خاتمة في المراثي

رثاء دعبل بن عليّ الخزاعيّ:

من تائيّة دعبل الخزاعيّ التي أنشدها بمحضر الإمام الرضا عليه السلام:

ذَكَرْتُ مَحَلَّ الرَّبْعِ منْ عرَفاتِ               فأَسْبَلْتُ دَمْعَ العينِ بالعَبراتِ
وفَكَّ عُرَى صَبْري وَهاجَت صَبابَتي        رسُومُ دِيارٍ أَقْفَرَتْ وَعِراتِ
مَدارِسُ آياتٍ خَلتْ منْ تِلاوةٍ               ومنزِلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ العَرَصاتِ
لآلِ رسُولِ اللهِ بالخِيفِ منْ مِنى            وبِالبيتِ والتَّعريفِ والجمَراتِ
دِيارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ                وحمزةَ والسَّجَّادِ ذي الثَّفِناتِ
دِيارٌ عفَاها جَوْرُ كُلِّ معانِدٍ                 ولم تَعْفُ بالأيّامِ والسَّنواتِ
دِيارٌ لِعبدِ اللهِ والفضلِ صنوِهِ              سَليلِ رسولِ اللهِ ذي الدَّعَواتِ
مَنازِلُ كانتْ لِلصَّلاةِ وللتُّقى                وللصَّومِ والتَّطهيرِ والحسَناتِ
مَنازِلُ جِبريلِ الأمينِ يَحُلُّها                منَ اللهِ بالتَّسليمِ والزَّكَواتِ
مَنازلُ وَحْيِ اللهِ مَعْدنِ علْمِهِ               سبيلِ رشادٍ واضحِ الطُّرُقاتِ
مَنازلُ وَحْيُ اللهِ يَنْزِلُ حَوْلَها              علَى أحمدَ الرَّوْحاتِ والغَدَواتِ
فَأينَ الأُلَى شَطَّتْ بِهم غُرْبَةُ النَّوى        أفانِينَ في الأقطارِ مُخْتَلِفاتِ


85


هُمُ آلُ ميراثِ النبيّ إذا انْتَمَوْا             وهُمْ خَيْرُ ساداتٍ وخيرُ حمُاةِ
مطاعيمُ في الإعْسارِ في كُلِّ مشهدٍ         لقدْ شَرُفُوا بالفضلِ والبركاتِ
إذا لم نُناجِ اللهَ في صَلَواتِنا                بذِكْرِهِمْ لم يَقْبَلِ الصَّلواتِ
أئمّةُ عدْلٍ يُهْتدَى بِهُداهمُ                  وتُؤْمَنُ مِنْهمْ زَلَّةُ العثَراتِ
فيا ربِّ زِدْ قلبي هُدىً وبصيرةً            وزِدْ حُبَّهُمْ يا ربِّ في حَسَناتي
دِيارُ رسولِ اللهِ أصبحْنَ بَلْقعاً             ودارُ زيادٍ أصبحَتْ عَمِراتِ
وآلُ زيادٍ في القُصورِ مَصُونةٌ             وآلُ رسولِ اللهِ في الفَلَواتِ
فَيا وارِثي عِلْمِ النبيّ وآلِهِ                 عليكم سَلامٌ دائمُ النَّفَحاتِ
لَقدْ أَمِنَتْ نَفْسِي بِكُمْ في حيَاتِه             وإنِّي لَأَرْجُو الأَمْنَ عِنْدَ مماتي
1
 

وعنه أنّه قال: جاءني خبر موت الرضا عليه السلام ، وأنا بقُم، فقلت قصيدتي الرائيّة:

أَرى أُميَّةَ معذُورِينَ إِنْ قَتَلُوا              ولا أَرى لِبنَي العبَّاسِ مِنْ عُذُرِ
أَوْلادَ حَرْبٍ ومَرْوانٍ وأُسْرَتَهمْ             بَنِي مَعِيطَ وُلاةَ الحِقْدِ والوَغَرِ
قَوْمٌ قَتلْتُمْ علَى الإسلامِ أَوَّلَهُمْ              حتّى إذا اسْتَمْكَنُوا جازُوا علَى الكُفُرِ


