تمهيد
تعتبر الإمامة في الفكر
الشيعيّ الإماميّ منصباً
من المناصب الإلهيّة التي
يمنحها الله تعالى لأشخاص
معيّنين ومحدّدين وضمن
مواصفات خاصّة.
وعلى أساس هذه النظرة
قامت فكرة النصّ على
الإمام عند الشيعة, والتي
تعني أنّ تحديد هذا
المنصب يتمّ عن طريق
الوحي الإلهيّ النازل على
قلب النبيّ الأعظم صلى
الله عليه وآله حصراً,
وبدون أيّ تدخّل بشريّ,
فله تعالى أن يختار من
عباده من يشاء ويصطفي من
بينهم من يحبّ, فهو
سبحانه أعلم بمصالح عباده
وأخبر بأحوالهم وما
يحتاجون إليه, ﴿اللّهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ﴾1,
وليس للعبد إلّا أن يذعن
ويعترف ويطيع ويسلّم..
وقد كان هذا الأمر معقوداً
في نواصي الشيعة بدءاً من
زمان أمير المؤمنين عليه
السلام ، حتّى آخر
الأئمّة عليهم السلام,
يعرفون بالقول به
ويمتازون به من غيرهم,
وقد ملئت به رواياتهم
وأحاديثهم وكتبهم, وعلى
هذا جرت سيرتهم وكان
ديدنهم.
فعن عمرو بن الأشعث قال:
سمعت أبا عبد الله، عليه
السلام يقول: "أترون
الموصي منّا يوصي إلى من
يريد؟! لا والله, ولكن
عهد من
الله ورسوله صلى
الله عليه وآله وسلم لرجل
فرجل حتّى ينتهي الأمر
إلى صاحبه"2.
وعن معاوية بن عمّار، عن
أبي عبد الله، عليه
السلام ، قال: "إنّ
الإمامة عهد من الله عزّ
وجلّ معهود لرجال مسمّين،
ليس للإمام أن يزويها عن
الذي يكون من بعده.."3.
وحيث كانت الإمامة منصباً
وعهداً إلهيّاً منصوصاً
عليه من الله تعالى,
فلربّما تفرّدت بأمر لم
يعهده البشر فيما بينهم,
كما أوضح القرآن الكريم
ذلك في حقّ النبوّة التي
هي منصب وعهد إلهيّ, فقد
نصّ تعالى في كتابه
الكريم أنّه أعطاها
لشرائح مختلفة من حيث
العمر والسنّ, فقال تعالى
في حقّ عيسى عليه السلام:
﴿قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ
آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾4,
وقال في حقّ يحيى، عليه
السلام: ﴿وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾5,
وقال في حقّ يوسف، عليه
السلام: ﴿وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ
آتَيْنَاهُ حُكْمًا
وَعِلْمًا﴾6،
وقال تعالى: ﴿حَتَّى
إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ
سَنَةً قَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ
وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي
فِي ذُرِّيَّتِي﴾7,
وقد تكرّرت هذه الصورة
القرآنيّة أيضاً مع أئمّة
أهل البيت عليهم السلام ،
فكانت ظاهرة الإمامة
المبكّرة التي تولّى فيها
بعض الأئمّة من أهل البيت
عليهم السلام ، منصب
الإمامة وتصدّوا لها وهم
في سنّ مبكّرة, لم تتجاوز
العشر
السنين,
وهو عمر صغير بالنسبة إلى
ما ألفته الأمّة من أعمار
حكامها بل والغالب من
حياة الأنبياء والأئمّة
عليهم السلام, ممّا
استدعى أن يقع هذا الأمر
موضعاً للتساؤل
والاستفهام والحاجة إلى
الإجابة الموضوعيّة.
وعمدة الشبهة والتساؤل
المطروح هو: كيف يكون
الإمام والحجّة لله على
خلقه صبيّاً صغيراً؟!
