الفصل الثاني:السيرة التبليغيّة

الفعاليّات الدينيّة والروحيّة
لقد عاد الشيخ حسين معتوق قدس سره إلى لبنان، واستقرّ في (الغبيري) في فترة كانت فيها بيروت تُعاني من فراغ دينيّ، وكانت البلاد إجمالاً في الخمسينيّات والستينيّات تتّجه نحو العلمانيّة والفكر اليساريّ، المروِّج غالباً للإلحاد، والإنفلات الغرائزيّ الذي كانوا يسمونه حريّة وتحرُّراً، ومن مقولاتهم المشهورة:"الدين أفيون الشعوب" وقد حاصرت هذه الأفكار الدين والمتديّنين بحيث كانت العلاقة بين رجل الدين وسائر الناس محدودة وغير وثيقة، ممّا يزيد في صعوبة دوره والحدّ من نشاطه.

ومن هنا نعلم أنّ الشيخ حسين معتوق قدس سره قد بدأ باستقراره في بيروت رحلة الألف ميل، من نقطة الصفر، فقد كان همّه هو التأسيس قبل كلّ شيء وفي عدّة مجالات، وهكذا نجد أنّ دوره في كثير من الفعاليّات التي سنعرضها كان تأسيسيّاً غير ذي سابقة، وسوف نحصر عرضَها في الآتي:


19


1- إحياء الشعائر الدينيّة والروحيّة:
ويمكن الحديث عن عدّة إحياءات منها:


أ - إحياء الشعائر الحسينيّة:
وذلك بإقامة مجالس العزاء التي تنطوي على سيرة الثورة الحسينيّة, وإلقاء الخُطَب التي تتعرّض لتحليل فكر هذه الثورة العظيمة، وكان يقيم هذه المجالس في أيام عاشوراء فضلاً عن سائر أيّام السنة، وكان يركّز في إقامتها على جامع الغبيري، الذي قام بنفسه بتجديد بنائه، والذي كان يشكّل أكثر المجالس أهميّة في أيّام عاشوراء من كلّ سنة, وفي الوقت نفسه كان يُشرف على إقامة هذه المجالس في أماكن أخرى.

وفي هذا المجال، يظهر دوره التأسيسيّ واضحاً، غداة كانت المجالس قبلَ قدومه إلى لبنان، وفي الفترة الأولى لاستقراره في بيروت، بدائيّة سطحيّة لا تتناسب مع مستوى هذه الذكرى ومُعطيات تلك الثورة العظيمة. فكان دائماً يفكّر في تطويرها بحيث تلتقي مع المستوى الثقافيّ الذي كان يرتقي شيئاً فشيئاً في بيروت، وخاصّة على صعيد الشباب، وبالأخص طلاّّب الجامعات، فكان أن اهتدى أخيراً إلى فكرة استقدام قارئ عزاء من أفذاذ مدينة النجف الأشرف، التي يتخصّص فيها بعض أصحاب الكفاءات، في قراءة المجالس الحسينيّة، ويتفرّغون لكيفيّة تطويرها بحيث تتلاءم مع هذا الزمن.


20


وقام بتنفيذ هذه الفكرة في أوائل الستينيّات، حيث شدّ الرحال إلى العراق، وهناك فتّش النجف حتى عثرَ على غايته المنشودة في شخص الخطيب الفذّ الشيخ عبد الوهّاب الكاشي رضي الله عنه فأحضره في تلك السنة إلى لبنان، مُوِّكلاً إليه أمر القراءة في مجلس الغبيري.

وحين شاهد الناس أوّل انهمار الغيث، كَثُرَ الطلب عليه في السنوات اللّاحقة، بحيث صار يعهد إليه أيّام عاشوراء في بيروت وحدها، بخمسة مجالس يوميّاً، فضلاً عن مجلس مدينة بعلبك المهمّ، ومجالس أخرى خاصّة.

وهكذا ذاعت شهرته، وأصبح يُشار إليه بالبنان، كلّما ذكرت القراءة والثورة والمجالس الحسينيّة، ولقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره حتّى أواخر أيّامه الشريفة، هو الذي ينظّم مجالس الشيخ الكاشي، ويُنسّقها بالتعاون مع العلماء الآخرين في بيروت، الذين كانوا يرغبون بأن يتولّى الشيخ الكاشي القراءة في مجالسهم الحسينيّة في عاشوراء.

ولقد بلغَ جامع الغبيري من الأهميّة في أيّام الشيخ حسين معتوق قدس سره، بحيث أن يُغلق الشارع الرئيسي المؤدّي من مستديرة المطار إلى الحازميّة، في وجه حركة السير تماماً يوم عاشوراء، من الثامنة صباحاً وحتى الظهر، موعد انتهاء العزاء الحسيني، ويعود السبب في إغلاقه آنذاك إلى تجمّع حشد المستمعين، الذين


21


 كانوا يؤمُّون هذا المجلس من مختلف نقاط بيروت والأراضي اللبنانيّة.

ب- إحياء شعائر شهر رمضان المبارك:

إنّ لشهر رمضان في كلّ مكان سِحراً، وإنّه في كلّ زمان ينبوع خير وبركة، وهو من السَّحَرِ إلى السَّحَر عبارة عن رَحَمات تتنزَّل من السماء على أهل الأرض تَهيب بهم أن يعودوا إلى الله في شهر الله، وإنَّ لهذا الشهر المبارك، في آخر لياليه وخصوصاً ليالي القدر في جامع الغبيري طَعماً ولَوناً آخرين، حيث يتحلّق جمعٌ غفير من المؤمنين، الذين جاؤوا من شتّى المناطق، حول الشيخ حسين معتوق قدس سره، الذي يقود جمعَهم في إحياء هذه الليالي العظيمة المليئة بالبركات، وخاصة الليلة الثالثة وهي ليلة الثالث والعشرين.

إنّ جَلَسات الدعاء تلك، كانت تطول لتستمرّ أحياناً سبع ساعات، تتخلّلها استراحات محدودة، وكانت تشمل أدعية مشتركة من قبيل دعاء الجوشن الكبير, ودعاء السحر، وأدعية تختصّ بليلة دون سواها..

ففي الليالي: لقد أثبت الشيخ حسين معتوق قدس سره أنّه في لحظات السموّ الروحي، تُختزل الكثير من القواعد الماديّة والطبيّة، حيث يظل مثابراً على إحياء تلك الليالي حتى الصباح، بنفس الجُهد إن لم


22


نقل بأكثر منه، في سنوات عمره الأخيرة، بالرغم من إصابته بمرض خطير في قلبه.

وفي النهار: لقد كان يُطيل المكثَ في المسجد عقيب صلوات الظهرين في أيّام شهر رمضان المبارك، وذلك لقراءة الأدعية النهاريّة العامّة والخاصّة.

وقد كان هذا هو الدافع له لتأليف كتاب "منهج الدعوات في أعمال شهر رمضان المبارك من الأدعية والصلوات"، هذا الكتاب الذي جمع فيه كلّ شاردة وواردة تختصّ بهذا الشهر العظيم، مُعتمداً في تأليفه على أمّهات الكتب في هذا الباب، وعلى أوثق الأسانيد والمصادر، بحيث جاء من أكثر كتب الأدعية اختصاصاً بشهر رمضان المبارك.

ج- إحياء شعائر يوم الجمعة:

لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي يوم الجمعة اهتماماً خاصّاً، ويُعِدُّ له إعداداً فريداً، وكان يتفرّغ في صباح أيّام الجمعة لاستقبال المؤمنين الذين كانوا يرافقونه ظهراً إلى مسجد الغبيري لإقامة الصلاة، وفي المسجد كان يركّز اهتمامه على خطبة الجمعة ويعتني بالسُّنَن والمُستحبّات، بما فيها تلاوة الزيارة المأثورة بعد الصلاة.

د- بناء المساجد والحسينيّات:

سَاهم سماحة الشيخ حسين معتوق قدس سره في إطلاق العشرات


23


من المساجد والنوادي الحسينيّة والمستوصفات والمكتبات العامّة، كما وساهم في مدّ يد العون إلى الكثير من النشاطات الاجتماعيّة والإنسانيّة، وفي هذا السياق نذكر منها:

• الإشراف المباشر على بناء النادي الحسينيّ في بلدة صير الغربية في قضاء النبطيّة، وتجديد المسجد فيها وتوسيعه.
• ضمّ المسجد الجامع في الغبيري إلى النادي الحسينيّ.