86


إرْبَعْ بِطُوسٍ علَى قَبْرِ الزَّكيِّ بهِ           إِنْ كُنْتَ تَرْبَعُ مِنْ دِينٍ عَلَى وَطَرِ
قَبْرانِ في طُوسَ خَيْرُ الناسِ كُلِّهِمُ         وقَبْرُ شَرِّهِمُ هذا مِنَ العِبَرِ
ما يَنْفَعُ الرِّجْسَ مِنْ قُرْبِ الزَّكِيِّ ولا       عَلَى الزَّكِيِّ بِقُرْبِ الرِّجْسِ مِنْ ضَرَرِ
هَيْهاتِ كُلُّ امْرِئٍ رَهْنٌ بما كَسَبَتْ          له يَدَاهُ فخُذْ ما شِئْتَ أَو فَذَرِ
2

قال أبو الفرج: أنشدني عليّ بن سليمان الأخفش، لدعبل بن عليّ الخزاعيّ، يذكر الرضا والسمّ الذي سقيه، ويرثي ابناً له، وينعى على الخلفاء من بني العبّاس:

عَلَى الكُرْهِ ما فارَقْتُ أَحَمْدَ وانْطَوَى       عليه بِناءٌ جَنْدَلٌ وَرزِينُ
وَأَسْكَنْتُهُ بَيْتاً خَسِيساً مَتَاعُهُ               وإنِّي عَلَى رُغْمِي بِه لَضَنِينُ
ولَوْلا التَّأَسِّي بالنبيّ وأَهْلِهِ                لَأَسْبَلَ مِنْ عَيْنِي عليه شُؤُونُ
هُوَ النَّفْسُ إِلَّا أَنَّ آلَ مُحَمّدٍ                 لَهُمْ دُونَ نَفْسِي في الفُؤادِ كَمِينُ
أضَرَّ بِهمْ إِرْثُ النَبيّ فأَصْبَحُوا             يُساهِمُ فيهِ مَيْتَةٌ ومَنُونُ
دَعَتْهُمْ ذئابٌ مِنْ أُمَيَّةَ وانْتَحَتْ             عليهمْ دِراكاً أَزْمَةٌ وسُنُونُ
وعاثَتْ بنُو العبَّاسِ في الدِّين عَيْثَةً        تَحكَّمَ فيهِ ظالمٌ وظَنِينُ
وَسمَّوْا رَشِيداً ليسَ فِيهمْ لِرُشْدِهِ           وها ذاكَ مأْمُونٌ وذاكَ أَمِينُ


87


فمَا قَبِلَتْ بالرُّشْدِ منهُمْ رِعايةً              ولا لِوَليٍّ بالأمَانةِ دِينُ
رَشِيدُهُمُ غاوٍ وطِفْلاهُ بَعْدَهُ                 لِهَذا رَزايا دُونَ ذاك مَجُونُ
أَلا أَيُّها القبرُ الغريبُ محلُّهُ                بطُوسٍ عليكَ السَّارِياتُ هَتُونُ
شَكَكْتُ فَما أَدْرِي أَمُسْقىً بشَرْبَةٍ           فأَبْكِيكَ أَمْ رَيْبُ الرَّدَى فَيَهُونُ؟
وأَيُّهُما ما قلتُ إِنْ قُلْتُ شَرْبَةٌ              وإنْ قُلْتُ: مَوْتٌ أنّه لَقَمِينُ
أيَا عَجباً مِنْهُمْ يُسَمُّونَكَ الرِّضا            ويَلْقاكَ مِنْهُمْ كَلْحَةٌ وغُضُونُ
أَتَعْجَبُ لِلْأَجْلافِ أَنْ يَتَخَيَّفُوا               مَعَالِمَ دِينِ اللهِ وَهْوَ مُبِينُ
لقَدْ سَبقَتْ فِيهِمْ بِفَضْلِكَ آيَةٌ                لَدَيَّ ولكِنْ ما هُناك يَقِينُ
3


88


رثاء أشجع بن عمرو السلميّ4 :

