مفهوم الإعلام في عالم
اليوم، أي تصوير شيء غير
موجود على أنه موجود، أو
تضخيم الموجود مئات وآلاف
أضعاف حقيقته وعرضه بشكل
مزيف، لكن ماهية عملنا
غير ذلك، فنحن لدينا
حقيقة مضاءة اسمها
التوحيد والإسلام، وقد
حجبتها سُحب الجهل
والاعداء، والتبليغ يعني
توصيل تلك الحقيقة إلى
أذهان الناس وعقولهم"6.
التبليغ أشرف الأعمال:
إن ارتقاء المنبر والتحدث
في أمر الدين من أشرف
الأعمال، ويجب على أشرف
الناس وأعلمهم وأوعاهم
بالقضايا الإسلامية
وأكثرهم عملاً بالأحكام
الشرعية أن يسيروا في هذا
الطريق ويعتبروه فخراً
لهم، كما كان الأمر في
السابق فمثلاً كان الشيخ
جعفر الشوشتري العالم
الأخلاقي الكبير صاحب
منبر، وكان المرحوم الحاج
السيد رضا الهمداني
الواعظ صاحب كتاب هدية
النملة واعظاً وخطيباً
دينياً وهكذا كان ابنه
السيد ميرزا محمد
الهمداني الذي كان من
العلماء، وكذا أمثالهم،
ففي الماضي كانت الشخصيات
العلمية والوجوه المعروفة
بالتقوى والتدين متصفة
بهذه الصفة ومفتخرة بهذا
الفن7.
التبليغ هو سبيل الإسلام
الأول:
إن الدين الإسلامي هو دين
التبليغ، صحيح أننا في
الدين الإسلامي المقدس
لدينا جهاد من أجل تحقيق
الأهداف الإلهية
والإسلامية، إلا أن الأصل
هو التبليغ والتبيين،
فللجهاد فلسفة أخرى،
الجهاد لمواجهة الطغاة
والظلمة وموانع التبليغ
وانتشار نور الإسلام،
ومتى ما غاب المانع، أو
وجد ولم يكن الجهاد، فإن
السبيل الأساس للإسلام هو
التبليغ... فلم يُقصَ
التبليغ عن حياة المسلمين
منذ ألف وأربعمائة عام.
لاحظوا أن التبليغ
للإسلام عمّ آفاق العالم
وحالياً كلما اتجهتم نحو
المناطق الواقعة شرق
إيران تجدون أغلب
المسلمين قد أسلموا
بالموعظة والتبليغ
والدعوة قبل السيف، ما
الذي قاد إلى إسلام كل
هؤلاء المسلمين في الصين؟
من الذي دعا سكان ماليزيا
وأندونيسيا والفليبين
والمناطق التي يقطنها
المسلمون إلى الإسلام؟
أكان التهديد بالسيف؟ لو
كان لسيف السلطان محمد
الغرنوي من تأثير، فإن
تأثيره تجلى في تحريض
الناس ضد الإسلام إن سيوف
المغول في الهند وأكبر
شاه وجهانكير شاه وأورنك
زيب وأمثالهم. وهم
معروفون والآن يتفاخر
البعض بهم. كانت منشأ
لظهور أعداء ألداء
للمسلمين، ولقد أدت سيوف
المغوليين إلى ظهور السيخ
في الهند والسيف لا يجعل
المرء مسلماً من أعماق
قلبه. فمسلمو الهند لم
يسلموا بالفتح الجهادي بل
بالدعوة، انظروا ما يفعله
الهنود عند قبور العرفاء
الإيرانيين الذين كانوا
في الهند، لأنهم من ثمار
تبليغهم، لقد نهض فرد
عارف وعالم وواعظ روحاني،
فرد مثلي ومثلكم، وتوجه
إلى هناك وكان فعله
الوحيد أنه أعرض عن
الأصدقاء والديار، ولم
يخلد إلى الأرض فجاهد
نفسه، وذهب إلى منطقة في
الهند وأقام فيها نحو
أربعين أو خمسين عاماً،
فأسلم عدد من الناس على
يديه. هكذا انتشر الإسلام
"يجلب بعضه بعضاً" فإذا
أسلم فرد قاد إلى إسلام
مئة آخرين8.
