المقدمة

"أللهمّ صلِّ على الأمين المؤتمن موسى بن جعفر البرّ الوفيّ الطاهر الزكيّ النور المبين المجتهد المحتسب الصابر على الأذى فيك، أللهمّ وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من أمرك ونهيك, وحمل على المحجّة وكابد أهل العزّة والشدّة فيما كان يلقى من جهّال قومه، ربِّ فصلِّ عليه أفضل وأكمل ما صلّيت على أحد ممّن أطاعك ونصح لعبادك إنّك غفور رحيم"1.
 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عترته وأهل بيته المظلومين المعصومين, الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

تمثّل حياة الإمام الكاظم عليه السلام حلقة من حلقات السلسلة الطيّبة لسيرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام التي عمل فيها الأئمّة عليهم السلام على تحقيق أهداف الإسلام المحمّدي الأصيل حسبما تهيّأ لكلّ واحد منهم من ظروف وتسنّى له من أوضاع في عصره.

وقد كان هذا الإمام العظيم- كبقيّة الصفوة من أهل بيته عليهم السلام- ممّن خصّهم الله تعالى بالمنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة, وعرفوا بالعلم والحكمة والمعرفة, وامتازوا بالفضل والكرامات والمواهب الإلهيّة والربّانيّة..

ويصف الإمام الصادق عليه السلام ولده الإمام الكاظم عليه السلام بأنّ: "..فيه العلم, والحكم, والفهم, والسخاء, والمعرفة فيما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم, وفيه حسن الخلق, وحسن الجوار, وهو باب من أبواب الله تعالى.."2.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام في حقّ ولده الكاظم عليه السلام: "..بأبي أنت وأمّي يا مودع الأسرار"3.
وقد كان عصره وحياته عليه السلام مليئة بالأحداث المهمّة والمثيرة, كما يقول الإمام الخامنئيّ قدس سره, ويضيف: "وأعتقد أنّ الجهاد والمواجهة قد بلغتا أوجهما في عهد هذا الإمام عليه السلام"4.

فلم يستسلم الإمام عليه السلام أمام الضغوط التي تعرّض لها من حكّام عصره, الذين حاولوا تحجيم دوره ونشاطه, فتابع مسيرة آبائه وأجداده عليهم السلام العلميّة والفكريّة, وقام بتربية نخبة من العلماء والفقهاء, ووقف عليه السلام- وبأسلوبه الخاصّ- في وجه طاغية زمانه, صابراً على المحن حتّى عرف بالصابر, كاظماً لغيظه حتّى عرف بالكاظم, فعمدوا إلى حبسه, مكبّلاً بحلق القيود, ملقىً في قعر السجون وظلم المطامير, غريباً عن أهله وأقاربه وأصحابه, وهو مع هذا كلّه بقي ثابتاً صامداً لا تأخذه في الله لومة لائم, حتّى أذيبت حشاشته بسمٍّ نقيعٍ دسَّ له, فمضى إلى ربّه شهيداً مسموماً غريباً..

هذا الكتاب:
وإنّ من حقّ هذا الإمام علينا ونحن من محبّيه وأتباعه أن نستذكر أحواله وتاريخه وما جرى عليه, ونذكّر الناس بذلك, إحياءً لأمره, وإظهاراً لفضله, علّنا نكون بذلك ممّن يحيي أمرهم فلا يموت قلبه يوم تموت القلوب.

ولهذا قام معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا الكتاب "كاظم الغيظ", ليكون واحداً من الإصدارات التي يصدرها ضمن سلسلة مجالس العترة, ليكون معيناً للإخوة القرّاء, ومساعداً لهم في المجالس التي يقيمونها في ذكرى هذا الإمام العظيم.

وقد راعى هذا الإصدار الأمور التالية:

أدرجنا ثلاث قصائد من الشعر القريض, ليتسنّى للقارئ الكريم اختيار ما يشاء منها.
أضفنا للكتاب العديد من الأبيات الشعبيّة الدارجة والمفهومة إلى حدٍّ ما.
ذكرنا موجزاً عن حياة الإمام عليه السلام, ولم نستقص كلّ شيء عن حياته المباركة, لئلّا يخرج الكتاب عن حدّ الإيجاز, واتكالاً منّا على جدارة الإخوة القرّاء من جهة أخرى.
قمنا بتخريج المصادر والمراجع لكلّ ما ورد في المتن, لتسهيل الرجوع إليها لمن أحبّ.