التعليم الدينيّ ودعم الجمعيّات:

كان للشيخ مساهمة فعّالة في التعليم الدينيّ في بيروت والمناطق، حيث كان يعيّن أساتذة لخصوص التعليم الدينيّ في المدارس الرسميّة وبعض المدارس الخاصّة، ويقوم بدفع رواتبهم.

كما عمل على دعم التجمّعات الدراسيّة الدينيّة في لبنان، من خلال دفع الرواتب لطلّاب العلوم الدينيّة، وتأمين السكن لهم في بعض الأحيان، كي لا يضطرّوا للهجرة إلى الحوزات العلميّة في الخارج في وقت مبكّر.

أنشطة تبليغيّة مختلفة

مهمة الإرشاد الدينيّ والوعظ الأخلاقيّ، التي كان يقوم بها من خلال إمامة الجماعة في الغبيري، حيث كان يربط الناس بالعالم الآخر، ويصرف أنظارهم عن الدنيا وزخرفها. وله


24


 خُطب تعتبر نموذجاً فريداً في مجال الوعظ، بحيث كانت تنفرد بأسلوب يذبّ الشباب عن حلقوم الشيطان، ليلقي بهم في نور الإيمان والتوحيد.

وكانت حياته تتميّز بالزهد والبساطة الواضحة، ممّا كان يجعل لكلامه ولمواعظه أكبر الأثر في نفوس الناس، ومن وجوه بساطة حياته أنّه طوال عمره كان يلازم غرفة له صغيرة، كانت عبارة عن كلّ شيء بالنسبة إليه، فهي غرفة استقبال الناس، وهي غرفة الطعام، وهي غرفة المطالعة وإدارة الشؤون العامّة التي كانت من جملة مهامّه، وهي بالتالي غرفة نومه، وفي آخر حياته، حين بلغ أوجَ شهرته، كانت حياته لا تختلف قيد أنملة، عن حياته في أيّام دراسته.

القيام بمهمّة الإرشاد الدينيّ من خلال التردّد إلى الكثير من المناطق، وخاصّة في جنوب لبنان، حيث كان يولي عناية خاصة لمنطقة النبطيّة، وبالأخصّ قرى صير الغربيّة وكفر صير والقصيبة، والقرى المحيطة بهذه القرى أيضاً.
وكان يتردّد بشكل ملحوظ إلى القرى الشيعيّة في منطقة كسروان وجبيل حيث استطاع أن يقوم بدور إرشاديّ وتبليغيّ ملموس.

وكان يخصّص يوماً أو يومين في الأسبوع، يقصد فيه المناطق المذكورة في الجنوب أو الشمال، وكان في كلّ بلدة يَقصدها


25


 يقوم بإمامة المصلّين من أهلها في مسجدها، وإقامة اجتماع عامّ يتحدّث فيه إلى أهالي البلدة، ثمّ يتبع ذلك اجتماعات خاصّة في منازل أهلها، وكانت تُعتبر من أكثر مجالس الفقه والأدب أهميّة.

وكان من خلال هذه الجولات، يتعرّض إلى مشاكل النّاس ويحلّها بالطريقة المناسبة، وبالقدرة التي تسمح بها ظروفه وإمكانيّاته.

ولقد كان يقوم بمهمّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر على وجهها الأتمّ، ولم يكن يتأخّر عن إنكار المنكر بيده في كثيرٍ من الموارد، وهي طريقة كانت تستند إلى جرأته وقوّة شخصيّته، إذ كان لا يخشى في الله لومة لائم.

الإجابة عن استفتاءات الناس، وقد غَدَت هذه من مهامّه الأولى كممثّل للمرجع الدينيّ الأعلى الذي كان في كثير من الموارد يطلب في الاستفتاءات الواردة إليه من لبنان عدم تكلّف الكتابة إليه، والاعتماد على مراجعة الشيخ حسين معتوق.

القضاء بين الناس بحكم الله ورسوله، وحلّ المشاكل الشرعيّة والإشراف على المعاملات والبيوع والوقفيّات، والأمور المتعلّقة بالزواج والطلاق وما شابه.

نشر مناقب النبيّ صلى الله عليه واله والأئمّة الأطهار عليه السلام:

لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي الاهتمام الكبير لتعريف


26


الناس على مناقب الأئمّة الأطهار والسيرة النبويّة الشريفة، وقد أفرد لذلك مساحات كبيرة في العديد من خطبه وكتاباته حول هذه القضيّة المحوريّة، في زمن كانت الأفكار الماركسيّة تغزو عقول الناس لا سيّما الشباب. فهو كان دائماُ يقول: "نحن ولله الحمد، معشر الشيعة، أغنياء وأعزّاء، بهذا النفر، بهذا السلف".

2- من بعض أقواله:
كلامه عن الدين الإسلاميّ ورقيِّه:

• لقد نشرت الدعوة الإسلاميّة ألوية الحضارة خفّاقةً على ربوع الأرض في أقلّ من ربع قرن.

• الدعوة التي قادها النبيّ محمّد صلى الله عليه واله، وسعدت في ظلّها البشريّة جمعاء، يوم أن علا الحقُّ شامخاً في عزّته، وسقط الباطل صريعاً بعد صولته.

• وهكذا كما أضاءت مكّة ببعثته، وأشرقت المدينة بهجرته، فقد سُعدت الدنيا برسالته. فذكريات الهجرة تعيد إلى الأذهان طلائع الإيمان، متمثّلة في جند الرحمن. فلا بِدَع إذا كان يوم الهجرة أعظم أيّام التاريخ.

كلامه عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه واله:

• ففي الهجرة زحف إلى حيث القوّة والجهاد، لا رغبةً في


27


 الحرب من أجل الحرب، بل لإقرار السلام في الأرض، الذي تمّ من وراء المسيرة الكبرى، التي قادها النبيّ محمّد صلى الله عليه واله.

• ومضى صلى الله عليه واله يشقّ الطريق، لتأخذ الدعوة سبيلها في الأرض، متحمّلاً من الأعباء فوق المستطاع. وقد إستقبلته الأحداث المتنوّعة، التي غيّرت وجه الأرض، ووجه الحياة، حتّى اضطرّ إلى الخروج من وطنه.

كلامه عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام:

• لا شكّ أنّ من يرجع إلى التأريخ، يجد واضحاً جليّاً، أنّ آل عليّ عليه السلام هم ميزان المجتمع وقادته وسادته.

• لقد ترجمت بطولة عليّ عليه السلام، وهو مضطجع في فراش النبيّ صلى الله عليه واله، والسيوف تحيط به وتنتظره، وهو ثابت النفس، مطمئنّ القلب، فهل بعد هذه الروح المثاليّة الفدائيّة شجاعة تفوق هذه الشجاعة، التي لولاها لظلّت دعوة محمّد صلى الله عليه واله محبوسة في جبال مكّة، يحيط بها الأعداء من كلّ جانب؟

• فهذا فتى قريش، بل فتى الإنسانيّة جمعاء، عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يضرب أروع المُثُلِ للتضحية والفداء، فيبيع نفسه لله، ويقدّم روحه رخيصة فداءً لدينه، عندما عزمت قريش على تنفيذ مؤامرتها الدنيئة لإغتيال رسول الله صلى الله عليه واله، والقضاء عليه وعلى دعوته.


28


• وحَسْبُ الهجرة أن ترى فيها مشهداً فدائيّاً لشابّ من شباب الإسلام، الذين تربّوا على الإيمان والتضحية، وعلى بذل النفس والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. ألا وهو عليّ عليه السلام، الذي نام في فراش النبيّ صلى الله عليه واله فادياً إياه بنفسه، ومؤدِّياً عنه الودائع التي عنده للناس، وفي ذلك ما يدلّ على أنّه لا يؤدّي عن النبيّ صلى الله عليه واله غير عليّ عليه السلام، ولا يملأ فراغ المكان الذي يجلس فيه النبيّ غير عليّ.

كلامه عن الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام:

• التأريخ ظَلَم الإمام الحسن عليه السلام. وأكثر الشباب الذين لم يدرسوا التاريخ بإمعان، نظروا إلى الإمام الحسن عليه السلام نظرة مشوّهة.

• إنّ الإمام الحسن عليه السلام بقعوده وبصلحه في الحقيقة وضع ألغاماً في طريق الحزب الأمويّ، الذي تمَّ نسفه بثورة الإمام الحسين عليه السلام المتمّمة.