يا صاحِبَ العِيسِ يَحْدِي في أَزِمَّتِها        اسْمَعْ وأَسْمِعْ غَداً يا صاحِبَ العِيسِ
إِقْرا السَّلامَ علَى قبرٍ بطُوسَ ولا           تَقْرا السَّلامَ ولا النُّعْمَى علَى طُوسِ
فَقدْ أصابَ قلُوبَ المسْلِمينَ بها            رَوْعٌ وأَفْرخَ فيها رَوْعُ إِبْليسِ
وَأَخْلَسَتْ واحِدَ الدُّنيا وسَيِّدَها             فَأيُّ مختَلِسٍ مِنَّا ومَخْلُوسِ
ولَوْ بدَا الموتُ حتّى يَسْتَدِيرَ به           لاقَى وجُوهَ رجالٍ دُونَهُ شُوسِ
بُؤْساً لِطُوسٍ فما كانتْ مَنازِلُهُ             مِمَّا تُخَوِّفُهُ الأيّامُ بالبوُسِ
مُعَرَّسٌ حَيْثُ لا تَعْرِيسَ مُلْتَبِسٌ            يا طُولَ ذلِكَ مِنْ نَأْيٍ وتَعْرِيسِ
إنَّ المنايا أنالتْهُ مخَالِبَها                  ودُونَهُ عَسْكَرٌ جَمُّ الكَرَادِيسِ
أَوْفَى عليه الرَّدَى في خِيسِ أَشْبُلِهِ        والموتُ يَلْقَى أَبا الأَشْبالِ في الخيسِ
ما زالَ مُقْتَبِساً مِنْ نُورِ والِدهِ             إِلَى النبيّ ضِياءً غَيْرَ مَقْبُوسِ
في مَنْبِتٍ نهَضَتْ فيهِ فُرُوعُهُمُ            بِباسِقٍ في بِطاحِ المُلْكِ مَغْرُوسِ
والفَرْعُ لا يَرْتَقِي إِلَّا عَلَى ثِقَةٍ             مِنَ القواعِدِ والدُّنيا بِتَأْسِيسِ
لا يَوْمَ أَوْلَى بِتَخْرِيقِ الجيُوبِ ولا         لَطْمِ الخدُودِ ولا جَدْعِ المعَاطِيسِ


89


مِنْ يَوْمِ طُوسَ الذي نادتْ برَوْعَتِهِ       لنا النُّعاةُ وأَفْواهُ القَراطِيسِ
حَقّاً بأَنَّ الرِّضا أَوْدَى الزَّمانُ بهِ          ما يَطْلُبُ الموتُ إِلَّا كُلَّ مَنْفُوسِ
ذا اللَّحْظَتَيْنِ وذا اليَوْمَيْنِ مُفْتَرِشٌ        رَمْساً كآخَرَ في يَوْمَيْنِ مَرْمُوسِ
بِمَطْلَعِ الشَّمْسِ وافَتْهُ مَنِيَّتُهُ              ما كانَ يَوْمُ الرَّدى عَنْهُ بِمَحْبُوسِ
يا نازِلاً جَدَثاً في غَيْرِ مَنْزِلِهِ              ويا فريسَةَ يَوْمٍ غَيْرِ مَفْرُوسِ
لَبِسْتَ ثَوْبَ البِلَى أُعْزُزْ عليَّ به          لُبْساً جديداً وثَوْباً غَيْرَ مَلْبُوسِ
صَلَّى عليكَ الَّذِي قَدْ كُنْتَ تَعبُدُهُ          تحتَ الهواجِرِ في تلكَ الأَمالِيسِ
لَوْلا مُناقَضةُ الدُّنيا مَحاسِنَها             لما تَقَايَسَها أَهْلُ المقايِيسِ
أَحلَّكَ اللهُ داراً غَيْرَ زائِلَةٍ                 في مَنْزِلٍ برسُولِ اللهِ مَأْنُوسِ
5


90


رثاء محمّد بن حبيب الضبّي:

قَبْرانِ في طُوسِ الهُدَى في واحِد       والغَيُّ في لَحْدٍ ثراهُ ضِرامُ
قُرْبُ الغَوِيِّ مِنَ الزَّكِيِّ مُضَاعِفٌ         لِعَذابِهِ ولأَنْفِهِ الإِرْغامُ
6


91


رثاء عليّ بن أبي عبد الله الخوّافيّ:

يا أرضَ طُوسٍ سَقاكِ اللهُ رَحْمتَهُ        ماذا حَوَيْتِ مِنَ الخَيْراتِ يا طُوسُ؟
طابَتْ بِقَاعُكِ في الدُّنيا وطَيَّبَه           شَخْصٌ ثوَى بسَناآبادٍ مَرْمُوسُ
شَخْصٌ عَزِيزٌ عَلَى الإِسْلاَمِ مَصْرَعُه     في رَحْمَةِ اللهِ مَغْمُورٌ ومَغْمُوسُ
يا قبرَهُ أَنْتَ قبرٌ قَدْ تَضَمَّنَهُ              حِلْمٌ وعِلْمٌ وتَطْهِيرٌ وتَقْدِيسُ
فَخْراً فإنَّكَ مَغْبُوطٌ بِجُثَّتِهِ                 وبِالملائِكَةِ الأبرارِ مَحْرُوسُ
7


92


رثاء ابن المشيّع المدنيّ:

يا بُقْعةً ماتَ بها سَيِّدِي                  ما مِثْلُهُ في النَّاسِ مِنْ سِيّدِ
ماتَ الهُدَى مِنْ بَعْدِهِ والنَّدَى            وشَمَّرَ الموتُ بهِ يَقْتَدِي 
لا زالَ غَيْثُ اللهِ يا قَبْرَهُ                 عليكَ مِنْهُ رائِحاً مُغْتَدِي
كانَ لنَا غَيْثاً بِهِ نَرْتَوِي                  وكانَ كالنَّجْمِ بِه نَهْتَدِي
ِنَّ عليّاً بْنَ مُوسَى الرِّضا                قَدْ حلَّ والسُّؤْدُدُ في مُلْحَدِ
يا عَيْنُ فابْكِي بِدَمٍ بَعْدَهُ                 علَى انْقِراضِ المَجْدِ والسُّؤْدُدِ
8


93


رثاء أبي فراس الحمدانيّ:

باؤُوا بقَتْلِ الرِّضا مِنْ بَعْدِ بَيْعَتِهِ      وأَبْصَرُوا بَعْضَهُمْ مِنْ رُشْدِهِمْ وعُمُوا
عِصابَةٌ شَقِيَتْ مِنْ بَعْدِما سَعِدُو       وَمْعَشرٌ هَلَكُوا مِنْ بَعْدِما سَلِمُوا
لا بَيْعَةً رَدَعَتْهُمْ عَنْ دِمائِهِمُ           ولا يَمِينَ ولا قُرْبَى ولا رَحِمُ
9


94


الشيخ سلمان البحرانيّ الملقّب بالتاجر:

إنْ تَكُنْ طُوسُ ذِي مَقَامَ ابْنِ مُوسَى        فمِنَ الشَّوْقِ فُكَّ فيها الحَبِيسا
والْثِمِ الأَرْضَ بالشِّفاهِ ولا تَخْـ               ـشَ بِلَثمِ الأَعْتابِ ضُرّاً وبُؤْسا
واخْلَعِ النَّعْلَ إنْ دخَلْتَ عليه                ففِناهُ يُجاورُ التقْدِيسا
ثمّ عَفِّرْ خَدَّيْكَ مِنْ حَوْلِ رَمْسٍ              ضُمَّ فيه شَبِيهُ مُوسَى وعِيسَى
واتْلُ ما قِيلَ فيهَ حَيّاً من المَدْ              حِ فأَوْلَى يُتْلَى له مَرْمُوسا
وأَنارَتْ طُوسٌ بوجْهِكَ إِذْ جِئْـ              ـتَ إليها فلمْ ترَ التَّغْلِيسا
كَمْ بآفاقِها مَعاجِزُ غُرٍّ                       كُنْتَ أَظْهَرْتَها فكانَتْ شُموسا
فَعلامَ الخُطوبُ أَلْبَسْنَها ثَوْ                  بَ حِدادٍ وأَمْسُ كانَتْ عَرُوسا
هَكَذا هَكَذا أَرَتْها اللَّيالِي                    فَسُعُوداً طَوْراً وطَوْراً نُحُوسا
كُسِفَتْ شَمْسُها بها فتَردَّتْ                  في عَزاها مِنْ كَسْفِها مَلْبُوسا
وخَبا نَيِّرُ النُّبُوَّةِ فِيها                       فَأَرَتْنا بَعْدَ ابْتِسامٍ عُبُوسا
غِيلَ فِيها الرِّضا عليّ ولكِنْ                غِيلَ فيهِ الكَلِيمُ وعيسى
خانَ فِيهِ المأمونُ عَهْداً وَثِيق              مَعْهَدُ الدَّرْسِ فيهِ عادَ دَرِيسا
هَلْ دَرى أنّه بِسُمِّ ابْنِ مُوسَى               غَالَ نَفْساً أماتَ فِيها نُفُوس