الإمامة المبكرة في
روايات الأئمّة عليهم
السلام:
وقد تصدّت الروايات
الواردة عن أئمّة أهل
البيت عليهم السلام
للإجابة عن هذا الأمر ضمن
المفهوم القرآنيّ الذي
تقدّمت الإشارة إليه:
فعن صفوان بن يحيى قال:
قلت للرضا عليه السلام:
قد كنّا نسألك قبل أن يهب
الله لك أبا جعفر عليه
السلام ، فكنت تقول: "يهب
الله لي غلاماً"، فقد
وهبه الله لك، فأقرّ
عيوننا، فلا أرانا الله
يومك فإن كان كون فإلى من؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر
عليه السلام ، وهو قائم
بين يديه، فقلت: جُعلت
فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟!
فقال: "وما يضرّه من
ذلك؟ فقد قام عيسى عليه
السلام ، بالحجّة وهو ابن
ثلاث سنين"8.
وعن الخيرانيّ، عن أبيه
قال: كنت واقفاً بين يدي
أبي الحسن عليه السلام ،
بخراسان فقال له قائل: يا
سيّدي، إن كان كون فإلى
من؟ قال: "إلى أبي
جعفر ابني"، فكأنّ
القائل استصغر سنّ أبي
جعفر عليه السلام ، فقال
أبو الحسن عليه السلام:
"إنّ الله تبارك
وتعالى، بعث عيسى ابن
مريم رسولاً نبيّاً، صاحب
شريعة مبتدأة في أصغر من
السنّ الذي فيه أبو جعفر
عليه السلام "9.
وعن عليّ بن أسباط قال:
خرج عليه السلام عليّ
فنظرت إلى رأسه ورجليه
لأصف قامته لأصحابنا بمصر,
فبينا أنا كذلك حتّى قعد
وقال: "يا عليّ إنّ
الله احتجّ في الإمامة
بمثل ما احتجّ في النبوّة،
فقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا
﴾10قال:
﴿وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾11,﴿وَبَلَغَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾12,
فقد يجوز أن يؤتى الحكم (الحكمة)
صبيّاً ويجوز أن يعطاها
وهو ابن أربعين سنة"13.
وعن عليّ بن أسباط قال:
خرج عليّ أبو جعفر عليه
السلام ، حدثان14موت
أبيه, فنظرت إلى قدّه
لأصف قامته لأصحابي، فقعد
ثمّ قال: "يا عليّ، إنّ
الله احتجّ في الإمامة
بمثل ما احتجّ به في
النبوّة فقال:
﴿وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا
﴾"15.
وعن بعضهم، عن أبي جعفر
الثاني عليه السلام قال:
قلت له: إنّهم يقولون في
حداثة سنّك، فقال: "إنّ
الله تعالى أوحى إلى داود
أن يستخلف سليمان وهو صبيّ
يرعى الغنم، فأنكر ذلك
عبّاد بني إسرائيل
وعلماؤهم، فأوحى الله إلى
داود عليه السلام ، أن خذ
عصا المتكلّمين وعصا
سليمان واجعلها في بيت
واختم عليها بخواتيم
القوم فإذا كان من الغد،
فمن كانت عصاه قد أورقت
وأثمرت فهو الخليفة،
فأخبرهم داود، فقالوا: قد
رضينا وسلّمنا"16.
وعن عليّ بن إبراهيم، عن
أبيه قال: قال عليّ بن
حسّان لأبي جعفر عليه
السلام: يا سيّدي، إنّ
الناس ينكرون عليك حداثة
سنّك، فقال: "وما
ينكرون من ذلك قول الله
عزّ وجلّ؟ لقد قال الله
عزّ وجلّ لنبيّه صلى الله
عليه وآله وسلم:
﴿قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ
اتَّبَعَنِي﴾17,
فوالله ما تبعه إلّا عليّ
عليه السلام وله تسع سنين،
وأنا بن تسع سنين"18.