• صلح الإمام الحسن عليه السلام قد مهّد السبيل لثورة الإمام الحسين عليه السلام، لتبرز إلى الوجود، كأقدس ثورة تجلّى فيها صراع الحقّ ضدّ الباطل، وكأشرف جولة في معركة الخير ضدّ الشرّ.

• فكان للحسن عليه السلام منها دور الصابر، وللحسين عليه السلام دور الثائر ليتكوّن من الموقفين الخطّة الكاملة، للبلوغ إلى الهدف الواحد، الذي كان من ورائه الفتح المبين.

• وهذا هو الإمام الحسن عليه السلام يغتال حياته رئيس عصابة الشرّ معاوية بالسمّ، وسيّد الشهداء عليهم السلام  بلا استثناء يعانق الشهادة مع أهل بيته عليهم السلام .

• لقد استطاع الإمام الحسن عليه السلام بحنكته وسياسته الحكيمة أن يغرس في طريق معاوية كميناً من نفسه، يثور عليه من حيث لا يشعر.

• فالإمام الحسن عليه السلام بصلحه فتح باب الميدان للحسين عليه السلام، وبثورة الإمام الحسين عليه السلام قطف الإمام الحسن عليه السلام ثمرة الصلح. الإمام الحسين عليه السلام إنّما ثار وانتصر وتمّ له الفتح المبين، بفضل الإمام الحسن عليه السلام قبل الثورة المسلّحة، بمعنى أنّ الصلح هو الذي هيّأ الجوّ للحسين عليه السلام كي يثور.

كلامه عن الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام:

• كان النبيّ محمّد صلى الله عليه واله يقول أنا من حسين عليه السلام فأين أنت أيّها المسلم من الحسين بن علي عليه السلام؟

• وليس من باب الاتفاق، أن تقترن ذكرى هجرة النبيّ صلى الله عليه واله، من مكّة إلى المدينة،، بذكرى هجرة الإمام الحسين عليه السلام، من


30


المدينة إلى مكّة. ولئن اختلف مكان الهجرتين، فلن تختلف الغاية والهدف من وراء الهجرتين. يهاجر النبيّ صلى الله عليه واله خوفاً على رسالته من أبي سفيان وأعوانه. ويهاجر الإمام الحسين عليه السلام من المدينة خوفاً على دعوته قبل أن يصل بها إلى الهدف المنشود من حفيد أبي سفيان. وبين الهجرتين ستّون عاماً.إذاً الهجرتان سلكتا خطّاً واحداً، ومسيرة واحدة، توصلان معاً إلى الله وإلى إعلاء كلمته في الأرض، وتطبيق شريعته في كلّ بقعة حلّت أو تحلّ بها.

• ولا ريب في أنّ هجرة الإمام الحسين عليه السلام هي امتداد لهجرة الأنبياء من قبله من حيث إنّ سيرته امتداد لسيرتهم ومسؤوليّته أمتداد لمسؤوليّاتهم.

كلامه عن ذكرى عاشوراء وإحيائها:

• إنّ هذه الدموع يجب أن تكون ثورة على الظلم والظالمين.

• إنّ نصرتكم للحسين عليه السلام اليوم، تتمثّل اليوم حيث تأخذون من هذه الذكرى ما يوثّق صِلتكم بالله ويعمّقها، ويعمّق ارتباطكم بمعارك الحقّ لكي تصونوا الحقّ كلّما عصفت به عواصف الباطل.

• وأن يجنّدوا من هذه الذكرى، روحاً حسينيّة تقودهم في محنة فلسطين، وتخوض بهم في ساحات معارك الشرف،


31


 التي خاضها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، لأنّه يجب على المسلمين أن يكون لهم في كلّ قطر مسلم حسينٌ جديد إذا تعرّض ذلك القطر لكربلاء جديدة.

• إذاً، يجب أن نحافظ على هذه الذكرى، وأن نترسّم خطاها، وأن نأخذ من معطياتها الدروس والعبر، وأن نجنّد نفوسنا لنصرة الحقّ كما جنّد الإمام الحسين عليه السلام نفسه.

• نحن في هذا الزمان، مدعوُّون لأن نكون من جند الحقّ. وما هذه المجالس إلاّ محاولة من المحاولات، لأن نجنّد منها روحاً حسينيّة تقودنا في محنتنا، وفي ساحات معارك الشرف، التي يقف فيها الحقّ في وجه الباطل. فإذاً نحن نستطيع الآن أن نكون جنوداً للحسين عليه السلام بالمحافظة على ما بذل الإمام الحسين عليه السلام دمه في سبيله.

• والله إنّ مجلسكم هذا، إن أخذتم من معطياته، كنتم أسعد الناس. منذ أثني عشر عاماً، نقيم هذه الذكرى، ونريد من وراء ذلك، أن تُستغّل الإستغلال الحسن. أتعرفون أنّه في بيروت، يقام للحسين عليه السلام مئة وثمانية عشر مجلساً؟ هذا كله تأسّس ولله الحمد، ببركة هذا المجلس الذي تجلسون فيه.

• بعض الشباب البعيدين عن الدين، وعن سيرة الإمام الحسين عليه السلام، وما أكثر هؤلاء، ينكرون علينا حتى الآن، إقامة


32


عاشوراء، ويسألون ما الغاية منها وما الغرض من النحيب؟. نحن لا نستقبل عاشوراء بالبكاء وبالنحيب، وليس هذا هو الهدف، فالإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من الدموع إذا لم تترجم عمليّاً إلى الإقتداء به وبسيرته. من أين يتصوّر هؤلاء الجهلة أنّا نقيم عاشوراء لنبكي؟ هل لأنّهم سمعوا أنّ من نزل من عينه دمع مثل جناح الذبابة غَفَر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر؟.

• فهذه المجالس، على لسان النبيّ صلى الله عليه واله وقوله الصدق، ستنتشر وترتفع، وأنتم مأجورون بمحافظتكم عليها وحضوركم، ولكن بشرط أن تتخذوا من سيرة الإمام الحسين عليه السلام عنواناً لحياتكم. إنّ الإمام الحسين عليه السلام يعيش في ضمير كلّ إنسان؛ لأنّ الظلم محيط بالناس من كلّ جانب، وإذا ذُكر الظلم تذكّرنا المظلومين، والإمام الحسين عليه السلام هو إمام المظلومين. ولكنّه ما سَكَت عن الظلم.

• إنّ يوم الإمام الحسين عليه السلام لا يُنسى، وأنا إن كنت توفّقت، فأحمده سبحانه على هذا التوفيق، حيث أتيت بهذا الشيخ1، فطوّر المجالس حسبما تتطلّبه الظروف والعصور. إنّ هذا مضمون الحديث الشريف الذي كشفت عنه الأيّام، وحكمت بصدقه، حيث أخبر النبيّ صلى الله عليه واله ابنته


33


 فاطمة  بأنّ الله جاعل لولدها من يقيم عزاءه عاماً بعد عام وجيلاً بعد جيل.

كلامه عن الروح الحسينية عند الشباب في مواجهة الأعداء وقضيّة مقاومة العدوّ:
• ولئن استشهد الإمام الحسين عليه السلام في ميدان المعركة يوم كربلا، فإنّ هذا الإستشهاد من أقوى الدعائم لإنتصار الحقّ، لأنّ المغلوب بالباطل غالب بالحقّ ودولة الباطل ساعة، ودولة الحقّ إلى قيام الساعة.

• إن ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، أيها المؤمنون، يجب أن تظلّ مثلاً يحتذى، ودرساً يردده الزمان، فتتلقّنه الناشئة في البيوت، ويتدارسه الطلّاب في المدارس، ويتذاكره الشعب في الندوات، ويتدرّب عليه الشباب في المعسكرات، وبذلك يصلون إلى أهدافهم في الحياة. وفي ذلك وفاء للدين وأداء للواجب، ورعاية للأمانة الملقاة على عاتقهم، وتلبية لنداء الإمام الحسين عليه السلام يوم كربلاء.

