اعرفوا قدر أنفسكم:
اعرفوا قدر أنفسكم، لأن
الدنيا خلقت لأجل السعي
والعمل والبناء والجهاد
وإعمار على يد الإنسان.
وجميع النشاطات سواء
الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية، وكذا العسكرية
والجهادية - عند الضرورة-
والنشاطات العلمية
والتحقيقية لازمة للإنسان،
ولا شك أن على كل إنسان
القيام بدوره في هذه
المجالات حسب قدرته
والفرصة المتاحة له، لكن
الأبعد من كل ذلك هو هذه
النكتة المعنوية وهي أن
كل مسؤولية تتحملونها -
سواء كانت نشاطاً سياسياً
أو علمياً وسواء كانت
دراسة أو تدريساً أو
تحقيقاً وبحثاً وسواء
كانت بناءً لأركان
المجتمع أو هدماً لأركان
الفساد والضلال فهي لا
تخرج عن حالتين، فإما أن
هذا العمل الذي تقومون به
يعينكم على السلوك
المعنوي الذي خُلق
الإنسان لأجله، أو أنه
يصدكم عن ذلك ولا ثالث
لهما.1
حافظوا على النهج القويم
لإمامنا العظيم
إن العلماء خدّام للشعب
وهم قليلو التوقع والأقل
نصيباً من مكاسب الدنيا،
طبعاً كان بين العلماء
عناصر غير صالحة وخائنة،
واليوم هم موجودون أيضاً،
ونحن على علم بهذه
العناصر، ونعلم أن البعض
منهم قد أدمى قلب الإمام{
وهم في الغالب من الذين
تراجعوا عن النهج القويم
للعلماء لكن هذا لا يكون
مبرراً للتحامل على
العلماء وإلاّ فإن
العلماء والصالحين الذين
ساروا ويسيرون على النهج
القويم لإمامنا العظيم{
جيدون ولله الحمد.2
قوا أنفسكم وأهليكم...
أيها السادة إن جميعكم أو
أغلبكم تشغلون وظائف
دينية، فإما عالم، أو
إمام جماعة، أو مدرس أو
واعظ، أو مبلغ للدين، ولا
شأن لكم في إدارة شؤون
البلاد لكن في الوقت نفسه
أنتم علماء وتحت المجهر
الدقيق والنظرة المتشائمة
والنفس الخبيثة للعدو،
فيجب على العلماء أن
يراقبوا تصرفاتهم بشدة،
في الأقوال والأعمال، في
السلوك الفردي والأسري،
في أبنائهم وأقربائهم بما
في وسعهم ﴿لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا﴾3، فمن الممكن أن
ينتسب شخص آخر بقرابة،
ويمكنه السيطرة عليه
ومراقبته بل يخلق له
مشاكل كثيرة، فيجب علينا
الأخذ بقول الباري (جلّت
قدرته) عندما
يخاطب
المؤمنين على لسان نبيه
صلى الله عليه وآله وسلم:
﴿قُوا
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
نَارًا﴾4 ويجب أن
يكون جل تبليغكم في مجال
خضوع القلوب للباري تعالى
والتسليم له...5
بلغوا الإسلام الخالص
فالحقيقة الخالصة ،
والإسلام الخالص الذي كان
سماحة الإمام الخميني{
يركزعليه إلى هذا الحد هو
من أجل أن نبلغ هذا الزاد
- الذي يغذي الأفكار
والعقول والقلوب - إلى
الناس خالصاً نقياً لا
تشوبه شائبة ولا يمازجه
غشّ، وبعيداً عن الزوائد
والنواقص التي أحدثتها
فيه الأيدي الخائفة
الأثيمة أو الغافلة
الجاهلة. وهذه هي أكبر
أمانة إلهية في أعناقنا
﴿إِنَّ
اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن
تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا﴾6. إن
أكبر وأنفس وأغلى وأثمن
أمانة وضعها الباري تعالى
في رقابنا هي المعارف
والحقائق الإلهية. وعلينا
أن نتناولها خالصة نقية
وأقرب ما تكون للواقع
وإبلاغها إلى
المخاطبين.7
حافظوا على كرامة علماء
السلف:
عندما يكون لهذه الكرامة
وانتشار التدين والعلماء
بين الناس هذا الأثر
الكبير، عند ذلك لا بد من
تحقيق أمرين عظيمين،
أحدهما
أن نحافظ على
إنجازات ذلك السلف الطاهر
والعالم والمقدس وعلى
كرامتهم، وإلا زال هذا
الأمر الذي ترسخ وتجذر
تدريجياً. فكيف نحافظ على
كرامتهم؟ وهذا بحاجة إلى
تفصيل، فأولاً أنهم كانوا
علماء، فلنسعَ لتطوير
وتنمية علومهم، وكان
علمهم شيئاً كبيراً
ومهماً؟ فوظيفة هذا الجيل
هو المحافظة على كرامة
الماضين سواء من حيث
المواصلة والتقدوم
العلمي، أو من حيث
المحافظة على الكرامة
القدسية والتقوائية..8
حافظوا على التقوى فإنها
علو في المقام:
التقوى والقدسية في هذه
الطبقة هي أكثر مما في
جميع الطبقات الأخرى.