وقد أجاب علماؤنا الأبرار
بمثل ما ورد في هذه
الروايات من أدلّة وحجج,
فعن الشيخ المفيد رحمه
الله أنّه قال: على أن ما
اشتبه عليهم من جهة سنّ
أبي جعفر عليه السلام ،
فإنه بيِّن الفساد، وذلك
أنّ كمال العقل لا يستنكر
لحجج الله تعالى مع صغر
السنّ قال الله سبحانه:
﴿قَالُوا
كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن
كَانَ فِي الْمَهْدِ
صَبِيًّا
* قَالَ إِنِّي عَبْدُ
اللَّهِ آتَانِيَ
الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي
نَبِيًّا﴾فخبَّر
عن المسيح عليه السلام ،
بالكلام في المهد، وقال
في قصّة يحيى عليه السلام:
﴿وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا
﴾.
وقد أجمع جمهور الشيعة مع
سائر من خالفهم على أنّ
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم دعا عليّاً
عليه السلام وهو صغير
السنّ ولم يدع الصبيان
غيره، وبَاهَل بالحسن
والحسين عليه السلام ،
وهما طفلان، ولم يُرَ
مُبَاْهِلٌ قبله ولا بعده
بَاهَل بالأطفال، وإذا
كان الأمر على ما ذكرناه
من تخصيص الله تعالى حججه
على ما شرحناه، بطل ما
تعلّق به هؤلاء القوم"19.
افتراضات لتفسير هذه
الظاهرة:
يرى الإمام الشهيد السيّد
محمّد باقر الصدر
قدس
سره, أنّ الله
سبحانه وتعالى قدّر أن
يكون نفس وجود هذا الإمام
على خطّ حياة أهل البيت
عليهم السلام دليلاً
وبرهاناً على صحّة
العقيدة التي نؤمن بها
نحن بالنسبة إلى أهل
البيت عليهم الصلاة
والسلام؛ لأنّ الظاهرة
التي وجدت مع هذا الإمام
هي ظاهرة تولّي الشخص
للإمامة وهو بعد في سنّ
الطفولة, ومعنى هذا أنّه
تولّى زعامة الطائفة
الشيعيّة روحيّاً ودينيّاً
وعلميّاً وفكريّاً وهو لا
يزيد عن عشر سنوات.
وهذه الظاهرة التي ظهرت
لأوّل مرّة في حياة
الأئمّة في الإمام الجواد،
عليه الصلاة والسلام, لو
درسناها، بحساب
الاحتمالات، لوجدنا أنّها
وحدها كافية للاقتناع
بحقّانية هذا الخطّ الذي
كان يمثّله الإمام الجواد،
عليه الصلاة والسلام, إذ
كيف يمكن أن نفترض فرضاً
آخرَ غير فرض الإمامة
الواقعيّة في شخصٍ لا
يزيد عمره على عشر سنين20,
ويتولّى زعامة هذه
الطائفة في كلّ المجالات
الروحيّة والفكريّة
والفقهيّة والدينيّة؟
والافتراضات القائمة
لتفسير هذه الظاهرة هي
على الشكل الآتي:
1- الافتراض الأوّل:
أنّ الإمام الجواد عليه
السلام ، لم يكن مكشوفاً
أمام المسلمين وأمام
طائفته بالخصوص.
وهذا الافتراض لا مجال له,
وهو خلاف طبيعة العلاقة
التي أُنشئت منذ البداية
بين أئمّة أهل البيت
عليهم السلام ، وقواعدهم
الشعبيّة في المسلمين,
وذلك:
لأنّ زعامة الإمام في أهل
البيت عليهم السلام ، لم
تكن زعامة محوطة بالشرطة
والجيش وأُبّهة الملك
والسلطان الذي يحجب بين
الزعيم ورعيّته, ولم تكن
زعامة دعوة سرِّيَّة من
قبيل الدعوات الصوفيّة أو
الفاطميّة التي تحجب بين
رأس الدعوة وبين قواعد
هذه الدعوة، لكي يُفترض
أنّ هذا الرأس كان محجوباً
عن رعيّته مع إيمان
الرعيّة به.
