طُوْلَ الْمَدَىْ لَا
يَنْقَضِيْ تَعْدَادِيْ
وَالدَّمْعُ فِيْ
الْخَدَّيْنِ مِنِّيْ
بَادِيْ
وَجْدِيْ يَزِيْدُ
وَمُهْجَتِيْ
مَسْعُوْرَةٌ
وَتَشُبُّ
نِيْرَانُ الْجَوَىْ
بِفُؤَادِيْ
وَاللَّيْلُ قَدْ
أَمْسَىْ مَسَاهُ
تَرَاكَمَتْ
سُحْبُ
الْهُمُوْمِ عَلَيَّ
كَالْأَطْوَادِ
وَأَنَا مِنَ الْوَجْدِ
الْمُلِحِّ مُنَغَّصٌ
أَبْكِيْ كَمَا
يَبْكِيْ الْحَمَامُ
الشَّادِي
وَمُرِيْعَةٍ هَجَمَتْ
عَلَيَّ بِلَوْمِهَا
بِاللَّوْمِ
تَلْحُوْنِيْ هُجُوْمَ
عَوَادِي
تَدْعُوْ أَلَا خَفِّضْ
عَلَيْكَ فَمَا الَّذِيْ
يَدْعُوْكَ
لِلْأَحْزَانِ
وَالْإِنْشَادِ
هَلْ أَنْتَ تَبْكِيْ
مِنْ دِيَارٍ قَدْ خَلَتْ
مِنْ أَهْلِهَا
فَتَصَرَّحَتْ
كَالْوَادِي؟
أَوْ أَنْتَ تَبْكِيْ
لِلْأَحِبَّةِ إِذْ هُمُ
شَطَّ
الْمَزَارُ بِهِمْ عَلَىْ
الْإِبْعَادِ؟
أَوْ لِلزَّمَانِ
الْحُلْوِ قَدْ
فَارَقْتَهُ
وَبِهِ نَعِمْتَ
الْعَيْشَ
بِالْأَرْغَادِ؟
أَمْ لِلشَّبَابِ وَقَدْ
تَوَلَّىْ وَانْثَنَىْ
جَيْشُ
الْمَشِيْبِ عَلَيْكَ
قَهْراً عَادِي؟
فَأَجَبْتُهَا: كَلَّا
فَمَا كُلُّ الَّذِيْ
خِلْتِيْهِ
يَحْدُوْنِيْ عَلَىْ
التَّعْدَادِ
لَكِنْ شَجَا قَلْبِيْ
وَأَجْرَىْ مَدْمَعِيْ
مَا قَدْ أُصِيْبَ
بِهِ عَلِيُّ الْهَادِي
مِنْ مِحْنَةٍ وَإِلَىْ
أَشَدَّ, حَدَا بِهِ
كَيْدُ الْعَدُوِّ
وَنِقْمَةُ الْحُسَّادِ
جَلَبُوْهُ عَنْ
أَكْنَافِ طِيْبَةَ
قَسْرَةً
فَبَقَىْ
يُعَانِيْ حَسْرَةَ
الْإِبْعَادِ
وَيُسَامُ مِنْهُمْ
بِالْهَوَانِ عَدَاوَةً
وَهْوَ التَّقِيُّ
وَقُدْوَةُ الْأَمْجَادِ1
شعبي:
غمض اعيونه ومات بديار
غريبه
والحسن هاجت حسرته
وعالي نحيبه
وسجاه بالحجره وطلع مشقوق
جيبه
وتجري ادموعه
ويصفق اشماله ابيمينه
وبيده الطاهرة غسله
والقلب صادي
وبالكفن لفه
وبالنعش خلو الهادي
وضجت اعياله بالبكا وصاح
المنادي
يالغرب قوموا
شيعوا جنازة ولينه
أبوذيّة:
إلك بيت الحزن مولاي
ينشاد
وعلى امصابك حمام
النوح ينشاد
جرحك بالقلب ما أظن ينشاد
وقطع كبدتك سم
المنية
"أللهمّ صلِّ على عليّ
بن محمّد, إمام المسلمين,
ووالِ من والاه, وعاد من
عاداه, وضاعف العذاب على
من ظلمه".
