"أللهم صلِّ على محمّد بن عليّ باقر العلم, وإمام الهدى,
وقائد أهل التقوى, والمنتجب من عبادك، أللهم وكما
جعلته علماً لعبادك, ومناراً لبلادك, و مستودعاً
لحكمتك, ومترجماً لوحيك, وأمرت بطاعته, وحذّرت عن
معصيته، فصلِّ عليه يا ربِّ أفضل ما صلّيت على أحدٍ
من ذريّة أنبيائك وأصفيائك, ورسلك وأمنائك, يا ربَّ
العالمين1
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيّد
الأنبياء والمرسلين محمّد
وعلى عترته وأهل بيته
المظلومين المعصومين,
الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً.
عاش أئمّة أهل البيت
عليهم السلام ظروفاً
مختلفة, أحاطت بحياتهم
الشريفة من كلّ جهة,
وكانت سبباً في اختلاف
أدوارهم حسب ما تيسّر لهم
من ظروف, مع وضوح الرؤية
ووحدة الهدف, وهو الحفاظ
على الإسلام الأصيل
ومبادئه المشرقة النيّرة.
والإمام محمّد الباقر
عليه السلام أحد أئمّة
أهل البيت عليهم السلام
ممّن تسنّت له ظروف
خاصّة, ساهمت في قيامه
بدور هامّ ومميّز لا
سيّما على الصعيد العلميّ
والفكريّ.
يقول الإمام روح الله
الخمينيّ قدس سره الشّريف
في وصيّته السياسيّة
الإلهيّة:
"نحن فخورون أنّ منّا
باقر العلوم أسمى شخصيّة
في التاريخ, ولم ولن يدرك
أحد منزلته غير الله
والرسول والأئمّة
المعصومين عليهم السلام"2
ويقول الإمام السيّد عليّ
الخامنئيّ دام ظلّه:
"الإمام الباقر من الشموس
المنيرة التي يعود إليها
الفضل في نشر المعارف
الإسلاميّة"3.
وإنّ تسمية هذا الإمام
بباقر العلم- وهي كلمة
مأخوذة من البقر بمعنى
الشقّ والفتح والتوسعة-
لَيشير إلى هذا الدور
الهام الذي قام به الإمام
على الصعيد العلميّ,
وكأنّه كان مختوماً فشقّه
وفتحه ووسعه.
ولعلّه إلى هذا الأمر كان
يهدف النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم حينما
أطلق عليه هذا اللقب قبل
عقود من ولادته, وأوصى
جابر بن عبد الله
الأنصاريّ الصحابيّ
الجليل, وأمره أن يبلّغ
سلامه إليه قائلاً:
" إنّك ستدرك رجلاً منّي
اسمه اسمي وشمائله شمائلي
يبقر العلم بقراً.."4.
ومن هنا كان جابر الطاعن
في السنّ يجلس بين يدي
الإمام عليه السلام على
صغر سنّه, ويتعلّم منه
ويروي عنه, ويقول له: "يا
باقر يا باقر يا باقر
أشهد بالله إنّك أوتيت
الحكم صبيّاً"5.
وقد خضعت له الرقاب وذلّت
له الأعناق, وتصاغر أمامه
علماء عصره اعترافاً منهم
بسموّ مقامه:
فقد روي عن عبد الله بن
عطاء قوله:
"ما رأيت العلماء عند أحد
أصغر منهم عند أبي جعفر
محمّد بن عليّ لتواضعهم
له, ومعرفتهم
بحقّه, وعلمه, واقتباسهم
منه, ولقد رأيت الحكم بن
عتيبة6
على جلالته وسنّه وهو بين
يديه يتعلّم منه, ويأخذ
عنه كالصبيّ بين يدي
المتعلّم..",
أو
"كأنّه عصفور مغلوب على
أمره.
وعن محمّد بن المكندر
أنّه قال:
"ما كنت أرى أنّ مثل عليّ
بن الحسين يدع خلفاً
لفضله وغزارة علمه وحلمه
حتّى رأيت ابنه
محمّداً.."7.
وعندما التقاه قتادة وهو
فقيه أهل البصرة أخذته
هيبة الإمام ووقاره فقال:
"لقد جلست بين يدي
الفقهاء وأمام ابن عبّاس
فما اضطرب قلبي من أيّ
أحد مثلما اضطرب قلبي
منك.."8.
إلى غير ذلك من كلمات
منثورة وأقوال مشهورة,
يجدها الباحث والقارئ في
طيّات كتب التراجم ومصادر
التاريخ.
إلّا أنّ هذا الإمام
وبالرغم من المكانة
العالية والمنزلة الرفيعة
التي تميّز بها على جميع
أهل زمانه, لم يُعط حقّه
ولم يبين فضله, حاله كحال
العترة من أهل البيت
عليهم السلام
الذين ظلموا وقهروا
واضطهدوا وكانت خاتمة
أمرهم الشهادة إمّا
بالسمّ وإمّا بالقتل.
وهنا تأتي مسؤوليّتنا
كمسلمين تجاه أئمّتنا
وقادتنا من أهل بيت
نبيّنا صلى الله عليه
وآله وسلم
وعترته الطاهرة,
وهي أن نقوم بنشر فضائلهم
والتأكيد على محبّتهم
ومودّتهم, وتعريف الناس
بسيرتهم ومظلوميتهم.
هذا
الكتاب:
وإنّ من حقّ هذا الإمام
علينا ونحن من محبّيه
وأتباعه أن نستذكر أحواله
وتاريخه وما جرى عليه,
ونذكّر الناس بذلك,
إحياءً لأمره, وإظهاراً
لفضله, علّنا نكون بذلك
ممّن يحيي أمرهم فلا يموت
قلبه يوم تموت القلوب.
ولهذا قام معهد سيّد
الشهداء للمنبر الحسينيّ
بإعداد هذا الكتاب باقر
العلوم, ليكون واحداً من
الإصدارات التي يصدرها
ضمن سلسلة مجالس العترة,
ليكون معيناً للأخوة
القرّاء, ومساعداً لهم في
المجالس التي يقيمونها في
ذكرى هذا الإمام العظيم.
وقد راعى هذا الإصدار
الأمور التالية:
أدرجنا ثلاث قصائد من
الشعر القريض, ليتسنّى
للقارئ الكريم اختيار ما
يشاء منها.
أضفنا للكتاب العديد من
الأبيات الشعبيّة الدارجة
والمفهومة إلى حدٍّ ما.
ذكرنا موجزاً عن حياة
الإمام عليه السلام, ولم
نستقص كلّ شيء عن حياته
المباركة, لئلّا يخرج
الكتاب عن حدّ الإيجاز,
واتكالاً منّا على جدارة
الأخوة القرّاء من جهة
أخرى. قمنا بتخريج المصادر
والمراجع لكلّ ما ورد في
المتن, لتسهيل الرجوع
إليها لمن أحبّ.
وفي الختام, كلّنا رجاء
أن يلقى هذا الكتاب
القبول والرضا من إمام
زماننا عجّل الله تعالى
فرجه, وأن يزوّدنا الأخوة
القرّاء بإرشاداتهم
وملاحظاتهم الهامّة
والبنّاءة لنصل إلى
المستوى اللائق والمقبول.
هذا ونسأله تعالى أن
يتقبّل منّا ومن الجميع,
وأن يرزقنا شفاعة مولانا
الإمام محمّد الباقر,
إنّه سميع مجيب.
معهد سيّد الشهداء
عليه السلام
للمنبر الحسينيّ
|