• فخليق بنا، ونحن نعيش اليوم ذكرى الهجرة، ونخوض معركة المصير ضد أعداء الله والإنسانيّة، أن يهاجر كلّ منّا إلى نفسه ويسألها ماذا قدّمت لخوض هذه المعركة؟ وبماذا ضحّت في سبيلها؟ علينا أن نأخذ من معطيات هذه الذكرى،


34


 ما ينفعنا في حياتنا الحاضرة. والجدير بالمسلمين اليوم، أن يمثّلوا الدور نفسه الذي مثّله أولئك، بالفناء في ذات الحقّ الذي ترجموه إلى أعمال قائمة على الوفاء لدين الله، وأن تعيش تلك المبادئ والقيم في نفوسهم وأفكارهم، ولا سيّما وهم يخوضون معركة المصير ضدّ أعداء الله والإنسانيّة. فأيّ فائدة لذكرى الهجرة، إذا لم تفجّر في النفوس مكامن الخير، ومطاوي العزّة والرجولة؟

• لقد كانت القراءة قبل أن نتعرّف على الخطيب الشيخ عبد الوهّاب الكاشي، بسيطة لا تمثّل الغرض الذي يريده الإمام الحسين عليه السلام، كانت صرف نحيب وبكاء. والإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من الدموع، إذا لم تكن سخطاً ونقمة على الظلم والظالمين، أو إذا لم تكن تعبيراً عن الحقّ، والعمل بالحقّ، تبدأ بنفسك أوّلاً، ثمّ ببيتكَ ثانياً، ثمّ بمجتمعك ثالثاً.

• نستعيد في أفكارنا ذكرى عاشوراء، فنأخذ من معطياتها، وما أكثرها! إذا اقتصرنا على أخذ العبرة وعلى البكاء أثناء إقامة ذكرى مصيبة كربلاء، فلا يكون في ذلك إحياء لأمرهم، إلاّ إذا تفجّرت تلك الدموع حُمماً على الظلم والظالمين، وإلاّ إذا كانت تعبيراً عمليّاً، وترجمةً عمليّة.

• ليس من الضروريّ أن يبقى المؤمنون المنتصرون على قيد الحياة. إنّهم يريدون من معركتهم مع خصومهم، أن تنتصر


35


 كلمة الحقّ ولو على حساب أرواحهم ودمائهم.

• لقد كان مجتمعاً مريضاً، يباع بالمال الزهيد، ولم يكن إيقاظ الروح النضاليّة فيه، إلاّ بعمل استشهاديّ فاجع. وهذا ما دفع الإمام الحسين عليه السلام لأن يقدم على عمليّة الإستشهاد. وبذلك نستطيع القول بأنّ فاجعة كربلاء، قد أيقظت الضمير الإسلامي وانفعل بها إنفعالاً عميقاً، تحطّم معه الإطار الدينيّ المزيّف، الذي كان يتستر به الحكم الأمويّ؛ لأنّ الغرض الأقصى لأهل البيت، ليس إلاّ الحفاظ على الإسلام كعقيدة ونظام.

• هذه المجالس، أيّها المؤمنون، موسم وفرصة، لا تدَعوها تمرّ مرّ السحاب، وكلّ سنة تجتمعون وتتزوّدون، ولكن مع كلّ الأسف، أستطيع أن أقول، أخشى أن يذهب أثر هذه الذكرى من نفوسكم، بعد مضيّ العشرة الأيّام من محرّم... فلتبقَ هذه الذكرى في نفوسكم، لتواصلوا المسيرة على نهج الإمام الحسين عليه السلام، لأنّنا نحن مدعوُّون إلى الصمود، فعلينا أن نتابع المسيرة، ولا نلوّث شرف هذا الطريق. طريق ملؤُه الحقُّ والعدل، ولا حقَّ ولا عدلَ في سواه.

رفض الإنحرافات الأخلاقية:
• الآن مبدأ يزيد وعقيدة يزيد، تتمثّل في بيوتكم أيّها الموالون.


36


 ما هو عمل يزيد المجون.. الخلاعة.. الفسق.. الفجور.. بهذا نريد أن نحيي ما أحياه الإمام الحسين عليه السلام؟ الإمام الحسين عليه السلام يقول مبيّناً الهدف من ثورته "أمّا بعد فإنّ السنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت، فإن تتبعوني وتطيعوا أمري، أهدكم سبل الرشاد والسلام" فلماذا كلّ هذه الانحرافات في مجتمعنا؟ لماذا السفور؟ أين الحجاب والعفّة.؟..

في مواجهة سهام الإلحاد:

• تقول الدين رجعي؟ تعال وادرس الدين ثمّ ارمني بالرجعيّة، إنّك إذا درست الدين فلن تستطيع أن تتخلّى عنه. لكنّك ترى أباك يصلّي ويصوم ثمّ يكذب وينحرف والطفل قدوته أبوه، ويأتيني بعض الآباء شاكين لي أبناءهم مدّعين عدم القدرة عليهم، فأقول لواحدهم (أولاً أنظر لنفسك، هل أنت مستقيم؟).

"هذه هي الصلاة. فلا تتصوّر أن يقيمها أحدٌ وهو غافل عن معانيها، وهو يفكّر بحقله أو بشيء آخر. إنّ هذا يكون قد مارس الصلاة بجسمه، أما فكره فلم يشترك بالعبادة، ولم يتطلّع إلى الله. فالعيب في المتديّن لا في الدين...يقولون: الدين جمود. متديّن يعني رجعيّ! رجعيّ لأنّه يصلّي ويصوم؟ لأنّه لا يشرب الخمر؟ لأنّه لا يتعاطى المنكرات؟لأنّه يؤدّي الحقوق والواجبات؟


37


لأجل ذلك فهو رجعيّ. لكن من التقدميّ؟ ثمّ هل الدين وُجد لزمن معيّن حتّى يكون فيه ماضٍ وحاضر ومستقبل؟ هل في الحقّ ماضٍ وحاضر ومستقبل"؟.

يقولون إن الدين قيد. هو قيد لأي شيء؟ قيد لحيوانيّتك، حتّى لا تنجرف مع الهوى، وتتملّكك الرغبات. هل هو قيد للإنسانيّة؟ إنّه ما جاء إلاّ ليدعم الإنسانيّة، التي تأبى عليك أن تنجرف مع الهوى.

وفي مقام آخر يقول: ما هي الصلاة يا غافل؟ هل عرفت الصلاة التي تسخر منها ومن أهلها؟ الصلاة وقفة بين يدي الله، الصلاة حركة جسم تطهّر إلى جانب روح متطلّعة إلى الله. هؤلاء الذين مارسوا العبادات مارسوها بأجسامهم لا بأرواحهم. لا تسخر، الذين جاءوا بالصلاة وفرضوها على العباد، هم فوقي وفوقك. أوّل وصايا دعوة الأنبياء، وآخر وصاياهم الصلاة. لماذا؟ لتبقى مشدوداً ومرتبطاً بمصدرك الأوّل، مرتبطاً بمصدر الخير وهو سبحانه وتعالى. ترفعك الصلاة إلى حيث تهبط عليك روحانيّة من السماء. أنت إبن السماء ولست ابن الأرض.

أين الناس من الحسين عليه السلام؟

• السنّة أماتها بنو أميّة فأحياها الإمام الحسين عليه السلام بدمه، والبدعة أحياها بنو أميّة فأماتها الإمام الحسين عليه السلام بتضحيته. والآن اكثركم يحيي ما أحياه بنو أميّة، ويميت ما


38


 أحياه الإمام الحسين عليه السلام. يزيد كان يصلّي. أقل التقادير كان ثمّة مظهر إسلاميّ في بيت يزيد، والآن ليس في بيوت أكثركم مظهر إسلاميّ، بهذا نريد أن نجعل أنفسنا مع الإمام الحسين عليه السلام ونقول يا ليتنا كنّا معكم؟.

• نحن نحبّ الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّ السلاح الذي نحمله، لم ننصر به الإمام الحسين عليه السلام، وإنّما قتلناه به، لأننا قتلنا به الدين، لأنّنا سكتنا عن الباطل، وهو في بيوتنا.

• أبكي على الإمام الحسين عليه السلام، وولدي في البيت لا يصلّي؟ أَوَينفعني البكاء؟ أبكي على الإمام الحسين عليه السلام وابنتي تخرج سافرة؟ أنت تحارب الإمام الحسين عليه السلام بالسكوت عن هذه المنكرات والجرائم، وهي في بيتك تغذّيها بمالك، بحياتك. أيّها المؤمنون، لا يغرّنَّكم الشيطان.

• أيّها الشابّ، أنت الآن تستطيع أن تنصر الإمام الحسين عليه السلام...كلّ من تخلّف عن الدين فقد تخلّف عن الإمام الحسين عليه السلام، وكلّ من اعتنق الفسق والفجور، فهو من حيث يريد أو لا يريد، مع يزيد ومن أعوان يزيد.