كان سبب شخوص أبي الحسن
عليه السلام إلى سُرَّ من
رأى: أنّ عبد الله بن
محمّد كان يتولّى الحرب
والصلاة في مدينة الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم
، فسعى بأبي الحسن عليه
السلام إلى المتوكّل،
وكان يقصده بالأذى، وبلغ
أبا الحسن سعايته به،
فكتب إلى المتوكّل يذكر
تحامل عبد الله بن محمّد
ويكذّبه فيما سعى به،
فتقدّم المتوكّل بإجابته
عن كتابه ودعائه فيه إلى
حضور العسكر على جميل من
الفعل والقول..
فلمّا وصل الكتاب إلى أبي
الحسن عليه السلام تجهّز
للرحيل..
وعن يحيى بن هرثمة قال:
وجّهني المتوكّل إلى
المدينة لإشخاص عليّ بن
محمّد بن عليّ بن موسى
عليه السلام لشيء بلغه
عنه، فلمّا صرت إليها ضجّ
أهلها وعجّوا ضجيجاً
وعجيجاً ما سمعت مثله,
فجعلت أسكّنهم وأحلف أنّي
لم أؤمر فيه بمكروه،
وفتّشت منزله، فلم أصب
فيه إلّا مصاحف ودعاء وما
أشبه ذلك, فأشخصته
وتولّيت خدمته، وأحسنت
عشرته.
.. وخرج معه يحيى بن
هرثمة حتّى وصل إلى سرّ
من رأى، فلمّا وصل إليها
تقدّم المتوكّل بأن يُحجب
عنه في يومه، فنزل في خان
يُعرف بخان الصعاليك..
عن صالح بن سعيد قال:
دخلت على أبي الحسن عليه
السلام فقلت: جُعلت فداك
في كلّ الأمور، أرادوا
إطفاء نورك والتقصير بك،
حتّى
أنزلوك
هذا الخان الأشنع خان
الصعاليك، فقال: ها هنا
أنت يا بن سعيد؟ ثمّ أومأ
بيده (وكشف له عن بصره)
فقال: انظر, فنظرت، فإذا
بروضات آنقات، وروضات
ناضرات، فيهنّ خيرات
عطرات، وولدان كأنّهنّ
اللؤلؤ المكنون، وأطيار،
وظباء، وأنهار تفور، فحار
بصري والتمع وحسِرَتْ
عيني، فقال: حيث كنّا
فهذا لنا عتيد، ولسنا في
خان الصعاليك!..
ثمّ تقدّم المتوكّل
بإفراد دارٍ له فانتقل
إليها..
وأقام أبو الحسن عليه
السلام بسرّ من رأى
مكرّماً في ظاهر حاله،
يجتهد المتوكّل في إيقاع
حيلة به، فلا يتمكّن من
ذلك..
ففي إحدى المرّات سُعي
إليه أنّ في منزل الإمام
الهادي عليه السلام كتباً
وسلاحاً من شيعته من أهل
قمّ، وأنّه عازم على
الوثوب بالدولة، فبعث
إليه جماعة من الأتراك،
فهجموا داره ليلاً فلم
يجدوا فيها شيئاً ووجدوه
في بيت مغلقٍ عليه، وعليه
مدرعة من صوف، وهو جالس
على الرمل والحصا وهو
متوجّه إلى الله تعالى
يتلو آيات من القرآن.
فحُمل على حاله تلك إلى
المتوكّل وقالوا له: لم
نجد في بيته شيئاً
ووجدناه يقرأ القرآن
مستقبل القبلة، وكان
المتوكّل جالساً في مجلس
الشرب، فدخل عليه والكأس
في يد المتوكّل.
فلمّا رآه هابه وعظّمه
وأجلسه إلى جانبه، وناوله
الكأس التي كانت في يده
فقال عليه السلام: والله
ما يخامر لحمي ودمي قطّ،
فاعفني فأعفاه، فقال:
أنشدني شعراً, فقال عليه
السلام: إنّي قليل
الرواية
للشعر, فقال: لا بدّ,
فأنشده عليه السلام وهو
جالس عنده:
بَاتُوْا عَلَىْ قُلَلِ
الْأَجْبَالِ
تَحْرُسُهُمْ
غُلْبُ الرِّجَالِ
فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ
الْقُلَلُ
وَاسْتُنْزِلُوْا بَعْدَ
عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ
وَأُسْكِنُوْا
حُفَراً يَا بِئْسَ مَا
نَزَلُوْا!
