المولد والنشأة
وُلد الشيخ حسين معتوق
قدس سره في بلدة
العباسيّة، من قرى جبل
عامل في قضاء صور، عام
1330هـ الموافق لعام
1912م، وقد نشأ يتيماً في
عائلة فقيرة تعتمد
الزراعة مصدراً لمعاشها،
إذ توفّي والده يوسف
مصطفى معتوق قبل أن يبصر
النور، ومن هنا نعلم أنّه
قد بدأ مسيرة الحياة
عصاميّاً، إذ لم يقف
وراءه سوى أمٍّ طاهرة
مثاليّة كانت تكابد الجهد
والمشقّات لكي تؤمّن له
العيش بكرامة، وينتهي أمر
هذه الأمّ البارّة إلى أن
تدفع ولدها بهدوء، لكي
يمضي إلى النجف الأشرف،
عاصمة العلم وحاضنة
الحوزة العلميّة، مع ما
في ذلك الدفع من التفاني
والتضحية بوجود ولدها
الوحيد قربها، فقد كان له
أخوان كبيران هما حبيب
وخليل، لكنّهما سافرا إلى
الأرجنتين بُعيْد الحرب
العالمية الأولى، وهو طفل
في سِنِيه الأولى، ولم
يَعد منهما إلى الوطن سوى
حبيب في منتصف عام 1966م،
إلاّ أنّه ما لبثَ أن
يمّم وجهه شطر المهجر
مرّة أخرى في آخر العام
نفسه، ووافته المنيّة في
بيونس أيرس عام 1978م.
هذه الأمّ لطالما كانت
تمنّي
النفس برؤية ولدها وقد
عاد إلى البلاد عالماً
كبيراً. وكان ذلك بعد ربع
قرن من الزمان. عاد الشيخ
حسين معتوق عالماً
مرموقاً ومشهوداً
باجتهاده، لكن بعد أن
رحلت إلى الباري الكريم.
- المسيرة العلميّة
تلقّى علومَه الأوليّة من
الأجرومية والقطر والخطّ
والحساب عند الشيخ
إبراهيم ياسين، ثمّ انتقل
إلى طيردبّا لمتابعة
الدراسة عند الشيخ حسين
مغنيّة قدس سره.
وفي العام 1347هـ، هاجر
إلى العراق لمتابعة
دراسته الدينيّة في مدينة
النجف الأشرف، حيث درس
الرسائل عند السيّد حسين
الحمامي، والمكاسب عند
السيّد محمود الشوشتري،
وحضر درس الخارج في الفقه
عند الشيخ محمّد عليّ
الخراسانيّ الكاظميّ،
وخارج الكفاية عند الشيخ
عبد الحميد ناجي، ثمّ
خارج العروة الوثقى عند
السيّد محسن الحكيم قدس
سره، حيث انقطع إليه
انقطاعاً تامّاً، إلى أنْ
بلغ الأخير مرحلة
المرجعيّة.
وفي هذه الفترة، كانت
تشدّه أواصر الصداقة التي
عمَّقها البحث العلميّ
إلى نفرٍ من علماء جبل
عامل كالشيخ إبراهيم
سليمان, والسيّد عبد
الرؤوف فضل الله, والسيّد
محمّد سعيد فضل الله
وغيرهم.
ولقد كانت الظروف
الحياتيّة التي مرّ بها
الشيخ حسين معتوق في
فترة
دراسته المذكورة صعبة
للغاية، تتّسم بالفقر
المُدقع، والدأب والسهر
على التحصيل، لا فرق في
ذلك بين الليل والنهار.
وعن هذه الفترة يتحدّث
الشيخ إبراهيم سليمان،
وهو من عاصر الشيخ حسين
معتوق طيلة أيّام دراسته،
فيقول في سياق ترجمته له
في كتابه (علماء جبل
عامل): "لقد بنىَ نفسه
بنفسه، وكوّن ذاته بذاته،
من غير أب يلوذ به أو
وليّ يعتمد عليه، ولقد
مرّت عليه وعلينا فترات
من الضيق، دفعت بنا إلى
الاشتغال بالعلم بدلاً من
أن تحطّ عزيمتنا, أو
تُقللّ من جهدنا، فكأنها
كانت حافزاً لنا لبلوغ
الغاية التي نتوخّاها
بدلاً من الاشتغال
بالدنيا وحطامها, والأثاث
والرياش والملابس الفخمة
والمآكل الشهيّة.
وقد كان فقر أساتذتنا
وعلى رأسهم السيدان
الحكيم والحمامي، والشيخ
عبد الحميد ناجي, والشيخ
منصور المحتصر, والسيّد
الشوشتري والشيخ عليّ
غلام القميّ, والسيّد
الكيشوان وغيرهم، مثلاً
أعلى لنا يُرينا أنّ
العلم لا يجتمع مع المال،
وأنّ العلم قرين الفقر
والصبر والجهد والتعب
والبحث والدرس.
وكنّا نرى التحقيق في
جانب الفقر، وغيره في
جانب الغنى من مشايخ
النجف البارزين، لقد
خرّجت النجف أيّام الفقر
عشرات المجتهدين من أهل
جبل عامل الأشمّ وحده،
فضلاً عن بقيّة بلاد
الشيعة الشاسعة الواسعة،
ولم تخرّج أيّام الغنى
ربع أو ثمن هذا العدد".
- العودةُ إلى الوطن
بعدَ أن حازَ الشيخ حسين
معتوق على درجة الاجتهاد
المطلق، بإجازة من المرجع
الديني الأعلى السيّد
محسن الحكيم، انتُدب من
قِبَله لممارسة مهمّة
الإرشاد الدينيّ في مدينة
بيروت، فكان أن شدّ
الرحال إليها في عام
1371هـ الموافق لعام
1951م، واختار محلّة
(الغبيري) مكاناً لإقامته
وشرع في ممارسة مهامّه
الدينيّة التي لم تكن
تقتصر على المحلّة
المذكورة، أو على مدينة
بيروت بالذات، بل كانت
تتَّسع شيئاً فشيئاً حتى
شملت جميع الأراضي
اللبنانية، وخاصّة حين
انفردَ بمهمّة تمثيل
للمرجعيّة العظمى في
لبنان تحت عنوان "المعتمد
الدينيّ الأوّل للمرجع
الأعلى".
|