تمهيد
على الحوزات الالتفات إلى
أمر التبليغ بشكل جدي، أي
أن يجرى له برمجة وتخطيط
ففي الحوزة ذخيرة تبليغية
عظيمة من الروحانيين
الشباب المستعدين للتبليغ
والخطابة. بالطبع إن
الطلاب يمارسون التبليغ
وباندفاع ذاتي وبشكل دائم
سواء كان ذلك بدعوة أو
بلا دعوة، وسواء كانت
المواضيع المطروحة جيدة
ومفيدة أم قليلة الفائدة،
على أي حال فإن هذه
الطريقة لا تؤدي أية
نتائج مدروسة لأنها تفتقد
إلى التخطيط، فلو كان لا
سمح الله طلبة يبلغون في
مكان ما بأمور لا فائدة
فيها، فإنه لا يوجد حينئذ
من يقف أمامهم ليتلافى ما
ألحقوه من خسارة لأنه لا
يوجد تخطيط مسبق فيجب على
الحوزات أن تبحث أين يجب
أن يجري التبليغ، وما هي
الوسائل، وما هو المحتوى
والمضمون، وما هو الهدف
المرسوم، ماذا نريد أن
نصنع بالمخاطب. فأحياناً
يجري التبليغ من أجل
تعبئة الناس
للذهاب إلى
جبهات الحرب لمدة شهر أو
شهرين أو ستة أشهر وهذا
هدف، وقد يكون الهدف من
التبليغ بناء إنسان مؤمن
يعيش عمره مؤمناً متديناً،
وقد تحدث أحياناً قضية من
القضايا المؤقتة وتحتاج
إلى تبليغ عندها يجب
التخطيط للتبليغ بما
يناسب هذه القضية، فيجب
أن تكون في الحوزات أجهزة
خاصة للتخطيط والبرمجة
التبليغيين تتولى العمل
واعداد الأشخاص وتهيئة
الأساليب الحديثة في
التبليغ، ووضعها تحت تصرف
هؤلاء المبلغين1.
المؤسسة التبليغية:
التبليغ وضرورة التنظيم
يتعين علينا القيام
بعملين: أحدهما: تنظيم
التبليغ بأفضل نحو.
فبالتنظيم نستفيد من
القوى، مهما صغُرت، في
موردها المناسب. فكما
أنكم تارة تنقلون المياه
من مكان إلى آخر بوعاء
وتارة أخرى عبر الأنابيب
وتلاحظون أنكم في الحالة
الثانية لا تهدرون قطرة
واحدة من الماء. وهكذا
العمل المنظم لا يهدر
الطاقات، إن تنظيم
التبليغ يمنع من هدر أي
طاقة، كالماء الذي لا
يتبخر ولا يترسّب في
الطين ولا يتبدد في غير
موضع الحاجة إليه،
فأحياناً تذهب كميات
كبيرة من المياه سُدى
أثناء سقي إحدى الحدائق،
وهذا يعني أن
الماء
الضروري للحياة قد دمّر
الحديقة وحوّلها إلى أرض
موحلة. وفي بعض الحالات
يكون تبليغنا مشابهاً
لهذا المثال. أي كانت
هناك حاجة لمبلغ في منطقة
ما، فإننا نرسل ثلاثة
أضعاف العدد المطلوب من
المبلغين، فتكون النتيجة
مناقضة للهدف التبليغي!
إن التنظيم يحول دون هذه
السلبيات2.
التنظيم المناسب:
لولا التنظيم، ولولا تحرك
الأشخاص الذين يريدون أن
يتحدثوا في إطار عمل
منظم، لما وجدنا لهذا
الجهد العظيم أثراً. لقد
كان هذا العمل المنظم يتم
قبل انتصار الثورة بشكل
بسيط فيما لم يكن مجال
عملنا واسعاً، تُرى كم
نستطيع أن نعمل؟ ما الذي
يمكن شخصاً واحداً من مدّ
نفوذه إلى مساحة واسعة من
المجتمع؟... اليوم أصبحنا
محطّ تطّلع نظام ومجتمع
وبلد وحكومة... إذا كان
الأمر كذلك، فيجب أن يكون
لدينا عمل منظم قوي
وواسع3.