• إنّ ذرف الدموع فيه إعزاز للشخص الذي يُبكى عليه، لكن ليس هذا هو الغرض، إذا استعبر الإنسان، وبكى على الإمام الحسين عليه السلام، وكان يسير في خطّ معاكس للحسين عليه السلام،


39


 فأيّ فائدة من تلك الدموع؟ إنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من تلك الدموع.

• المسألة لا تكلّفكم أكثر من أن تحافظوا على دينكم، أن تقول لإبنك صلِّ، أن تقول لإبنتك تستَّري قبل أن تحرقك في الدنيا قبل الآخرة. هذه هي نصرة الإمام الحسين عليه السلام.

كلامه حول قضيّة الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف:

• ومن هنا يزول الإستغراب، عندما نجد في التاريخ أنّ المهديّ عجل الله فرجه الشريف  يعلن ثورته، ويجعل شعار ثورته(يا لثارات جدِّي الإمام الحسين عليه السلام )؛ ذلك لأنّ ثورة المهدي عجل الله فرجه الشريف ، هي الفصل الأخير من فصول ثورة الإمام الحسين عليه السلام. لذلك يعلنها في مكّة، ويفجّر الثورة من كربلاء، حيث أُريق دم النبوّة فيها.

• المهمّ أنّ الدين بدأ بمحمّد صلى الله عليه واله، وسيعود إلى الحياة على يد رجل من آل محمّد صلى الله عليه واله.

• إنّ الدين لا يرتفع علمه في الأرض، إلاّ بمحمّد وأهل بيته. فكما أنّ الدين ستعود إليه عزّته على يد مهديّ آل محمّد عجل الله فرجه الشريف ...

• إنّ مهديّ آل محمّد عجل الله فرجه الشريف  يستطيع أن يعيد للحقّ عزّته وكرامته، بعد أن تمتلئ الأرض بالجور.


40


الدعوة للجهاد وتعبئة الروح الجهاديّة:
• فالإمام الحسين عليه السلام أعطانا صورة عظيمة عن الحقّ، فضحّى في سبيل الحقّ، والحقّ بعده أمانة في أيدينا؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام ما ثار إلاّ ليقدّم للأجيال المثل الخالد، في التضحية والفداء، وليفهم الأجيال المتعاقبة، أنّ الأمّة التي تكتب تاريخها بالدم، لن تقهر ولن تزول من الوجود، ما دامت هذه الأمّة تعطي الموت، ما يشاء من الشهداء، وما دامت تقف من الموت، موقف الصمود والكبرياء.

• إنّ رأس مال هذه التجارة مع الله، هو الجهاد في سبيله بالمال والنفس، والتجارة مع الله لن تبور ولن تخسر، فالله ما ندبك للتجارة معه إلاّ لتربح عليه، لا ليربح عليك. هو غنّي لا يريد ربحاً فالتجارة معه ربحها مضمون.

• أكثر الشباب قد يظنّون أنّ الإمام الحسين عليه السلام مغلوب، أنّ الإمام الحسين عليه السلام مهزوم، أنّ الإمام الحسين عليه السلام انكسر في المعركة، إنّ أوّل شيء يجب أن يفهمه الشباب هو أنّ المغلوب بالباطل غالب بالحقّ. والشيء الآخر، إذا أنت قلت، أو الإمام الحسين عليه السلام قال: إنّي أنا المنتصر، فهل تتجاوز الحقيقة؟.

• الإمام الحسين عليه السلام لمّا قال يوم العاشر: هل من ناصر؟ هل كان يخاطب أهل النصرة من جيش عمر بن سعد، وهو


41


 يعلم أنه جاء ليقتله؟ هل كان يقول للقوم (تعالوا وخلّصوني) وهو يراهم وقد امتدت إليه سيوفهم. إنّه حين ألقى تلك الكلمة كان يخاطب بها الأجيال، كأنّه يقول لهم إنّي أنا فتحت لكم الباب إلى الإنتصار، فهل من ناصر للدين؟

• ولذا سيتحمّل أهل الحقّ كلَّ مسؤوليّة مهما كلّفتهم، ولا تدخل العواقب في حسابهم، ولا يبتغون من وراء دفاعهم ونضالهم، أن ينتصروا في الحياة، أو أن يعيشوا بسعادة وهناء، وإنّما أكبر همّهم أن تنتصر كلمة الحقّ، ولو على حساب أرواحهم. وطيّبات الحياة التي يلتمسها الآخرون، بعيدة كلّ البعد عن أخلاقهم.

• على هذا الأساس، قامت معارك الحقّ ضدّ الباطل. وحمل المؤمنون فيها لواء الحقّ منذ القِدم، ملطّخاً بدم الشهادة، ليقدّموا للأجيال المثل الخالد في التضحية والفداء، ليفهموا الأجيال المتعاقبة، أنّ الأمّة التي تكتب تاريخها بالدم، لا يمكن أن تُقهر، ولا يمكن أن تزول من الوجود، ما دامت تعطي الموت ما يشاء من الشهداء، وما دامت تقف من الموت موقف الصمود والكبرياء. والحقّ بعدُ في أيديهم أمانة، ومن حقّ الأمانة الإحتفاظ بها، ولو على حساب المهج والأرواح.

• فالذي يجب أن نجنيه من إحيائنا لذكرى الإمام الحسين عليه السلام، في كلّ مناسبة، هو أن نتّصل به عبر الفاصل


42


 الزمنيّ، اتصالاً عقائديّاً لا عاطفيّاً، بمعنى أن يتحوّل الإمام الحسين عليه السلام في قلوبنا وعقولنا، إلى قوّة عمل تدفعنا إلى تجديد صلتنا بالله، صلة خالصة من كلّ شائبة، وتدفعنا إلى التضحية على كلّ صعيد، من أجل الحقّ والعدل، لنكون أهلاً للنصر من عند الله، كما قال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ2.

• إذاً نحن بعد هذه المحنة، وبعد هذه الأيّام السوداء، علينا أن نستعيد حقّنا، علينا أن نعيد للدّين هيبته في أجواء الحياة، علينا أن نستردّ من الحقّ ما فات. لأنّنا نحن ورثة حملة اللواء، نحن ورثة المؤمنين الأوّلين، نحن أتباع سادات الأوّلين والآخرين، لا أتباع من عافهم الدهر ولفظتهم الأيّام...

كلام له في الثورة الإسلاميّة المظفّرة في إيران الإسلام والتي كانت ما زالت في بداياتها، قال:

• أيّها الإخوان، هذا اليوم هو الأخير، وأسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى، والإسلام قد بلغ العزّة والمنعة، ببركة الثورة الإيرانيّة، إن شاء الله، بقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره، نسأل الله سبحانه وتعالى، أن ينصره بنصره. ولا شكّ بأنّ النصر لا يكون إلاّ من عند الله. ولكنّ الله يريد منّا قبل أن ينصرنا،


43


 أن ننصره وأن ننصر دينه.

• وقال مخاطباً أحد الأشخاص الذي اشتكى إليه على أولاده: "إذا أردت أن تنجو وينجو أولادك فليتبعوا نهج الإمام الخمينيّ بدل التلهي بالأحزاب اليساريّة" أي ادفع بهم نحو خطّ الإمام حتّى الاستشهاد.

3ـ الاهتمام بجيل الشباب:

لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي اهتماماً كبيراً بعنصر الشباب، كونهم الشريحة الأكثر فعاليّة وحركيّة في المجتمع؛ ولذا فقد كان يخصّص جلسات أسبوعيّة مع الشباب للإطّلاع على حاجاتهم ومشاكلهم، خاصّة وأنّهم كانوا عرضة للانحراف بسبب الهجمة الماركسيّة واليساريّة في ذلك الوقت، حيث الإغراءات والمفاسد، وسيطرة الأحزاب العلمانيّة. ما حدا بالشيخ أن يكون دائماً بمواجهتهم، وهذا ما جعله في أكثر الأحيان يخصّص أوقاتاً كبيرة لتفنيد مزاعم الشيوعيّين والعلمانيّين، ومن ناحية أخرى توعية الشباب من هذه المفاسد.