نَادَاهُمُ صَارِخٌ مِنْ
بَعْدِ دَفْنِهِمْ
أَيْنَ
الْأَسَاوِرُ
وَالتِّيْجَانُ
وَالْحُلَلُ؟
أَيْنَ الْوُجُوْهُ
الَّتِيْ كَانَتْ
مُنَعَّمَةً
مِنْ دُوْنِهَا
تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ
وَالْكِلَلُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ
عَنْهُمْ حِيْنَ
سَاءَلَهُمْ
تِلْكَ
الْوُجُوْهُ عَلَيْهَا
الدُّوْدُ تَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوْا
دَهْراً وَقَدْ شَرِبُوْا
وَأَصْبَحُوْا
الْيَوْمَ بَعْدَ
الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوْا
قال: فبكى المتوكّل حتّى
بلّت لحيته دموع عينيه،
وبكى الحاضرون، وقال:
فضرب المتوكّل بالكأس
الأرض وتنغّص عيشه في ذلك
اليوم.. ثمّ ردّ الإمام
عليه السلام إلى منزله
مكرّماً.
وفي بعض الروايات أنّ
المتوكّل كان يمنع الناس
من الدخول إلى عليّ بن
محمّد عليهما السلام ،
وكان الشيعة يجلسون خلف
داره ينتظرون انصرافه
لينظروا إليه ويسلّموا
عليه..
وروي: أنّه لمّا كان في
يوم الفطر- في السنة التي
قُتل فيها المتوكّل- أمر
المتوكّل بني هاشم
بالترجّل والمشي بين
يديه، وإنّما أراد بذلك
أن يترجّل أبو الحسن عليه
السلام. فترجّل بنو هاشم،
وترجّل أبو الحسن عليه
السلام , واتّكأ على رجل
من مواليه, فأقبل عليه
الهاشميّون, وقالوا: يا
سيّدنا, ما في هذا العالم
أحد يُستجاب دعاؤه
ويكفينا الله به
تَعَزُّزَ هذا؟! قال لهم
أبو الحسن عليه السلام:
في هذا العالم مَنْ
قُلامةُ ظفره أكرم على
الله من ناقة ثمود, لمّا
عُقرت الناقة صاحَ
الفصيل إلى الله تعالى،
فقال الله سبحانه: ﴿تَمَتَّعُواْ
فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ
غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾2
فقتل المتوكّل يوم
الثالث..
وبعد هلاك المتوكّل الذي
جرّع الإمام الغصص طيلة
أربعة عشر عاماً, عاش
الإمام بقيّة عمره مع
بقيّة الحكّام الظَّلَمة
الآخرين غريباً عن مدينة
جدّه, ملازماً بيته,
كاظماً غيظه, صابراً على
ما مسّه من الأذى, إلى أن
دَسَّ إليه المعتزّ (وقيل
المعتمد) السمّ, فاعتلّ
منه الإمام عليه السلام
علّة كانت فيها وفاته..
فأحضر ابنه أبا محمّد
الحسن عليه السلام ,
وأعطاه مواريث الأنبياء
والسلاح, ونصّ عليه وأوصى
إليه بمشهد ثقاتٍ من
أصحابه.
وأرسل لرجلين من أصحابه
في ليلته: أنا راحل إلى
الله في هذه الليلة,
فأقيما مكانكما حتّى
يأتيكما أمر ابني أبي
محمّد عليه السلام..
