تمهيد
يجب أن يكون التبليغ
صادراً عن فكر وعقل
وإخلاص وقيم معنوية،
بمعنى أنه يجب أن ينبع من
مصدر نوراني. أما لو جاء
وفقاً لأهواء النفس وعلى
أساس دوافع غير سليمة
وبدون الإعتناء بالجوهر
لا يكون له طبعاً تأثير
كتأثير ذلك المنبع الفياض
الذي يستقي جوهره من مصدر
ثرٍ وغزير وإنما يكون
مبللاً وسقيماً وملوثاً.
فمنبع التبليغ هو الفكر
والتأمل والدراسة والتدبر
مشفوعاً بالإخلاص
والنصيحة للمخاطب
المستهدف من التبليغ.
في الدعايات التي تجري في
بقاع من العالم لصالح فرق
معينة ويقال أن المبلغين
لحساب كذا تحدثوا بكذا
وكذا، أو فعلوا هذا العمل
أو ذاك في أفريقيا مثلاً
أو في مكان آخر، هؤلاء
يحاولون الإيحاء إلى أن
تبليغهم نابع من ذلك
المصدر المبارك ذاته، أي
من باب المحبة والنصيحة
للمخاطب، إلا أن حقيقة
الأمر شيء آخر غير هذا.
الفرق التبشيرية قد فعلت
ما هو أكبر من ذلك منذ
مائة وخمسين أو مائتي
سنة
تمهيداً لدخول الاستعمار
في بلدان آسيا، وأكثر منه
في بلدان أفريقيا وهذا
أمر واضح تعرفونه، وما
فعلوه في أوروبا نفسها
أكثر من هذا بكثير ولا
يمكن أن يوصف. هذا حالهم،
أما أنتم فتتسمون بأن
تبليغكم نابع عن فكر
ودراسة وتدّبر واهتمام
ومشفوع بالمحبة والاخلاص
أنظروا إلى الآثار
التبليغية لبعض الأكابر.
معظم كتب المرحوم الشهيد
آية الله المطهري (رضوان
الله عليه) هي تجميع
لخطاباته بمعنى أن
محاضراته التبليغية التي
أداها على نفس هذا
الأسلوب وهذا النهج الذي
تؤدونه أنتم اليوم،
لاحظوا مدى ما تتسم به من
عمق وغزارة وأمثال هذا من
الآثار موجودة بكثرة سواء
في مرحلة ما قبل الثورة
أو ما بعدها، فهذا العمل
يجب أن يكون نابعاً من
الإخلاص والمحبة
للمخاطبين ﴿عَزِيزٌ
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ﴾1 هذه هي سمة
المبلّغ الأول والداعية
الأول الذي تسيرون أنتم
على خطاه، وهكذا يجب أن
تكونوا مع الناس ومن هذا
المنطلق يجب مخاطبة
الناس2.
خصائص المبلّغ الناجح
البصيرة واليقين:
إن الأصل المتعلق بقضية
التبليغ ناظر إلى العمل
المتلازم مع البصيرة
واليقين. واليقين هو ذلك
الإيمان القلبي الملتزم
الذي
ينبغي أن يتحقق وعلى
أساس هذه البصيرة،
واليقين ينشئ التحرك وإذا
بلّغنا شيئاً ولكن بدون
البصيرة وبدون اليقين فإن
أحد الأسس يكون قد تهدم
ولن نصل إلى المطلوب إن
هذا اليقين هو هذا الذي
جاء فيه ﴿آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللّهِ
وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ﴾3 إن
أول من يجب أن يعتقد
ويؤمن بشكل عميق بالرسالة
هو نفس حاملها فلو لم يكن
هذا فإن العمل لن يتابع
ولن يكون نافذاً وهذا
الإيمان ينبغي أن يتلازم
مع البصيرة فعندئذ يكون
العمل صالحاً أي ﴿إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾4 ففي الواقع يكون
العمل الصالح والمصداق
الأتم هذا هو التبليغ
الذي يجب أن نقوم به5.
