قال: فأمر يوم الرابع
فلاناً من كتاب وزرائه
بأن يدعوه إلى منزله
فدعاه فأبى أن يجيبه،
وقال: "قد علمت أنّي
لا أحضر مجالسكم"،
فقال: إنّي إنّما أدعوك
إلى الطعام وأحبّ أن تطأ
ثيابي وتدخل منزلي
فأتبرَّك بذلك، وقد أحبَّ
فلان بن فلان من وزراء
الخليفة لقاءك فصار إليه،
فلَمّا أطعم منها أحسّ
السمَّ، فدعا بدابّته،
فسأله ربُّ المنزل أن
يقيم، قال: "خروجي من
دارك خير لك"، فلم
يزل يومه ذلك وليله في
خِلفة حتّى قُبض عليه
السلام
1.
وبعد أن أدرك المعتصم
فشله في التزوير والخداع
والتآمر على الإمام, عليه
السلام, فقد رأى أن
يتخلّص منه بنفس الطريقة
الخبيثة التي انتهجها
أسلافه الجبّارون مع آباء
الإمام عليه السلام
وأجداده, ألا وهي دسُّ
السمِّ إليه خفيةً, حيث
إنّها الطريقة الوحيدة
القابلة للاعتماد بدون
تعريضهم للخطر, وكانت
الوسيلة والأداة هي بعض
وزرائه كما تقدّم في
الرواية السابقة, أو أمّ
الفضل ابنة المأمون زوجته
والرقيب عليه من قبلهم
على روايات أُخَر2.
وكان الإمام الجواد عليه
السلام يعلم بدنوّ أجله،
وقد أخبر بعض أصحابه بذلك,
فعن ابن بزيع العطّار قال:
قال أبو جعفر عليه السلام:
"الفرج بعد
المأمون
بثلاثين شهراً", قال:
فنظرنا فمات بعد ثلاثين
شهراً3.
وعن أبي طالب القمّيّ،
قال: كتبت إلى أبي جعفر
بن الرضا عليه السلام:
فأْذَنْ لي أن أرثي أبا
الحسن- أعني أباه-، قال:
فكتب إليَّ: "اندبني
واندب أبي"4.
كما أنّه كتب يخبر بعض
الشيعة بذلك, فعن محمّد
بن الفرج: كتب إليَّ أبو
جعفر عليه السلام: "احملوا
إليَّ الخمس فإنِّي لست
آخذه منكم سوى عامي هذا،
فقُبض في تلك السنة"5.
وهكذا جعل المعتصم يعمل
الحيلة في قتل أبي جعفر
عليه السلام ، وأشار إلى
ابنة المأمون زوجته بأن
تسمّه لأنّه وقف على
انحرافها عن أبي جعفر
وشدّة غيرتها عليه
لتفضيله أمّ أبي الحسن
ابنه عليها, ولأنّه لم
يرزق منها ولداً, فأجابته
إلى ذلك وجعلت سمّاً في
عنب رازقيّ ووضعته بين
يديه عليه السلام, فلمّا
أكل منه ندمت وجعلت تبكي،
فقال عليه السلام: "ما
بكاؤك؟! والله ليضربنّك
الله بفقرٍ لا ينجبر,
وبلاءٍ لا ينستر",
فماتت بعلة في أغمض
المواضع من جوارحها, صارت
ناصوراً6فأنفقت
مالها وجميع ملكها على
تلك العلّة حتّى احتاجت
إلى الاسترفاد7.
ويقال: إنّها سمّته
بمنديل يمسح به عند
الملامسة، فلمّا أحسّ
بذلك قال لها: "أبلاك
الله بداء لا دواء له".
فوقعت الآكلة.. (فيها)،
فكانت
تنكشف للطبيب، ينظرون
إليها، ويشيرون عليها
بالدواء، فلا ينفع ذلك
شيئاً، حتّى ماتت في
علّتها8.
ولمّا حضرته الوفاة نصّ
على أبي الحسن عليه
السلام ، وأوصى إليه,
وكان سلّم المواريث
والسلاح إليه بالمدينة9.
وعن ابن مسافر، عن أبي
جعفر الثاني عليه السلام
، أنّه قال- في العشيّة
التي توفّي في ليلتها-:
"إنّي ميِّت الليلة".
ثمّ قال: "نحن معشر
إذا لم يرض الله لأحدنا
الدنيا نقلنا إليه"10.
وعندما شاهدت أثر السمِّ
في بدن الإمام تركته
وحيداً في الدار, حتّى
قضى نحبه..
وا إماماه وا جواداه وا
غريباه وامسموماه
ظل نايم طريح اشلون محتار
طول الليل وحده ايون على
الدار
بس صلّى الفجر واتقبل او
دار
راسه وسّده او مدد
الرجلين
واحتشدت الشيعة على الدار
واستخرجوا جنازته،
والسيوف على عواتقهم وقد
تعاقدوا على الموت لأنّ
المعتصم حاول أن يمنعهم
عن تشييعه11.