• ففي حديث له عن دور المعلّم وأثره على الشباب والمجتمع: "هذا إذا كان المعلّم غيرمستقيم وإذا كان شيوعيّاً فإنّه يتجاوز كلّ القيم لنشر أفكاره، لقد نُقل إليّ أنّ أحدهم يأتي إلى التلميذ ويَعِدُه بترفيعه في الإمتحان إذا صار شيوعيّاً".


44


وفي مجال آخر قال: "إنّني أقول لكم الآن، إنّ القريب العاجل سوف يكشف لكم عن حقيقة هذه الأحزاب، وحينئذٍ ستعيشون نقطة تحوّل، قهراً عنكم، شئتم أم أبيتم".

وفي خطاب مباشر للشباب في مسجد الغبيري يقول: "أيّها الشابّ: سوف تلمس الأمر بيديك غداً، وتقول: آخ، يا ليتني! وتعضّ يديك. وحينئذٍ تعي من هو رجل الدين. رجل الدين هل يريد منك "طحنة"؟ هل يريد منك أن تمشي وراءه؟ هل يطلب منك غاية؟.. يقول إمامك (صديقك من صدقك لا من صدّقك). من قال عنك أعوج، فقل هذا يُتتبَّع، ويريد الخير لي. أمّا من قال لك أنت خير الناس في حين أنت فاسد، فهذا كذّاب يريد اصطيادك".

ومن توجيهاته:لقد جاء الإنحراف اليوم، ودخل البيوت، بإسم الثقافة، بإسم الحضارة، وهي حضارة ماديّة، ولكن أين أصبح الإنسان في ظلّ هذه الحضارة؟ هل حفظت لك هذه الحضارة أمنك واستقرارك أيّها المسكين؟

إنّ ما نشهده اليوم من إنعدام الأمن والإستقرار، ما هو إلاّ نتيجة لما جاءتنا به الحضارة الغربيّة، وهي فوق ذلك، ما جاءت إلاّ لتقضي على دينك، وعلى ارتباطك بالله، لأنّك ما دمت مرتبطاً بالله فلن يقووا عليك. هم أضعف ما يكونون في جنب الله.

لقد غزوك فكرياً أوّلاً، ثمّ غزوك اقتصاديّاً، ثمّ غزوك استعماريّاً، وأخيراً أخذوك من بين أيدينا، وانتشلوك من أحضان أبيك وأمّك.


45


 لقد فصلك الإستعمار الفكريّ قبل كلّ شيء عن دينك، وهذا هو منهج الدراسات الذي يرافق الولد منذ حداثته، خير دليل على ذلك.

إنّنا نقول لك أيّها المخدوع: إذا حصلت على دنياً من ورائهم، فلا كلام، ولكنك تصبح خالي اليدين من دنيا ومن آخرة، ويستمرّون في الضحك عليك وخداعك إلى آخر الأمر.

بإسم الثقافة، بإسم المدنيّة، مع الأسف، والتاريخ أمامنا، والتاريخ كفيل بأن يسجّل للإنسان كلّ ما يعمله في حياته. ونحن وإيّاكم على الطريق، ولكن يا إخوان، نصيحة من شخص لا يحمل حقداً على أحد ولا يريد إلاّ الخير للجميع، لأني بلغت سنّاً ودوراً لا أرجو فيه إلا الله، ولا أخاف إلا الله.

وفي حديث أبويّ للناس بعد مقتل عدّة عناصر مع الأحزاب اليساريّة قال: "نحن لا نريد أن نخسركم، والله حتى الحزبيُّون الذين ذهبوا وقُتلوا نحن خسرناهم. نحن لا نتنكّر للشخص بمجرّد أن يذهب ويصير حزبيّاً، نحن نبقى معه إلى آخر الطريق، طمعاً بعودته إلينا؛ لأنّنا نحن منه وهو منّا. لا تجعلوا منّا أعداء لكم. نحن أعداء الأعمال الشاذّة، لكنّ قلوبنا محترقة عليكم" وقال: "الآن أنت عندما تمشي وراء واحد من هؤلاء الذين تزعّموا الشارع اليوم، أنظر ما هي غايته، هل صحيح أنه طالب حقّ؟ هل صحيح أنّ قلبه محروق على الشعب كما يدّعي؟ نحن نطالبكم بأن


46


 يكون لكم الوعي الكافي فتحاسبوا، ولا تنحرفوا وتنجرفوا وراء عواطفكم، فكّروا قبل أن تنقلوا أقدامكم".

4- دوره في أحداث لبنان المؤلمة ومكافحة الإلحاد
فقد انطلقت شرارة الحرب الأهليّة في لبنان في نيسان 1975م، وصار الشباب وَقوداً لأتون هذه الحرب التي حصدت الآلاف منهم، لكنّ الشيخ حسين معتوق قدس سره وببصيرته النافذة، قامَ بحملةٍ عنيفة ضدّ الأحزاب التي كانت تسوق الشباب إلى الحرب بلا هدف.

• كما وإنّه كان يؤلمه أن تتحوّل قرى جبل عامل، في فترة من الزمن وهي الأرض التي حملت أمانة الرسالة قروناً عديدة، إلى مسرح لهذه الأحزاب المُلحدة، بحيث أصبح للناس آلهة مبتدعة تُعبد من دون الله.
فقد كان دائماً يقول للناس إنّ العدوّ الأوّل للبنان وللمسلمين هو (إسرائيل) وكان يؤكّد دائماً على أنّ قتال (إسرائيل) واجب على جميع المسلمين وكافّة اللبنانيّين، لأنّها العدوّ الحقيقيّ والعدوّ الوجوديّ للبنان ككيان وللمسلمين كأمّة.

وفي نقاشه مع الأحزاب كان دائماً يطلب منهم العودة إلى الأصالة وإلى القيم الإنسانيّة وإلى تعاليم الدين الحنيف، ففي حفل تأبين المغفور له الحاج عليّ مشيمش في كفرصير في أيّار 1972م، وأثناء وجود ممثّلين عن قيادات الأحزاب دعا أهل الأحزاب إلى العودة إلى


47


 الإسلام وترك ما اعتنقوه من مبادئ غريبة، وأن يكفّوا عن التضليل والإدّعاء بأنّ مبادئهم تسير جنباً إلى جنب مع الإسلام، فالإسلام نظام متكامل لا يحتاج إلى مُتمّمات. وممّا قاله: "إنّ هذه المبادئ الغريبة لا تَعدو كونها تراقيع، وثوب الإسلام لا يقبل الترقيع".

وفي موقف آخر، في حزيران 1976م، في بلدة صير الغربيّة، وأثناء ذكرى أسبوع أحد المقاتلين الذين سقطوا في معارك بيروت، وقد تنافست الأحزاب في حشد كلّ ما لديها من قوّة في تلك البلدة، وعلى رأسهم قادتهم، للاشتراك في هذه المناسبة، يومها وقفَ قائلاً: "إنّ الثورة الحقيقيّة لا يمكن أن تُستمدّ إلاّ من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ولقد غَدونا بهذا التراث العظيم, ولا نحتاج لمن يرشدنا إلى المواقف الثوريّة".

وبالرغم من شدّة ألمهِ لانحراف الشباب وسلوكهم في كلّ مسلك، كان لا ييأس من هدايتهم وعودتهم إلى الطريق المستقيم، ولهذا فقد كان يخاطبهم بلسان الأب الرؤوف الذي يمتلئ غيرةً على أولاده، وإنّ نظرةً سريعة إلى خُطبه ومقالاته تؤكّد هذا المنهج، وبالفعل فقد كان له الأثر الكبير في تراجع عدد كبير من الشباب عن معتقداتهم الزائفة.

وقد صرّح في بعض خطبه قائلاً:"نحيي ذكرى الإمام الحسين عليه السلام ثمّ إذا ذهبت عشرة محرم، إذا بنا نرجع إلى سيرتنا الأولى، ونرجع إلى محاربة المجالس، ومحاربة هذه الذكرى؟ لا أريد أن


48


أسمّي الأشخاص، ولا أريد أن أصارح، ولا أريد أن أتخذ من الكلام سلاحاً. قد يضطرّني الموقف لأن أستعمل غير الكلام لكلّ من يقف في طريق هذه الذكرى ويحاربها. والذين أعنيهم يسمعون، إنّما أعني أشخاصاً مخصوصين قد يأتي اليوم الذي أصرّح فيه بأسمائهم" وكان بذلك يعني بعض الحزبيّين العلمانيّين الذين كانوا يتطاولون على الدين ويطالبون بإلغاء المجالس العاشورائيّة.

