بسم
الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام
على رسوله المصطفى محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين
الطاهرين المظلومين.
لمّا عزم الإمام الحسين عليه السلام على الخروج من
مكّة إلى العراق, بلغ ذلك ابن الحنفيّة، فأتاه،
فأخذ زمام ناقته وقد ركبها فقال: يا أخي ألم تعدني
النظر فيما سألتك؟ قال: "بلى". قال: فما
حداك على الخروج عاجلاً؟ فقال: "أتاني رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فارقتك، فقال:
يا حسين، اخرج، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً".
فقال محمّد بن الحنفيّة: إنّا لله وإنّا إليه
راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج
على مثل هذا الحال؟ قال: فقال له: "قد قال لي:
إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا" وسلّم عليه
ومضى1.
من الواضح في ضوء هذه الرواية أنّ نهضة سيّد
الشهداء عليه السلام لا تقف عند أحداث اليوم
العاشر من المحرّم, الذي استشهد فيه الإمام الحسين
عليه السلام, بل تمتدّ إلى حين رجوع ركب الحسين
عليه السلام إلى المدينة, فهؤلاء الأطفال وتلك
النسوة ومعهم إمامهم زين العابدين عليه السلام هم
شركاؤه الحقيقيّون في نهضته وثورته..
ومن هنا لا يمكن الفصل بين هاتين المرحلتين, سواء
على مستوى الأحداث ومجرياتها أو على مستوى الدراسة
والبحث, أو حتّى على مستوى الحزن والبكاء على سيّد
الشهداء عليه السلام.
فها هو أمير المؤمنين عليه السلام يخبر ابنته
العقيلة زينب عليها السلام بما يجري عليها في
الكوفة قائلاً: "وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا
بهذا البلد أذلّاء خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم
الناس، فصبراً صبراً.."
وها هو الإمام الرضا عليه السلام يذكر لابن شبيب
مصائبهم في شهر محرّم فيقول: "فما عرفت هذه الأمّة
حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها, لقد قتلوا في هذا
الشهر ذريّته, وسبوا نساءه, وانتهبوا ثقله, فلا
غفر الله لهم أبداً"2.
ولا زال الشعراء يقرنون مصيبة الحسين عليه السلام
بمصيبة سبي أهل بيته, فقد جاء عن وهب بن زمعة
الجمحيّ- وهو من المائة الأولى - يرثي الحسين عليه
السلام في أبياتٍ له ويأتي على ذكر السبايا فيقول:
وَرَبَّاتُ صَوْنٍ مَا تَبَدَّتْ لِعَيْنِها
قُبَيْلَ السِّبَا إِلَّا لِوَقْتِ نُجومِهَا
تُزَاوِلُهَا أَيدِي الهَوَانِ كَأَنَّمَا
تَقَحَّمَ مَا عَفْوٌ وفِيْهِ أَثِيمُهَا3
وجاء عن منصور
النميريَ - من المائة الثانية - قوله:
أَلَمْ يَحْزُنْكَ سِرْبٌ مِنْ نِسَاءٍ
لِآلِ مُحَمَّدٍ خُمْشُ الذُّيُولِ
يُشَقِّقْنَ الْجُيُوْبَ عَلَى حُسَيْنٍ
أَيَامَى قَدْ خَلَوْنَ مِنَ الْبُعُولِ
فَقَدْنَ مُحَمَّداً فَلَقِيْنَ ضَيْماً
وَكُنَّ بِهِ مَصُونَاتِ الحُجُولِ4
وفي تائيّة دعبل الخزاعيّ المشهورة جاء قوله:
بَنَاتُ زِيَادٍ فِيْ القُصُورِ مَصُونَةً
وَآلُ رَسُولِ اللهِ فِي الفَلَوَاتِ
وقال:
وَآلُ رَسُولِ اللهِ تُسْبَى حَرِيْمُهُمْ
وَآلُ زِيَادٍ رَبَّةُ الحَجَلَاتِ5
إلى غير ذلك من الشعر والرثاء المعروف والمشهور
والمنقول عن الشعراء قديماً وحديثاً.
وقد دأب أيضاً علماؤنا الأبرار ومحبّو أهل البيت
عليهم السلام على استحضار هذه المصائب أجمع وإقامة
مجالس العزاء لها من أوّل محرّم وحتّى آخر صفر إلى
حين رجوع الركب الحسينيّ إلى المدينة.
ولهذا قمنا في معهد سيّد الشهداء بإعداد هذا
الكتاب: "مجالس السبايا من كربلاء إلى الشام
ومن الشام إلى المدينة" ليكون عوناً للإخوة
القرّاء في مجالسهم التي يقيمونها بعد العاشر من
المحرّم, يتناول الرزايا والأحداث من كربلاء مروراً
بالكوفة وحتّى دخول الشام, ثمّ ما جرى عليهم من
مصائب وآلام في الشام مروراً بعودتهم إلى كربلاء
ومن ثَمَّ رجوعهم إلى المدينة المنوّرة.
ونذكّر في هذه المقدّمة بما يلي:
- حاولنا - قدر الإمكان- عرض المجالس التي
يتداولها القرّاء عادة بعد عاشوراء مقتصرين على
أهمّها.
- اقتصرنا على ذكر القصائد والنعي الشعبيّ
والمصيبة بدون ذكر المحاضرة اتّكالاً منّا على
قدرات الإخوة القرّاء وجدارتهم.
وختاماً, فإنّنا نسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن
الجميع, ويرزقنا شفاعة محمّد وآل بيته الطاهرين,
ويعجّل في فرج قائم آل محمّد إنّه سميع مجيب..
معهد سيّد الشهداءعليه السلام للمنبر الحسينيّ |