تمهيد
إن ما حصل طوال سنوات
النهضة الإسلامية في
إيران لا نظير له إطلاقاً
في تاريخنا، حيث أن تيار
النهضة الإسلامية قد أوجد
شبكة واسعة من العمل
الجهادي - لحياة الشعب من
خلال الخطب والكلمات
والدروس الإسلامية
العلنية والسرية، وإعداد
ونشر البيانات والكراسات
والنشاطات التعليمية
والتربوية وفقاً لتعاليم
الإسلام، وحتى المسيرات
والتظاهرات والاجتماعات
الدينية والجماهيرية
الحاشدة وتنظيم المجاميع
الجهادية وما إلى ذلك من
أنواع التضحيات المدهشة
التي أصبحت مضرباً
للأمثال، وترتبط بأجمعها
بالقلب النابض لهذه
النهضة الجماهيرية، وتحظى
بتوجيهات وقيادة تلك
الروح العظيمة والإيمان
الخالص والعقل المفكر -
للإمام الخميني قدس سره - ومع
انتصار الثورة الإسلامية
وقيام الجمهورية
الإسلامية، وقع حدثان
عظيمان متزامنان في كل
أنحاء العالم هما: الأمر
الأول وجود تيار الثناء
والأمل والعبرة التي
استقتها الشعوب المستضعفة
الرازحة تحت نير الظلم
وخاصة في البلدان
الإسلامية، وكذلك
المسلمون في مختلف
الأرجاء، وكل أحرار
العالم. الأمر الثاني:
وجود تيار القلق والتآمر
والعداء من قبل الدول
المستكبرة والصهاينة
والرأسماليين الناهبين
لثروات الشعوب، وعملائهم
في بعض البلدان الأخرى..
ولكن الثورة لم تتوقف قط،
ولم تبد أي تراخ في السير
باتجاه بناء بلد عامر حر
مستقل يتمتع بالعزة
والتقدم المادي والمعنوي
تحت لواء الإسلام.
العلماء قادة الإصلاح:
إن كل حركة إصلاحية وكل
كفاح اجتماعي وسياسي وكل
تحول عظيم حدث في إيران،
فإما قاده العلماء أو
كانوا ضمن قيادته. وهذا
ثابت في التاريخ رغم
محاولات أعداء العلماء
طوال (50 - 60) عاماً
الماضية إنكار هذه
الحقيقة. فأول صوت
للمشروطة خرج من حنجرة
كبار العلماء، كذلك في
قضية "التنباك"
والامتيازات في عهد ناصر
الدين شاه، وقضية تأميم
النفط، وفي قضايا الكفاح
ضد الظام البلهوي والتي
أدت إلى النهضة الإسلامية
العظيمة وإقامة الحكومة
الإسلامية. وهذه حقيقة
يدركها العدو جيداً..1
العلماء الحقيقيون ضرورة
لحفظ الدين:
المؤسسة العلمائية بحاجة
إلى إصلاحات مستمرة، لقد
قال إمامنا العظيم يوماً
ما شيئاً حول ضرورة تواجد
العلماء في الساحة، وكذلك
في هجومه على الذين
همُّوا بالقضاء على
العلماء أوائل الثورة، ثم
قال في أثناء حديثه ما
مضمونه: "إنه لظلم وزور
في إطلاق لفظة (عالم) على
البعض حقيقة" ثم قرأ شطراً
من بيت شعر "وكم فرقة
تستوجب النيران"،
والحقيقة هي كذلك، فهناك
عالم بالدين وهناك
المتظاهر بالعلم، لكن
وجود العلماء ضروري ولازم،
ولزومه لأجل حفظ الدين