وفي الختام, كلّنا رجاء أن يلقى هذا الكتاب القبول والرضا من إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه, وأن يزوّدنا الإخوة القرّاء بإرشاداتهم وملاحظاتهم الهامّة والبنّاءة لنصل إلى المستوى اللائق والمقبول..
هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع, وأن يرزقنا شفاعة مولانا الإمام موسى الكاظم عليه السلام, إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني


9


القصيدة الأولى: للسيّد مهدي الأعرجيّ:

رَحَلُوا وَمَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدَادِي
سَارُوا وَلَكِنْ خَلَّفُونِي بَعْدَهُمْ
وَخَلَتْ مَنَازِلُهُمْ فَهَا هِيَ بَعْدَهُمْ
أَبْكِي بِهَا طَوْرَاً لِفَرْطِ صَبَابَتِي
يَا دَارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوكِ أَمَا لَهُمْ
تَبَّاً لَهُمْ مِنْ أُمّّةٍ لَمْ يَحْفَظُوا
قَدْ شَتَّتُوهُمْ بَيْنَ مَقْهُورٍ وَمَأْ
هَذَا بِسَامُرَّا وذَاكَ بِكَرْبَلَا
لَهْفِي وَهَلْ يُجْدِي أَسَىً لَهْفِي عَلَى
مَا زَالَ يُنقَلُ فِي السُّجُونِ مُعَانِياً
قَطَعَ الرَّشِيدُ عَلَيهِ فَرْضَ صَلَاتِهِ
حَتَّى إِلَيْهِ دَسَّ سُمَّاً قَاتِلاً
وَضَعُوا عَلَى جِسْرِ الرُّصَافَةِ نَعْشَهُ

إِلَّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِي وَفُؤَادِي
حَزِنَاً أَصُوبُ الدَّمْعَ صَوْبَ عِهَادِ
قَفْرَى وَمَا فِيهَا سِوَى الأَوْتَادِ
وَأَصِيحُ فِيهَا تَارَةً وَأُنَادِي
بَعْدَ التَّرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمُ مَعَادِ؟
عَهْدَ النَّبِيِّ بِآلِهِ الأَمْجَادِ
سُورٍ وَمَنْحُورٍ بِسَيْفِ عِنَادِ
وَبِطُوسَ ذَاكَ وَذَاكَ فِي بَغْدَادِ
مُوسَى بْنِ جَعْفَرَ عِلَّةِ الإِيجَادِ؟
عَضَّ القُيُودِ وَمُثْقِلَ الأَصْفَادِ
قَسْراً وَأَظْهَرَ كَامِنَ الأَحْقَادِ
فَأَصَابَ أَقْصَى مُنْيَةٍ وَمُرَادِ
وَعَلَيْهِ نَادَى بِالهَوَانِ مُنَاد
5


أبوذيّة:

كف الدهر ريته اليوم ينشال جرح قلبي ولا أظن بعد ينشال
نعش موسى على احماميل ينشال اويظل فوق الجسر ثاوي رميّة

شعبي:

يا قلب ذوب ويا دمع عيني تفجّر
ما شاف بالدنيا ولا ساعة هنيّة
بالسّجن ما يعرف نهاره من العشيّة
آمر الطاغي تشيل ابن جعفر حماميل
وعلى الجسر ذبّوه وبرجله زناجيل
شيعة عليّ الكرار فجعتهم شديده
مطروح فوق الجسر ما فكّوا حديده
للّي قضى بسجن الرّجس قلبه مفطّر
بسرداب مظلم جرع كاسات المنيّة
هضم وصبر قلبه تفطّر والصّبر مر
شالوا الجنازة ولا مشت خلفه رجاجيل
وقلوب شيعتهم عليه ابنار تسعر
من عاينوه امغلّل وبالسّاق قيده
صاحت يبو ابراهيم يومك صاير اقشر

 


  10



القصيدة الثانية: للشيخ حسن البهبهانيّ:

أَكَادُ أَشْرَقُ فِي دَمْعِي لِفَرْطِ بُكاً
وَمَا لِعَيْنِيَ لا تَبْكِي وَقَدْ نَظَرَتْ
لَهْفِي عَلَيْهِ سَجِيناً طُولَ مُدَّتِهِ
جَرُّوْهُ وَهْوَ يُصَلِّي طَوْعَ بَارِئِهِ
سَارُوا بِهِ فِي قُيُودٍ كَبَّلُوهُ بِهَا
لَهْفِي لَهُ وَهْوَ فِي قَعْرِ السُّجُونِ لَقىً
حَتَّى إِذَا جَرَّعُوهُ السُّمَّ فِي رُطَبٍ
نَاءٍ عَنِ الأَهْلِ لَمْ يَحْضُرْهُ مِنْ أَحَدٍ
لِمَنْ عَلَى الجِسْرِ نَعْشٌ لَا يُشَيِّعُهُ
لِمَنْ عَلَى الجِسْرِ نَعْشٌ مَا أُعِدَّّ لَهُ
لِمَنْ عَلَى الجِسْرِ نَعْشٌ لَا يُجَهِّزُهُ
أَلقَيْدُ فِي رِجْلِهِ وَالغُلُّ فِي يَدِهِ
كَأَنَّ عَيْنِيَ فِي التَّذْرافِ عَيْنانِ
بَابَ الحَوَائِجِ مُوْسَى فَخْرَ عَدْنانِ
مَا زَالَ يُنْقَلُ مِنْ سِجْنٍ إِلى ثَانِي
فَنَاصَبُوا اللهَ فِي كُفْرٍ وَطُغْيَانِ
وَقَدْ جَنَوْا مَا جَنَوْهُ آلُ سُفْيَانِ
وَلَيْسَ يَدْنُوهُ مِنْ أَهْلٍ وَجِيرَانِ
فَحَالَ مِنْ وَقْعِهِ المُرْدِي بِأَلْوَانِ
فِدَاهُ أَهْلُوهُ مِنْ شِيبٍ وَشُبَّانِ
مِنَ الوَرَى غَيْرُ حُرَّاسٍ وسَجَّانِ
ضَرِيحُ قَبْرٍ وَلَمْ يُدْرَجْ بِأَكْفَانِ
أَهْلُ المَوَدَّةِ مِنْ صَحْبٍ وَأَعْوَانِ
وَلِلْعَبَاءَةِ شَأْنٌ أَعْظَمُ الشَّانِ
6



