المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

والصّلاة والسَّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عِترته وأهل بيته المظلومين المعصومين, الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام , أحد أئمّة أهل البيت عليهم السلام ..
أخبر عنه جدّه أمير المؤمنين عليه السلام قبل ولادته, مبشّراً به ومنذراً لما يجري عليه من بعده. فعن النعمان بن سعد قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : "سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلماً، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم ابن عِمران موسى عليه السلام , ألا فمن زاره في غربته غفر الله تعالى ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر، ولو كانت مثل عدد النجوم، وقطر الأمطار، وورق الأشجار"1 .

وعن صادق العترة الطاهرة عليهم السلام مشيراً إلى ولده الكاظم عليه السلام : ".. يخرج الله عزّ وجلّ منه غوث هذه الأمّة وغياثها, وعلمها, ونورها, وفضلها, وحكمتها، خير مولود وخير ناشىء، يحقن الله عزّ وجلّ به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلمّ به الشعث، ويشعب به الصدع,2 ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل الله به القطر، ويرحم به العباد، خير كهل وخير ناشىء, قوله حكم، وصمته علم، يبيّن للناس ما يختلفون فيه، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه..."3 .

وعن الحسين بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام يقول: " يخرج رجل من ولد ابني موسى, اسمه اسم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام إلى أرض طوس، وهي بخراسان، يقتل فيها بالسمّ، فيدفن فيها غريباً, من زاره عارفاً بحقّه أعطاه الله تعالى أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل"4 .

لقد كان هذا الإمام العظيم نوراً من أنوار الإمامة الإلهيّة التي أشرقت على هذا العالم, وقد ظهرت من بركات وجوده الكثير من المعارف والعلوم والفضائل, يقول وليّ أمر المسلمين الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ : " الإمام الثامن هو وليّ نعمة، معنويّاً وفكريّاً وماديّاً "5 .

إلّا أنّ هذه الأمّة لم تعرف قدر هذا الإمام عليه السلام , كما لم تعرف قدر غيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام , فعمدوا إلى ظلمهم وقتلهم وتشريدهم..

تَباً لهمْ مِنْ أُمَّةٍ لم يَحفظُوا       عَهدَ النبيّ بآلهِ الأمجادِ
قد شَتَّتوهمْ بين مقهورٍ ومَأْ      سُورٍ ومنحورٍ بسيفِ عِنادِ


هذا وهم عترةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وذرّيتُه وأولاده الذين أوصى بهم. فقد رووا عنه صلى الله عليه وآله وسلّم قوله: ".. وأهل بيتي, أذكّركم الله في أهل بيتي, أذكّركم الله في أهل بيتي, أذكّركم الله في أهل بيتي"6.

وقد عانى الإمام الرضاعليه السلام من حاكِم زمانه ما عاناه, حتّى مضى شهيداً مسموماً غريباً, كما أخبر بذلك عنه آباؤه وأجداده, وأخبر هو عن نفسه, حينما قال له رجل من أهل خراسان: يا ابن رسول الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في المنام كأنّه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي7 ، واستحفظتم وديعتي, وغيّب في ثراكم نجمي؟ فقال له الرضا عليه السلام: " أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيّكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقّي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاؤه يوم القيامة نجا، ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ والإنس.."8.

هذا الكتاب:

وإنّ من حقّ هذا الإمام علينا ونحن من محبّيه وأتباعه أن نستذكر أحواله وتاريخه وما جرى عليه, ونذكّر الناس بذلك, إحياءً لأمره, وإظهاراً لفضله, علّنا نكون بذلك ممن يحيي أمرهم فلا يموت قلبه يوم تموت القلوب.
ولهذا قام معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب " غريب خراسان" , ليكون واحداً من الإصدارات التي يصدرها ضمن سلسلة مجالس العترة, ليكون معيناً للأخوة القرّاء، ومساعداً لهم في المجالس التي يقيمونها في ذكرى شهادة هذا الإمام العظيم.