95


أَوَ يَدْرِي من العُلُوم دَهَى في              ـهِ بِطَمْسٍ مَعْقُولُها المَحْسُوسا
جَعَلَتْ تَنْدُبُ المعَالي مَعالي                ـهِ وتَنْعَى الدُّرُوسُ فيهِ الدُّرُوسا
ما لِذَاكَ الرُّمَّانِ والعِنَبِ المَسْـ             ـمُومِ فَتَّ الفُؤادَ مِنْهُ بِمُوسَى
ما لِمَأْمُونِهَا فلا آمَنَ اللّـ                   ـهُ له رَوْعَةً وافَى نُكُوسا
غادرَ الدِّينَ يَشْتَكِي في حَشاهُ             أَلماً مِنْ جِراحَةٍ ليسَ تُوسَى
أَغْضَبَ اللهَ والملائِكَ والرُّسْـ              ـلَ وأَرْضَى بقَتْلِه إِبْلِيسا
عَبسَ الكَوْنُ حِينَ زَلْزَلَ فِيهِ               وَغَشَى يَثْرِبَ المُصَابُ وطُوسا
فَأتَاهُ ابنُهُ كَرَدِّكَ للِطَّرْ                      فِ عَلَى البُعْدِ ليسَ يَدْرِي العِيسا
ثمّ حيَّاهُ وهْو يُبْدِي بُكاءً                  لاثِماً فاهُ وَهْوَ يُخْفِي رَسِيسا
وقَضى نَحْبَهُ ومِلْءُ رِداهُ                  مَكْرُماتٍ تَفُوحُ عِطْراً نَفِيساً
فَتواصَتْ علَى البُكا أَرْمَلاتٌ               فيه في الدَّمْعِ كَمْ أَسَلْنَ نفُوسا
ونَعتْهُ رياسَةُ العَهْدِ لمَّ                    فارقَتْ فيهِ رَأْسَها والرّئِيسا
وبِتَزْفارِها علَى مَوْتِهِ طُو                سُ بِقَلْبِ الوُجودِ شَبَّتْ وَطِيسا
وعليه الأقلامُ عَضَّتْ ضُرُوس            حَيْثُ في فَقْدِهِ فَقَدْنَ طُروس
10


96


رثاء الحجّة الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ:

تَرى المُلوكَ سُجَّداً ببابِهِ                فالعِزُّ كُلُّ العِزِّ في أَعْتابِهِ
تَطُوفُ حَوْلَ قَبْرِهِ الأَمْلاكُ              كَأنّه المِحْوَرُ والأَفْلاكُ
تَبْكِي عَلَى مِحْنَتِهِ وَكُرْبَتِهْ              وبُعْدِهِ عَنْ دارِهِ وغُرْبَتِهْ
وَيْلٌ بَلِ الوَيْلاتُ لِلْمَأْمونِ              وَيْلٌ لِذاكَ الغادِرِ الخَؤُونِ
لَمْ يَحْفَظِ النبيَّ في سبيلِهِ              وتاهَ في الغَيِّ وفي سَبِيلِهِ
خانَ أمينَ اللهِ في أمانَتِهْ              فَهلْ تَرى أَعْظَمَ مِنْ خِيانَتِهْ؟
أَخْرَجَهُ مِنْ مَهْبِطِ التَّنْزِيلِ             إِليهِ بالخِداعِ والتَّسْوِيلِ
ولا يَحِيقُ المَكْرُ أيَّ مَكْرِ              إلَّا بأَهْلهِ كَما في الذِّكْرِ
ولَّاهُ عَهْدَهُ وجُلُّ جُهْدِهِ               في نَقْضِ عَهْدِهِ ونَكْثِ عَهْدِهِ
فَيا لَها وِلايةً مَشْؤُومهْ               كانَتْ لها نَتِيجةٌ مَسْمُومَهْ
وبانَ مِنْ مآثِرِ الإمامِ                 بأنّه أَحقُّ بالمَقامِ
فَقدْ بدَتْ في مُدَّةِ الوِلايهْ             خَوارِقٌ ليسَ لها نهايهْ
وكانَ ما يَبْدُو مِنَ الخَوارِقِ         أَمْضَى عَلَى الخَصْمِ مِنَ البَوارِقِ