خشية الله لا أحد سواه:
قد ورد في سورة الأحزاب
المباركة ﴿الَّذِينَ
يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ
اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا
إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى
بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾6.
فإن تبليغ رسالات الله
يصبح عملياً بهذين
الشرطين يخشونه أولاً ولا
يخشون أحداً إلا الله
ثانياً.
فالأول ضرورة الخشية من
الله بمعنى أن يكون لله
وفي سبيل الله ومستلهماً
من التعليم الإلهي فإذا
كان مخالفاً للإلهام
الإلهي والتعليم
الإلهي
فسوف يكون ضلالةً فماذا
بعد الحق إلا الضلال ففهم
الحق يحصل من خشية الله...
والثاني في مرحلة بيان
الحق ﴿وَلَا
يَخْشَوْنَ أَحَدًا
إِلَّا اللَّهَ﴾7 لماذا؟ لأن للحق والحقيقة
أعداء وبيان الحقيقة ليس
سهلاً فإن أعداء الحقيقة
هم أهل الدنيا والمتجبرون
وطواغيت العالم وهكذا كان
الأمر طوال التاريخ
وسيبقى إلى أن تظهر دولة
الحق لولي العصر أرواحنا
فداه. فهؤلاء المقتدرون
لن يقفوا مكتوفي الأيدي
بل سوف يتسببون بالمشاكل
ويوجهون الضربات
ويستعملون كل الوسائل
المتاحة لهم فينبغي أن
يتحقق ﴿وَلَا
يَخْشَوْنَ أَحَدًا
إِلَّا اللَّهَ﴾8 فإذا حصل الخوف من غير
الله بأنواعه وأقسامه
فسوف ينسد الطريق آخر
الأمر ثم يقول تعالى ﴿وَكَفَى
بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾9 فاتركوا الحساب
على عهدة الله فالاخلاص
والاقدام المتلازم مع
اليقين والشجاعة والشهامة
وايكال الأمر والحساب إلى
الله كل هذه الأمور تعد
النسيج العام للتبليغ
الإسلامي10.
مطابقة القول والعمل:
وأما فيما يتعلق بالموعظة
الحسنة حيث إنني لا
أستعمل عبارة التربية لأن
لها معنى أعم إن قضية
المسلك ضرورية بالإضافة
إلى قضية اللسان، وما قيل
"كونوا دعاة الناس بغير
ألسنتكم" ينطبق هنا،
فما
يلّين القلوب ويخضع
المعاندين هو السلوك
الصحيح والجيد، ولا شك
بأن السلوك الحسن يشمل
الأخلاق الحسنة والتواضع
والصدق في القول والموقف
والصراحة في بيان الحقيقة،
والترفع عن الأمور
المادية والدنيوية، فهذه
الأشياء هي التي تدل على
الخلوص في العمل، ولو
أننا حصلنا على هذا
الإخلاص العملي بتوفيق
الله سبحانه فإنه بالطبع
سيظهر في أفعالنا
وأقوالنا. لهذا فإن
النقطة الأساسية في تحقق
ذلك هو أولاً: لسان
الموعظة والنصيحة الأخوية
وفي بعض الموارد الأبوية
الشفيقة وثانياً: السلوك
والعمل11.
الصبر والثبات:
إن الله تعالى بيّن للنبي
صلى الله عليه وآله وسلم
في بداية البعثة مجموعة
من العقبات التي قد
تواجهه في طريقه ليكتسب
من خلال التغلب عليها
القدرة على حمل الرسالة
الثقيلة والمسؤولية
الجسيمة وجملة هذه
العقبات الصبر ﴿وَلِرَبِّكَ
فَاصْبِرْ﴾، ﴿يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *
قُمْ فَأَنذِرْ *
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *
وَلَا تَمْنُن
تَسْتَكْثِرُ *
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾12.
فقد وضع الله تعالى عقبة
الصبر أمام النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ولا
بد من الصبر، أي عدم
الشعور بالضجر، والتغلب
على المشاكل، فطريقنا
مملوء بالمشاكل، وعلينا
أن لا نُهزم أمامها، وهذا
أيضاً من الدروس التي
علمنا إياها الإمام قدس
سره عملياً فقد كان الإمام
صابراً، عندما
كان صوت
الإمام قدس سره يصدح في مدينة قم،
لم يكن يجد له ناصراً سوى
الطلاب لقد كان غريباً في
وطنه ولكنه كان ثابتاً...