إنصافاً انظروا إلى طلاب
الحوزة العلمية، إلى
مدخولهم ورواتبهم، فأكثر
دخل لحوزوي فاضل معيل في
حوزة قم التي هي أفضل
الحوزات، هو أقل بكثير من
الدخل المتوسط للعمال
والموظفين في هذه الدولة،
أي أنه أقل من النصف -
ونصف رواتب العمال واضح
حالياً - فراتب الطالب
الفاضل في الحوزة العلمية
في قم - ولا نقول حوزة
مشهد وأصفهان والمدن
الصغيرة هو نصف راتب
العامل، ومع هذا فهم
يعيشون حياة تقوى وطهارة،
والقدسية هي هذه، وهذا هو
الورع وعدم الاعتناء
بالدنيا. وطبعاً هناك
أناس غير صالحين، ولكن
الأكثرية والشكل الغالب
هو هذا الذي نشاهده لدى
الطلاب، وهذه الأمور
الممتازة،
إذا بقيت لدى
الطلبة طيلة سنوات تولي
المسؤولية، فإنها علو في
المقام والدرجة.9
تجنبوا إثارة القضايا
التي تسبب الاختلاف
والفرقة:
من جملة ما ينبغي حث
الناس عليه في البرامج
التبليغية هي قضية وحدة
الشعب وانسجامه واتحاده.
اعلموا يا أعزائي أنني
حينما أنظر اليوم إلى
رياح الإعلام المعادي،
وما يحدث تبعاً لها من
قيام بعض المغفلين أو
المغرضين والحاقدين، أرى
فيها معالم إثارة
الاختلاف وإيجاد التوتر
والتناحر بين أبناء
الشعب، وتضخيم القضايا
الصغيرة. فعليكم بالحذر
من إثارة القضايا التي
تعظم الاختلاف وتضخم
صغائر الأمور، من فوق
المنابر العامة التي
يفترض أن تكون مواضع
لتبليغ الدين
والاختلاف.10
استفيدوا من تجربة علماء
السلف:
لو طالعنا عصر ما قبل هذه
الألف سنة التي أقيمت
فيها الحوزات العلمية
ومجتمع علماء الشيعة
فسنجد التبليغ من
المبرزين علمياً والخّلص
من علماء الشيعة إى أن
الواضح والثابت والذي
بإمكاننا ذكره بشكل
تفصيلي هو هذه الفترة
التي وجدت فيها الحوزات
العلمية
ففي عصر السيد
المرتضى (رض) والشيخ
الطوسي رحمه الله كان يتم
بعث الفقهاء والعلماء
الكبار من حوزة بغداد،
وثم من حوزة النجف إلى
مختلف البقاع الإسلامية
فيقيمون فيها بغية
التبليغ وبيان الأحكام،
والعظماء الذين سكنوا في
حلب والشامات وكانوا في
مستوى علمي شامخ وفي عداد
الكبار والذين تتم
الاستفادة من آثارهم
العلمية إلى الآن هم في
الحقيقة من بركات بعثات
أولئك العظام الذين
أرسلوا المبلغين من النجف
وبغداد.
