المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

"ألَّلهمَّ صلِّ على محمّد بن عليّ بن موسى, عَلَمِ التُّقى, ونورِ الهدى, ومعدِنِ الوفاء, و فرعِ الأزكياء, وخليفةِ الأوصياء, وأمينِك على وحيك، ألَّلهمَّ وكما هديت به من الضَّلالة, واستنقذت به من الحَيْرة, وأرشدت به مَن اهتدى, وزكَّيت مَن تزكَّى، فصلِّ عليه أفضل ما صلَّيت على أحدٍ مِن أوليائك, إنَّك عزيز حكيم"1.


والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عترته وأهل بيته المظلومين المعصومين, الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "انظروا إلى ما سطّره التاريخ عن مجد الإمام الجواد عليه السلام وعظمته وكريم منزلته وهو في تلك السنّ"2.

حقّاً إنَّ وجود هذا الإمام العظيم، وهو الإمام التاسع من أئمَّة أهل البيت عليهم السلام, لَيُعَدُّ معجزة قائمة بحدِّ ذاته, لتتغيّر معه المعادلة القائلة: إنّ مدّعي الإمامة يحتاج إلى المعجزة لإثبات ما يدّعيه, وإذا بالإمام الجواد عليه السلام يغدو بنفسه معجزة تثبت أحقِّيَّة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وصحّة ما يقوله أتباعه بحقّ أئمَّتهم إنّهم المنصوبون من قبل الله تعالى بلا أيّ تدخُّل من البشر.

وقد واجه الإمام الجواد عليه السلام ، تحدّيات السلطة العبّاسيّة في عصره ومخالفي خطّ أهل البيت عليهم السلام ومؤمراتهم, واستطاع الإمام عليه السلام ، بعلمه الربّانيّ وشخصيَّته الفريدة أن يقوم بدوره على صعيد هداية الأمَّة وتقويم الزيغ والانحراف, فكان كما أخبر عنه والده الإمام الرضا عليه السلام: "والله لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل"3.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في سياق حديثه عن أهل البيت عليهم السلام: "بالرغم من قلّة عددهم وعدّتهم (أي أهل البيت عليهم السلام ) إلّا أنّ الروح الإلهيّة وروح الإيمان عندهم جعلتهم يغلبون جميع الظالمين في عصورهم, ويحيون الإسلام, فأصبحوا قدوة لنا جميعاً حتّى نقاوم ونصمد مقابل جميع القوى التي تحاربنا، رغم قلّة عددنا وعدّتنا وأدواتنا الحربيّة"4.

لقد ابتلي الإمام الجواد عليه السلام ، بالعديد من المحن والشدائد التي مرّت عليه منذ ولادته حتّى شهادته, وإنّ عمره الشريف الذي لم يزد على خمسةٍ وعشرينَ عاماً ليدلّنا بوضوح على حجم التحدّي الذي شكّله وجود هذا الإمام حتّى باتت السلطة الظالمة مضطرّة إلى أن تتخلّص منه سريعاً، لما يسبِّبه بقاؤه من خطرٍ داهمٍ ومحدقٍ يتحدّى عروش الطغاة، ويهدّد كياناتهم الغاصبة, فقضى شهيداً غريباً مسموماً مظلوماً. وعن الرضا عليه السلام ، أنّه قال في حقّ ولده الجواد عليه السلام: "بأبي وأمّي شهيدٌ5, يُقتل غصباً, فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله تعالى على عدوّه وظالمه، فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجِّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد"6..

ورحم الله الأديب الشيخ محمّد رضا المظفَّر إذ يقول:
يَاْ أَبَاْ جَعْفَرٍ وَمَاْ أَنْتَ إِلّا الْـ              ـبَحْرُ جُوْداً لَهُ الْهُدَى مِرْسَاْةُ
كَيْفَ تَقْضِي سَمّاً غَرِيْباً وَبِاسْمِ            اللهِ تَجْرِي وَلِاسْمِكَ الْحَاْدِثَاْتُ
أَنْتَ أَدْرَىِ بِمَاْ أَتَتْ فِيْهِ أُمُّ                الْفَضْلِ لَكِنْ شَاْءَتْ لَكَ النَّاْزِلَاْتُ7

هذا الكتاب:
وإنّ من حقّ هذا الإمام علينا -ونحن من محبّيه وأتباعه- أن نستذكر أحواله وتاريخه وما جرى عليه, ونذكّر الناس بذلك, إحياءً لأمره, وإظهاراً لفضله, علّنا نكون بذلك ممّن يحيي أمرهم، فلا يموت قلبه يوم تموت القلوب.

ولهذا قام معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب "جواد الأئمّة", ليكون واحداً من الإصدارات التي يصدرها ضمن سلسلة مجالس العترة, ليكون معيناً للإخوة القرّاء, ومساعداً لهم في المجالس التي يقيمونها في ذكرى هذا الإمام العظيم.

وقد راعى هذا الإصدار الأمور الآتية:

1- أدرجنا ثلاث قصائد من الشعر القريض, ليتسنّى للقارئ الكريم اختيار ما يشاء منها.
2- أضفنا إلى الكتاب العديد من الأبيات الشعبية الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.
3- ذكرنا موجزاً عن حياة الإمام عليه السلام, ولم نستقص كلَّ شيء عن حياته المباركة, لئلّا يخرج الكتاب عن حدّ الإيجاز, واتكالاً منّا على جدارة الإخوة القرّاء، من جهة أخرى.
4- قمنا بتخريج المصادر والمراجع لكلّ ما ورد في المتن, لتسهيل الرجوع إليها لمن أحبّ.

وفي الختام, كلنا رجاء أن يلقى هذا الكتاب القبول والرضا من إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه, وأن يزوّدنا الإخوة القرّاء بإرشاداتهم وملاحظاتهم المهمَّةَ والبنّاءة لنصل إلى المستوى اللائق والمقبول..

هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع, وأن يرزقنا شفاعة مولانا الإمام محمّد الجواد، عليه السلام, إنّه سميع مجيب.


معهد سيّد الشهداء، عليه السلام ، للمنبر الحسينيّ

هوامش
1 - الطوسيّ: مصباح المتهجِّد ص 404.
2 - جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة, الكلمات القصار لآية الله العظمى السيّد عليّ الحسينيّ الخامنئيّ دام ظلّه, ص 87.
3 - الكليني: الكافي ج 1 ص 320.
4 - جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة, الكلمات القصار للإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدّس سرّه, ص 51.
5 - المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 217.
6 - المجلسيّ: بحار الأنوار ج 50 ص 15, عن عيون المعجزات.
7 - الحسينيّ: السيّد عدنان: الإمام محمّد الجواد عليه السلام ، سيرة وتاريخ، ص 145، عن شعراء الغريّ، ج 8، ص 474.