97


فازْدادَ ذلِكَ الحقُودُ حَسَدَ             فإنّه نارٌ تُذِيبُ الجَسَدا
فاغْتالَهُ بالعِنَبِ المَسْمُومِ             وَيْلٌ لِذاكَ الظّالمِ الغَشُومِ
لَوْلا رِضاهُ بالقَضاءِ الجارِي         لَاسْوَدَّ وَجْهُ الدَّهْرِ بالبَوارِ
ومادَتِ الأرضُ بِلَابِثِيه               وساخَتِ الأرضُ بِمَنْ عليها
قضَى شَهِيداً صابراً محتَسِب        وهْوَ غريبٌ بَلْ غرِيبُ الغُرَبا
تَقَطَّعَتْ أمعاؤُهُ بالسُّمِ                فِداهُ نَفْسِي وأَبي وأُمِّي
بَكَتْ عليه هاطِلاتُ القُدْسِ          ناحَتْ عليه نفَحاتُ الأُنْسِ
ناحَ الأمينُ وهْوَ ذُو شُجُونِ        مِمَّا جَنَتْ بهِ يَدُ المَأْمُونِ
عليه سَيِّدُ الوَرى يَنُوحُ            حُزْناً فكيفَ لا يَنُوحُ الرُّوحُ؟
ناحَتْ عليه الأنبياءُ والرُّسُلْ       بَلِ العُقولُ والنُّفُوسُ والمُثُلْ
ناحَتْ عليه الحوُرُ في الجِنانِ      تَأَسِّياً بخِيرَةِ النِّسْوانِ
بكَى عليه ما يُرَى ولا يُرَى        والبَرُّ والبَحْرُ وأَطْباقُ الثَّرى
لقَدْ بكَى البَيْتُ ومُسْتَجارُهُ         وكيفَ لا ومِنْهُ عَزَّ جارُهُ
وقَدْ بكاهُ المَشْعَرُ الحَرامُ           والحَجَرُ الأَسْوَدُ والمَقَامَ
لِفَقْدِ عِزِّها ومَنْ حمَاه             بِعِزَّةٍ عَنْ كُلِّ ما دَهَاها
بَلْ هُوَ عِزُّ الأرضِ والسَّماءِ       والمَلأُ الأَعْلَى عَلَى سَواءِ
11


98


هوامش

1- الأربليّ: كشف الغمّة ج 3 ص 57
2- الصدوق: الأمالي ص 758, وعيون أخبار الرض عليه السلام ج 2 ص 281, وانظر: ياقوت الحمويّ: معجم البلدان ج 5 ص 50.
3- الأصفهانيّ أبو الفرج: مقاتل الطالبيّين ص 456.
4- قال أبو الفرج الأصفهانيّ: هكذا أنشدنيها عليّ بن الحسين بن عليّ بن حمزة, عن عمّه, وذكر أنّها لما شاعت غيّر أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد.
5- الأصفهانيّ أبو الفرج: مقاتل الطالبيّين ص 458, وقال في آخرها: "قال أبو الفرج: هذه القصيدة ذكر محمّد بن عليّ بن حمزة أنّها في عليّ بن موسى الرضا".
6- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 388.
7-الصدوق: عيون أخبار الرض عليه السلام ج2 ص 280
8-المصدر السابق.
9-ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 405.
10- رياض المدح والرثاء ص 429
11-الأصفهاني الشيخ محمد حسين الأنوار القدسية ص 99