وقد راعا هذا الإصدار الأمور التالية:

أدرجنا ثلاث قصائد من الشعر القريض, ليتسنّى للقارئ الكريم اختيار ما يشاء منها.
أضفنا للكتاب العديد من الأبيات الشعبيّّة الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.
ذكرنا موجزاً عن حياة الإمام عليه السلام, ولم نستقص كلّ شيء عن حياته المباركة, لئلا يخرج الكتاب عن حدّ الإيجاز, واتكالاً منّا على جدارة الأخوة القرّاء من جهة أخرى.
قمنا بتخريج المصادر والمراجع لكلّ ما ورد في المتن, لتسهيل الرجوع إليها لمن أحبّ.
وفي الختام, كلّنا رجاء أن يلقى هذا الكتاب القَبول والرضا من إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه, وأن يزوّدنا الأخوة القرّاء بإرشاداتهم وملاحظاتهم الهامّة والبنّاءة، لنصل بعملنا إلى المستوى اللائق والمقبول..

هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع, وأن يرزقنا شفاعة مولانا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام, إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ
 

القصيدة الأولى: لبعض الأدباء:

اللهُ أكبرُ إنَّ الدِّينَ قد كُسِفَتْ                   ذُكاهُ
9 لَمَّا ابنُ موسى حَلَّ تِرْبانا
 اللهُ أكبرُ إنَّ العِلمَ قد نضبَتْ                  بحارُهُ لابْنِ موسى بعدَ ما بانا
يا غِيرةَ اللهِ قلبُ الكونِ قَلَّبَهُ                  سُمٌّ يُقَطِّعُ للأحشاءِ ألوانا
وبَضْعةٌ مِنْ رسولِ اللهِ بضَّعَها                بالسُمِّ مَنْ بَضَّعَ القرآنَ طُغيانا
قضى الرِّضا نَحبَه سُمّاً فحينَ قضى           قضى الهُدى عادِماً للحقِّ تِبْياناً
قضى غريبُ خُراسانٍ بِغُصَّتِهِ                 نفسِي الفِدا لِغريبٍ في خُراسانا
لَيْتَ النبيّ يراه قاذِفاً كبِداً                     كانتْ لدِينِ الهدى قلباً وعُنوانا
ليتَ النبيّ يراه للرَّدى غَرَضاً                 مُعالِجاً سَكَراتِ السُّمِّ لَهفانا
 لقد ذوَى عُودُ رَيْحانِ النُّبوَّةِ إِذْ              قضى الذي كانَ للأملاكِ رَيْحان

أبوذيّه:

ابوجهي هالدهر ما يوم بسّم               من هظمه غديت انظلم بالسم
مثل الرضا الضامن مات بالسم            غريب الدار ما عنده تجيّه

شعبيّ:

يا عين على الرضا صُبّي الدمع دم      عزيز الروح بفراش المرض تم
خلص قلبه بونينه ومرِّده السم          سقط من ساعته ومدّد الرجلين

القصيدة الثانية: للسيّد عبد الحسين شكر:

ماذا أَطلَّ بعالَمِ التكوينِ                     فتَجلْببَتْ آفاقُها بشجونِ
أقيامةٌ للحَشرِ قامتْ أم تَرى الـ             ـسَّبْعَ الطِّباقَ هَوتْ على الأَرَضِينِ
 أمْ غابَ عنْ آفاقِها بدرُ الرِّضا             شمسُ الهدايةِ منْ بني ياسينِ
لا غَرْوَ أَنْ حَزِنَ الوجودُ على فَتىً         هُوَ عِلَّةُ الإيجادِ والتكوينِ
للهِ رُزْءٌ هَدَّ أركانَ الهدى                   مِنِ بعدِه قُلْ للرزايا هُوني
حُطِمَتْ قناةُ الشرعِ حُزناً بعدَهُ             وَبكتْ بِقَاني الدمعِ عينُ الدِّينِ
للهِ يومٌ لابنِ مُوسى زَلزلَ الـ               سَّبْعَ الطِّباقَ فأَعولتْ بِرَنينِ
يومٌ به أشجَى البَتُولَةَ خائِنٌ               يُدْعى بعكْسِ الأمرِ بالمأمونِ
يومٌ به أضحى الرضا مُتَجرِّعاً            سُمّاً بكأسِ عداوةٍ وضُغُونِ
جَعلوهُ في عِنبٍَ ورمَّانٍ لكيْ              يَخْفَى على عَلاَّمِ كلِّ مَصُونِ
أَوَما دَرَوْا أنَّ الخلايقَ طوعُهُ             في عالَمِ التكوينِ والتدوينِ
لكنَّه لَبَّى نداهُ مَنِ ارْتضَى                 مَثْوىً له في دارِ عليّينِ
10

أبوذيّه:

ثمين ابدرر ما تقدر تسمَّه              عجيبه اشلون يالطاغي تسمَّه
والأعجب بعد من هذي تسمَّه          غريب وهوّه سلطان الرعيّه