التبليغ واجب على كل
المسلمين والمسلمات
"فالإسلام يعتبر أن
التبليغ واجب وضروري كما
قال الله سبحانه وتعالى
في القرآن الكريم:
﴿وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن
دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ﴾9.
وقوله عزَّ وجلَّ:
﴿ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾10.
وقوله تعالى:
﴿فَلِذَلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ
كَمَا أُمِرْتَ وَلَا
تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ﴾11.
صحيح أن هذا الخطاب موجّه
للرسول الكريم صلى الله
عليه وآله وسلم ، لكنه
موجّه - في الحقيقة - إلى
كل المسلمين والمسلمات
وهناك آيات كثيرة في
القرآن بهذا الشأن غير
تلك التي تليت عليكم الآن.
... كل هذه الآيات هي
دروس لنا، وتفتح أمامنا
سبلاً واضحة وطرقاً محددة
من أجل التمكن من تحقيق
هذا الواجب الكبير. وهناك
حديث مشهور عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
جاء فيه: "لأن يهدي الله
بك رجلاً خير لك مما طلعت
عليه الشمس وغربت".
وهو يوضَّح وظيفة المرء
والواجب الملقى على عاتقه
إذ يعتبر الحديث الشريف
هداية إنسان ما أفضل
وأسمى من كل الأعمال، وأن
هداية إنسان واحد هي أفضل
من كل ما تشرق عليه الشمس
وتغرب، وبناءاً على ذلك،
فإن واجب الإنسان واضح
ومعروف من وجهة نظر
الإسلام إذ أننا مكلّفون
بتبليغ الإسلام الحقيقي
ولا نستطيع أن نترك تبليغ
الحق والدعوة إلى الله
تبارك وتعالى وبأي حال من
الأحوال وبأي عذر كان.
المسلمون مكلّفون، فرداً
فرداً، وفي جميع البلدان
الإسلامية وفي ظل كل
الأوضاع والظروف وفي جميع
الأحوال، بمهمة التبليغ...
ومن الطبيعي أن للعلماء
والمفكرين والمثقفين
والشخصيات البارزة في
المجتمع، وظائفهم
وواجباتهم الخاصة في هذا
المضمار، لكن هذا لا يعني
أن أفراد الأمة الإسلامية
ليسوا مكلفين بواجب
التبليغ.
علينا إبلاغ هذا الأمر
للمسلمين فرداً فرداً،
وينبغي إفهامهم بأن كل
شخص مكلّف بواجب يتحتم
عليه أداؤه، وهو التبليغ
للحق والدعوة إلى الإسلام
بالقدر الذي يطيقه،
ويمكنه القيام به12.
التبليغ بين الأمس
واليوم
يجب في الظروف الراهنة،
على الحوزة العلمية في قم
أولاً، وبعدها بقية
الحوزات العلمية حيث
الأرضية مهيأة لتبليغ
الإسلام وصوتنا يصل إلى
أقصى نقاط العالم. أن
يتسع عملنا التبليغي أكثر
من السابق؟ فثمة فرق بين
اليوم الذي كانت فيه
دائرتنا التبليغية عبارة
عن جلسة تضم خمسين أو مئة
أو خمسماءة شخص في أبعد
الحدود، وتنعقد في مسجد
ويتحدث فيها عالم بصفة
إمام جماعة أو خطيبٍ،
وبين يومنا الحاضر حيث
ينتظر الناس نشاطنا
التبليغي في كل نواحي
البلد والمجتمع. "كم يوجد
من الشباب المتلهفين
لمعرفة شيء عن الدين! كم
من الأفراد المتعلمين
وذوي الفهم الذين كانوا
حتى الأمس منفصلين عملياً
عن الدين والمعرفة
الدينية، لكن الحكومة
حضتهم اليوم على فهم
الدين والإتجاه إليه،
هؤلاء يرغبون في أن
يفهموا شيئاً عن
الدين"13.