والإيمان في المجتمع...2
مؤثرية وجود العلماء في
الجبهة:
إن بإمكان العلماء أن
يحلّوا المشاكل والعقد
الدقيقة في الأوقات
الضرورية والظروف
الحساسة. فقد رأيتم أثناء
الحرب مدى تأثير تواجد
عالم الدين أو طالب العلم
في الجبهة. يأتي إلينا
القائلون في تلك الأيام،
يعاتبوننا ، لماذا لا
يوجد عالم في منطقة من
الجبهة، أو يثنون إن
تواجد العلماء هناك. فليس
بالأمر السيء أن يجعل
الإنسان نفسه وشغله
وحياته وكل ما يملكه
وقفاً لتبيين الدين ونشر
المعارف الإسلامية وبث
الروح الإيجابية، بل هو
أمر حسن فلماذا لا يدرك
البعض هذه الحقيقة؟!3
العلماء ركن في التحولات
الاجتماعية والدينية
والسياسية:
أود أن أطرح مسالة لها
علاقة بالعلماء بمختلف
طبقاتهم ومرابتهم، وهي أن
العلماء في بلدنا ومنذ
عدة قرون على الأقل كانوا
سبباً لتحولات اجتماعية
ودينية وسياسية، مهمة أو
كان لهم دورهم في هذه
التحولات، بسبب وضعهم
الخاص وعلاقاتهم بالناس،
والاعتقاد الذي كان لدى
الناس تجاه العلماء كما
حصل في قضية المشروطة
(الدستورية)، أو تأميم
الصناعة النفطية، والأوضح
من كل ذلك في انتصار
الثورة الإسلامية
وانتشارها ليس الطلاب
الشباب والمتحمسين هم
الذين أثرّوا لوحدهم في
المجتمع قبل النصر. إن
جميع السادة المتصدين
لهذه الأمور يعرفون أن
مشاركة العلماء من أهل
المكانة الاجتماعية
والشيوخ المحترمين من أهل
العلم الذين يحترمهم
الناس، وإن لم تكن لهم
خلفية في الثورة، ولم
يدخلوا السجن ولم يكافحوا
ولم يصدروا بيانات، عندما
قرروا في السنة الأخيرة
والشهور الأخيرة دخول
الساحة ودخلوها، كان
لمشاركتهم تأثير كبير في
دفع طبقات الشعب في
المسيرات.4
العلماء مدعاة للإحساس
بالتكليف:
إن شعور المرأة بالتكليف
داخل المنزل، وشعور
الشيوخ والذين
لم تكن
لديهم خلفية ثورية
بالتكليف، والشعور
بالتكليف في المدن
والقرى، وثورة الشعب
بصورة مفاجئة، كانت بفعل
المشاركة الشاملة لعلماء
الدين كبيرهم وصغيرهم،
شيوخهم وشبابهم، وفقهائهم
الطاعنين في السن،
ووعاظهم المتحمسين. فدخول
هؤلاء الساحة يتبعه دخول
جميع طبقات الشعب، كان
الحال هكذا في إيران
ولعله في بعض الدول
الإسلامية أيضاً في
القرون الثلاثة أو
الأربعة الأخيرة، ولعله
كان مختلفاً قبل ذلك ولا
نريد أن نحكم على المناطق
التي ليس لدينا اطلاع
صحيح عليها، أما في بلدنا
فقد كان هكذا.5
مؤثرية العلماء في جميع
طبقات المجتمع
لو لم يكن للعلماء - وجود
- لكان من الممكن أن تدخل
طبقة من الشعب الساحة
وتصمم فئة من المجتمع على
الثورة، ولكن قمع وترويض
فئة ما ليس أمراً صعباً.