بل إمام أهل البيت عليهم
السلام ، كان مكشوفاً
أمام الطائفة, وكانت
الطائفة بكلّ طبقاتها
تتفاعل معه مباشرة في
مسائلها الدينيّة, وفي
قضاياها الروحيّة
والأخلاقيّة, والإمام
الجواد، عليه الصلاة
والسلام، نفسه أصرّ على
المأمون حينما استقدمه
إلى بغداد في أن يسمح له
بالرجوع إلى المدينة,
وسمح له بذلك.
إذاً فقد قضى الإمام
الجواد، عليه الصلاة
والسلام، أكثر عمره، أو
كلّ عمره، وهو مكشوف أمام
المسلمين, أمام مختلف
طبقاتهم, بما فيهم الشيعة
المؤمنون بزعامته وإمامته.
أضف إلى ذلك أنّ الإمام
الجواد عليه السلام ، قد
سُلِّطت عليه أضواء خاصّة
من قِبَل الخليفة
المأمون..وقد زوّجه ابنته
أُمُّ الفضل, واستقدمه
إلى مجلسه ممتحناً له كما
في القصّة المعروفة مع
قاضيه يحيى بن أكثم, إلى
غير ذلك ممّا يدلّ على
كونه مكشوفاً أمام الجميع.
2- الافتراض الثاني:
أنّ المستوى العلميّ
والفكريّ والعقليّ
والروحيّ للطائفة وقتئذٍ،
كان يَعْبُر عليه هذا
الموضوع بحيث تصدّق
الطائفة بإمامة طفل وهو
ليس بإمام.
وهذا الافتراض ممّا
يكذِّبه الواقع التاريخيّ
لهذه الطائفة، وما وصلت
إليه من مستوى علميّ
وفقهيّ, فإنّ هذه الطائفة
قد خلّفها الإمام الباقر
والإمام الصادق عليه
السلام, وفيها أكبر وأضخم
مدرسة للفكر الإسلاميّ في
العالم الإسلاميّ على
الإطلاق, وكانت موزّعة في
حواضر العالم الإسلاميّ,
فكان بعض قطّاعاتها في
الكوفة, وبعض قطّاعاتها
في قُمّ, وبعض قطّاعاتها
في المدينة, وتتكوَّن من
الجيلين المتعاقبين: جيل
تلامذة الإمام الباقر
والإمام الصادق عليه
السلام ، وجيل تلامذة
الإمام الكاظم والإمام
الرضا عليه السلام, هذان
الجيلان كانا على رأس هذه
الطائفة في ميادين الفقه
والتفسير والكلام والحديث
والأخلاق, وكل جوانب
المعرفة الإسلاميّة,
وكانت على صلة مباشرة
بالإمام الجواد عليه
السلام, تستفتيه وتسأله,
وتنقل إليه الأموال من
مختلف الأطراف من شيعته..
إنّ مثل هذا المستوى
الفكريّ والعلميّ لهذه
الطائفة التي كانت قبلة
الفكر الإسلاميّ في كلّ
ميادين المعرفة, لا يمكن
أن يعبُر عليه مثل هذا
التصوُّر, وتتصوّر أنّ
شخصاً طفلاً هو إمام وهو
ليس بإمام, فإن أمكن لشخصٍ
أن يتصوّر أنّ رجلاً
عالماً كبيراً محيطاً
مطّلعاً بلغ الخمسين أو
الستّين يستطيع أن يقنع
مجموعةً من الناس بإمامته
وهو ليس بإمام, لأنه
يتّصف بدرجة كبيرة من
العلم والمعرفة والذكاء
والاطلاع,
فليس بالإمكان أن نفترض
ذلك في شخصٍ لم يبلغ
العاشرة من عمره, وهو
مكشوف أمامهم.