5-شخصيّته وكفاءاته
ينقل جميع من عايش الشيخ حسين معتوق قدس سره، الكثير من الصفات الإنسانيّة والقياديّة والروحيّة الأبويّة، فهو كان:


أ- يتمتّع بقوّة الشخصيّة ونفوذها.

ب - الحساسيّة والشعور المُرهف، وشفافيّة النفس، والذوق الذي يَزنُ به كلّ ما يجري حوله.

ج - التواضع الذي كان فيه طَبعاً لا تَطبّعاً، إذ كان أشدّ ما يُنفّره تلك الهالة التي يحيط بها البعض نفسه، وكان يكره الألقاب وخاصة المطوّلة فيها.

د - الأريحيّة والروح الأدبيّة، وكان يمتاز بشاعريّة مرموقة، ويتذوّق طرائف الشعر والأدب، بحيث كانت مجالسه تتحوّل بعض الأحيان إلى ندوات أدبيّة، فضلاً عن كونها جلسات مذاكرة علميّة وفكريّة.

هـ- الذاكرة القويّة التي أودع فيها من الطرائف والحوادث


49


 التأريخيّة ما يكفي للتعليق على كلّ كبيرة وصغيرة يراها أو يسمعها، فتراه يذكر لكلّ مناسبة نكتة أو طريفة تلائمها بحيث لا يملّ السامع من مجلسه وأحاديثه، ولقد كان يحيط إحاطة تامّة بتأريخ جبل عامل وكثير من أحداثه التي لم تجد الطريق إلى النشر في الكتب، وذلك من خلال ما يحفظه نقلاً عن الجيل الذي سبقه. وهذه الخاصّة جعلته يتميّز بفكر موسوعيّ بحيث غدا دائرة معارف حيّة.

و - التشدّد والاحتياط في الأمور التي تستدعي ذلك وخاصّة عند الشبهات.

ز - الجرأة في قول الحقّ من غير اكتراث بالعواقب ومهما كان الباطل في مقابله قويّاً.

ح - عزّة النفس وكبرها، فلم يَنحنِ لمخلوق في أكثر الأيّام تعاسةً، حتّى لتَخَاله الجبل الأشمّ،أنفةً وشموخاً.

ط - الذكاء وحضور البديهة، وهذه الصفة كانت تظهر واضحة في جَلَسات الجدل حول القضايا الفكريّة والعقائديّة، وكان يتميّز بخاصة استدراج الخصم، حيث يُلقي عليه بعض الأسئلة التي تجرّه الإجابة عنها إلى الإدلاء بالنتيجة المطلوبة على لسانه، وهو أسلوب كان يشتهر به سقراط في مجادلاته مع السفسطائيّين قديماً، وفي عصر الشيخ كان آية الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوئيّ مشهوراً بهذه الطريقة.


50


ولا ننسَ أبداً شغفه وتعلّقه وولاءَه الشديد لأهل البيت  عليهم السلام ، ولقد كانت له نظرة خاصّة إلى كفاح أمير المؤمنين عليه السلام، بحيث كان دائماً يتألّم للصبر الذي كان الأمير عليه السلام مأموراً به، ولربّما هذا الموقف منه يلتقي مع موقف آية الله العظمى السيد محسن الحكيم رضي الله عنه الذي كان دائماً يتحدّث عنه، وهو أنّ السيّد الحكيم بالرغم من تأثّره البالغ بمصيبة كربلاء، كان يبدو منه التأثّر بشكل أبلغ في ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان، وهي ليلة استشهاد أمير المؤمين عليه السلام، فقد دَخَل عليه مرّة في تلك الليلة، ووجده يبكي بكاءً مُرّاً، فتساءل عن سرّ ذلك التأثّر البليغ مع أنّ مصيبةَ كربلاء أمرُّ وأدهى؟! فأجابه السيّد الحكيم: إنّ أهلَ الطفّ قوم زُفّوا إلى مصارعهم في موكبٍ أشبه بمواكب الأعراس، وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فقد ظلّ يعاني صبراً أمرَّ من الموت طوال ثلاثين عاماً.

- يقول عنه المرحوم الشيخ بدر الدين الصايغ: "إنّ الشيخ حسين معتوق كان مثالاً للعلم والتقوى والإيمان، فهو استطاع بالرغم من شدّة فقره أن يبهرَ أقرانه بالبحث والدرس والمذاكرة، وهو علامة فارقة بين كلّ أقرانه.."

- يقول عنه المرحوم الشيخ حسن محمّد العسيلي: "المرحوم الشيخ حسين معتوق كان نواة الخير لكثير من المؤسّسات الخيريّة.."

- ويقول عنه المرحوم السيّد محمّد عليّ إبراهيم: "الشيخ حسين


51


 معتوق وبالرغم من فقره، فقد كان يَهبُّ لمساعدة الطَلَبة في النجف الأشرف..بما لديه من إمكانيّات واستطاعة..."

- ونقل الحاجّ أبو أديب الصايغ من بلدة القصيبة: "أنّ سماحة الشيخ حسين معتوق كان له ذوق خاصّ بالشعر، وكانا ينظمان الشعر سويّاً، وقال بأنّ الشيخ كان لديه شجاعة وجرأة قلّ نظيرهما في ذلك الوقت، فهو كان يواجه الأحزاب المُلحدة ولا يخاف في الله لومة لائم".

الروح الجهاديّة والدعوة للمقاومة

يقول قدس سره فما على المسلمين في هذا الجوّ المشحون بالغيوم، إلاّ أن يستعيدوا إلى أذهانهم، صورة حيّة من صور هذه الذكرى، ويستفيدوا من معطياتها، لخوض المعركة مع العدوّ الذي اعتدى على مقدّساتنا، واستلب منّا حريّتنا وكرامتنا. علينا أن نخوضها معركةً فاصلة بالعرق والدم والسلاح، مع العدوّ الغادر الذي لا يعرف السلام القائم على العدل، والحريّة والمساواة. والمسلمون اليوم، يطالبهم دينهم في شتّى بقاع الأرض أن يكونوا أقوياء، وأن يحاربوا مواضع الضعف من نفوسهم، حتى لا يهنوا ولا يستسلموا
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ3.


52


6- آثاره
بالرغم ممّا كان يمتاز به الشيخ حسين معتوق من الدرجة العلميّة العالية، وسِعَة الإطّلاع وشموليّة الفكر، ومتانة القلم والأسلوب، فإنّ مشاغله ومسؤوليّاته واهتماماته الكثيرة التي كان ينوء بحملها، لم تترك له فرصة التأليف والنشر.

ويوجد بين كتاباته الكثير من الكتابات المتفرّقة تصلح للفرز والنشر في كتب ينفرد كلّ منها بالموضوع الذي يخصّه.
ومن آثاره:
- العديد من الخُطب الحسينيّة وهي خُطب توجيهيّة تمتاز بالوعظ والدعوة إلى الالتزام بنهج أهل البيت  عليهم السلام .
- مجموعة من المقالات والخطب العامّة التي يكثر فيها التحليل حول العبادات.
- كتابات متعدّدة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وفي تحليل مشكلة الخلافة.
- كتابات وخُطب في المناسبات المهمَّة.
- كتابات في تفسير سورة الفاتحة.
- كتابات يتناول فيها بعض المفاهيم الإسلاميّة.


53


أمّا أثناء دراسته في النجف الأشرف، فإنّ للشيخ حسين معتوق تقريرات فقهيّة وأصوليّة، وقد نُشر جزء منها، وهي:
- كتاب:
المرجعيّة الدينيّة العليا عند الشيعة الإماميّة: وهو عبارة عن رسالة قيّمة تقع في ستين صفحة، يتعرّض فيها بالشرح والتحليل لمنصب المرجعيّة وظروفه وكيفيّة تصدّره وحمل مسؤوليّاته. وهذه الرسالة كانت ذات تأثير كبير من حيث إنّها قضت على الأميّة الملحوظة لدى الناس آنذاك فيما يعود إلى معرفة خصائص منصب المرجعيّة، وقد تمّ طبعها عام 1970م، وهو العام الذي كانت فيه خسارة العالم الإسلاميّ المرجع الأعلى السيّد محسن الحكيم قدس سره.

- كتاب: منهج الدعوات في أعمال شهر رمضان المبارك من الأدعية والصلوات: وقد تمّ في هذا الكتاب جمع كافّة أعمال شهر رمضان المبارك من أدعية وصلوات وزيارات.