لا تنسوا الصبر والثبات
والصمود فهي أهم الأمور
في برنامج حياة أي إنسان
يتطّلع إلى هدف سام،
فأنتم ذخائر الإسلام
ورأسماله العظيم. عليكم
أن تتعلموا هنا جيداً
وتنطلقوا جيداً في أجواء
الثورة ونظام الجمهورية
الإسلامية؛ لتعودوا في
الوقت المناسب بإذن الله
تعالى إلى شعوبكم وتنقلوا
هذه الحقائق وأنتم
متسلحون بسلاح الحلم
والأخلاق والتواضع والعطف
والمحبة للناس13...
إصلاح النفس:
يجب أن نصلح أنفسنا من
الداخل، والإصلاح الدائم
من تكاليفنا الدائمة وكيف
نصلح الداخل؟ أن نبدأ
أولاً من أنفسنا، أنا
العبد الحقير المذنب
العاصي أبدأ من نفسي،
وهكذا بالنسبة للآخرين،
ففي البداية نصلح ما
بيننا وبين الله وما
سيسألنا غداً عنه، ونفكر:
"واستعملني بما تسألني
غداً عنه"14 إن هذا
ينبغي أن يكون من ضمن
الأشياء التي تبقى في
أذهاننا. فإذا ما بدأنا
باصلاح أنفسنا حينها يصبح
إصلاح المجتمع بالنسبة
لنا سهلاً وإصلاح المجتمع
أسهل من اصلاح النفس،
فالمرء يشاهد القلوب
المستعدّة والمهيئة لقبول
الكلام والمنطق في هذا
المجتمع الكبير شبابنا،
ورجالنا،
ونساؤنا، يرى
الإنسان أنهم يصغون فإذا
تكلمنا فإنهم يستمعون
وإذا استمعوا فمن المحتمل
جداً أنهم يتأثرون وإذا
تأثروا فسيظهر ذلك في
عملهم، هذه هي القضية،
قضية اصلاح الباطن15.
الإخلاص:
من دون الإخلاص لا يستقر
أي عمل. في اليوم الثالث
أو السابع من وفاة الإمام
الخميني قدس سره . وربما في
أربعينيته أيضاً، ذهبت
بالطائرة المروحية إلى
مرقده رضوان الله عليه
حيث كان في منطقة جرداء
نائية. فرأيت من الجو
فجأة في وسط تلك المنطقة
قبة وبناء والناس يطوفون
حوله كالجراد، وقد أثرّ
هذا المشهد كثيراً في
نفسي وقلت: إلهي، ما أسرع
ما كافأت هذا الإخلاص
فالله يؤجل ما لليوم إلى
غد، فلم يجذب الناس
كالمغناطيس شيء إلا إخلاص
الإمام قدس سره فحقاً لا يمكن
انجاز أي عمل دون
الإخلاص16.
المعلومات اللازمة
والإطلاع الواسع:
على المبلّغ أن يتوفر على
وعي وأفق ديني رحب ومتنوع،
وأن يأنس بالقرآن، ويتمعن
بعمق بالأحاديث، ويطّلع
على الأفكار الجديدة
المتصلة بالمذهب والدين،
ويكون من أهل البحث في
القضايا والأفكار الدينية،
وأن لا يقتصر على معرفة
الدين فقط، بل يطّلع إلى
جوار ذلك على بعض الأفكار
الفلسفية والرؤى
الاجتماعية17.
