تمهيد
إن من خصائص الدين
الإسلامي المقدّس - على
الأخص الفكر الشيعي الذي
يمتاز بعدة أمور -
احتواؤه على جميع العوامل
الضرورية لتكامل الفرد
والمجتمع الإنساني، وهذا
شيء مهم جداً فقد تعرض
على البشر ثقافة أو حضارة
أو عقيدة، والتي قد تحتوي
على نقاط إيجابية تؤدي
إلى تفجير الطاقات
الكامنة عند البشر وتحريك
قابلياتهم فيعملون
ويبدعون ويبنون ويستثمرون
ويعمّرون العالم، إلا أن
في هذه العقيدة خللاً
يؤدي بالناس الذين حصلوا
على منافع هذه العقيدة
إلى التعرض لمختلف
الأضرار والصعاب، وأحياناً
تكون الأضرار أكبر من
المنافع.
المثال الأبرز على ذلك
التفكير الغربي الراهن
والثقافة الرأسمالية
والحرية الفردية
والعلمانية الشائعة في
الغرب، وعليكم يا من
يبلغون الدين والقرآن أن
تدققوا في هذه الأمور
كثيراً.1
النفاق الفكري لتشويه
الإسلام:
لقد اخترعوا ديناً في ذلك
الوقت بحيث لو وُضع
الكتاب الذي ألفته تلك
الجماعة المنافقة - التي
تظاهرت بالإسلام - إلى
جانب الكتب الفكرية
والعقائدية لحزب توده
وسائر الجماعات الشيوعية،
لما شوهد أدنى فرق بينها.
لقد كانت نظرة هذه
الجماعات في مجال
الاقتصاد والتاريخ وفلسفة
التاريخ مطابقة للفكر
الماركسي تماماً، ما كانت
تعمله تلك الجماعات هي
إضافة إسم الله والنبي
الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم إليها فقط. فلو
فقد الدين مفسِّره وصاحبه
الرسمي آل الأمر إلى هذا،
ولهذا ظهرت جماعة فسَّرت
الدين طبقاً للأفكار
الماركسية، وجماعة أخرى
فسَّرته طبقاً للأفكار
الديمقراطية والرأسمالية
الغربية، ويوجد الآن في
العالم من يفسِّر الدين
طبقاً لرغبة المصانع
والشركات الكبرى!!2
قوة الدعوة الإسلامية
واقتدار المباني الإلهية:
نحن نرى اليوم وبعد مضي
قرون، أن الإسلام متأصلٌ
في قلوب أبنائه في
البلدان الإسلامية في
آسيا وأفريقيا، إلى درجة
أنه ما إن انهار النظام
الماركسي الذي عمل سبعين
عاماً على هدم أسس
الإسلام والدين، حتى
لاحظنا مدى شغف الناس
بالإسلام في القوقاز
وآسيا الوسطى.
وهذا يعكس مدى قوة الدعوة
الإسلامية واقتدار
المباني الإلهية
والإسلامية وعظمة القرآن
وقابليته على تسخير
القلوب، والنفوذ إلى
أعماق النفوس. إننا لا
نعاني يا إخواني الأعزاء
من أي نقص في هذا المجال،
فنحن لدينا القرآن، وسنة
الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم وأهل البيت
عليهم السلام وأحكام
الإسلام النيَّرة،
والمعارف الإلهية السامية،
وعالم اليوم متعطش لهذه
المعارف.3
واجب الدعاة في مواجهة
الثقافة الغربية
الفكر الماركسي الإلحادي
عجز في المدى الطويل عن
تقليل شأن المعارف
الإسلامية في العالم، ولم
تكن له إلا جولة أخفق من
بعدها فكذا الحال أيضاً
بالنسبة للمباني والثقافة
الغربية الحالية التي تقف
في مواجهة معارف وأحكام
الإسلام في كثير من
المواقف والميادين، ولكن
على نحو آخر، وعن طريق
آخر، فهي أيضاً غير قادرة
على الانتقاص من حلاوة
معارف الإسلام وأحكامه؛
فالإنسانية اليوم متعطشة
للإسلام. إنني أؤيد
المقولة التي طرحها بعض
المفكرين بأن "القرن
الميلادي المقبل سيكون
قرن الإسلام" وهو ما
تؤيده تجاربنا ونظرتنا
إلى الساحة العالمية.