الإنتاج الشعريّ:

- احتفظت مجلّدات مجلّة العرفان بعدة قصائد من شعره، وكذلك "مستدركات أعيان الشيعة".
ويدور شعره القليل - الذي وصل إلينا - حول محورين: مديح آل البيت، والغزل، في عبارته عذوبة، وفي قوافيه شَجَن، وفي إيقاعاته تدفّق يجسّده غزله بصفة خاصة، على أنّ للوطنية مكانًا


54


في منظوماته. شعره من الموزون المقفّى على الرغم من معاصرته للتمرّد على الشكل التراثيّ للقصيدة في العراق ولبنان - حيث عاش - خاصّة.

عناوين القصائد:

• هيهات السلوّ.
• أكلّف نفسي.
• يا أيُّها الوطن المحبوب.
• الشاعر الفذّ.


55


هيهات السلوّ.
 

أمِـنَ العـدلِ أنّهـم يـومَ بانُوا
روّعـونـي ومـا رعَوْا لـي ذِماماً
تـَركـوا مُهجَتـي تذوبُ وقلبي
لا عـلـيـهمْ فهـم هـنـا بفؤادي
وحَّدَ الـحـبُّ بـيـننـا فغدوْنـا
لا نُبـالـي بـمـا جنـتْهُ الليالي
وإذا صحَّ فـي النفـوسِ ودِادٌ
وإذا خـالطَ الـودِادَ رياءٌ
خسـرتْ صـفقةُ الـمحـبِّ إذا مـا
تـارةً يُحكِـمُ الـولاءَ وأُخرى
يـا أحـبّائي قـد طـويْنـا عتـاباً
وحفـظْنـا لكـم حقـوقَ إخـاءٍ
أيـقَـظوا جفـنـيَ القـريحَ ونامُوا
فـي نـَواهُـم وللـمحـبِّ ذِمام
مـِلؤهُ لـوعةٌ بـهـم وغرام
حـيثُ كـانـوا تـرحّلَوا أم أقامُوا
روحَ حـبٍّ تَضمُّهـا أجسـام
وأَتتْ فـيـه بـيـننـا الأيّام
فسـواءٌ تَرحُّلٌ ومقـام
فَعـلى الـحـبِّ والودِادِ السلام
لعبِتْ فـي وفـائِهِ الأوهام
تفصـمُ الـودَّ فـي يـديـهِ سِهام
لـيس تسطـيعُ نشـرَهُ الأقـلام
وكذا تَحفَظُ الـحقـوقَ الكرام


أكلّف نفسي

أكلّفُ نفسـي عـنكُـمُ صـبرَ ساعةٍ
وكـيف تطـيـقُ الصـبرَ عـنكـم وأنـتـمُ
محا البـينُ منها أسطرَ الصبرِ فاغتدى
فتأبىَ ويأبىَ حـبُّهـا وغرامُها
لعـمـركـمُ دونَ الأنـامِ مَرامُهـا
لظىَ وجدِهـا فيكم يشبُّ ضِرامُهـا

 


56


 

تهـيـمُ بكـم فـي كلِ آنٍ ولحظةٍ
عـلى أيِّ حـالٍ أنـتـمُ غايةٌ لها
إذا سكتتْ كـنـتـم قبـالةَ فِكْرها
تـنـاهتْ لكـم وِدّاً وفـيكـم صـبـابةٌ
بـمـا بـيـننـا مـن خِلّةٍ ومودّةٍ
رعى اللهُ أوقاتَ اللقـاءِ فلـيـتَهــا
ويعذبُ فـيكـم وجـدُهـا وهـيـامُها
أُصـيـنَ لـديكـم أم أُضيعَ ذِمـامُها
وفـيكـم إذا فـاهتْ يـطـيبُ كلامُها
فهـيـهـات فـيكـم أَنْ يفـيـدَ مَلامُها
تـراءَوا لعـيـنـي كـي يلـذَّ مـنـامُهـا
مدى العمـرِ والأيـامِ كان دوامُها


يا أيها الوطن المحبوب

هـيهاتَ أَنْ يـتسلّى القـلـبُ بعـدَكمُ
إِنْ مـالَ للصـبرِ عـنكـم لـحظةً بعثتْ
خطّ الغرامُ لكـم فـيـه سطـورَ صفا
دروسُ حـبٍّ قـرأنـاهـا على صغرٍ
إذا سـرى نَسَمٌ مـن نحـوكـم صعـدَتْ
يَحـلـو لنـا ذكركُم مـا مـرَّ ذكرُكـمُ
نَظلُّ فـيكـم حـيـارى لا يجفُّ لنا
عذابُنـا فـيكـمُ عذبٌ يـطـيبُ لنا
لـولا تعـلُّلنـا فـي قـربكـم زمـنًا
والـبُعْدُ يـقدحُ أزنـادَ الأسـى فـيــهِ
ذكراكـمُ لـوعةَ الأشـواقِ تُوريه
فأنـتـمُ حـيثُ كـنـتـم فـي مَحـانـيـه
والـحـبُّ مـرآتُه أفكـارُ قـاريـه
أنفـاسُ أحشـائِنـا الـحـرّى تُحـيّيه
فألسنُ الـحـبِّ لا تـنفكُّ تـرويــه
دمعٌ تـُرقـرقُه الـذكرى وتُجـريه
فـنستلـذّ بـمـا فـيكـم لغانـيـه
قضى علينا النوى ما بينَ أيديـه

 


57


 

يـا جـيرةَ الـحـيِّ هل بعـدَ الفراقِ لِقَاً
نسيتـمُ حـيـن كان الحـبُّ يجـمعُنـا
حـيث الهـزارُ يغنّيـنـا فـيـطربُنـا
وأكؤسُ الراحِ تُجلى بـيـننـا عـلنًا
ننظِّمُ الشعـرَ في أسلاكهِ دُرَراً
مـا أبدعَ الشعرَ لـو ألفـاظُهُ عذُبَتْ
يدقُّ فـي القلبِ نـاقوسَ السرورِ إذا
ما الشعرُ تسطيرَ ألفـاظٍ مُعقَّدةٍ
آليتُ أرسلُ أفكاري تنظّمُهُ
يا موطنًا عاثَ فـيـه الجورُ فـانبعثتْ
جارت عليه اللـيالي فـي تَصرّفها
أزهـارُ روضاتِهِ مالَ الـذُّبولُ بها
هل ينفحُ العدلُ فـيـه نفحةً فعسى
يا أيها الوطنُ المحبوبُ نارُ أسىً
يفـوزُ كلُّ محـبٍّ فـي أمانيـه
في جانبِ الحيِّ مـن شـرقـيِّ واديـه
بـيـن الأزاهـيرِ فـي أحـلى أغانـيـهِ
فـي كفِّ أهـيفَ يحكـيـهـا وتحكـيـه
تجلـو ظلامَ الأسى عنا دَراريه
ومـا أُحيلاهُ لـو رقّتْ معانيه!
ما أتقنتْ صنعَهُ أفكارُ مُنشيه
ما أبعدَ الشعرَ عمّن ليس يدريهِ!
إلاّ إلى الوطن المحبوبِ أُهْديه
هـذي الجفـونُ بقاني الـدمعِ تبكـيه
فأسلـمتْهُ إلى أيـدي أعـاديه
حزنًا عليه كما جفّتْ مَجـاريـه
تربو وتهتزُّ بالبشرى مغانـيه
عليكَ فـي القلبِ لاتنفكُّ تُذكيه

 


58


الشاعر الفذّ

ما خمرةٌ قـد بدت بالكأس صافيةً
مـا نسمةٌ قـد سـرت بـالطـيب نافحةً
لا يفعـل السحرُ بالألباب فعـلتَه
والشـاعـرُ الفذّ مـَنْ فـاضت قريحتُه
يكاد يفهـمه مـن لـيس يفهمه
تكـادُ أبـياتُه مـن فرط رقّتها
ألـذّ للمرء مـن شعـرٍ يـنضّده
أرقّ مـنه لـديـه حـيـن يـنشده
يبقـي الأديبَ بـلا لبٍّ يردّده
فجـاء بـالشعر سهلاً لا يعقّده
حتّى يخال إذا مـا شـاء يـوجده
تقـيـم قارئها قهـراً وتُقعده

  59


  هوامش

1-المقصود به الشيخ عبد الوهاب الكاشي، حيث أتى به من العراق.
2- غافر، الآية: 51.
3- آل عمران: 139.