ليست قيمة بعض الأشياء
مطلقة ومتساوية في كل
مكان، فمثلاً إِن الماء
الزلال الذي هو أساس
الحياة الإنسانية، له
قيمة وسط الصحراء، وقيمة
أخرى قرب النهر، وكذلك
التبليغ، فعندما تقل
الحاجة إليه أو حينما
يزداد عدد المبلغين، فإن
قيمته لا تكون كبيرة، إلا
أنها تزداد إذا ازدادت
الحاجة إلى التبليغ
وانخفض عدد المبلغين، لأن
الإعلام المضاد للدين
والإسلام. والذي تتحكم
فيه القدرات العالمية
وتوظف فيه أحدث الأساليب
والطرق. قد بلغ أقصى
مداه14.
أولوية العمل التبليغي
على العمل الإداري:
من الأشياء التي تعينكم
هو ما ذكره أمير المؤمنين
عليه السلام بشأن النبي
المكرّم صلى الله عليه
وآله وسلم: "طبيب دوّار
بطبه قد أحكم مراهمه
واحمى مواسمه..." فلا
ينبغي أن نحبس أنفسنا
وراء الطاولة وداخل
الغرفة فظهورنا بشكل
إداري نحن جماعة المشايخ
والعلماء ليس لصالحنا
ومهما كانت مسؤوليتنا فلا
ينبغي أن نفقد هذه الحالة
الطلابية والحوزوية
والآخوندية حيث إن الأنس
يكون بالناس والتحرك
بينهم والحديث معهم
وبلغتهم والاستماع إلى
همومهم.
فنحن قد شاهدنا هذين
الوضعين بين المشايخ،
فمنهم من لم يكن لديه أي
سمة رسمية وإدارية
وأمثالها، لكنه كان يتصرف
مع الناس عند لقائهم كشخص
إداري جامد لا يتمتع بأية
مرونة أو اهتمام أو محبة
أو بشاشة، وقد شاهدنا عكس
هؤلاء، أشخاصاً كانوا
يتولون مسؤوليات إدارية،
ولكنهم في أي مكان كانوا
يتواصلون مع الناس
ويتصرفون بمحبة وأبوية
وإشفاق واهتمام، فهذا هو
الوضع الصحيح والحسن فهذه
أيضاً قضية، أي عدم
إنزواء هذه المجموعة في
القوالب التنظيمية وهذا
لا يعني أنني أخالف
التنظيم فبدون التنظيم
والتشكيلات لا يمكن أن
يكون هناك إدارة وعمل،
كلا فأنا اعتقد بالتنظيم
ولكنني أعتقد أن هذا
التنظيم لا ينبغي أن
يخرجنا من هويتنا.
فوصيتي الأخرى موجهة إلى
المجموعة الإدارية منكم
أنه مهما أمكن تعديل
وتنظيم الأنشطة لصالح
القاعدة مقابل المركز أي
العمل أكثر للقاعدة من
المركز أي التوجه للأرض،
فعديد المركز إنما هو
للتخطيط وتنظيم الأفكار
ورسم المسارات المتوسطة
والاستراتيجية وأمثالها،
فيجب الحفاظ على المركز
بهذا الحجم. ولو توسّع
حجمه فسوف يوجد مشكلات
ويؤدي إلى إثقال
الجسم15...
أهمية التبليغ للإسلام
الأصيل داخل المجتمعات
الإسلامية:
بعض الناس يتصورون أن
التبليغ للإسلام يمكن أن
يتم عبر الذهاب إلى
الشعوب التي لم تطّلع على
الإسلام بعد، والقضية لا
تتعدى أن يقوموا بعرض
الإسلام على تلك الشعوب،
وإطلاعهم على ما فيه، أو
دعوتهم إلى النطق
بالشهادتين. بلى، هذا
تبليغ للإسلام، لكنه ليس
الجانب الأهم فيه.
إنما الجانب الأهم لتبليغ
الإسلام هو ذلك التبليغ
الذي يتم داخل المجتمعات
الإسلامية بهدف تقديم
الإسلام لهم نقياً صافياً
أو بهدف عرض الأفكار
المحاربة للإستكبار
والمناوئة للاستبداد
والمضادّة للاستضعاف. بعض
المبلغين يرسلون من قِبل
بعض البلدان الإسلامية
إلى أنحاء العالم،
كأفريقيا، وأقاصي آسيا،
وإلى مناطق أخرى، في سبيل
أن يجعلوا الناس يؤمنون
بـ(لا إله إلا الله) هذا
في الوقت الذي نرى أن
كلمة (لا إله إلا الله)
غير مطبقة في بلدانهم
ذاتها كما يقول الشاعر:
"طبيب يداوي الناس وهو
عليل".