الحركة ذات المضمون:
في تصوري إن للنظام
التبليغي خصائص معينة
تمنحه الفاعلية، فإذا
افتقر النَظْم للمضمون
ولم يتعدّ كونه حركة
صورية فإنه يفتقد
للفاعلية، فالنظم لا
تترتب عليه فوائد حقيقية
وأساسية إلا
إذا اغتنت
الحركة بمضمونها، ففي
الحركة الشكلية تشخِّصون
هوية المرسل والمنطقة
التي سيُرسل إليها وتاريخ
الإرسال، وهكذا تحددِّون
الناشر والكاتب. إنه عمل
شكلي يتمثل في استخدام
القوى المتوافرة بطريقة
معينة، وهذا هو النظم،
وهو جيد جداً ومفيد. لكن
لن يحصل لكم الإطمئنان
والأمل بفاعلية حركتكم
إلا إذا أغنيتم النظم
بالمضمون4.
تأهيل المبلّغ:
ثمة عيب أساسي في التبليغ
الحوزوي، يتجلى في انفصال
التبليغ عن الحوزة،
بالطبع تضطر بعض الدوافع
والحاجات عدداً من
الحوزويين إلى التبليغ في
فصل الصيف أو في أيام
شهري محرّم ورمضان، لكن
الحوزة تفتقر إلى درس في
التبليغ. فالتبليغ عمل
وفن وعلم، فلا بد من
تدريسه. فقد يعتزم أحدهم
التصريح بأمر معين؛ فإذا
به يُطلق تصريحات تتناقض
وما عزم عليه. وكثيراً ما
حدث أن امرءاً تحدث بأمور
استنتج منها السامع نقيض
ما كان يريده المتحدث من
حديثه. أو على سبيل
المثال، يتوجه المرء إلى
التبليغ دون أدنى معرفة
له بعلم النفس الإعلامي،
فيخاطب الناس بغير
لسانهم، حيث يتكلم في
القرية بما كان يجب
التكلم به في الجامعة،
ويتناول في القرية مسائل
جديرة بالتطرق إليها في
المعمل، وبناءاً على هذا
اعتبرنا الحوزة تفتقد
لمنهجية علمية في التبليغ
مثل علم
النفس
الاجتماعي"5ولذلك يتعين
على المؤسسة التبليغية في
الحوزة إيجاد الاستعدادات
الأولية والعامة للمبلغين
عبر دورات قصيرة.
أ الدورات القصيرة: يطلّعون من خلالها على
المسائل الضرورية في
التبليغ. إحدى
المعاونيات، كمعاونية
التبليغ والطاقات البشرية
يجب أن يقتصر عملها على
تأهيل المبلّغ للعمل في
داخل البلد وخارجه،
وأيضاً تأمين مبلّغين
دائمين وموسميّين لمختلف
مناطق البلد. وهذا يقتضي
دورات قصيرة وصفوفاً
خاصة6.
ب تأسيس قسم خاص
بالتبليغ: يجب على الحوزة
طي طريق آخر إلى جوار
الطريق الأول (الأكثر
عمومية)، وذلك من خلال
تأسيس قسم للتبليغ وتخصيص
جزء من امكانياتها له.
فمن شأن ذلك أن يفضي إلى
تخريج متخصصين في المجال
التبليغي قادرين على
تحقيق الأهداف التبليغية
المرجوة، خلافاً للوضع
الحالي الذي يدفع
بالعناصر الحوزوية
الفاشلة إلى امتهان
التبليغ7.
التخطيط وفق مراحل زمنية:
ليكون عملنا محكماً، لا
بد من تقسيم الهدف وفق
مراحل زمنية، بمعنى
التخطيط للوصول إلى هدف
معين خلال خمسة عشر
عاماً. مثلاً، وعليه ننجز
كل عام من الأعوام الخمسة
عشر جزءاً من العمل
بما
يتناسب مع ذلك الهدف، في
مثل هذه الحال نغدو
قادرين على مراجعة
أعمالنا في كل عام، لنرى
أي الأعمال أنجزت وأيها
لم ينجز... هل بلغنا
المطلوب منا وجاوزناه أم
لم نصله بعد8.