عن أبي الهاشم الجعفريّ
أنّه قال فيه وقد اعتلّ:
مَادَتِ الْأَرْضُ بِيْ
وَأَدَّتْ فُؤَادِيْ
وَاعْتَرَتْنِيْ
مَوَارِدُ الْعُرَوَاءِ
حِيْنَ قِيْلَ:
الْإِمَامُ نِضْوٌ
عَلِيْلٌ
قُلْتُ: نَفْسِيْ
فَدَتْهُ كُلَّ
الْفِدَاءِ
مَرِضَ الدِّيْنُ
لِاعْتِلَالِكَ
وَاعْتَلَّ
وَغَارَتْ لَهُ
نُجُوْمُ السَّمَاءِ
عَجَباً إِنْ مُنِيْتَ
بِالدَّاءِ وَالسُّقْمِ
وَأَنْتَ
الْإِمَامُ حَسْمُ
الدَّاءِ
إلى أن دنا أجله, وعرق
جبينه، وسكن أنينه، وفاضت
روحه الطاهرة..
رحم الله من نادى: وا
إماماه..وا غريباه.. وا
مظلوماه..
سم البقلبك يا عزيزي فت
قلبي
بعدك يوالينه عسى
ما شوف دربي
ما ينقضي نوحي على مصابك
ونحبي
تقضي بغربة وموحشة
تبقى المدينه
غمّض عيونه ومات بديار
غريبه
والحسن هاجت حسرته
وعالي نحيبه
وسجّاه بحجره وطلع مشقوق
جيبه
وتجري ادموعه
ويصفق اشماله ابيمينه
ولمّا توفّي اجتمع في
داره جملة بني هاشم من
الطالبيّين والعبّاسيّين،
واجتمع خلق كثير من
الشيعة، ثمّ فتح من مصدر
الرواق باب وخرج خادم
أسود, ثمّ خرج بعده أبو
محمّد الحسن العسكريّ
حاسراً مكشوف الرأس مشقوق
الثياب, وكان وجهه وجه
أبيه لا يخطئ منه شيئاً..
سقاه السم يويلي اومرد
كبده
اولا راقب الباري
اوهاب جدّه
ظل ابنه الحسن يبكي اعلى
فقده
شيفيد النوح لو
يجري الدمع دم
وأُخرجت الجنازة وخرج
يمشي حتّى خرج بها إلى
الشارع وكان أبو محمّد
العسكريّ قد صلّى عليه
قبل أن يخرج إلى الناس..
ثمّ دُفن في دار من دوره
وصاحت سُرَّ مَنْ رأى يوم
موته صيحة واحدة..
وَسُمع في جنازته جارية
تقول: ماذا لقينا في يوم
الاثنين قديماً وحديثاً..
أيّها الموالي, نعم يوم
الاثنين هو يوم وفاة رسول
الله صلى الله عليه وآله
وسلم على بعض الروايات,
وقد حلّت بأهل البيت
بوفاته ورحيله أعظم
المصائب, وصاروا يذكرونه
في مناسبات مختلفة, ولذا
يروي السيّد ابن طاووس
أنّهم لمّا مرّوا ببنات
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم على مصرع
الحسين عليه السلام ,
ونظرت النسوة إليه صحن
وضربن وجوههن, وأخذت زينب
عليها السلام تندب أخاها
الحسين عليه السلام بصوت
حزين وقلب كئيب: وفي بعض
الروايات أنّها قالت: يا
محمّداه, بناتك سبايا،
وذرّيتك مقتّلة، تسفي
عليهم ريح الصبا، وهذا
حسين مجزوز الرأس من
القفا، مسلوب العمامة
والرداء، بأبي مَنْ
عسكرُه في يوم الاثنين
نهبٌ، بأبي من فسطاطه
مقطّع العرى، بأبي من لا
هو غائب فيُرتجى، ولا
جريح فيداوى، بأبي من
نفسي له الفداء، بأبي
المهموم حتّى قضى، بأبي
العطشان حتّى مضى، بأبي
من شيبته تقطر بالدماء..
يجدي مات محّد وقف دونه
ولا نغَّار غمضله
اعيونه
يعالج بالشمس منخطف لونه
ولا واحد بحلقه
ماي قطّر
يَا لَيْتَ فِيْ
الْأَحْيَاءِ شَخْصَكَ
حَاضِرٌ
وَحُسَيْنُ
مَطْرُوْحٌ بِعَرْصَةِ
كَرْبَلَا
عَرْيَانُ يَكْسُوْهُ
الصَّعِيْدُ مَلَابِساً
أَفْدِيْهِ
مَسْلُوْبَ اللِّبَاسِ
مُسَرْبَلَا
* * *
|