الزهد ومواساة الناس:
يجب على المبلغين الذين
نرسلهم إلى هذه المنطقة
أو تلك أن يعيشوا مثل
الناس وفي مستواهم، يعني
إذا أرسلنا مبلغاً فدخل
المدينة الصغيرة بالطائرة
المروحية فجأة لكي يلقي
خطاباً فهذا لن تكون له
فائدة... فهذا العالم
الذي يدخل المدينة
بالمروحية مَن هم مخاطبوه؟
وكيف يريد أن يتحدث؟ وأي
إيمان واطمئنان سيوجده في
الناس؟ تارة يفعل ذلك أحد
المسؤولين لوجود خطر
يتهدده، وتارة يكون ذلك
لضيق الوقت المناسب،
وتارة لأسباب أخرى، وهذا
يختلف باختلاف الظروف
ولكن نجد أحياناً عالماً
يستقل سيارة فاخرة تنقله
إلى المدينة التي يريد أن
يلقي خطابه فيها، وعندما
يهم بالنزول يفتح له
السائق باب السيارة!
وللأسف تعوّد الحرس أيضاً
على هذه الممارسة. ما هي
الضرورة لكل هذا؛ هذه
ممارسات خاطئة، ولا أتصور
أن فائدة إرسال هذا
المبلِّغ أكثر من فائدة
عدم إرساله18.
الأدب والرحمة مع الخلق:
خذوا في اعتباركم دائماً
لدى قيامكم بالتعليم
الأخلاق والأدب والرحمة
والمودة، تعاملوا بطريقة
تجعل تلميذكم يستشعر
الرحمة فيكم، وفي هذه
الصورة سيجد قول الحق
مكانه المناسب له، فإن
الله تعالى خاطب نبيه وهو
المعلم الأكبر وصاحب أقوى
بيان من أول التاريخ
إلى
آخره، بقوله:﴿وَلَوْ
كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ﴾19. هذا وكلام
النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان صحيحاً ومُحكماً،
لكن صاحب هذا الكلام،
الذي لا يوجد أكثر اتقاناً
منه لو كان سيء الخلق،
لما قبل الناس كلامه20.
التعقل والتدبير:
أن يكون صاحب عقل وتدبير
فإذا ذهب شخص إلى منطقة
ما، وكان عالماً ومتديناً،
ولكن ليس متعقلاً، وقام
هناك بممارسات غير منطقية،
فإن مشاكل كثيرة ستترتب
على ذلك. ونلاحظ الآن
الدور المهم للعقل في
الفئات والطبقات
الاجتماعية كافة، وقد
لاحظتم في مستوى قضية
اختيار الموظفين اللائقين
حيث أشار الإمام قدس سره إلى أن
القائمين على الإختيار
يجب أن يمتلكوا خصائص
معينة منها العقل، ومع أن
العقل من الشرائط العامة
التي لا يمكن أداء أي
تكليف من دونه، لكنه وضع
هذا القيد ليكون القائمون
به من المعروفين بالتعقل
والتدبير والنضوج، وعلى
هذا الأساس يجب ارسال
الطالب العاقل21.
الجد والإجتهاد:
عندما نؤدي وظيفتنا في
مؤسسة معينة، يجب أن نكون
جادّين دائماً في أدائنا،
وأن نهتم كثيراً بعملنا،
ولا ينبغي لنا أن تراودنا
أفكار
من قبيل أننا نعمل
في المدينة المعينة منذ
سنوات، فماذا تحقق.
في الجبهة مثلاً يُطلب من
أحدهم القيام بنقل
المصابين، ومن آخر الرمي
بقاذفة الـ(أر بي جي) ومن
الثالث رصد تحركات العدو
وعليه فإن لكل امرئ عمله،
وإذا لم يؤدِّ كل فرد
دوره لانهارت الجبهة، فلا
يصح رفض العمل المطلوب
منا القيام به، فحمل
المصابين لا يقلّ أهمية
عن الرمي بالقاذفة. أينما
كنتم في الجمهورية
الإسلامية اعتبروا موقعكم
مركز العالم، واعلموا أن
جميع الأعمال متعلقة
بكم22.
اطلبوا المعالي ولا
تقنعوا بالقليل والمتوسط
إن كنتم من أهل الفكر
والإبداع الفكري
والتنظيري فيها، وإن لم
تكونوا كذلك فاعكفوا على
قراءة الكتب وحفظها أولاً.