3- الافتراض الثالث:
أنّ الطائفة لم يكن واضحاً
عندها مفهوم الإمام
والإمامة, فلم تكن تعرف
ما هو الإمام، وما هي
قيمة الإمام، وما هي شروط
الإمام، وكانت تتصوّر أنّ
الإمامة مجرّد تسلسل نسبيّ
ووراثيّ.
وهذا الافتراض يكذّبه
أيضاً واقع التراث
المتواتر والمستفيض من
عهد أمير المؤمنين إلى
عهد الإمام الرضا عليه
السلام ، عن ماهيّة
الإمام وشروطه وعلاماته.
فالتشيّع قام بصورة
أساسيّة على المفهوم
الإلهيّ المعمّق للإمامة,
وكون الإمام إنساناً فذّاً
فريداً في معارفه وأخلاقه
وقوله وعمله, وهو أوضح
وأبده وأوّل مفهوم من
مفاهيم التشيّع, الذي
بشّرت به النصوص الكثيرة
الواردة عنهم عليهم
السلام, بحيث أصبحت
بالتدريج كلّ الخصوصيّات
وكلّ التفاصيل واضحةً في
ارتكاز الطائفة وذهنيّتها
حتّى بعض التفاصيل
الثانويّة, ونجد شواهد في
الروايات على ذلك, من
قبيل نفي إمامة العديد من
إخوة الأئمّة ممّن ادّعي
له الإمامة, بما كان
واضحاً ومحدّداً عند
الكثير من أبناء الطائفة,
من أنّ الإمامة لا تكون
في أخوين بعد الحسن
والحسين عليه السلام
21.
4- الافتراض الرابع:
أن يكون هذا الأمر تبانياً
على الزور والباطل من قبل
هذه الطائفة.
وهذا الافتراض أيضاً لا
يكذّبه إيماننا الشخصيّ
فقط بورع هذه
الطائفة
وقدسيّتها, بل يكذّبه،
إضافةً إلى ذلك، الظروف
الموضوعيّة التي عاشتها
هذه الطائفة, فلم يكن
التشيّع، في يومٍ من
الأيّام، في حياة هذه
الطائفة، طريقاً إلى
الأمجاد, أو المال, أو
الجاه, أو السلطان, أو
المقامات العالية..حتّى
يكون هذا التباني من
قبلهم في سبيل مطمعٍ, بل
كان طيلة التاريخ طريقاً
إلى التعذيب والسجون
والحرمان والويل والدمار,
وأن يعيش الإنسان حياة
الخوف والتقيّة في كلّ
حركاته وسكناته.
لماذا يتبانى عقلاء هذه
الطائفة ووجهاؤها
وعلماؤها على إمامةٍ
باطلةٍ- حسب الفرض- مع أنّ
تبانيهم على هذه الإمامة
الباطلة يكلّفهم كثيراً
من ألوان العذاب والحرمان؟
ولو أنّ هؤلاء الوجهاء
والعلماء والأعلام تركوا
هذه الطريقة واتّبعوا
الطريق الرسميّ المتّبع
من قبل سائر المسلمين،
لكانوا في طليعة سائر
المسلمين! فهذا ممّا يشهد
على أنّ هذا الاعتقاد لا
يمكن أن يكون ناشئاً إلّا
عن اعتقادٍ حقٍّ بهذه
الإمامة.
5- الافتراض الأخير:
وهو الفرض الباقي الوحيد
المطابق للواقع, وهو أن
يكون الإمام الجواد إماماً
حقّاً, بعد أن كانت كلّ
الافتراضات السابقة
الأخرى غير مقبولة عند أيّ
إنسانٍ يطّلع على تاريخ
الطائفة, وتاريخ الإسلام
وقتئذٍ, وعلى الظروف
الموضوعيّة التي تكتنف
إمامة الإمام الجواد عليه
السلام
22.
|