إجوا يمّه ابحنينا ولطم
عالراس
طلعوا بالجواد اوفزعت
الناس
لَمّن غسلوا صاحب النوماس
حفوا بالقبر كلهم محزنين
وعلم الإمام الهادي عليه
السلام - بتعليم من الله
تعالى- بوفاة أبيه، فبكى
بكاءً شديداً وسئل عن ذلك:
ما بكاؤك؟ فلم يجب,
واستأذن بالدخول إلى
منزله, ولمّا دخل ارتفع
الصياح والبكاء من منزله,
ثمّ خرج12,
فقال عليه السلام: "إنّا
لله وإنّا إليه راجعون,
مضى أبو جعفر", فقيل
له: وكيف عرفت ذلك؟ قال:
"تداخلني ذلّة لله لم
أكن أعرفها"13.
وعن الرضا عليه السلام
أنّه قال: "بأبي وأمّي
شهيد14,
يُقتل غصباً, فيبكي له
وعليه أهل السماء، ويغضب
الله تعالى على عدوّه
وظالمه، فلا يلبث إلّا
يسيراً حتّى يعجّل الله
به إلى عذابه الأليم
وعقابه الشديد"15..
مَاْ بَقَى مِثْلَ جَدِّهِ
السِّبْطِ عَاْرِي
الْجِسْمِ تَعْدُو عَلَىْ
قَرَاْهُ الْعَوَاْدِي
تَرَكُوْا جِسْمَهُ
ثَلَاْثاً وَعَلَّوْا
رَأْسَهُ فِيْ رُؤُوْسِ
سُمْرِ الصِّعَاْدِ
في زيارته عليه السلام:
عن إبراهيم بن عقبة قال:
كتبت إلى أبي الحسن
الثالث عليه السلام ،
أسأله عن زيارة أبي عبد
الله عليه السلام ،
وزيارة أبي الحسن وأبي
جعفر عليه السلام, وكتب
إليّ: "أبو عبد الله،
عليه السلام ، المقدَّم,
وهذا أجمع وأعظم أجراً"16.
في كامل الزيارات عن أبي
الحسن عليه السلام ، قال:
"تقول ببغداد: السلام
عليك يا وليّ الله،
السلام عليك يا حجّة الله،
السلام عليك يا نور الله
في ظلمات الأرض، السلام
عليك يا من بدا لله في
شأنه، أتيتك عارفاً بحقّك،
معادياً لأعدائك، فاشفع
لي عند ربّك يا مولاي".
قال: "وادع الله واسأل
حاجتك"، قال: "وسلِّم
بهذا على أبي جعفر محمّد
بن عليّ عليه السلام ".
وعنه عليه السلام: "إذا
أردت زيارة موسى بن جعفر
ومحمّد بن عليّ, فاغتسل
وتنظّف والبس ثوبيك
الطاهرين، وزر قبر أبي
الحسن موسى بن جعفر
ومحمّد بن عليّ بن موسى
الرضا, وقل حين تصير عند
قبر موسى بن جعفر عليه
السلام:
"السلام عليك يا وليّ
الله، السلام عليك يا
حجّة الله، السلام عليك
يا نور الله في ظلمات
الأرض، السلام عليك يا من
بدا لله في شأنه. أتيتك
زائراً عارفاً بحقّك،
معادياً لأعدائك، موالياً
لأوليائك، فاشفع لي عند
ربّك يا مولاي. ثمّ سَلْ
حاجتك".
"ثمّ سلِّم على أبي
جعفر محمّد الجواد عليه
السلام بهذه الأحرف،
وابدأ بالغسل وقل:
"اللَّهمَّ صلِّ على
محمّد بن عليّ، الإمام
البرّ التقيّ، الرضيّ
المرضيّ، وحجّتك على من
فوق الأرضين ومن تحت
الثرى، صلاة كثيرة تامّة
زاكية مباركة متواصلة
متواترة مترادفة، كأفضل
ما صلّيت على أحد من
أوليائك.السلام عليك يا
وليّ الله، السلام عليك
يا نور الله، السلام عليك
يا حجّة الله، السلام
عليك يا إمام المؤمنين،
السلام عليك يا خليفة
النبيّين وسلالة الوصيّين.
السلام عليك يا نور الله
في ظلمات الأرض، أتيتك
زائراً عارفاً بحقّك،
معادياً لأعدائك، موالياً
لأوليائك، فاشفع لي عند
ربّك يا مولاي". ثمّ
سل حاجتك، فإنّها تُقْضَى
إن شاء الله تعالى17.
|