وثانياً: اختيار الوسائل
المناسبة والاستفادة منها
بذوق جيد وإبداع للواقع
والانطباق عليه وثالثاً:
الاستناد إلى الهمة
والإيمان والإرادة يعني
عدم التعب23.
روحية السير على الصراط:
لقد كان هدف جميع الأديان
الإلهية. وجهود جميع
الأنبياء وشهادة كبار
رجال الحق كلها لأجل
إيصال البشر إلى الطريق
الأول، أي القيام بعمل
يجعل البشرية على الصراط
المستقيم ولتتحرك نحو
العروج المعنوي والكمال
الإنساني ومعرفة الله
وتأمين مستقبلها
الذي هو
الهدف الرئيسي للحياة، أي
مرحلة ما بعد الموت فــ "الدنيا
مزرعة الآخرة". إننا هنا
نعدّ مقدمات الحياة
الأبدية، وكل ما نقوم به
من دراسة وتدريس وجهاد
ورياضة وبناء وعمران
للدنيا ومقارعة الأعداء
وسائر الأعمال التي يقوم
بها الإنسان- والتي هي
ضرورية - يجب أن تتصف
بروحية السير على الصراط
المستقيم...24
العلم والتقوى:
إن مراجعنا وعلماءنا
الذين يقفون على رأس
مؤسسة إسمها (الدين) لا
يمكنهم بلوغ الرئاسة إلاّ
بالتقوى، قد يستطيع العدو
مجاراة مراجع الدين من
الناحية العلمية أحياناً،
لكن عجز الجميع من أن
يخطئهم من ناحية التقوى،
فالمرحوم آية الله الشيخ
عبد الكريم الحائري
والآخرون كانوا علماء
ومتقين، وأما غير المتقين
من العلماء فقد فضحهم
الله...25
الوعي السياسي:
إذا كنتم ممن يرى عدم
انفصال الدين عن السياسة،
فأهل الدين مطالبون
بمعرفة السياسة وفهمها
وأن يمارسوا نشاطهم حيثما
وجدوا، والميدان مفتوح
أمام العمل السياسي، وإذا
كان الظرف يستدعي بيان
الأحكام الشرعية المحضة،
فإنه ينبغي بيانها
مع
الاطلاع على الوضع
السياسي. فالسياسة لا
توجب كتمان حكم شرعي، يجب
أن لا تكون السياسة سبباً
في كتمان الأحكام الإلهية،
بل على العكس، أي أن
السياسة توجب على المرء
عرض المعارف والأحكام
الإلهية بشكل مؤثر في
النفوس، مع أخذ جميع
الجوانب بنظر الاعتبار.
هذا هو معنى الوعي
السياسي في أمر التبليغ.26
الأفق الواسع:
كان المرحوم المحدث حسين
النوري يعتقد بوجود شروط
لمن يرتقي المنبر، فألف
كتاباً تحت عنوان "اللؤلؤ
والمرجان في شروط الدرجة
الأولى والدرجة الثانية
من منبر الوعاظ". كان
يقول فيه أنه لا يمكن
الدخول في هذه الساحة
بدون اجتماع جميع الشروط
في الواعظ. وقد كان قراء
المراثي يجلسون على
الدرجة الأولى والوعاظ
يجلسون على الدرجة
الثانية آنذاك.