طبعاً في هذه المدة أمضى
الشيعة وعلماؤهم مراحل
مختلفة، واجتازوا أدواراً
قاسية من التقية، وضغوطاً
كثيرة من قبل حكام الجور
في زمانهم، واتخذت بشأنهم
أشد العقوبات، إلا أن
التبليغ لم يتوقف. ويا
حبذا لو أن الأخوة
الأعزاء يراجعون التاريخ
قليلاً فإن ذلك مهم جداً
لفهم الظرف الحاضر
ويساعدنا على فهم الظرف
الذي يعيشه مبلغو الإسلام
حالياً، فقد كانت تنزل
اشد العقوبات بحق
المبلغين المهاجرين الذين
كانوا يؤمون المدن
المختلفة من أجل الإرشاد
وبيان الأحكام والفقه
الجعفري وحقائق القرآن،
فرغم الظروف التي كانوا
يعيشون والضغوط التي كانت
تمارس بحقهم إلا أن سلسلة
التبليغ لم تتوقف ولم
تنقطع..11
حافظوا على سلوك الأخيار
والصالحين:
إن على مبلغ الدين
والمبيِّن لمعارفه أن
لايكتفي بالكلام، وإنما
عليه أيضاً أن يثبت ويوضح
هذه الحقيقة للمخاطب من
خلال إيمانه وإخلاصه
وصفائه، وأن ما تشاهدونه
من سبق علماء الدين في كل
المجالات واستجابة الناس
لهم واجتماعهم حولهم
وامتثالهم لتوجيهاتهم -
سواء في الجبهة أو
السياسة أو حتى في الثورة
نفسها - هو لأن هذا الثوب
والزي إنما أمكنه إحراز
ثقة الناس به من خلال
سلوك الأخيار والصالحين
وإخلاص علمائنا وكبارنا
السابقين، وهو كنز ثمين
يجب علينا أن نحافظ عليه،
فعندما يُظهر علماء الدين
مثل هذا الإيمان والإخلاص
ويثبتون ذلك للناس عملياً
فيسهل عليهم هداية الناس.
وعندما يسلك الناس طريق
الله، فأي أجر وثواب يمكن
تقديره للذي يستطيع هداية
الناس إلى طريق الله،
وهذا كله منوط بالعمل
وصدق الكلمة.
وكذلك الأمر في الأثر
الخارجي للأعمال، فإذا
كان الشخص صادقاً سيكون
كلامه وعمله وطريقه
منتجاً في عالم الواقع
والخارج. فقد كان إمامنا
العظيم صادقاً في طريقه
فتمكن من إحراز ثقة
الناس، وكان الشعب صادقاً
أيضاً حين تمكن من إيصال
الثورة إلى ما هي عليه
الآن، ولو لم يكن في
البين ذلك الصدق والثقة
والإخلاص لكتب الفشل على
هذه الثورة، قال أمير
المؤمنين عليه السلام:؟
"فلما رأى الله صدقنا
أنزل بعدوّنا الكبت وأنزل
علينا النصر..". وكان
الأمر كذلك حتى في صدر
الإسلام، فلا بد من
الصدق، والصدق معناه أن
يدعم الإنسان كلامه بعمله
وفعاله، فلو دعونا الناس
إلى عدم
الاهتمام بزخارف
الدنيا فينبغي أن يشاهد
هذا المعنى في عملنا
أيضاً، ولو دعونا إلى بذل
الجهد - في المورد الذي
يكون فيه النظام بحاجة
إلى ذلك - دون أجر أو
منّة فعلينا أيضاً عندما
نشعر بحاجة النظام
والدولة الإسلامية إلى
جهودنا أن نسعى إلى تلك
الحاجة دون اعتراض ومنّة
على أحد، هذه موارد تجعل
التبليغ مؤثراً.12
شدوا الأحزمة وشمروا عن
سواعدكم:
أؤكد على جماعاتنا
التبليغيه بأن تنظر إلى
التبليغ بوصفه عملاً
اساسياً ولازماً قطعياً
لعالم الدين، وأول مهمة
تلقى على عاتق الجماعة
العلمية الدينية - أي
علماء الدين - هي مهمة
التبليغ، فالتبليغ ليس
وظيفة ثانوية تختص بفئة
معينة من علماء الدين بل
هو بحاجة إلى شروط ومعدات
ومستلزمات وجهود، فعلى من
هم أهل لذلك أن يشدوا
الأحزمة يشمروا عن
السواعد لإنجاز هذه
الحركة، وليقم علماء
الدين أئمة الجماعات
والمؤثرون المحترمون
أينما كانوا بدعم وتأييد
هذا النوع من الجهود،
وسيحبكم الله على ذلك إن
شاء، وتشملكم نظرة خاصة
من بقية الله (أرواحنا
فداه) وأرجو من الله
تعالى أن يحفظكم ويؤيدكم
ويوفقكم لإنجاز واجب
التبليغ الهام بأحسن وجه
بالقول والعمل.13
|