أما الشيء الذي لا يمكن
القضاء عليه ولا يمكن سد
طريق النصر عليه، فهوعامة
الشعب. وإذا أرادت طبقات
المجتمع كلها أن تتواجد
في مكان ما، فيجب أن يكون
العلماء هناك، وإذا تواجد
علماء الدين في مكان ما
فمعنى هذا أن جميع طبقات
الشعب والأكثرية الساحقة
للشعب ستتواجد هناك، وهذه
هي طبيعة بلدنا. وهو
أمرقد ثبت خلال قرون
طويلة. فما هي علة هذا؟
إن العلة هي وضع
العلماء..6
كرامة العلماء السلف
ذخيرة لا تنفذ:
لقد قلت مراراً إِن علينا
أن لا نتصور أن كرامة
الجيل الحالي من العلماء،
قد أدى إلى توجه الشعب
نحو هذه الثورة، كلا،
فهذا خطأ، حيث إِنَّ
كرامة العلماء منذ ألف
سنة والتي كانت ذخيرة لا
تنفذ، قد أدت إلى هذا
النصر وهذا النجاح. إن
هذه الكرامة التي عمرها
ألف سنة هي نتيجة قرون
طويلة من علم وتقوى
العلماء الكبار، أي أن
العلامة الحليّ له دور في
ذلك والمحقق والمجلسي
والشهيدين والشيخ الطوسي
والسيد المرتضى والشيخ
الأنصاري كلٌ له دور،
والعلماء الكبار في النجف
لقرون طويلة لهم دور،
وعلماء قم لهم دور
والمرحوم الحاج الشيخ
(آية الله العطمى عبد
الكريم الحائري) له دور
والمرحوم السيد البروجردي
له دور. أي أن آلاف الناس
الممتازين قد أمضوا
أعماراً في الطهارة
والتقوى وأنشأوا مؤسسات
علمية رفيعة المستوى
وكتبوا مؤلفات علمية حتى
أعتقد المجتمع والشعب
تدريجياً بالعلماء بصورة
جذرية....7
محبة العلماء متجذرة
بالتربية من جيل إلى جيل:
عندما تصبح المحبة متجذرة
فإنها تورّث، كالخصال
الإنسانية وتنتقل من جيل
إلى جيل آخر كما هي محبة
الحسين بن علي عليه السلام
، أو محبة أهل البيت
عليهم السلام فهذه الأمور
لا تكون لدى جيل من
الأجيال،
فيأتي جيل آخر
ويحاول تعلمها، كلا، فهي
لا تأتي عن طريق التعليم
بل يورّثها جيل إلى جيل
آخر، فهي تنتقل عن طريق
تربية الآباء، وتربية
الأمهات، ودلال المربين،
وفي مناغاة المرضعات
للأطفال، وبهذا المعنى
تتجذر مسألة ما، وقد كان
ولا زال الاعتقاد
بالعلماء متجذراُ في
مجتمعنا.8
الإمام الخميني
قدس سره أوضح
قدرة العلماء في مواجهة
الظلم:
إن على هذه الطبقة أن
تفكر بنفسها، وتفكر بتلك
الذخيرة وتلك الكرامة،
وطبيعي أنه بالإمكان
زيادة تلك الكرامة، كما
عمل إمامنا الكبير الذي
أضاف على تلك الكرامة
للعلماء التي عمرها ألف
سنة، وعزز من كرامة
العلماء من زمن الشيخ
المفيد حتى اليوم، ورفعها
وأوضح قدرة العلماء في
مواجهة السيئات والظلم
والجور. فأوضح كيف يمكن
للعالم أن يكون وارثاً
لموسى وعيسى وإبراهيم
عليهم السلام والنبي
الخاتم صلى الله عليه
وآله وسلم. أفٍ للذين لا
يعرفون قيمة الدور الرفيع
لهذا الرجل الكبير
ويتصورون أنهم مخلصون
للعلماء أو محبون لهم،
أفٍ لجهالتهم ولفعلتهم
وكيف أنهم لا يعرفون ولا
يفهمون التقييم
الصحيح.9
التبليغ ونداء الإمام:
عندما أطلق الإمام
تصريحاته في عامي (77
و1978) ودعا الناس إلى
الثورة الشاملة، لم تبقَ
مدينة ولا قرية في كل
البلاد إلا ولبّت نداءه
وهنا يُطرح السؤال: كيف
استجابت القرى والمدن
النائية لنداء الإمام؟
والتي ربما لم يسمع بعضها
آنذاك باسم الإمام، أو لم
تكن لديها معلومات واضحة
عنه، ومن ثم لا يمكنها
إدراك نداءاته؟ اعلموا أن
السر يكمن في وجودكم...
فكل فرد منكم توجّه وبكل
تواضع إلى نقطة من نقاط
البلاد أو قرية منها لا
يزيد أحياناً عدد أسرها
عن الخمسين أو الستين حيث
عايش الناس على الطبيعة
لمدة عشرة أيام أو عشرين
يوماً أو شهرٍ وتحدّث
إليهم مباشرة... فتهيأت
أذهان الناس في البلاد
كافة ببركة هذه العمامة
التي يلبسها الشباب
المتواضعون القنوعون
الذين يبلِّغون العلوم
الإسلامية10.
|