في ذلك الزمن كان المرحوم
الميرزا حسين النوري ينظر
في أفق زمانه ويكتب حسب
ذلك الزمن. أما اليوم
فإنكم تستطيعون النظر في
أفق أوسع والعمل حسب هذه
الرؤية الجديدة، فمن هو
الشخص المجاز في ارتقاء
المنبر والمقبول من قبل
المجتمع الذي يراقبه بدقة؟
وماذا عليه أن يقول؟ ومتى
وأين يجب عليه أن يقول؟
وهذه مسائل لا يمكن
استنساخها وإعطاء منها
هذا وذاك.27
عدم الحرص على الدنيا
والورع عن محارم الله:
العالم الذي لديه حرص على
الدنيا مرفوض، والعالم
الذي لا يجتنب المحرمات
مرفوض، وذلك لا يعني أن
على العالم أن لا يتمتع
بمتع الحياة. طبعاً هناك
بعض المراتب التي يجب
فيها عقلاً وإنصافاً غض
النظر عن المتع، والعلماء
هم مثل بقية الناس، وقد
قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: ﴿قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
مِّثْلُكُمْ﴾28، حيث يجب أن
يتمتعوا بالمتع العادية
في الحياة، ولكن هناك
شيئين ممنوعين، أن يلاحظ
عليه حرصه على الدنيا ولو
لم يقم بفعل حرام حسب
الظاهر، ولكنه يتحرك
يميناً ويساراً لعله
يتمكن من جمع الدنيا،
لماذا؟ لأن هذا يتعارض مع
كلامنا وهذا يخالف (القدسية)،
أولا يكون لديه ورع عن
الحرام. فيلاحظ أن الغيبة
والكذب وبعض المحرمات
المختلفة - لا سمح الله -
تكون لديه سهلة.29
روحيّة أداء التكليف:
كنا في السابق نرتقي
المنبر بصعوبة ومشقّة...
في مشهد، حوّل أحد الكسبة
بفضل الله متجراً إلى
مسجد، فاتخذناه مسجداً
لنا هذا المتجر الصغير
صار محوراً ومركزاً
للتبليغ المذهبي ولكل
الأفكار الجديدة في مشهد
فيمكن القيام بمثل هذه
الأعمال، لنتوجه ونستند
قليلاً إلى المعنويات،
إلى أنفسنا، إلى
استعداداتنا الذاتية وإلى
الأمور التي في داخلنا،
لنفجر طاقاتنا
الكامنة30.
إن دافعنا الدائم، نحن
الطلبة، هو السعي لأداء
التكليف، فعالم الطلبة
يختلف عن شكل الأجهزة
الإدارية ومحتواها
وآلياتها. فتارة قد
يُستخدم المرء لطهي طعام
في وليمة ومن الطبيعي أن
يطالب بكمية كبيرة من
الزيت واللحم ونوعية
مفضّلة من الرز وقائمة
طويلة بمواد أخرى، ومعلوم
أن عدم تلبية طلباته
سيعرقل عمله ومن ثم لن
يقوم بالمطلوب.
وتارة قد تكونون بين
جماعة مثل أفراد الأسرة
أو أصدقائكم، والمثال
البارز العام هو جبهة
الحرب فافترضوا مثلاً أن
زملاءكم شعروا بالجوع
وكنتم في منطقة نائية
وأنتم تجيدون الطهي في
هذا الحال تتلاشى القيود
والشروط، وتندفعون بمحض
إرادتكم ورغبتكم وبكل
قوتكم وقدرتكم لإعداد
الطعام، وأحياناً يكون
هذا الطعام ألذ من غيره
لأنه ثمرة الرغبة الصادقة
والمحبة وحس المسؤولية.
نحن الطلبة كان عملنا
هكذا منذ البداية، فعندما
كنا نذهب للخطابة في مكان
ما، كان ذهابنا أحياناً
بناءاً على دعوة وجهت
إلينا، وأحياناً دون أية
دعوة، وهذا هو الغالب
فكانت غايتنا توصيل
الموضوع، الذي طالعناه
وأعددناه إلى الناس31.
الحيوية والتجديد في
الخطاب:
يتعين على إمام الجمعة،
في مدينة ما، أن يطِّور
مستوى خطابه على الدوام،
فالمطلوب أن نعرض للناس
خطاباً جديداً وحيوياً.
فإن ما أوصل الناس إلى
مستوى تحمّل "أمانة"
الثورة الإسلامية هو
الخطاب الديني المتجدد
والفهم الصحيح والجديد
للإسلام الذي بيّن للناس
الجوانب المجهولة من
الإسلام. وهي الأمور التي
لم توضح للناس على مدى
عصور متمادية. واليوم
تجلى ذلك الخطاب بحقائقه
العينية والخارجية،
ولديمومة هذه الحركة
ومواكبة التطور يجب
الاستمرار في ترشيد الناس
وتصعيدهم فكرياً32.
|