أبوذيّة:

ابسجن يالكاظم العدوان سمّوك وانته قاضي الحاجات سمّوك
بالله يالتشيل النعش ساموك صدق ظل ابحديده ابن الزكيّة


شعبي:

على الكاظم ينوح او يبكي الدين
يا قلبي على الكاظم تألّم
غريب او بالحبس ويلوج بالسم
بسم ما طاح سدّو بابه اعليه
تقبل مدّد ايده او عدل رجليه
على ظهر الجسر خلّى الشفيّه
هذا نعش امام الرافضيّه
وقع بالحبس وحده او ماله امعين
يعيني اعليه سحّي الدمع دم
يتقلّب يسار او نوب ايمين
ظل وحده ولا واحد قرب ليه
قضت روحه يويلي او فرّق البين
نادى اعليه المنادي اضحويّه
تعالوا اتفرّجو فرجة مطربين

 


  15


القصيدة الثالثة: للشيخ آل راضي:

بَكَيْتُ لِعَافِي مَرْبَعٍ عَزَّ بَاكِيهِ
تَعَفَّى وَحَاشَا رَبْعَ أُنْسِيَ أَنَّهُ
وَأَنَّ زَمَانَاً قَدْ يَسُرُّكَ يَوْمُهُ
وِلَكِنَّنِي في حُبِّ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ
لِكُلِّ مُهِمٍّ في الحَوَائِجِ إِنْ يَكُنْ
أَمِثْلُ الإِمَامِ الطُّهْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ
يُطَافُ بِهِ رَحْبَ البِلادِ مُشَرَّدَاً
غَرِيباً بِلَا فَادٍ وَلَوْ يَنْفَعُ الفِدَا
فَسَلْ مَحْبِسَ السِّنْدِيِّ أَيُّ حُشَاشَةٍ
وَسَلْ جِسْرَ بَغْدَادٍ عَنِ النَّعْشِ مَنْ سَعَى
أَيَحْمِلُ حَمَّالُونَ نَعْشَ ابْنِ جَعْفَرٍ
وَلَمْ أَبْكِهِ لَكِنْ بَكَيْتُ لِأَهْلِيهِ
يُعَفَّى وَأَيْدِي النَّائِباتِ تُعَفِّيهِ
فَفِي غَدِهِ مِنْ مَطْلَعِ السُّوءِ مَا فِيهِ
تَخَلَّصْتُ مِنْ أَسْوَائِهِ وَمَسَاوِيهِ
يُرَدُّّ إِلَى بَابِ الحَوَائِجِ يَقْضِيهِ
يُشَرَّدُ عَنْ أَوْطَانِهِ وَأَهَالِيهِ
بِلَا مَلْجَأٍ إِلَّا المَجَالِسُ تَأْوِيهِ
لَرَاحَتْ نُفُوسُ العَالَمِينَ تُفَادِيهِ
أُذِيبَتْ وَذَاكَ السُمُّ مَا عُذْرُ سَاقِيهِ؟
إِلَيْهِ وَمَا نَادَى عَلَيْهِ مُنَادِيهِ؟
وَيَنْعَاهُ جَهْراً بِالمَهَانَةِ نَاعِيهِ!
7


أبوذيّة:

نشيّع موسى بن جعفر بدينه
ونشيل جنازته ونلطم بدينه
غريب اقسم وماله احّد بدينه
او نواسي جدّه حمّاي الحميّة


شعبي:

من سمعت الشيعة الصوت كبّر
صاحت آه وا موسى بن جعفر
اجت للنعش ركضة واحتفت بيه
طاحو عالنعش واتمسكو بيه
بعد ما نزّلوه ابوسط لحده
بس احسين محّد حضر عنده
طلعت فرد طلعة ابحال الكشر
هاي امصيبتك بكّت الدارين
لطم عالروس اويلي او دارت اعليه
رحت واتيتمت بعدك مساكين
دارت عالقبر تبكي اعلى فقده
ثلث تيّام ظل من غير تكفين

16


هوامش

1- الطوسيّ: مصباح المتهجّد ص 403.
2-  الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 34.
3- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 311.
4- الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليهم السلام ص 88.
5- أنظر: البلادي البحرانيّ: رياض المدح والرثاء ص 755- 756.
6- الخاقانيّ: الكوكب الدرّي من شعراء الغريّ ص 192- 193.
7-  الهاشميّ النجفيّ الخطيب عليّ بن الحسين: وفاة الإمام موسى الكاظم عليه السلام ص 97- 98.