ولكن بشرط أن نتمسك نحن
دعاة الإسلام بواجباتنا،
فنحن إذا أدينا ما علينا
من الواجبات تغدو الأرضية
مهيئة. هذا إضافة إلى ما
تتسم به المعارف
الإسلامية من قدرة على
ترسيخ جذورها في أعماق
القلوب في كل أرجاء
العالم.4
مخاطر الانبهار بالثقافة
الغربية:
ثمة اتجاه آخر في مجال
القضايا الإسلامية في رأي
يتمثل في أن البعض حينما
يريد طرح رأي الإسلام في
قضايا الحياة يستمد آراءه
من الآراء الشائعة في
العالم، بدلاً من القرآن
ونصوص الإسلام وروحه
المختلفة، ويكرر باسم
الإسلام وجوهره ما بسطته
الثقافة الغربية اليوم
بسيطرتها وتسلطها التام
على الكثير من بقاع
العالم. إن لدى الحضارة
والثقافة الغربية اليوم
آراءً ونظريات، وهي ليست
جديدة، ولا شك في أن
البلدان الأوروبية بلغت
مرحلة جيدة من الحضارة
والتظور المادي وحازت على
ثروات هائلة، إلا أن
الشعوب الغربية في ظل هذه
الثقافة والحضارة لا
تستشعر السعادة ولا تتوفر
لديها السكينة الروحية
ولا العدل الاجتماعي إذا
ليس في الحضارة الغربية
مراعاة لأوضاع الإنسانية
والإنسان. وأشرس الحروب
التي شهدها العالم أضرم
شرارتها الأوروبيون في ظل
هذه الحضارة، وأججوا
أوارها بنفس المعدات التي
أنتجتها هذه الحضارة.5
تجنب استخدام مصطلحات
الثقافة الغربية:
إن عالم اليوم يتطلب وجود
الإسلام الحقيقي، ولا بد
لنا من استخدام نفس
المصطلحات الإسلامية في
سبيل تبيين أحكام الإسلام
للناس، وأن لا تستخدم
مصطلحات الثقافة الغربية
التي لا
تعبر عن المفاهيم
الإسلامية على نحو دقيق.
وهذا ليس نابعاً من نظرة
متعصبة، فنحن لا نريد
التعامل مع الثقافة
الغربية تعاملاً يشوبه
التعصب. وإنما نؤمن
بتلاقح الثقافات، ونرى أن
بإمكان الثقافات
الاستفادة من بعضها
الآخر. وقد استفدنا نحن
من شتى التجارب، وحتى أن
الإسلام في صدره الأول
اقتبس من ثقافة الروم ومن
الثقافة الفارسية ونحن
أيضاً نستفيد اليوم من
الثقافات الأخرى.
إن ما أحذر منه هو
التقهقر والاندحار أمام
الثقافة الغربية. وأنا
أحول دون ذلك، وأحذر منه
وأنذر بخطره. ولا شك في
أنكم جميعاً تدركون هذا
المعنى، وعلى معرفة به،
وليس جديداً عليكم.6
الاستسلام للثقافة
الأجنبية أكبر المشاكل:
ليست ثمة مشكلة أكبر من
استسلام شعب من الشعوب
للثقافة الأجنبية. ونحن
في العالم الإسلامي يجب
علينا إنهاء هذه الحالة
وإزالتها. لقد حاولت
القوى الأوروبية على مدى
عشرات السنين، ثم أميركا
على امتداد العقود
الأخيرة، تغليب ثقافتها
على الثقافة الإسلامية في
بلداننا عبر مختلف الطرق
والأساليب، وهذا هجوم
حقيقي.
أيها السادة المضطلعون
بمهمة الدعوة الإسلامية،
لقد حان الوقت الذي أصبح
فيه بإمكانكم القيام
بهجوم مضاد. ومن المعروف
لدى أهله، إن أفضل وسيلة
للدفاع هي الهجوم.
فابدأوا بهجومكم المضاد،
وليس من الضروري طبعاً
كون الهجوم المضاد ذا
طابع سلبي على الدوام. بل
الجوانب الإيجابية فيه
أكثر من الجوانب السلبية.
وعليكم أن تبينوا للناس
محاسن الإسلام وحقائقه،
والتوحيد الذي يقول به
الإسلام والمعنى السامي
للنبوة، والعدل في
الإسلام، والحكومة في رأي
الشريعة الإسلامية، وكذلك
أهمية الإنسان في رأي
الإسلام.7
|