شعبيّ:

أصبحت طوس ابزلزال والخلق كلّها ابعويل             لجل ابو محمّد تزلزل يا خلق عرش الجليل
أعلام السود منشورة اومدامعهم تسيل                  اهتزّت السّبع العليه اوبالأرض صار انقلاب
اوقام شبله ايغسّله والدمع من عينه هِمه                مدِّده اعلى المغتسل والماي جاه من السَّمه
اوبالطفوف احسين جدّه اتغسّل بفيض الدمه            اوشافت عياله ابيِسُرْهَا من عقب عينه العذاب

القصيدة الثالثة: للسيّد صالح النجفيّ المعروف بالقزوينيّ

يا أرضَ طوسٍ تجاوزْتِ السَّماءَ عُلاً            إِذْ لابْنِ مُوسَى الرِّضا ضُمِّنْتِ جُثمانا
 فكَمْ أَجَرْتِ طَرِيداً أَمَّ مُلْتجِئاً                     وكمْ أَغَثْتِ صريخاً ظَلَّ حَيْرانا
لِتَهْنَ طوسُ بأنْ أضحتْ معالِمُها                للشمسِ بُرْجاً وللأملاكِ أَوْطانا
فيا غريباً قضى بالسُّمِّ منفرداً                    أبكَى الأعادِي وأَصْمَى
11 الإِنْسَ والجانا
يا مُفجِعَ العُرْبِ في توقيعِ رِحْلتِهِ                ومُودِعَ القلبِ بالتوديعِ نيرانا
ودَّعْتَ جَدَّك والأهلينَ تُخْبِرُهمْ                   لذاكَ آخِرُ عهدِي فيكمُ كانا
فهل درَى البيتُ بيتُ اللهِ أنْ هَدَمَتْ              منه عُتاةُ بني العبّاسِ أركانا
 وهل دَرتْ هاشِمٌ أنَّ ابْنَ سَيِّدِها                 قضى غريباً مَرُوعَ القلبِ حَرَّانا
وهل درى مَنْ بهِ كوفانُ قدْ فخَرتْ              بما انْطَوى مِنْ فَخارٍ في خُراسانا
وهل درَى الكَرْخُ ما في طوسَ منْ نُوَبٍ        جَلَّتْ وقُوعاً وما منها الرِّضا عانى
 وهل درَى مَنْ بسامُرَّاءَ أَنْ غَدرَتْ              أعداؤُهُمْ بالرِّضا ظلْماً وعُدوانا
فَلْتَبْكِهِ الأرضُ حُزناً والسَّماءُ دَماً                والإنسُ والجنُّ والأملاكُ أشجانا
12

أبوذيّه:

الرضا مات ابغرب مسموم وحده               ولا واحد نعاه ابحزن وحده
ما سمعت امن النسوان وحده                  او عليه تنصب عزه لابن الزكيّه

شعبيّ:

مات الرضا وارتجت الفقده أرض طوس      او طلعت الشيعه امفرّعه او تلطم على الروس
وارجالها اتنادي علي تفداك النفوس          او نسوانها بالدور نصبت له عزيّه
الله ايعين امحمّد ابهاذي المصيبه             مرة يجي الطوس او يرد مرّه الطيبه
ايسلّي العيله اللي بقت لجله امريبه           متخوفه الغايب جرع كاس المنيّه

فوگه انحنى ايودّعه او يحب خدّه او نحره   لمّن قضى نحبه نهض مكسور ظهره
اتولّى جهازه او شيّعه ابنفسه الگبره        او رد للمدينه اينشّف ادموعه الجريّه

هوامش

1- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص289.
2- الشعب كالمنع: الجمع والتفريق، والإصلاح والإفساد, وهو من الأضداد, والصدع: الفرقة.
3- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 314
4- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام, ج2, ص286.
5- الكلمات المضيئة ص 87.
6- صحيح مسلم, ج 7 ص 123, كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم, باب من فضائل عليّ رضي الله عنه.
7- البضعة بالفتح القطعة من اللحم, وقد تكسر, أي أنّها جزء منّي كما أنّ القطعة من اللحم جزء من اللحم.
8- الصدوق: الأمالي ص 121
9- أي نوره وشعلته وتوقّده.
10- انظر: الكوكب الدرّي من شعراء الغريّ ص 360
11- أي أصابها.
12- انظر: الأمين السيّد محسن: المجالس السنيّة ج 5 ص 612.