تحديد الموضوعات
التبليغية المهمة:
عندما كنّا نبذل مساعي
حثيثة في طلب العمل
التبليغي، واجهتنا مسائل
وقتذاك، لا وجود لها
راهناً. كان علينا أن نعي
الاشتراكية العلمية
والمادية التاريخية ثم
نرد على تساؤلاتها، وهذا
معلوم لانشغال أغلب
شبابنا وجامعيينا وبعض
التجار وغيرهم بتلك
الأمور. لكن لا وجود
حالياً لتلك المسائل، ففي
الوقت الحاضر تطرح مسائل
أخرى، هل تريدون تجاهل
هذه المسائل؟ هل ترغبون
في حدوث فراغ في أذهان
فتياتنا ونسائنا وأبنائنا
ورجالنا، ثم يأتي العدو
ليملأه بالشكل الذي
يرتئيه؟ إن لم تكونوا
راغبين في ذلك، فالجدير
بكم أن تعرفوا ماهية هذا
الفراغ، وهنا تتجلى ضرورة
إيجاد أجهزة تفكر في هذا
الأمر... على العلماء أن
يشكلوا فريقاً يأخذ على
عاتقه مسؤولية البحث عن
الموضوعات المهمة ليقدمها
للمبلغين، وهو ما تقوم به
المسيحية هذه الأيام.
فإذا أرادوا ارسال مبشّر
إلى منطقة معينة من
العالم، ينعقد مجلس كنسي
رفيع المستوى لدراسة
الخطط والسبل اللازمة
للنفوذ في أهالي تلك
المنطقة ثم يقدمون نتائج
دراستهم للمبلّغ9.
تقويم التبليغ:
يتعين على المؤسسة
التبليغية للحوزة أن
تقوّم برامجها التبليغية
وفق منهجية علمية
وإحصائية، تطالع بدقة
نقاط القوة والضعف التي
تكتنفها، وعلى المؤسسة
التبليغية أن تقارن من
خلال الإحصاءات والأرقام
بين نتائجها في السنوات
المختلفة وتدرس العلاقة
بين ذلك والموازنة
المخصصة لكل عام... إن
هذه الأرقام التي أشاروا
إليها، أرقام جيدة مع أنه
لا يمكن معرفة مدلولاتها
إذا ذكرت مجردة فينبغي
ذكر الإمكانات
والاحتياجات وأرقام
السنوات الفائتة، ليصبح
بالإمكان التوفر على
معرفة دقيقة
بمدلولاتها"10.
والأرقام الأخرى التي يجب
أخذها في الاعتبار هي
الأرقام المتعلقة بمستوى
التبليغ، فأعداد المبلغين
والكتب والصفوف تعكس
أرقاماً كمية. وفوق هذه
الأرقام نسأل عن مدى
تقدمنا في التبليغ وعن
هدف التبليغ والمقدار
الذي تحقق منه وهذه
الأسئلة المهمة11.
إِني لاحظت عبر تجربتي
أنه في بعض الأحيان يؤكد
نحو مئة وخمسين أو مئتي
شخص أنهم نشروا هذا
المقدار من الكتب، هنا لا
ينبغي لكم أن تكتفوا بهذه
الأرقام فقط بل عليكم أن
تلاحظوا
أولاً: هل تم
انتقاؤها بشكل جيد،
وثانياً: هل تتميز بجودة
الطباعة،
وثالثاً: هل
ترجمت بدقة،
ورابعاً: هل
أرسلت في الوقت المناسب،
وخامساً:
هل وصلت إلى
العنوان المطلوب،
وسادساً: هل عمد الأشخاص
إلى مطالعتها؟
فمن الضروري توضيح
الاجابات عن هذه الأسئلة
وإلا يمكننا ارسال الكتب
إلى المكتبة ليتم تخزينها
فيها أو إلى إحدى
السفارات أو المحلقيات
الثقافية لتبقى هناك12.