يجب عليهم أن يعودوا
ليشرحوا لشعوبهم معنى
الإسلام، ويوضحوا مفاهيمه
وقيمه وأبعاده، وليفهموهم
ماذا تعني كلمة (لا إله
إلا الله)16.
أهمية المنبر في التبليغ
التقليدي:
إن جلوس الإنسان على
المنبر أو على الأرض، أو
وقوفه أمام جمهور من
الناس وهم ينظرون إلى
وجهه وإلى شخصه وهو
يكلمهم له من الأثر ما لا
نجده في جهاز التلفاز
والمذياع وغيرهما من
الوسائل الإعلامية
الأخرى.
وهذا يختص بكم أيها
العلماء وطلبة العلوم
الدينية.
فعظموا شأن هذه المساجد
والمنابر، ولا تتصورا
أنها قليلة الجدوى
والفائدة.
لقد سمعت من البعض قولهم
إن المنبر كان له أثر في
السابق، وأما اليوم ومع
جود التلفاز ودور السينما
فما هو الدور الذي يمكن
أن يقوم به المنبر؟
وهذا القول خطأ وغير
صحيح، لأن المنبر يعني
الجلوس بين الناس الذين
يستمعون إليكم وأنتم
تخاطبونهم بصورة مباشرة
وهذا فيه من الأثر ما لا
يوجد في أي من الوسائل
والطرق الاعلامية الأخرى.
وأينما ذهبتم ستجدون أن
هذا الأسلوب مختص بعلماء
الدين ولم يستطع غيرهم أن
ينجح في ممارسة هذا
الأسلوب بالذات...
إن المنبر من الخصائص
التي يتفرد بها المجتمع
الشيعي وهذه ميزة أعطيت
لعلماء الشيعة ومعمميهم
كي يكونوا دائماً في
تواصل وارتباط مع
الجماهير، فيؤثروا فيهم
من خلال أكثر الأساليب
تأثيراً.17
مواسم التبليغ:
في إحدى زياراتي لمشهد
بعد انتصار الثورة دعوت
الإخوة
الأعضاء في لجنة
"الثورة الإسلامية" إلى
اجتماع حذّرتهم فيه
بصفتهم مسؤولين منشغلين
بإدارة أمور الناس من
إغفال عمل كانوا يواظبون
عليه دائماً. ففي شهور
رمضان المبارك ومحرم وصفر
كان طلاب العلوم الدينية
يتوجهون إلى أنحاء البلاد
كافّة ليبلّغوا الناس
نداء الثورة ومنطق الحق
والثقافة الإسلامية18.
ضرورة التصدّي للتبليغ
وعدم ترك الساحة
للأمّيين:
الإسلام مطروح اليوم
بصفته منهجاً للحياة يقدم
إجابات على اشكالات
الحياة وطريقاً للتحرر من
مشكلات عالم القرنين
الجاري والمقبل وهكذا
ينظرون إلى الإسلام،
ولذلك يعتنقونه، فالإسلام
اليوم ينتشر بسرعة في
الدول الغربية وبخاصة
الولايات المتحدة والدول
الأوروبية الكبرى وليس
هذا زعم خطيب سمع شيئاً
وصعد ليحدث به، لديّ
أرقام دقيقة، فكثير من
الأفراد في البلدان
المسيحية الغربية ممن
اعتنقوا الإسلام، لديهم
أسئلة ويريدون معرفة
الإسلام، ويريدون أن
يسمعوا شيئاً عن الإسلام
الذي استطاع تشكيل حكومة
ووقف بوجه القوى الكبرى،
ولم يخش أحداً وباستطاعته
أن يدير العالم وهو يسجل
حضوراً في صميم الحياة
الإنسانية وقلبها ولا
يعاني مما تعاني منه
الدول الأخرى من ضعف،
يريدون معرفة هذا الدين
فعلى عاتق من تقع مسؤولية
توضيح هذه الحقائق؟ هل
نجلس ليفعل الأميّون ذلك؟
هل نقعد
كيما يتوجه إليهم
من لا يعرف شيئاً عن
الإسلام؟ هل نقعد ليذهب
إليهم من كوّن معرفته عن
الإسلام بما سمعه من هذا
وذاك19.
