برّ الوالدين
صلّى الله عليك يا مولاي
وابن مولاي يا أبا عبد
الله، يا غريب كربلاء
وسليب العمامة والرداء،
يا من دمه غسله والتراب
كافور، يا ليتنا كنّا
معكم سيّدي فنفوز فوزاً
عظيماً.
القصيدة:
لم أنسَهُ والسِبط ُجَاثٍ
حَولَهُ
يدعو بِدَمعٍ هَاطِلٍ
مِدرارِ
يا كَوكَباً ما كانَ أقصرَ
عُمرُهُ
وكذا تكونُ كواكبُ
الأسحارِ
وهلالُ أيامٍ مَضَت لَم
يستَدِر
بَدراً ولَم يُهملْ لِوقتِ
سرارِ
عَجَّلَ الخُسوفُ عَليهِ
قبلَ أوَانِهِ
فَطَوَاهُ قَبلَ مَظنَّةِ
الأبدارِ
فَكأنَّ قَلبِي قَبرُهُ
وكأنَّهُ
في طيِّهِ سِرٌ مِن
الأسرارِ
جاورتُ أعدائِي وجاوَرَ
ربَّهُ
شتَّانَ بَينَ جِوارِهِِ
وجِوَارِِ
قال تعالى:
﴿
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ
تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ
تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ
وَلاَ تَنْهَرْهُمَا
وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيمًا
*
وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
1.
عن النبي الأكرم صلى الله
عليه وآله وسلم: "نظر
الولد إلى والديه حبّاً
لهما عبادة".
إعلم أخي الحبيب أنّنا
لمّا نطيع أهلنا فإنّ ذلك
رضاً لله عزّ وجلّ لأنّ
رضا الله من رضا الوالدين،
فلو طلب منك أحد والديك
أو كلاهما طلباً تقدر
عليه ولا يخالف أمر الله
فمن باب برّهما يجب عليك
أن تمتثل لأمر الله
بإطاعتهما.
واعلم أنّ أمّك حملتك حيث
لا يحمل أحد أحداً،
وغذّتك من دمها، وسهِرَت
لتنام أنت، ومرِضَت لتشفى
أنت.
واعلم أنّ أباك هو أصلك
ومنه أتيت، وهو الذي يعمل
ليل نهار ليؤمّن لك
حاجاتك من علم وطعام
ولباس وأمثالها، وبالتالي
ألا يكفي هذا لنطيع أهلنا
ونرضي الله بذلك؟!.
عقوق الوالدين:
وفي قبال البرّ بهما هناك
العقوق، قال تعالى:
﴿فَلاَ
تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ
وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا وَقُل
لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيمًاً﴾.
وقد فسّر الإمام الصادق
عليه السلام أدنى العقوق
قائلاً: "أدنى العقوق
أفٍ، ولو علم الله عزّ
وجلّ شيئاً أهون منه لنهى
عنه". وعن الإمام الرضا
عليه السلام: "حرّم الله
عقوق الوالدين لما فيه من
الخروج عن التوفيق لطاعة
الله عزّ وجلّ".
نموذج عن برّ الوالدين:
علي الأكبر.
إنّ علي الأكبر ذلك الفتى
الحيدريّ الحسينيّ الشجاع
الذي عانى مع أبيه الإمام
الحسين عليه السلام
مرارات كربلاء وآلامها،
لكنّه لم يأبه سواء وقع
على الموت أم وقع عليه،
طالما أنّه مع الحقّ فلا
يبالي.
نعم علي الأكبر كان في
كربلاء بارّاً لوالده،
فقد رأى أنّ جيش بن زياد
يعتدي على أهل بيت
النبوّة، ويحاصر معسكرهم
ويمنع عنهم الماء ويضيّق
عليهم، فانتفض يريد
الدفاع عن أبيه وإخوته
وأهل بيته.
النعي:
لمّا استشهد الأصحاب نظر
عليّ الأكبر فوجد القوم
يستعدّون لقتل أبيه، فما
كان منه إلّا أن جهّز
نفسه لخوض المعركة، فحمل
سيفه وتقدّم إلى أبيه
الحسين عليه السلام
يستأذنه، وكان أوّل من
تقدّم من بني هاشم.
وقف بين يدي الإمام عليه
السلام طالباً منه الإذن
في قتال أعداء الدين.
لمّا نظر إليه الحسين
عليه السلام بكى، وسالت
دموعه على خدّيه، ثمّ رفع
بصره إلى السماء وقال:
"اللهم اشهد على هؤلاء
القوم فقد برز إليهم غلام
أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً
ومنطقاً برسولك محمّد صلى
الله عليه وآله وسلم ".
ثمّ أذن له. فتوجّه عليّ
الأكبر نحو الميدان وهو
يحمل عليهم بسيفه وينادي:
أنا عليُ ابنُ الحُسينِ
ابنِ علي
نحنُ وبيتِ اللهِ أولى
بالنَبي
تاللهِ لا يَحكُمُ فِينا
ابنُ الدَعي
أضرِبُكُم بالسيفِ أحمِي
عَن أبي
ضَربَ غُلامٍ هَاشِميٍّ
عَلَوي
راح يقاتلهم قتال الأبطال
حتى أنهكته كثرة الجراح
وشدّة العطش، فعاد إلى
أبيه الحسين عليه السلام،
فوقف بين يديه وقال: "أبه،
العطش قد قتلني وثقل
الحديد قد أجهدني، فهل لي
بشربة ماء أتقوّى بها على
العداء؟".
سيّدي يا أبا عبد الله من
أين تأتي له بالماء؟
فأجابه الإمام عليه
السلام: "بني علي عد
إلى الميدان، ما أسرع
الملتقى بجدّك رسول الله
يسقيك شربة لا تظمأ بعدها
أبداً". فعاد إلى
الميدان، وراح يقاتل قتال
الشجعان الأبطال، وإذا
بلعين يضربه بالسيف على
رأسه الشريف فيرديه، فرفع
الأكبر صوته منادياً:
"أبه يا حسين، عليك مني
السلام، هذا جدّي رسول
الله، قد سقاني بكأسه
شربة لا أظمأ بعدها أبداً".
أقبل الحسين عليه السلام
نحوه مسرعاً، جلس عند
رأسه، وضعه في حجره، وراح
ينادي: "بني علي على
الدنيا بعدك العفا".
كَأنِّي بِالحُسينِ
غَداً يُنادِي
عَلينَا يَا لَيالِي
الوَصلِ عُودِي
رَجَوتُكَ يا عليُ تَعيشُ
بَعدِي
وَتُوَسِّد جُثَّتي رَمْسَ
اللحودِ
إنّا لله وإنّا إليه
راجعون
وسيعلم الذين ظلموا آل
محمّد أيّ منقلب ينقلبون
والعاقبة للمتّقين.
|