التبليغ فن:
إن التبليغ فن وبحاجة إلى
تعليم ودراسة، وكذلك
بحاجة إلى استعراض
ضروريات التبليغ
ومستلزماته أولاً بأول.
هذه أمور لا بد منها فعلى
المجتمع التبليغي أن ينجز
أعماله بشكل صحيح وعليه
أن يتعلم فن التبليغ،
وعلى أشخاص آخرين أن
يتعلموا هذا الفن ويعلموه
ويكمّلوه، ومضافاً إلى
ذلك - كما قلنا - لا بد
من تهيئة ما يحتاجه
التبليغ والمبلغ وما
يستجد يوماً بعد يوم
ووضعه تحت اختيارهم.
فأي شيء نقوله اليوم
للناس؟ وفي أي مكان تكون
الأولوية ولأي مطلب؟ فبعض
المسائل الدينية وينبغي
ذكرها للجميع في المستوى
العام كالأخلاقيات ومعارف
الدين والسياسة التي
يحتاج إليها الجميع، أو
المسائل المتعلقة بالنظام
أو المسائل الموسمية من
قبيل الانتخابات، فعلى
المبلغ أينما ذهب أن يرشد
الناس إلى أهميتها، وهذا
أمر واجب وضروري فهذه
الأمور تتعلق بجمع بعض
المواضيع
مواطن الابتلاء
ولا تختص بطبقة أو مكان
معين إلا أن تتعلق ببعض
المواطن، مثلاً الوسط
المثقف والشباب الجامعيين
تُلمس الحاجة إلى أمور
ربما لا تلمس الحاجة
إليها في مكان آخر ولا بد
من شخص يبينها.13
تأسيس المؤسسة التبليغية:
عبر تأسيس مراكز لتعليم
التبليغ: وعلى الحوزة أن
تقوم بهذا، فالآخرون لا
يمكنهم ذلك، وبعض الأماكن
غير مستأمنة على إنجازه،
فهذا العمل منوط بالحوزة،
وينبغي إنجازه في قم أو
في مدينة أخرى.14
تدوين المواضيع:
أن نُدون المواضيع العامة
لجميع المواطنين، ويجتمع
جمع من الفضلاء وكبار
العلماء والمبرزين وذوي
الراي ويحددوا المواضيع
المهمة ويدونوها - لا أن
يأتي أي شخص ويُعدّ
كتاباً، ليعلم كل مبلغ
على الأقل بماذا يكلم
مخاطبيه. فبعض المعارف
قديمة وهناك أقوال لو
طرحت قبل ثلاثين سنة على
المجتمع الخاص والمتدين
لكانت أقوالاً جديدة إلا
أنها حالياً ليست جديدة
والكل يعرفها. فلا بد من
البحث عن كلام مهم وجديد
ليطرح.
تأسيس لجنة
لتحديدالمستويات المعرفية:
طبعاً في بعض الموارد يجب
تكرار ما يعلمه
المخاطبون، ولكن هناك
أمور يكون تكرارها عبثاً،
فلا بد من لجنة تبيِّن
للمبلغ المستوى اللازم من
المعارف، انظروا مثلاً
إلى كتاب (المعلومات
الدينية) الذي يدّرس في
المدارس والجامعات ما هي
المفاهيم التي يعرضها.
فعلى المبلغ عندما يواجه
مثل هؤلاء المخاطبين أن
لا يكون مستوى موضعه
الديني أقل منها، بل
ينبغي أن يكون أرقى وأظهر
ليتسنى له هدايتهم
وتطويرهم.
إصدار صحيفة خاصة
بالمبلغين:
الحاجة الأخرى هي أن تكون
للتبليغ صحيفة يصدرها
أشخاص من ذوي الرأي:
شعوراً منهم بالمسؤولية
والعلم والمعرفة، لا أن
يكون من قبيل التخلص من
ثقل المسؤولية.15
|