التبليغ في الخارج
- إن - طبيعة التبليغ في
الداخل تختلف عن طبيعة
التبليغ في الخارج،
والأشخاص الذين ذهبوا
للتبليغ خارج البلاد
يدركون ما أريد أن أقوله،
نحن نعاني اليوم من قلة
المبلّغين على مستوى
العالم. فلدينا مع الأسف
القليل من الأشخاص الذين
من الممكن إرسالهم
للتبليغ خارد البلاد، كل
هذا الإعلام المضاد يوجه
اليوم ضدنا على صعيد
التشيع وعلى صعيد الإسلام
وعلى صعيد مباني ومناهج
الثورة. ومن الطبيعي أن
تكون هناك أسئلة مستعصية
لدى شبابنا وجامعينا
ومفكرينا وأفراد أمتنا في
خارج البلاد، ويتوقعون
منا أن نبعث إليهم من يحل
لهم عقد هذه المسائل
فتطمئن قلوبهم ويجيبهم
فتبتهج أرواحهم، ولكن لا
يوجد لدينا من نبعث به
إليهم.
إننا نعاني اليوم من
مشكلة شح المبلغين
المؤهلين لإرسالهم إلى
الخارج وإلى بعض الدول
الأجنبية، وإذا تمكننا من
إرسال عشرة علماء فضلاء
مبلغين من أهل الخبرة إلى
بعض الدول الأجنبية بحيث
يستقرون هناك دائماً،
فسوف يكون لذلك آثار
ايجابية كثيرة...
20
1- معرفة لغة البلد
الأجنبي وثقافته:
يجب توافر أفراد مستعدين
لهذا العمل، أي من الذين
أنهوا دراساتهم وشاركوا
في دورة تأهيلية واطلعوا
على طباع الأجانب
وسلوكياتهم واتقنوا
لغتهم، كيما يتواصلوا
معهم وينهضوا إلى مستوى
البيئة التي يخاطبونها.
2- المثابرة وتحمل المشاق:
ترتسم في أذهان بعضهم
صورة متلألئة للتبليغ في
الخارج، فيتوهمون أن من
يرسل للتبليغ في الخارج،
يقيم في لندن أو باريس
وفي عمارة راقية مع أناس
مترفين. إقرؤا سيرة بعض
المبلغين المسيحيين الذين
بذلوا مجهودات ضخمة
وذهبوا إلى أعماق غابات
أفريقيا وأميركا، بالطبع
كان هدفهم استعمارياً
وليس إلهياً واقعياً...
وقبلهم نشر المبلغون
المسلمون الإسلام في
أقاصي آسيا: الهند وشبه
القارة الهندية التي تضم
بنغلادش والهند وباكستان
وأندونيسيا وماليزيا
والصين وتركستان الشرقية.
هكذا انتشر الإسلام في
أغلب هذه المناطق، إذ
هاجر إليها بعض أولياء
الله والعرفاء وأقاموا
سنوات متتالية تحملوا
خلالها مختلف ألوان
الصعاب، حتى استشهد بعضهم
ومات بعض آخر
جوعاً21...
3- المراقبة المشددة
للنفس:
إن بعد المسافة الذي
يفصلكم عن البلد ومركز
الثورة، مدعاة لتشديد
التزكية الذاتية، ومع
أنكم من أهل العلم
والأخلاق والفضل
والدين،
لكن المرء عندما يبتعد عن
مركز الإسلام والدين
والشعائر الإسلامية،
يحتاج إلى تكثيف مراقبته
لنفسه والإهتمام بها.
فمثلاً إذا كنتم هنا
تكتفون بمقدار معين من
الذكر والدعاء والنوافل
وصلاة الليل فعليكم
مضاعفته هناك ليكون
بوسعكم المحافظة على
أنفسكم22.
الدعوة إلى الإسلام مفخرة
إن الدعوة للإسلام مفخرة،
أياً كان الشخص الذي يقوم
بهذه الدعوة. لقد منَّ
الله علينا بفضله إذ
جعلنا قادرين على هداية
الناس إلى سبيله وتبيين
حقائق الدين لمن يجهلها.
وأول الدعاة إلى الله، هو
ذات الباري تعالى،﴿وَاللّهُ
يَدْعُو إِلَى دَارِ
السَّلاَمِ﴾23 ومن بعده النبي
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم كأوَّل مبلغ
للدين. إنه لفخر لنا
جميعاً أن نضطلع بعمل أمر
الباري تعالى أشرف وأزكى
أنبياءه بالقيام به، وذلك
في قوله:﴿ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾24. وبفضل
هذه الدعوة استطاع
الإسلام الانتشار في هذه
البقعة الواسعة من
العالم.25
الدعوة هي التي رسّخت
الإسلام في القلوب
نحن لدينا أيضاً أسلوب
الجهاد، أعني أسلوب القوة
والسيف، إلا أن هذا
الأسلوب إنما دعا من أجل
إزالة الموانع في سبيل أن
تجد
الدعوة سبيلها إلى
القلوب. فلم تكن سيوف
المجاهدين هي السبب في
نفوذ الإسلام إلى أعماق
قلوب الناس في هذا البلد
الكبير، بل سيوف
المجاهدين أزالت الموانع
عن طريق الدعوة فقط،
وكانت دعوة المؤمنين
والمخلصين هي التي رسخت
الإسلام في القلوب، سواء
كانت تلك الدعوة باللسان
أم بالعمل "كونوا دعاة
الناس بغير ألسنتكم".26
الفرق بين التبليغ الشيعي
وغيره:
هناك فرق أساسي بين
التبليغ عند الشيعة
وعلمائهم وبين غيرهم،
فتبليغ العلماء للدين ليس
وظيفة تقررها الدولة أو
مجرد بعثة رسمية جافة، بل
إن للدوافع الشخصية ومن
بينها الدوافع المعنوية
الإلهية وكذلك الأذواق
أثراً في ذلك أيضاً وهذا
يشكل نقطة قوة. أما في
باقي الأديان والمذاهب
فيوجد أيضاً تبليغ ويتخذ
أحياناً أسلوباً ينبغي
علينا أن نحتذيه في
خطواتنا التي نتخذها في
تكميل أمر التبليغ، ولكن
في الوقت نفسه فإن جوهر
العمل عندنا - نحن علماء
الشيعة - جوهر خاص
فالتكليف الإلهي هو الذي
يدفع الشخص أكثر من أي
شيء آخر لأن يتبلغ، وهذا
لا يعني عدم وجود الدوافع
المادية فأداء الواجب
الإلهي بالنسبة إلى
المبلغ لا يتنافى مع بعض
الدوافع إلا أن مجرد
إقدام أحد العلماء
باختياره على التبليغ إذا
كان مخلصاً ومتقرباً إلى
الله وملتفتاً إلى فوائد
التبليغ المعنوية
يفتح
ساحة العمل أمامه، وهذا
وحده يُعدُّ أمراً مهماً
وهذه فرصة ذهبية موجودة
بأيدينا.27
الوظيفة الأولى لعالم
الدين هي التبليغ:
إنني إذا أقول هذا فلكي
يلتفت العلماء الذين
يشتغلون حالياً بتحصيل
علوم الدين وحقائقه،
وكذلك فضلاء الحوزة
وعلماء المدن إلى أن
الوظيفة الأولى لعالم
الدين هي التبليغ، ومعرفة
أحكام الدين إنما هي
للتبليغ. فصحيح أن تربية
العالم والمبلغ بحاجة إلى
عظماء ومتخصصين يتواجدون
في مكان ما ليستفيد منهم
التلاميذ فإن عملهم في
الحقيقة هو تربية المبلغ
والعالم والمتخصص وهذا
صحيح ومقبول في محله -
إلا أن الإنسان حينما
ينظر إلىعلماء الدين بشكل
كلي يجد أن الذين يقومون
بتربية المتخصصين
قليل.28
|